خطة ترامب التي تهدف إلى تهجير سكان قطاع غزة، سواء إلى سيناء، أو مناطق أخرى، أو إعادة توزيعهم داخل فلسطين. يأتي هذا الطرح في سياق الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث تزايدت الدعوات الإسرائيلية لطرد السكان كجزء من حل أمني طويل الأمد. يُنظر إلى هذه الفكرة ضمن نهج ترامب في دعم سياسات اليمين الإسرائيلي المتطرف، ورفضه الحلول التقليدية القائمة على التسوية السياسية. كما أنها تتماشى مع خططه السابقة، مثل صفقة القرن، التي حاولت إعادة تشكيل القضية الفلسطينية وفق رؤية تخدم المصالح الإسرائيلية.
والتقييم القانوني والإنساني للمقترح هو أنه يمثل انتهاكا واضحاً للقانون الدولي. التهجير القسري يُصنّف كجريمة حرب وفق اتفاقيات جنيف، ما يجعل هذا المقترح غير قانوني ويعرض واشنطن لمعارضة أممية واسعة. كما أنه يمثل كارثة إنسانية؛ غزة تضم أكثر من 2.3 مليون شخص، وأي محاولة لترحيلهم ستؤدي إلى معاناة جماعية، خصوصًا في ظل الحصار ونقص الموارد الأساسية. مقترح ترامب لتهجير سكان غزة، كارثة سياسية وإنسانية، من شأنها أن تفجّر اضطرابات إقليمية واسعة، وتُعرّض المنطقة لمزيد من العنف وعدم الاستقرار.
أولا – التداعيات الإقليمية للمقترح:
في ظل الأزمات السياسية والإنسانية التي يشهدها مناطق كالقرن الإفريقي ومنطقة الشرق الأوسط، برزت مقترحات مثيرة للجدل بشأن إدارة النزاعات، ومن بينها فكرة “التهجير” التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد تسلمه السلطة رسميا في بلادة يناير 2025. يعد هذا التوجه امتدادًا لنهجه غير التقليدي في السياسة الخارجية، حيث سبق أن تبنى مواقف حادة تجاه قضايا اللاجئين والهجرة.
يرتكز هذا المقترح سواء كان موجهاً للأزمات الإفريقية مثل السودان أو لحالات أخرى في الشرق الأوسط على إعادة توطين السكان المتأثرين بالصراعات في أماكن أخرى، إما داخل بلدانهم أو خارجها، كحل بديل عن العمليات الدبلوماسية المطولة أو التدخلات العسكرية المكلفة. لكن هذه الفكرة تحمل تداعيات إقليمية معقدة، تتراوح بين التأثير على التوازن الديموجرافي والاقتصادي للدول المضيفة، وزيادة التوترات السياسية، فضلًا عن تبعاتها القانونية والإنسانية وفق المواثيق الدولية. في هذا السياق، أثار مقترح ترامب للتهجير جدالا واسعا أكاديميا وقانونيا كانعكاس إلى الحاجة إلى فهم أبعاده السياسية، الأمنية، والإنسانية، بالإضافة إلى تقييم تداعياته المختلفة في ظل التحديات الإقليمية والدولية.[i]
وبالحديث عن التداعيات المتوقعة كرد فعل لهذا الطرح الذي يؤثر على الاستقرار السياسي، والتوازن الديموجرافي، والاقتصادات المحلية، والأمن الإقليمي. يمكن تحليل هذه التداعيات في عدة أبعاد منها:
أولا- التأثير على الدول المضيفة:
منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023 ، رفضت مصر بقوة الفكرة التي طرحها عدة مسؤولين إسرائيليين بوجوب انتقال فلسطيني غزة إلى سيناء، حرصاً منها وتأكيداً على وحدة وسلامة الأراضي المصرية، وحقوق سكان غزة والفلسطينين المشروع في البقاء على اراضيهم واستمرارا لموقف مصر الداعم للقضية الفلسطينية ورغبتها في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة والخوف من تفاقم عدم الاستقرار في الشرق الأوسط نتيجة الأطماع والنوايا الإسرائيلية حيال الفلسطينيين.[ii]
واستمر هذا الموقف المصري الثابت وأيضا دول أخرى في المنطقة في الرفض بعد طرح الرئيس الأمريكي 2025، له غير مرة. لما ينطوي علية هذا الطرح من مخطط لتغيير هوية المنطقة وتموضع مكاني لأوضاع غير شرعية الأمر الذي يؤدي إلى تصدير المشكلات إلى دول الجوار بدلاً من حلحلة الوضع وفق قواعد القانون الدولي والإنساني. من خلال تصدير ضغوط اقتصادية واجتماعية على دول الجوار نتيجة استقبالهم أعداد كبيرة من المهجرين. كما وأن إعادة توطين مجموعات سكانية كبيرة قد يؤدي إلى توترات عرقية وطائفية، خصوصًا في بعض دول تعاني أصلًا من هشاشة داخلية، مثل تشاد أو ليبيا.[iii]
2. تداعيات سياسية وأمنية:
ينتج عن هذا المخطط أيضا إثارة للاضطرابات الداخلية فبعض الدول قد تواجه احتجاجات أو معارضة داخلية إذا رُحّل إليها عدد كبير من اللاجئين، خاصة إذا كان ذلك بضغط أمريكي. كما وأن عمليات التهجير القسري قد تخلق فراغات أمنية يستغلها الجماعات المتطرفة أو المتمردون، مما قد يزيد من العنف في مناطق مثل الساحل الإفريقي أو القرن الإفريقي. مما ينتج عنه تعزيز نفوذ قوى أخرى. يمكن أن تستغل هذا الوضع الفوضوي قوى كبرى مثل روسيا أو الصين، وحتى قوى إقليمية مثل تركيا والإمارات، لتعزيز مصالحها الجيوسياسية.
3. التأثير على العلاقات الدولية:
أيضا يثير هذا المقترح أشكالات تتعلق بالتأثيرعلى التفاعلات الدولية من توتر مع الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية. فالتهجير القسري يتعارض مع القوانين الدولية، وقد يواجه رفضًا من الأمم المتحدة، مما يعزل واشنطن دبلوماسيًا. ويؤدي إلى تصعيد الخلافات بين القوى الكبرى إذا دعمت الصين أو روسيا الحلول الدبلوماسية بدلًا من التهجير، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الاستقطاب في النظام الدولي. ومن ثم يؤثر على المنطقة ودولها .
4. التأثير في مستقبل الأزمات الإقليمية:
ينطوي المقترح أيضا على تغيير في طبيعة ومسارات الأزمات والمشكلات الإقليمية فهذا الطرح يتبنى منهج تأجيل الحلول الحقيقية، وبدلاً من معالجة جذور الصراعات (مثل الفساد، الحكم الاستبدادي، والتدخلات الأجنبية)، قد يؤدي التهجير إلى تعميق الأزمات وتأجيل انفجارها إلى وقت لاحق مما يعقد هذه المشكلات . كما أن عملية استمرار النزوح وعدم الاستقرار في حال فشل التوطين، قد يظل المهجرون في حالة دائمة من عدم الاستقرار، مما يخلق جيلاً جديدًا من اللاجئين بلا هوية واضحة أو مستقبل سياسي واقتصادي مستدام. مما يخلق اضطرابات إقليمية خطيرة، قد تفوق في تداعياتها الحلول التقليدية الأخرى، مثل التدخل الدبلوماسي أو المساعدات التنموية. بدلاً من حلحلة الأزمات، قد يؤدي إلى إعادة إنتاج النزاعات بطريقة جديدة، مما يجعل المنطقة أكثر هشاشة على المدى الطويل.[iv]
ثانيا- السيناريوهات المحتملة لمقترح ترامب:
في ضوء المواقف الإقليمية والدولية، ومدى قدرة الولايات المتحدة وإسرائيل على فرض هذا التوجه. السيناريوهات المحتملة لمقترح ترامب يمكن تصنيفها إلى ثلاث فئات:
التنفيذ الجزئي، الفشل الكامل، والتصعيد العسكري.
1. سيناريو التنفيذ الجزئي (التهجير المحدود عبر الضغط)
أمام استمرار الرفض المصري القوي لتنفيذ التهجير نحو سيناء. تقوم إسرائيل بفرض سياسات تضييق معيشية متزايدة داخل غزة لإجبار السكان على المغادرة بشكل طوعي. من ثم يتم نقل آلاف الفلسطينيين تدريجيًا عبر منظمات دولية إلى بلدان مثل كندا، تركيا، أو دول أوروبية في إطار “إعادة التوطين الإنساني”. مما يعقد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بل و يزيد العداء العربي لإسرائيل وأمريكا.
ويواجه هذا السيناريو عقبات وتداعيات الرفض الدولي الواسع، خاصة من الأمم المتحدة وعدد كبير من أعضائها، الاتحاد الأوروبي، وروسيا، بسبب الطبيعة القسرية لهذه الخطة.
2. سيناريو الفشل الكامل (إحباط الخطة بسبب المعارضة الإقليمية والدولية):
حيث ينتج عن الرفض المصري المطلق لاستقبال أي لاجئين فلسطينيين في سيناء. والمعارضة الدولية القوية بالأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، ما يجعل واشنطن غير قادرة على فرض الخطة دبلوماسيًا. تزامنا مع تصعيد داخلي في الولايات المتحدة، حيث تواجه إدارة ترامب ضغوطًا سياسية وقضائية تمنعها من تنفيذ سياساتها المتطرفة. استمرار المقاومة الفلسطينية بتوسيع المواجهة ضد إسرائيل، مما يزيد من التكلفة الأمنية. من ثم سقوط الخطة دبلوماسيًا، مما يعزز موقف حركات المقاومة الفلسطينية سياسيًا. ويؤدي إلى إحراج إدارة ترامب دوليًا، وإضعاف قدرة أمريكا على فرض أجندتها في المنطقة.
3. سيناريو التصعيد العسكري :
إسرائيل تشن هجومًا عسكريًا واسعًا على غزة، بهدف إخلاء مناطق معينة ودفع السكان للتهجير وفرض حصار اقتصادي كامل يجعل العيش في غزة مستحيلًا، مما يدفع الناس إلى المغادرة طوعًا أو عبر قوارب الهجرة غير الشرعية. مما ينتج عنه إدانة دولية شديدة، وقد تصل إلى فرض عقوبات على إسرائيل من قبل بعض الدول الأوروبية. واندلاع حرب إقليمية مما قد يؤدي إلى نزاع أوسع في الشرق الأوسط.
4. سيناريو فرض الأمر الواقع في غزة[v]
عبر التراجع المؤقت عن الطرح الذي أعلنه ترامب، وهو ما حدث عبر اعلانه تأجيل هذا المقترح وبداية الحديث عن خطط إعادة الإعمار . الأمر الذي قد يكون جزءًا من استراتيجية لفرض الأمر الواقع تدريجيًا. وهذا يتماشى مع الطريقة التي تُستخدم بها سياسة الأمر الواقع في العلاقات الدولية، حيث يتم تمهيد الطريق لقرار مستقبلي عبر خلق ظروف تجعل قبوله أمرًا حتميًا أو أقل تكلفة من رفضه. ثمة توجه يفسر التراجع التكتيكي عبر اعلان ترامب تأجيل مخطط التهجير لتخفيف الضغوط السياسية بعد الرفض الدولي القوي لمخطط التهجير، من ثم يكون التراجع مجرد خطوة مؤقتة لإعادة ترتيب الأوراق. هذا يسمح لواشنطن وتل أبيب بتجنب المواجهة المباشرة، وفي الوقت نفسه الاستمرار في خلق واقع يجعل التهجير يبدو وكأنه “خيار اضطراري” في المستقبل. و بعد سنوات، ومع استمرار الضغط، قد يصبح التهجير الشامل أكثر قبولًا كجزء من تسوية إقليمية مفروضة بالقوة.
وفقا لهذا السيناريو إذا فإننا قد نشهد مسارًا تدريجيًا لفرض التهجير دون إعلان رسمي واضح، عبر الخطوات التالية: تصعيد عسكري كبير يجعل بقاء السكان في غزة غير ممكن. تعطيل الإعمار والمساعدات الإنسانية، مما يدفع آلاف العائلات للنزوح الطوعي. فتح ممرات هجرة منظمة إلى دول أخرى، مثل كندا أو أوروبا، كخطوة أولى لإضعاف التركيبة السكانية لغزة. التراجع عن طرح التهجير كحل إقليمي حتى يتم خلق واقع يجعل البدائل الأخرى مستحيلة. ولكن هل يمكن أن تنجح هذه الاستراتيجية لفرض الأمر الواقع ؟. النجاح في هذه الحالة يعتمد على عدة عوامل من أبرزها: مدى صمود غزة وسكانها أمام الضغوط، استمرار المواجهة والرفض المصري والأردني القاطع، مدعوما بمواقف إقليمية ودولية قوية. وجود قوى مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي مستعدة لعرقلة المخطط دبلوماسيًا. الاستعداد الشعبي العربي للمقاومة، سواء عبر احتجاجات أو ضغوط داخلية على الحكومات.
وعلى الرغم من كون هذا السيناريو واحدا من السيناريوهات المطروحة لمسارات تطور الأوضاع والترتيات في الشرق الأوسط إلا أن احتمالية تحققه رهينة بترتيبات داخلية وإقليمية ودولية من الصعب إن لم يكن مستحيلا تحقيقها مما يجعل السيناريو وإن كان قابل للطرح والنقاش إلا أنه غير قابل للتحقيق أو التنفيذ.
وتأسيسا على ما سبق يمكن القول أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو الفشل الكامل بسبب الرفض المصري والدولي، مع استمرار الأزمة الإنسانية في غزة. أما السيناريو الأكثر خطورة هوالتصعيد العسكري، حيث قد يؤدي الضغط الإسرائيلي إلى تفجير صراع إقليمي واسع النطاق. بالتالي، فإن فكرة تهجير سكان غزة، سواء بطرح من ترامب أو من إسرائيل، ليست قابلة للتحقق بسهولة، ولكن مجرد مناقشتها قد يزيد من التوترات الإقليمية، ويفتح الباب أمام تطورات غير محسوبة في المنطقة
الهوامش
[i] https://www.thecairoreview.com/essays/trumps-alternate-reality/
[ii] https://english.alarabiya.net/News/united-states/2025/02/07/analysis-middle-east-policy-a-higher-priority-for-trump-than-anticipated
[iii] David Gritten ,”Trump says no right of return for Palestinians under Gaza plan”,BBC news,at: https://www.bbc.com/news/articles/cn57neepx4vo
[iv] انظر:
“Experts React: The Challenges and Opportunities for the Trump Administration in Africa”, at:
[v] سياسة الأمر الواقع (fait accompli) تعني اتخاذ إجراءات أحادية الجانب لخلق واقع جديد على الأرض، بحيث يصبح هذا الواقع مقبولًا أو على الأقل صعب التراجع عنه. تُستخدم هذه السياسة في العلاقات الدولية عندما تسعى دولة إلى تحقيق أهداف استراتيجية دون انتظار موافقة المجتمع الدولي أو الأطراف الأخرى المعنية. آليات فرض سياسة الأمر الواقع: القوة العسكرية: عبر احتلال أراضٍ أو إنشاء قواعد عسكرية (مثل ضم روسيا للقرم عام 2014). الضغوط الاقتصادية: من خلال فرض عقوبات أو احتكار موارد لإجبار الأطراف الأخرى على القبول (مثل العقوبات الأمريكية على إيران).التغييرات الديموغرافية: التهجير القسري أو الاستيطان (كما في الضفة الغربية والجولان)، انظر:
Ahmer Tarar,” A Strategic Logic of the Military Fait Accompli” International Studies Quarterly, Volume 60, Issue 4, December 2016, P.747.
[1] د.نادية عبد الفتاح، كلية الدراسات الافريقية العليا بجامعة القاهرة.
مدرس العلوم السياسية بكلية الدراسات الأفريقية العليا –جامعة القاهرة