يستعرض كتاب” 107 Days KAMALA HARRIS” والصادر في 23 سبتمبر 2025 عن دار النشر سايمون وشوستر، تجربة كامالا هاريس كمرشحة رئاسية عن الحزب الديمقراطي في انتخابات 2024، بعد انسحاب جو بايدن المتأخر في السباق. ويسلط الكتاب الضوء على كواليس الحملة التي استمرت 107 يوم، موضحًا التحديات التي واجهتها، بما في ذلك أداء منسق حملتها “تيم وولز” في المناظرة والانتقادات التي وجهتها لبايدن بسبب ضعفه أمام ترامب. كما يتناول الكتاب برنامجها الانتخابي الذي أشار إليه بمصطلح “استراتيجياتها السياسية”، أي الأولويات التي ركزت عليها في خطابها السياسي، مثل إظهار نفسها كقائدة قوية قادرة على مواجهة ترامب وتمييز مواقفها عن بايدن، إلى جانب دعم إصلاح نظام الهجرة وزيادة عدد أفراد حرس الحدود، فضلًا عن تأييدها لاستمرار الدعم العسكري لأوكرانيا.
وفي ضوء ذلك، هذا الكتاب ليس مقسما إلي فصول تقليدية بأسماء محددة، وإنما يتم تنظيم المحتوي وفقا، للفترات الزمنية التي سبقت الانتخابات الامريكية.
أولا: الفترة من 21 يوليو – 30 أغسطس 2024
تستعرض هاريس في كتابها خلال الفترة الممتدة من 21 يوليو حتى 30 أغسطس2024، التحولات الجذرية التي شهدتها الحملة و بدأت بقرار الرئيس جو بايدن الانسحاب من السباق الرئاسي في 21 يوليو2024 وإعلانه دعم كامالا هاريس على الفور، مما وضعها في موقع المرشحة الرسمية للحزب الديمقراطي. أطلقت هاريس حملتها في اليوم التالي من مقاطعة بولاية ديلاوير، قبل أن تنظم أول تجمع جماهيري في ولاية ويسكونسن شمال الولايات المتحدة، حيث رفعت شعارها البارز “لن نعود إلى الوراء”، الذي تحول إلى هتاف متكرر في مسيراتها. وفي 25 يوليو 2024 ألقت خطابًا مؤثرًا أمام اتحاد المعلّمين في مدينة هيوستن بولاية تكساس، ركزت فيه على التعليم وحرية الاختيار، لتأتي في 26 يوليو2024 دفعة قوية بإعلان الرئيس الأمريكي السابق باراك وميشيل أوباما تأييدهما لها، رغم تزايد الانتقادات من نشطاء بشأن موقفها من الحرب في غزة. وبين 27 و30 يوليو2024 تكثفت نقاشات اختيار نائب الرئيس، بينما واصلت الحملة إعادة تنظيم صفوفها وتوسيع حضورها الميداني.
دخول أغسطس2024، تسارعت وتيرة زياراتها للولايات المتأرجحة وتنامى حضورها الرقمي مثل الأنشطة والانتشار الذي حققته كامالا هاريس عبر المنصات الرقمية والإعلام الجديد (مثل تويترX، فيسبوك، إنستغرام، تيك توك، ويوتيوب)، واستخدامها الفعّال لهذه الوسائل للتواصل مع الجماهير، خصوصًا بين الشباب، فيما واجهت منتصف الشهر تصاعدًا للهجمات الجمهورية. وفي 30 أغسطس2024 بلغت التحديات ذروتها بظهور لافتات عنصرية مسيئة لها في دنفر بولاية كولورادو، وشيكاغو بولاية إلينوي ، وهو ما ردّت عليه بالتأكيد أنها اعتادت مواجهة هذه الخطابات ولن تسمح لها بأن تخرجها عن مسارها، لتثبت خلال هذه المرحلة قدرتها على التحول من نائبة للرئيس إلى قائدة بارزة للحزب الديمقراطي في أقل من سبعين يومًا من الانتخابات.
ثانيا: الفترة من 4 سبتمبر- 31 أكتوبر2024
توضح كامالا هاريس في كتابها في هذه الفترة منذ مطلع سبتمبر 2024 مرحلة حاسمة من حملتها الانتخابية بعد انسحاب الرئيس الامريكي الأسبق جو بايدن، حيث كثّفت أنشطتها الميدانية والخطابية لتعزيز صورتها كقائدة قادرة على مواجهة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وفي الأسابيع التالية، ركّزت على توحيد الحزب الديمقراطي خلفها، مستفيدة من دعم شخصيات بارزة ومنظمات قاعدية أي القاعدة الديمقراطية وهي الفئة الأساسية والراسخة من مؤيدي الحزب الديمقراطي، أى الجمهور الذي عادة يصوت للديمقراطيين بشكل شبه ثابت، رغم ما واجهته من انتقادات تتعلق بحداثة خبرتها وصعوبة إدارتها للسباق الرئاسي في فترة وجيزة. وفي هذا السياق، بلورت هاريس استراتيجيتها السياسية وهي دعمها لزيادة عدد عناصر حرس الحدود، والتعهد بانتهاج مقاربة توافقية لإصلاح نظام الهجرة، فضلًا عن تشديدها على الالتزام بمواصلة تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، في محاولة لإظهار توازن بين القضايا الداخلية والأولويات الخارجية. ومع حلول أكتوبر2024، دخلت مرحلة المناظرات الرئاسية، حيث كان أداؤها أمام ترامب محطة أساسية في تقييم مسار الحملة، وأوضحت هاريس سعيها لإبراز رؤيتها السياسية ومهاجمة سياسات ترامب الشعبوية. وقد أظهرت استطلاعات الرأي اللاحقة مؤشرات متباينة حول قدرتها على استقطاب الناخبين المترددين.
ثالثا: الفترة من 1 نوفمبر- 6 يناير2024
تقول الكاتبة إن مطلع نوفمبر2024 شهد ذروة الحملة الانتخابية مع اقتراب يوم الاقتراع في 5 نوفمبر2024، حيث كثّفت هاريس تنقلاتها بين الولايات الحاسمة ورسائلها الإعلامية لحشد المؤيدين الديمقراطيين.ومع إعلان النتائج الأولية 5 نوفمبر2024، دخلت الولايات المتحدة مرحلة شديدة التوتر؛ إذ طعن ترامب وحلفاؤه في نزاهة الانتخابات وأطلقوا مزاعم بالتزوير، ما فتح الباب أمام أزمة سياسية وقانونية. خلال نوفمبر وديسمبر2024، أوضحت هاريس في الكتاب أنّها خلال تلك الفترة انشغلت مع فريقها بتأمين الاعتراف بالنتائج، وحشد الدعم من المؤسسات الدستورية والولايات، في ظل ضغوط شعبية وانقسامات عميقة داخل الشارع الأمريكي. وتذكر هاريس أنّها بالتوازي مع ذلك بدأت الاستعدادات الأولية لمرحلة الانتقال الرئاسي، غير أنّ هذه العملية جرت وسط أجواء غير مستقرة وصفتها بأنها تهدد بنسف التقاليد الديمقراطية الراسخة في الولايات المتحدة. وتتابع أنّه مع حلول يناير 2025، بلغ التوتر ذروته في السادس من الشهر أثناء جلسة المصادقة على نتائج الانتخابات، حيث تكررت محاولات أنصار ترامب لعرقلة العملية الانتخابية، لتبقى تلك اللحظة رمزًا لصراع محتدم بين الحفاظ على الشرعية الدستورية والسعي لتقويضها. وتختتم هاريس كتابها بالتأكيد على أنّ هذه الفترة، الممتدة على مدى 107 يوم، مثّلت ذروة التحدي السياسي بالنسبة لها، واختبارًا حقيقيًا للديمقراطية الأمريكية في مواجهة إحدى أكبر أزماتها المعاصرة.
العرض النقدي للكتاب
يبرز الجدل الذي أثارته كامالا هاريس مع صدور كتابها “107 يوم” وما رافقه من مقاطعات واحتجاجات، تعكس طبيعة الصراع المركّب داخل الحزب الديمقراطي وفي الساحة الأمريكية عمومًا حول ملف غزة. فقد تعرضت هاريس لانتقادات واسعة من الرأي العام بسبب إغفالها شبه الكامل للقضية الفلسطينية في الكتاب، الأمر الذي دفعها لاحقًا إلى محاولة إبراز مسؤوليتها الأخلاقية والسياسية تجاه ملف غزة، سواء عبر تصريحاتها في المؤتمرات أو من خلال استدعاء مواقفها الإنسانية السابقة. وفي هذا السياق، جاء انتقادها للرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بوصفه قد منح اسرائيل “شيكًا مفتوحًا” في إطار دعم الولايات المتحدة الامريكية لإسرائيل وفشل في إظهار التعاطف مع الفلسطينيين.
وفي المقابل، ركزت هاريس في خطابها العلني على تحميل ترامب المسؤولية هو الآخر من خلال منحه لإسرائيل “شيكًا على بياض”، بما يعكس إستراتيجية مزدوجة: “التمايز عن بايدن داخليًا وإبراز نفسها كخصم مباشر لترامب خارجيًا”.[1] وقد تزامن ذلك مع خطوة رمزية مثيرة للجدل أقدم عليها ترامب داخل البيت الأبيض، تمثّلت في إدخال تعديلات لافتة على الديكور الرسمي، كان أبرزها إنشاء “رواق الرؤساء” في أحد ممرات البيت الأبيض. وقد ضم الرواق صور جميع الرؤساء الأمريكيين، باستثناء جو بايدن، إذ وُضع مكان صورته توقيع إلكتروني (autopen). وقد فسّر عدد من الخبراء والمتخصصين هذا السلوك على نطاق واسع باعتباره محاولة من ترامب الإيحاء بأن عملية صنع القرار في تلك المرحلة لم تكن نتاج إرادة الرئيس ذاته، بل انعكاسًا لمنظومة الحكم الأوسع داخل الإدارة الأمريكية، وهي الإدارة التي كانت هاريس جزءًا منها بصفتها نائبة للرئيس.[2]
References
[1] STEVE PEOPLES”، Harris faces protesters, condemns Israel’s war in Gaza on first night of book tour”، Available at the following link: https://apnews.com/article/kamala-harris-protesters-book-gaza-israel-trump-85a12ea1992e68950899747ae367eac9.
[2]Presidents’ Hallway: Trump Replaces Biden’s Portrait with an ‘Autopen’ Image” Al Arabiya ، Available at the following link: https://www.alarabiya.net/arab-and-world/american-elections-2016/2025/09/25/%D9%85%D9%85%D8%B4%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A4%D8%B3%D8%A7%D8%A1-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D8%A8%D8%AF%D9%84-%D8%B5%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%8A%D8%AF%D9%86-%D8%A8%D9%80-%D9%82%D9%84%D9%85-%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%8A.
باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب