تأتي القمة العربية الإسلامية الطارئة التي استضافتها الدوحة 15 سبتمبر،2025 في سياق استثنائي يُعيد رسم ملامح التوازنات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط. فانعقادها لم يكن حدثًا دبلوماسيًا اعتياديًا، بل استجابة مباشرة لتصعيد عسكري غير مسبوق، تمثل في الضربة الجوية الإسرائيلية على الأراضي القطرية التي استهدفت وفدًا من حركة “حماس” أثناء وجوده في الدوحة. هذه العملية أسفرت عن مقتل عدد من قيادات الحركة البارزين، بينهم نجل القيادي خليل الحية، إلى جانب سقوط ضحايا من قوات الأمن القطرية ومدنيين، وهو ما جعلها تُصنف كأحد أخطر الانتهاكات المباشرة للسيادة القطرية في تاريخها الحديث. لم تُعتبر الضربة مجرد اعتداء عسكري موجه ضد “حماس”، بل شكلت تحديًا معقدًا للأمن الإقليمي، لاسيما وأن قطر تُعد حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة وتستضيف على أراضيها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة (قاعدة العديد الجوية). بهذا المعنى، حمل الهجوم الإسرائيلي رسالة مزدوجة: ضربة لحماس من جهة، وضغط مباشر على الدوحة وواشنطن من جهة أخرى، في محاولة لإعادة اختبار حدود النفوذ الأمريكي في الخليج وإضعاف دور قطر كوسيط أساسي في مسار التهدئة الفلسطينية – الإسرائيلية.
لم تكن هذه الضربة الحادثة الأولى من نوعها على الساحة القطرية؛ إذ سبقتها تهديدات وضغوط إسرائيلية متكررة على الدوحة بسبب احتضانها قيادات من حركة حماس، فضلًا عن أن المنطقة الخليجية نفسها لم تكن بمنأى عن استهدافات إقليمية أوسع. لكن الهجوم الأخير يعكس تحوّلًا نوعيًا في حسابات إسرائيل، من مرحلة الضغط السياسي والإعلامي إلى مرحلة الضربات العسكرية المباشرة داخل أراضٍ يُفترض أنها آمنة نسبيًا. وهذا التحول يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى استعداد إسرائيل لتوسيع دائرة المواجهة مع دول ترتبط بعلاقات وثيقة بواشنطن، ومدى قدرة الولايات المتحدة على التوفيق بين التزاماتها الأمنية تجاه حليف استراتيجي كقطر وبين دعمها المطلق لتوجهات إسرائيل العسكرية.
من هذا المنطلق، شكّلت القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة منصة جماعية لمحاولة صياغة رد عربي وإسلامي يتجاوز حدود بيانات الإدانة التقليدية، عبر الدعوة إلى مراجعة شاملة للعلاقات مع إسرائيل، وتفعيل الأدوات القانونية والدبلوماسية على المستوى الدولي، والتأكيد على مركزية حماية سيادة الدول العربية في مواجهة الانتهاكات المتكررة. كما أن انعقاد القمة في العاصمة القطرية منحها بعدًا رمزيًا بالغ الأهمية، إذ مثّل إجماعًا سياسيًا وإستراتيجيًا على أن الاعتداء الإسرائيلي لم يكن موجهًا ضد حركة بعينها، بل ضد سيادة دولة وعضو فاعل في المنظومة الخليجية والعربية، بما يحمله ذلك من تداعيات عميقة على منظومة الأمن الإقليمي.
أولاً: القمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة: وحدة الموقف ورفض العدوان
شارك عدد منالقادة ورؤساء الدول العربية والإسلامية في القمة العربية الإسلامية الطارئة، التي عقدت في الدوحة للرد على الهجمات الإسرائيلية الأخيرة. وقد وصل إلى الدوحة كُلٌّ من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس السوري أحمد الشرع، والرئيس اللبناني ميشال عون، ، ونائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع العُماني شهاب بن طارق آل سعيد.
وشهدت القمة حضورًا لافتًا لعدد من الدول الإسلامية غير العربية، حيث شارك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف، إلى جانب رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم، ورئيس المالديف محمد معز، فضلًا عن الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمن، وكذلك الرئيس الصومالي حسن شيخ محمد، ورئيس جزر القمر أزالي أسوماني. وقد جدد القادة فور وصولهم إلى الدوحة دعمهم الكامل لسيادة قطر والإجراءات التي تتخذها للحفاظ على أمنها، في حين أكد الإعلام القطري أنّ هذه القمة تمثل “قمة المصير العربي”، مشيرةً إلى وحدة المواقف العربية والإسلامية في إدانة العدوان والغطرسة الإسرائيلية.[1]
وشددت (القمة العربية – الإسلامية) الطارئة في الدوحة، على التضامن مع قطر ضد الاعتداء الإسرائيلي الغادر الذي يمثل عدواناً على جميع الدول العربية والإسلامية، والوقوف معها في كل ما تتخذه من خطوات وتدابير للرد عليه، لحماية أمنها وسيادتها واستقرارها وسلامة مواطنيها والمقيمين على أراضيها، وفق ما كفله لها ميثاق الأمم المتحدة.[2]
ورحَّبت القمة ببيان مجلس الأمن الدولي الصادر عن اجتماعه الطارئ الخميس الماضي الموافق 11 سبتمبر 2025، الذي أدان بالإجماع الهجوم الإسرائيلي باعتباره خرقاً للسلم والأمن الدوليين، وأعرب عن التضامن مع الدوحة، ودعم الدور الحيوي الذي تواصل القيام به في جهود الوساطة في المنطقة، إلى جانب مصر والولايات المتحدة، وأكّد على احترام سيادة قطر وسلامة أراضيها، انسجاماً مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
وشدَّد القادة على أن عدوان إسرائيل، واستمرار ممارساتها وجرائم الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتجويع والحصار، والأنشطة الاستيطانية والسياسية التوسعية، تقوّض فرص تحقيق السلام والتعايش السلمي في المنطقة، وتهدد كل ما أنجز على طريق إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، بما في ذلك الاتفاقات القائمة والمستقبلية.[3]
ونوَّهوا بأنّ غياب المساءلة الدولية وصمت المجتمع الدولي إزاء انتهاكات إسرائيل المتكررة، شجّعاها على التمادي في اعتداءاتها وإمعانها في انتهاكها الصارخ للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، مشيرين إلى أن ذلك يكرّس سياسة الإفلات من العقاب ويُضعف منظومة العدالة الدولية، ويهدد بالقضاء على النظام العالمي المبني على القواعد بما يشكّل تهديداً مباشراً للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.
رحب القادة باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لـ “إعلان نيويورك” الداعي إلى تنفيذ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. واعتبروا أن هذا القرار يجسد بشكل واضح الإرادة الدولية المؤيدة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه غير القابل للتصرف في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.[4]
وأشاد البيان بالجهود الدبلوماسية المتميزة لكل من المملكة العربية السعودية وجمهورية فرنسا، والتي أسهمت بشكل فعّال في إقرار هذا الإعلان الدولي الهام. وأكدت القمة مجدداً على أهمية الالتزام بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، باعتبارها الإطار المرجعي الأساسي لتحقيق السلام العادل والدائم والأمن الإقليمي والدولي.[5]
ثانيا: مواقف بعض الدول المشاركة في القمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة
1. جمهورية مصر العربية
كان لمصر دورٌ مؤثر وفعال في القمة العربية-الإسلامية الطارئة بالدوحة، وهو ما تجلّى بوضوح في خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي. فقد استهل كلمته بالتأكيد على تضامن مصر الكامل مع قطر قيادةً وشعبًا، وتضافرها مع أشقائها في مواجهة العدوان الإسرائيلي الآثم، الذي استهدف الأجواء والأراضي القطرية، في انتهاك جسيم للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يمثل سابقة خطيرة وتهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي والإسلامي.
وانطلاقًا من هذا الموقف، شدد الرئيس السيسي على أن العدوان يعكس بجلاء تجاوز الممارسات الإسرائيلية لأي منطق سياسي أو عسكري، وتخطيها لكافة الخطوط الحمراء. ولهذا، عبّر عن إدانته بأشد العبارات لهذا الاعتداء على سيادة وأمن دولة عربية تضطلع بدور محوري في جهود الوساطة بالتنسيق مع مصر والولايات المتحدة، لوقف إطلاق النار في غزة وإنهاء الحرب وما خلّفته من معاناة غير مسبوقة للشعب الفلسطيني الشقيق.
وفي سياق التحذير من تداعيات هذا السلوك الإسرائيلي، أشار الرئيس إلى أن الانفلات والممارسات المزعزعة للاستقرار من شأنها توسيع رقعة الصراع ودفع المنطقة نحو دوامة خطيرة من التصعيد، وهو ما لا يمكن القبول به أو السكوت عنه. ومن ثم، طالب المجتمع الدولي بإدراك أن هذه السياسات الإسرائيلية تقوض فرص السلام، وتضرب عرض الحائط بالقوانين الدولية والأعراف المستقرة والقيم الإنسانية، بما ينذر بمزيد من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، مع ما قد يترتب عليه من آثار بالغة الخطورة على الأمن الدولي.
كما وجّه الرئيس السيسي خطابًا مباشرًا إلى الشعب الإسرائيلي قائلاً: “إن ما يجري حاليًا لا يهدد فقط مستقبل السلام، بل يقوض أمنكم وأمن جميع شعوب المنطقة، ويضع العراقيل أمام أي اتفاقيات سلام جديدة، بل ويجهض الاتفاقات القائمة أصلًا. وحذّر من أن عودة المنطقة إلى أجواء الصراع، وضياع ما تحقق من جهود تاريخية ومكاسب السلام، ستكون عواقبها وخيمة على الجميع دون استثناء. وختم برسالة واضحة مفادها: لا تسمحوا بأن تذهب جهود أسلافنا من أجل السلام سدى، لأن الندم في تلك اللحظة سيكون بلا جدوى. “.[6]
طرح خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي رؤية متكاملة للأزمة، حيث جمع بين الإدانة الصريحة للعدوان الإسرائيلي على قطر والتنبيه إلى مخاطره على الأمن العربي والإسلامي، وبين التأكيد على أن القضية الفلسطينية تظل المدخل الأساسي لتحقيق الاستقرار الإقليمي. كما شدّد الخطاب على التزام مصر بدورها المحوري في جهود الوساطة، مع الدعوة إلى إنشاء آلية عربية-إسلامية للتنسيق المشترك، بما يعكس حرص القاهرة على الانتقال من المواقف التصريحية إلى خطوات عملية تعزز حماية الأمن القومي العربي والإسلامي.
2. لبنان
جاء خطاب الرئيس اللبناني ميشال عون في القمة العربية-الإسلامية الطارئة بالدوحة محمّلًا برسائل سياسية واضحة وحاسمة، يمكن الوقوف عليها من خلال عدد من الأبعاد الأساسية.
أولًا: البعد التضامني والأمن القومي المشترك، حيث شدّد الرئيس على أن التضامن مع قطر ليس مجرد عمل بروتوكولي أو مجاملاتي، بل هو في جوهره دفاع عن الذات، لأن أي اعتداء على دولة عربية يُعد تهديدًا مباشرًا لبقية الدول. ومن هنا، أرسى مبدأ مهمًا وهو “الأمن العربي الجماعي”.
ثانيًا: انتقاد الاكتفاء بالشجب، إذ أشار بوضوح إلى أن بيانات الإدانة لم تعد كافية، وأن الشعوب باتت تنظر إليها كتكرار مملّ بلا أثر عملي. وهذا يعكس، في جوهره، مطلبًا رسميًا وشعبيًا بضرورة الانتقال من دائرة الأقوال والشجب إلى خطوات تنفيذية جماعية أكثر فاعلية.
ثالثًا: التحذير من استهداف الوساطة، حيث أكد أن الضربة الإسرائيلية في الدوحة لم تكن موجهة فقط إلى الوفد المفاوض، بل أرادت في جوهرها تصفية فكرة الوساطة ذاتها، ونسف مبدأ الحلول السلمية عبر الحوار. وهو ما يعني عمليًا ضرب ركائز العمل الدبلوماسي في المنطقة.
رابعًا: الدعوة إلى موقف موحّد، فقد دعا الرئيس اللبناني إلى التوجه نحو الجمعية العامة للأمم المتحدة بموقف عربي-إسلامي واحد، معتبرًا أن ذلك يُعد طرحًا عمليًا لتحويل القمة إلى منبر فاعل في صياغة خطاب دولي أكثر تأثيرًا.
خامسًا: تأكيد خيار السلام، حيث اختتم بالتشديد على أن العرب لا يرفضون السلام، بل ما زالوا يتمسكون بمبادرة السلام العربية كخيار استراتيجي. وهو ما يعكس بوضوح ازدواجية الموقف بين رفض العدوان من جهة، والانفتاح على السلام المشروط بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني من جهة أخرى.
وفي ضوء ذلك، يمكن القول إن الخطاب اللبناني تميّز بالجرأة والصراحة، متجاوزًا اللغة البروتوكولية المعتادة، إذ أعاد تعريف الاعتداء الإسرائيلي كاعتداء على النظام العربي بأسره، وركّز على الحاجة الملحّة للتحول من الأقوال إلى الأفعال. كما جمع بين التحذير من مخاطر التصعيد الإسرائيلي، والتأكيد في الوقت ذاته على التمسك بخيار السلام، مما جعله خطابًا عمليًا يسعى لإعادة بناء ثقة الشعوب العربية في جدوى مثل هذه القمم.[7]
3. سوريا
جاء خطاب الرئيس السوري أحمد الشرع في القمة الطارئة بالدوحة محمّلًا بالرمزية والبعد التاريخي، حيث استهله بتوصيف لافت ونادر هو “قتل المفاوض واستهداف الوسيط”، في إشارة إلى أن ما جرى في الدوحة يمثل سابقة خطيرة تقوّض أسس العمل الدبلوماسي والتفاوضي برمّته.
وانطلاقًا من هذا التوصيف، ربط الخطاب حادثة الدوحة بالسياق الإقليمي الأوسع، فلم يقتصر على ما حدث هناك، بل أشار إلى العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، والاعتداءات المتواصلة على سوريا منذ تسعة أشهر. وبهذا قدّم رؤية شاملة لتوسع دائرة الاستهداف الإسرائيلي، مؤكدًا في الوقت نفسه أن القوة لا تتحقق إلا بالاجتماع ووحدة الصف، بينما الضعف هو ثمرة التفرقة والانقسام. وقد عزّز هذه الفكرة باستدعاء بيت شعري منح الخطاب بعدًا وجدانيًا وأدبيًا يرسّخ رسالته السياسية.
ثم انتقل الرئيس السوري إلى موقف التضامن مع قطر، معلنًا وقوف سوريا وشعبها إلى جانبها، ومعتبرًا ذلك وفاءً لموقفها العادل. وهنا تحوّل الخطاب من الإطار العام المتعلق بالوحدة والعدوان، إلى الإطار الخاص المتمثل في التضامن المباشر مع الدولة المستهدفة.
وبذلك، اتسم الخطاب بالطابع الأدبي الخطابي الممزوج بالبعد السياسي، حيث جمع بين التنديد بالعدوان الإسرائيلي في مجمله، والتأكيد على التضامن المباشر مع قطر، مع استدعاء التاريخ والشعر لإضفاء قوة وجدانية على الموقف. أمّا رسالته المركزية فقد جاءت واضحة: استهداف المفاوض والوسيط هو استهداف لفكرة الحل السلمي برمّتها، والرد على ذلك لا يكون إلا عبر الوحدة العربية والإسلامية.[8]
4. الإمارات
ادانت دولة الإمارات العربية المتحدة الاعتداء الإسرائيلي بأشد العبارات، مستخدمة أوصافًا قوية مثل “الاعتداء الغادر” والقصف الغاشم” و”التصعيد غير المسؤول” و”الهجوم السافر” و”التصعيد المتهور”. وقد عكست هذه اللغة حجم الرفض والامتعاض والغضب من هذا الاعتداء الذي استهدف دولة عربية وإسلامية، في انتهاك صارخ للقوانين والأعراف الدولية.
وفي هذا السياق، أكدت الإمارات على عدد من النقاط الجوهرية. أولًا: أوضحت أن ما حدث يُعد خرقًا صارخًا للقانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، فضلًا عن كونه انتهاكًا جسيمًا لسيادة دولة عربية وإسلامية عضو. ثانيًا: شددت على أن الاعتداء يمثل تهديدًا خطيرًا للسلم والأمن الإقليمي والدولي، خاصة في ظل المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة وما تشهده من عدم استقرار وتغيرات متسارعة.
كما حذّرت الإمارات من أن الاستمرار في النهج العدواني الإسرائيلي سيدفع المنطقة إلى مزيد من التوتر والتصعيد، الأمر الذي ينذر بعواقب خطيرة على الأمن الجماعي. وإلى جانب ذلك، نبّهت إلى أن هذا التصعيد المتهور، وما يصاحبه من تهديدات بضم الأراضي الفلسطينية والاعتداء على دول الجوار، يؤدي إلى تقويض فرص السلام وزيادة دوامة العنف والتطرف والفوضى، في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى وقف إطلاق النار، وتكثيف الحوار، وخفض التصعيد.
وانطلاقًا من هذه المواقف، اقترحت الإمارات خارطة طريق لمعالجة الأزمة، تقوم على عدة محاور أساسية. في مقدمتها التمسك بالقانون الدولي باعتباره السبيل الأمثل لردع إسرائيل وإحلال السلام مع احترام سيادة الدول. إضافة إلى ذلك، دعت إلى تعزيز التنسيق العربي والإسلامي من أجل العمل المشترك للحفاظ على استقرار المنطقة وأمنها، بما يفتح الطريق أمام تحقيق التنمية والازدهار لشعوبها.[9]
ثالثا: البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية الطارئة
ويمكن تلخيص البيان الختامي للقمة في هذه النقاط:
- إدانة العدوان الإسرائيلي
أعرب البيان عن إدانة قوية وشاملة للهجوم الإسرائيلي الأخير على قطر، ووصفه باعتداء غير شرعي وجبان استهدف حيًا سكنيًا يحتضن الوفود التفاوضية، ومرافق مدنية ودبلوماسية، مما أدى إلى سقوط شهداء بينهم مواطن قطري وإصابات مدنيين.
- التأكيد على أن الاعتداء يستهدف الوساطة
أكد البيان أن قطر تعمل كوسيط رئيسي في جهود وقف إطلاق النار في غزة، وأن الهجوم على أرضها لا يستهدف فقط قطر بل يقوض مسارات السلام والمفاوضات.
- التضامن الكامل مع قطر
التأكيد على التضامن المطلق مع قطر كدولة شقيقة، والوقوف معها في كل ما تتخذه من إجراءات ردعية أو دبلوماسية، من أجل حماية سيادتها وأمن مواطنيها والمقيمين على أرضها.[10]
- الرفض القاطع لمحاولات تبرير العدوان الإسرائيلي على الدوحة تحت أي ذريعة.
- التأكيد على مفهوم الأمن الجماعي والمصير المشترك للدول العربية والإسلامية وضرورة الاصطفاف لمواجهة التحديات والتهديدات المشتركة.
- التشديد على ضرورة تنفيذ الخطة العربية لإعادة إعمار قطاع غزة بشقيها السياسي والفني في أسرع وقت.[11]
- الهجوم كعامل مهدد لفرص السلام
أشار البيان إلى أن الممارسات الإسرائيلية العدوانية المستمرة، مثل الحصار، التجويع، الاستيطان، التوسع، والتطهير العرقي المزعوم، تُقوّض فرص تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
- مراجعة العلاقات مع إسرائيل
دعا البيان جميع الدول المشاركة إلى اتخاذ كافة التدابير القانونية والفعالة الممكنة لمنع استمرار الأعمال العدائية الإسرائيلية، بما في ذلك مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل.
- الاستناد إلى القانون الدولي وقرارات الشرعية
يستند البيان إلى ميثاق الأمم المتحدة وما يتضمنه من مواد تحظر استخدام القوة ضد سيادة الدول، كما يذكّر بالالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة. ومن خلال ذلك، يُظهر البيان أن الموقف لا يقوم فقط على أساس أخلاقي، بل يرتكز أيضًا على أساس قانوني واضح يمنحه قوة ومشروعية على الصعيد الدولي. [12]
ومن ناحية أخرى، يعكس البيان وحدة الموقف وصوتًا جماعيًا عربيًا- إسلاميًا في إدانة الهجوم، وهو ما يضع الدول أمام اختبار حقيقي: هل ستكتفي بمجرد الإدانة أم ستنتقل إلى اتخاذ خطوات عملية فعلية؟ هذا التوافق الموحّد يضفي مصداقية أكبر على المطالب المطروحة، مثل الدعوة إلى مراجعة العلاقات مع إسرائيل. وفي هذا السياق، يظهر البيان توازنًا بين الرمزي والعملي؛ فهو لا يقتصر على اللغة الخطابية المعتادة، بل يتضمن دعوات ملموسة للتحرك القانوني والدبلوماسي، بما يعني أن هناك رغبة حقيقية في الانتقال من المواقف الرمزية إلى خطوات يمكن ترجمتها على أرض الواقع.
كما ركّز البيان على الهجوم ضد الوساطة باعتباره مفصلًا خطيرًا، إذ شدّد على أن استهداف المفاوض أو الوسيط لا يُعد عملًا عسكريًا فحسب، بل يمثل محاولة لتقويض ثقافة التفاوض والوساطة ذاتها، وهو ما يُعد تهديدًا استراتيجيًا لمسار الحلول السلمية في الصراع العربي-الإسرائيلي. ولم يقتصر البيان على توصيف ما وقع، بل تضمن أيضًا تحذيرًا من التهديدات المستقبلية، مؤكدًا أن استمرار النهج الإسرائيلي العدواني سيؤدي إلى تدهور أكبر في فرص السلام، فضلًا عن تهديد مباشر للأمن والاستقرار في الدول العربية والإسلامية. وبالاستناد إلى الركيزة القانونية الدولية، عبر ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية، يحاول البيان بناء موقف يصعب تجاهله على المستوى العالمي، ويفتح المجال أمام مسارات ودعاوى قانونية محتملة ضد إسرائيل.
وأخيرًا، يضع البيان تحديًا كبيرًا أمام الدول المطبّعة مع إسرائيل، إذ إن الدعوة إلى مراجعة العلاقات مع إسرائيل تفرض ضغوطًا أخلاقية ودبلوماسية على هذه الدول، وقد تؤدي إلى انقسامات في كيفية تعاملها مع الموقف الجماعي العربي-الإسلامي.
خاتمة تحليلية
إن القمة العربية الإسلامية الطارئة بالدوحة مثلت محطة فارقة في مسار التعاطي مع الاعتداءات الإسرائيلية، حيث انتقلت المواقف من دائرة الشجب التقليدي إلى طرح خطوات أكثر عملية تتعلق بالمراجعة القانونية والدبلوماسية للعلاقات مع إسرائيل، والتأكيد على مركزية حماية سيادة الدول العربية. وقد عكست خطابات القادة، والبيان الختامي الصادر عن القمة، إدراكًا جماعيًا بأن استهداف قطر لم يكن حدثًا معزولًا، بل جزءًا من سياسة إسرائيلية أوسع تهدد الأمن العربي والإسلامي برمّته، وتقوّض فرص السلام والاستقرار. وبذلك، يمكن القول إن القمة أسست لمرحلة جديدة من التنسيق العربي الإسلامي، تقوم على الجمع بين الرمزية السياسية والضغط العملي، في محاولة لاستعادة زمام المبادرة إقليميًا ودوليًا، وإعادة الاعتبار لفكرة الأمن الجماعي كخيار لا غنى عنه أمام التحديات الراهنة.
[1] إيمان حنا، ” روؤساء الدول العربية والاسلامية يتوافدون علي الدوحة للمشاركة بالقمة الطارئة”، 15 سبتمبر، 2025، اليوم السابع، متاح على الرابط التالي: https://www.youm7.com/story/2025/9/15/%D8%B1%D9%88%D8%A4%D8%B3%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D8%AA%D9%88%D8%A7%D9%81%D8%AF%D9%88%D9%86-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%AD%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D8%A6%D8%A9/7122301، تاريخ الدخول: 16 سبتمبر2025.
[2] المرجع السابق، ص2.
[3] قمة الدوحة.. دعم مطلق لقطر ضد العدوان الاسرائيلي، 15 سبتمبر،2025، الشرق الأوسط، متاح على الرابط التالي: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC/5186568-%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%AD%D8%A9-%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D9%85%D8%B7%D9%84%D9%82-%D9%84%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A، تاريخ الدخول: 16 سبتمبر،2025.
[4] المرجع السابق، ص3.
[5] برسائل عربية حادة.. هل بات العالم امام اختيار جديد، سكاي نيوز عربية، 16 سبتمبر، 2025، متاح على الرابط التالي: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1820588-%D8%A8%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%8A%D9%94%D9%84-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%94%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%9F، تاريخ الدخول:16 سبتمبر،2025.
[6] كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام القمة العربية الإسلامية الطارئة، 15 سبتمبر،2025، الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية، متاح على الرابط التالي: https://www.presidency.eg/ar/%D9%82%D8%B3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9/news1592025-4/، تاريخ الدخول: 16 سبتمبر،2025.
[7] أخبار الميادين، 16 سبتمبر،2025، ” الرئيس اللبناني جوزاف عون، في القمة العربية الإسلامية العربية الطارئة، متاح على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=bECshXlQlWk.
[8] قمة الدوحة.. كلمة الرئيس السوري أحمد الشرع، ارت العربية، 15 سبتمبر 2025، متاح على الرابط التالي: https://arabic.rt.com/society/1711653-%D9%83%D9%84%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D8%A6%D8%A9-%D8%AA%D8%B4%D8%B9%D9%84-%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B5%D9%84-%D8%A8%D9%85%D8%AF%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D9%88%D9%85%D8%A7-%D8%AC%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D9%8A%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88/، تاريخ الدخول: 16 سبتمبر،2025.
[9] أحمد نصير، ” كلمة الإمارات في قمة الدوحة .. رسائل حاسمة تتوج موقفا تاريخيا داعما لقطر”، العين الأخبارية، 16 سبتمبر، 2025، متاح على الرابط التالي: https://al-ain.com/article/uae-s-speech-at-the-doha-summit-decisive-messages، تاريخ الدخول: 16 سبتمبر، 2025.
[10] البيان الختامي للقمة العربية الاسلامية الطارئة يشدد على الأمن الجماعي والرفض القاطع للهجوم غلى قطر، وكالة انباء الامارات وام، 15 سبتمبر، 2025، متاح على الرابط التالي: https://www.wam.ae/ar/article/3817omao-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%AA%D8%A7%D9%85%D9%8A-%D9%84%D9%84%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%B1%D8%A6%D8%A9، تاريخ الدخول: 16سبتمبر،2025.
[11] ماذا تضمن مشروع البيان الختامي لقمة الدوحة، 15 سبتمبر،2025، سكاي نيوز عربية، متاح على الرابط التالي: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1820335-%D8%AA%D8%B6%D9%85%D9%86-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%AA%D8%A7%D9%85%D9%8A-%D9%84%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%AD%D8%A9%D8%9F، تاريخ الدخول:16 سبتمبر،2025
[12] قمة الدوحة ..اختتام قمة الدوحة ودعوة إلي اعادة النظر في العلاقة بإسرائيل، الجزيرة،15 سبتمبر،2025، متاح علي الرابط التالي: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1820335-%D8%AA%D8%B6%D9%85%D9%86-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%AA%D8%A7%D9%85%D9%8A-%D9%84%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%AD%D8%A9%D8%9F، تاريخ الدخول:16 سبتمبر،2025.
باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب