Cairo

تقليص الوجود العسكري الأمريكي في العراق

قائمة المحتويات

باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب

  • يُمثل إعلان الولايات المتحدة بدء تقليص وجودها العسكري في العراق خطوة جديدة في مسار طويل من العلاقة الأمنية والعسكرية بين البلدين. فمنذ عام 2003، ظل العراق ساحة رئيسية للانتشار الأمريكي، سواء في إطار العمليات العسكرية المباشرة أو عبر مهام التدريب والدعم اللوجستي للقوات العراقية. ومع أن واشنطن انسحبت رسميًا من العراق في 2011، فإن عودة تنظيم داعش وصعوده دفعت الولايات المتحدة إلى إعادة نشر قواتها عام 2014، لتجد نفسها مرة أخرى لاعبًا أمنيًا محوريًا في العراق.
  • القرار الأخير، الذي أعلنت عنه وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، يتضمن تخفيض عدد القوات من نحو 2500 جندي إلى أقل من 2000، مع إعادة تموضع للوجود العسكري في إقليم كردستان، بينما تتحول المهام في بغداد إلى صيغ أمنية واستشارية ثنائية بدلًا من العمليات القتالية المباشرة. كما أشار البيان إلى أن بعض القواعد الاستراتيجية، مثل قاعدة عين الأسد في الأنبار، ستُسلم تدريجيًا إلى السلطات العراقية، وذلك تنفيذًا لاتفاق أبرم بين بغداد وواشنطن في عام 2024 يقضي بإنهاء المهمة القتالية المشتركة بحلول خريف 2025.
  • من الناحية الأمريكية، يُفسر القرار في ضوء إعلان الإدارة العسكرية تحقيق نجاحات حاسمة في الحرب على تنظيم داعش، بما يتيح التحول من الانخراط القتالي المباشر إلى نمط الشراكة الأمنية. كما يأتي في إطار استراتيجية أوسع لتخفيف الأعباء العسكرية المباشرة في الشرق الأوسط، وإعادة توزيع الموارد نحو ساحات أخرى تعتبرها واشنطن أكثر إلحاحًا، مثل مواجهة النفوذ الصيني والروسي على المستوى الدولي. في الوقت نفسه، فإن تخفيف الانتشار يقلل من المخاطر التي تتعرض لها القوات الأمريكية نتيجة استهدافها المتكرر من قبل بعض الفصائل المسلحة العراقية.
  • أما على الصعيد العراقي، فقد استقبلت العديد من القوى السياسية القرار بوصفه انتصارًا لمطلب السيادة الوطنية، حيث ظل ملف الوجود العسكري الأجنبي محورًا للنقاش الداخلي، خاصة في ظل ضغوط البرلمان العراقي والفصائل القريبة من إيران التي طالبت مرارًا بإنهاء هذا الوجود. ومع ذلك، فإن هذا التحول يفرض على الدولة العراقية مسؤوليات أمنية مضاعفة، إذ ستكون مضطرة إلى سد أي فراغ قد ينشأ عن تقليص الدعم المباشر، خاصة في المناطق الهشة التي ما زالت تشهد نشاطًا لعناصر داعش.
  • التحديات أمام العراق في المرحلة المقبلة تبدو مركبة، فمن جهة يتعين على المؤسسات الأمنية العراقية أن تُثبت قدرتها على ضبط الأمن دون الاعتماد على الدعم القتالي الأمريكي، ومن جهة أخرى فإن البيئة السياسية الداخلية غير المستقرة تجعل من الصعب بناء إجماع وطني حول كيفية إدارة الملف الأمني. كذلك، فإن الفصائل المسلحة قد تحاول استثمار هذا الانسحاب لتعزيز نفوذها، بما قد يضعف من احتكار الدولة لاستخدام القوة.
  • على المستوى الإقليمي، يحمل القرار الأمريكي دلالات أبعد من الداخل العراقي. إذ يُتوقع أن تنظر إيران إلى تقليص الوجود الأمريكي باعتباره مكسبًا استراتيجيًا يعزز من مجال نفوذها داخل العراق، فيما قد ترى تركيا في ذلك فرصة لتوسيع حضورها الأمني والاقتصادي، خاصة في شمال العراق. أما الولايات المتحدة، فستظل حاضرة عبر أدوات الدعم الاستخباري والقدرات الجوية العابرة للحدود، ما يعني أن الانسحاب ليس انسحابًا كاملًا بقدر ما هو إعادة صياغة لطبيعة الانخراط.
  • في المجمل، يعكس القرار الأمريكي لحظة انتقالية في العلاقة العراقية-الأمريكية، من مرحلة التدخل العسكري المباشر إلى مرحلة التعاون الاستراتيجي المحدود. غير أن نجاح هذه الصيغة يتوقف على قدرة العراق على ملء الفجوات الأمنية، وعلى إدارة واشنطن لهذا الانسحاب بطريقة تدريجية لا تُحدث ارتباكًا في التوازنات المحلية. وفي حال تحقق ذلك، قد يشكل هذا التحول بداية لمرحلة جديدة تُبنى فيها العلاقة بين البلدين على أسس شراكة سياسية وأمنية متوازنة، بدلاً من معادلة الهيمنة العسكرية المباشرة.

باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب

WhatsApp Image 2025-10-09 at 20.21
احتجاجات الجيل زد في المغرب قراءة في الأسباب والدلالات
التوغل الإسرائيلي في الإقليم وتداعياته على الأمن القومي المصري
WhatsApp Image 2025-10-02 at 22.07
الانتخابات البرلمانية القادمة في العراق: فرص التغيير وإعادة تشكيل المشهد السياسي
Scroll to Top