تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات.”
يعتمد هذا التقرير على جمع البيانات والمعلومات المرتبطة بالأوضاع الاقتصادية في إسرائيل قبل اندلاع الحرب وأثناءها، ثم تحليلها، لقياس حجم التأثيرات. كما يتناول التقرير وضع الاقتصاد الإسرائيلي قبل الحرب من حيث مؤشرات الاستقرار والنمو ، ثم يرصد وضعه بعد اندلاع الحرب وما شهده من ضغوط وتحديات انعكست على قطاعات متعددة مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، القطاع التكنولوجي والتجارة الخارجية، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. وقد استند التقرير إلى مجموعة من المصادر، من أبرزها البيانات والتقارير الرسمية الصادرة عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي ،(CBS) تقارير وزارة المالية وبنك إسرائيل، تصريحات المسؤولين والخبراء الاقتصاديين، تقارير المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، تقارير البنوك الاستثمارية ووكالات التصنيف الائتماني والبيانات المنشورة في وسائل الإعلام الاقتصادية العالمية مثل Reuters/. Bloomberg
أولاً: السمات الخاصة للحرب الراهنة
تتسم الحرب الإسرائيلية القائمة على غزة – وما تبعها من اتساع نطاق المواجهة إلى الجبهة الشمالية مع حزب الله – بجملة من الخصائص الاستثنائية التي جعلت توقعات التكاليف الاقتصادية مرتفعة على نحو غير مسبوق، ويمكن تلخيص أبرزها فيما يلي:
- اندلاع الحرب في ظل هشاشة اقتصادية مسبقة
- جاءت الحرب في وقت يعاني فيه الاقتصاد الإسرائيلي من حالة عدم استقرار، بفعل الانقسامات السياسية الحادة داخل المجتمع الإسرائيلي خلال العام السابق للحرب، إلى جانب التأثيرات السلبية للتدهور الاقتصادي العالمي، وارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة. ورغم أن هذه العوامل لم تصل إلى مستوى أزمة اقتصادية كبرى، فإنها أضعفت قدرة الاقتصاد على مواجهة صدمة الحرب.
- تراجع المؤشرات الاقتصادية خلال عام 2023
شهد العام السابق للحرب تراجعًا ملحوظًا في عدة مؤشرات اقتصادية، وانخفاضًا في المكانة الدولية للاقتصاد الإسرائيلي، فضلًا عن مخاطر حقيقية لخفض التصنيف الائتماني للدولة. - هجوم داخلي غير مسبوق منذ 1948
للمرة الأولى منذ تأسيس إسرائيل، اندلعت الحرب إثر هجوم عسكري داخل البلدات الإسرائيلية الجنوبية، ما ألحق أضرارًا واسعة بالبنية التحتية والمساكن في تلك المناطق، وأثّر بشدة على الجبهة الداخلية.
- شلل اقتصادي واسع النطاق
توقف النشاط الاقتصادي شبه كلي في جنوب البلاد لأكثر من شهر، وتراجع النشاط في وسط إسرائيل لعدة أسابيع، قبل أن يمتد التعطيل إلى البلدات الشمالية نتيجة فتح حزب الله لجبهة دعم، ثم توقف كامل عقب الهجوم الإسرائيلي واسع النطاق على لبنان في سبتمبر 2024.
- نزوح داخلي واسع للسكان
شهدت إسرائيل للمرة الأولى نقل نحو 150 ألف مواطن من سكان البلدات الحدودية في الجنوب والشمال إلى مناطق أكثر أمانًا، وإيواءهم على نفقة الحكومة، ما أوجد أعباء مالية إضافية.
- تعبئة عسكرية مكثفة
في أكبر تعبئة عسكرية منذ حرب 1973، جند الجيش الإسرائيلي نحو 300 ألف جندي، بتكلفة مرتفعة تتحملها الميزانية العامة.
- إطالة أمد الحرب وتكثيف العمليات العسكرية
تُعد الحرب على غزة ولبنان من أطول النزاعات التي خاضتها إسرائيل منذ تأسيسها، حيث استخدمت القوات المسلحة كميات هائلة من الأسلحة، ما رفع نفقات الدفاع بصورة حادة. هذه العوامل مجتمعةً تجعل التكلفة الاقتصادية باهظةً للغاية، ومن المتوقع أن تستمر على هذا النحو لفترة طويلة.
ثانياً: الأوضاع الاقتصادية لدولة إسرائيل قبل الحرب
حقّق الاقتصاد الإسرائيلي في العقدين الأخيرين، وحتى بداية الحرب على غزة، نتائج إيجابية في غالبية المؤشرات الاقتصادية، ونجح في التعامل مع أزمة جائحة كورونا عام 2020، مما أدّى إلى أضرار اقتصادية قليلة سرعان ما تجاوزها في عام 2021 وعاد للنمو والتوسّع. بلغ معدّل النمو الاقتصادي بين الأعوام 2010 و2019 نحو 4.2%، بينما كان معدّل البطالة في نفس الفترة 3.8%، وهي نسبة منخفضة للغاية تشير إلى وجود عمالة شبه كاملة، كما بلغ معدّل المشاركة في أسواق العمل نحو 64% من القوى العاملة، وهو مستوى مرتفع جدًا.
استفادت خزينة الدولة من هذا النمو بفضل ارتفاع الإيرادات من الضرائب، مما ساهم في تراجع العجز المالي للحكومة والدَّيْن الخارجي بين الأعوام 2010 و2019. وقد ساعدت الحالة الاقتصادية الجيدة للحكومة الإسرائيلية على التعامل مع التبعات الاقتصادية والمالية لأزمة كورونا، خاصة الحاجة إلى تجنيد ميزانيات كبيرة لدعم الاقتصاد وتعويض القطاعات الاقتصادية المتضرّرة. حقق الاقتصاد الإسرائيلي نمواً متسارعاً في الفترة التي سبقت الحرب، ويعود الفضل في ذلك بشكل كبير إلى قطاع التكنولوجيا. حيث ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلاد بنسبة 6.8% في عام 2021 و4.8% في عام 2022، وهي نسبة أعلى بكثير من معظم الدول الغربية[1].
“ورغم ما شهدته إسرائيل من حركات احتجاجية وحالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، إلا أن الاقتصاد كان يتمتع بوضع جيد بشكل عام. فقد بلغت توقعات النمو الاقتصادي للفترة 2023-2024 نحو 3%، وسجل سوق العمل أداءً قوياً مع انخفاض معدل البطالة إلى 3.5%، إلى جانب توقعات بتضخم معتدل يبلغ حوالي 3.8%. وفي المقابل، شهد عام 2023 انخفاضاً في سعر صرف الشيكل مقابل الدولار الأمريكي، وارتفاعاً في أسعار الفائدة الرئيسية للبنوك إلى مستوى قياسي بلغ 4.75%. كما بدأت المخاوف تتزايد بشأن احتمالية خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل، وارتفع العجز المالي للحكومة إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم أن هذه المؤشرات جاءت أسوأ قليلاً مما كانت عليه في عام 2022، فإنها ظلت معتدلة عموماً ولم تعكس أزمة اقتصادية خطيرة.”لكن التوقعات الاقتصادية لتكلفة الحرب الحالية على غزة ولبنان غيّرت هذه البيانات والتقديرات ،وبات واضحًا أن التكاليف التي يدفعها الاقتصاد الإسرائيلي، وسيدفعها مستقبلًا، ستكون باهظة وستؤثر على جوانب اقتصادية عديدة.
ثالثاً: الآثار الاقتصادية جراء الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي
في ضوء التطورات الميدانية منذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر 2023، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي واحدة من أشد الأزمات في تاريخه الحديث، حيث انعكست تداعيات الصراع بشكل مباشر على مؤشرات أداء الاقتصادي الكلي، فقد تسببت الحرب في زيادة الإنفاق العسكري إلى مستويات غير مسبوقة، وارتفاع العجز المالي، وانكماش قطاعات حيوية مثل السياحة والتجارة، إلى جانب اضطراب بيئة الاستثمار وتراجع ثقة الأسواق. ويهدف هذا الجزء إلى تحليل الآثار الاقتصادية المترتبة على الحرب، مع التركيز على القطاعات الأكثر تأثرًا، والوقوف على التحديات التي تواجه النمو والاستقرار المالي.
- زيادة الانفاق العسكري
شهدت ميزانية وزارة الدفاع الإسرائيلية قفزة غير مسبوقة خلال الأعوام الأخيرة، متأثرة بالتطورات الأمنية والحرب على غزة التي اندلعت في أكتوبر 2023 فبعد أن بلغت ميزانية وزارة الدفاع لعام 2023 – أي قبل اندلاع الحرب – حوالي 60 مليار شيكل، ارتفعت في 2024 إلى حوالي 99 مليار شيكل. ومن المتوقع أن تخصص لجنة ناجل[2] مبلغًا إضافيًا يتراوح بين 20 و30 مليار شيكل سنويًا لميزانية الأمن في السنوات القادمة، ويستمر الارتفاع لتصل موازنة الدفاع لعام 2025 والتي توصف بأنها الأعلى، حيث تبلغ 109.8 مليار شيكل (نحو 30 مليار دولار) وتم تخصيص حزمة بقيمة 9 مليارات شيكل (نحو 2.5 مليار دولار) لجنود الاحتياط بوضعها رأس قائمة الأولويات[3] وبالإضافة إلى الاحتياجات الحالية نتيجة الحرب، تهدف هذه الزيادة في الإنفاق إلى تمويل تعزيز الجيش نظرًا لتغير الوضع الأمني.[4]
هذه الموازنة، رغم قدرتها المحتملة على توفير الغطاء المالي للمتطلبات الأمنية، لن تتمكن من تلبية الاحتياجات الاقتصادية الأوسع نطاقًا. والواقع أن السلوك الاقتصادي للحكومة الإسرائيلية يؤكّد مخاوف شركات التصنيف الائتماني، التي خفّضت تصنيف إسرائيل مرات عدّة خلال العام الماضي وحذّرت من خطر حدوث أزمة مالية فعلية..
وبإستقراء البيانات يتضح زيادة غير اعتيادية في مخصصات الموازنة العامة للإنفاق العسكري ، فالانتقال من 60 مليار إلي 109.8 مليار شيكل في عامين يمثل تضاعفًا شبه كامل للإنفاق الدفاعي وبتخصيص 9 مليارات شيكل لجنود الاحتياط مؤشر على تحول في العقيدة العسكرية نحو الجاهزية المستمرة. مما يزيد الضغط على القطاعات المدنية وبالتالي احتمالية خفض موازنات التعليم والصحة والبنية التحتية لتعويض النفقات العسكرية.
تتمثل زيادة الإنفاق العسكري في استخدام الجيش الإسرائيلي لكميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمعدات، ولا سيما الصواريخ الذكية مرتفعة التكلفة وصواريخ القبة الحديدية. ومن المتوقع أن يسعى الجيش إلى تعويض النقص في مخزونه بعد انتهاء العمليات، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى زيادة النفقات العسكرية في مرحلة ما بعد الحرب [5] ،كل هذه العوامل جعلت التكلفة الاقتصادية العسكرية المباشرة وغير المباشرة للحرب مرتفعة للغاية وغير مسبوقة في تاريخ الحروب الإسرائيلية.
ووفقًا لوزارة المالية، تبلغ التكلفة المباشرة على خزينة الدولة ليوم واحد خلال الحرب لـ 100 ألف جندي احتياطي حوالي 70 مليون شيكل كرواتب. هذا الرقم ليس نهائيًا؛ فهناك تكلفة إضافية تتعلق بإيواء وإطعام هؤلاء الجنود، لذا فإن الرقم أقرب إلى 100 مليون شيكل يوميًا. كما توجد تكلفة غير مباشرة تنعكس في فقدان الإنتاج، والتي تُقدر أيضًا بحوالي 100 مليون شيكل يوميًا. وبالتالي، فإن التقديرات تشير إلى تكلفة إجمالية مباشرة تبلغ حوالي 200 مليون شيكل يوميًا. وبحسب وزارة المالية فإن تكلفة كل يوم في الحرب من معدات وذخائر وجنود احتياط تبلغ مليار شيكل[6].
- موازنة الدولة واشكالية عجز الموازنة
سجلت ميزانية إسرائيل عجزاً بلغ 4.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 بعد فائض قدره 0.6 بالمئة في 2022، بحسب ما أعلنته وزارة المالية الإسرائيلية[7] ، وذلك بسبب زيادة الإنفاق الحكومي لتمويل الحرب ضد غزة وبالعام 2024 سجل العجز 6.9% ، وذلك نتيجة الارتفاع الكبير في الإنفاق لتمويل الحرب الإسرائيلية على حركة (حماس) في غزة، ومن المتوقع أن يبلغ العجز المالي هذا العام 2025 إنخفاض ليصل إلي 5% من الناتج المحلي الإجمالي، يعود التحسن في العجز بشكل رئيسي إلى إيرادات الدولة، وليس الإنفاق. ولا يزال التدفق النقدي إلى خزينة الدولة يسجل نموًا ملحوظًا، حيث بلغ إجمالي إيرادات الدولة منذ بداية عام 2025 نحو 324 مليار شيكل، بزيادة قدرها 16.6% عن الفترة نفسها من عام 2024. وكان شهر يوليو نفسه أفضل نسبيًا، حيث بلغت الإيرادات 48.1 مليار شيكل، مقارنة بـ 40.9 مليار شيكل في يوليو 2024.[8]
تعتمد إسرائيل في الوقت الراهن على تمويل الحرب وذلك بزيادة حجم الإنفاق الحكومي بما يتجاوز الإيرادات المتاحة، مما ينتج عنه تفاقم العجز في الموازنة العامة، وهو نهج يمكن استيعابه على المدى القصير إذا توافرت رؤية واضحة لخفض النفقات بعد انتهاء العمليات. غير أن استمرار التوترات الأمنية سيضع الحكومة أمام معضلة مالية بين الحفاظ على الجاهزية العسكرية وضبط مؤشرات الموازنة، مما قد يفضي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وترسيخ ما يُعرف بـ”اقتصاد الحرب” على حساب باقي القطاعات. في ظل هذه الظروف الاقتصادية واستمرار الحرب، اضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى رفع ميزانية عام 2023 بمقدار 30 مليار شيكل لتصبح 510 مليارات شيكل. كما أعادت وزارة المالية صياغة الميزانية العامة لعام 2024 وتكييفها مع حالة الحرب، واقترحت تخفيضات في الميزانية وزيادات في الضرائب[9] كما اقترحت الوزارة خفض ميزانيات جميع الوزارات بنسبة 3%، ورفع ضريبة القيمة المضافة من 17% إلى 18% في بداية عام 2025، وزيادة الميزانية الإجمالية لعام 2024 بمقدار 69 مليار شيكل لتصل إلى 585 مليار شيكل، مما يرفع العجز المالي للحكومة بنسبة 5-6% من الناتج المحلي الإجمالي في عامي 2024 و2025. ومن المتوقع أن يصل الدين الخارجي إلى 70% من الناتج المحلي الإجمالي.
هذا يعني أن الحكومة ستضطر إلى إجراء تخفيضات جديدة في ميزانيات جميع الوزارات ورفع الضرائب لتمويل نفقات الحرب وتخفيف عبء الدين الخارجي. على سبيل المثال، في ميزانية 2025، اقترح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش تخفيضًا في ميزانية التعليم العالي بمقدار 400 مليون شيكل بدءًا من عام 2026، وتخفيضًا آخر في ميزانية المواصلات بمقدار 700 مليون شيكل في كل من السنوات الأربع 2025-2028 وتشمل التخفيضات المقترحة أيضًا تخفيضًا كبيرًا قدره 270 مليون شيكل في ميزانية وزارة الاقتصاد في مجالات مخصصة لتشجيع الابتكار والتكنولوجيا الصناعية.
3. وضع الدين العام قبل وأثناء الحرب:
شهدت إسرائيل ارتفاعًا ملحوظًا في الدين العام ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي، مدفوعًا بنفقات إضافية ناجمة عن الحرب على غزة.
أ. الوضع قبل الحرب:
تراجعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022 إلى 60.9%، مقارنةً بـ 68% في عام 2021، وذلك بفضل النمو الاقتصادي القوي وفائض الميزانية. وبتحقيق معدل نمو اقتصادي بلغ 6.3%، إلى جانب خفض الدين الحكومي بمقدار مليار شيكل، أسهما في هذا الانخفاض الكبير، الذي جعل النسبة أقل من مثيلاتها في معظم الدول الغربية.[10]
ب. الوضع أثناء الحرب:
ارتفع الدين العام الإسرائيلي خلال العام الماضي2024 بنسبة 17.9%،( أي ما يعادل 202 مليار شيكل ( 57.8 مليار دولار)، ليبلغ إجماليه 1.33 تريليون شيكل( 380.64 مليار دولار)، وفقًا لتقرير الدين السنوي الذي أوردته صحيفة غلوبس الإسرائيلية. كما صعدت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 6.4نقاط مئوية، لتصل إلى 67.9% بنهاية 2024، مقابل 61.5% في نهاية 2023، نتيجة ارتفاع حجم الديون وتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1% فقط.[11] مع توقعات بأن تصل إلي نسبة % 5 المتوقعة للعام الجاري2025. أقرّ مجلس الوزراء الإسرائيلي خطة اقتصادية تمتد لثلاث سنوات تهدف إلى خفض عجز الموازنة إلى أقل من % 3 من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028،. وتستهدف خطة وزارة المالية تقليص العجز إلى 2.8 في عامي 2026 و2027،%2.9 في عام 2028.
4. التضخم
بلغ معدل التضخم 5.3% في عام 2022، متجاوزًا الحد الأعلى للنطاق المستهدف لأول مرة منذ عقد. بدأ تسارع التضخم في عام 2021، بعد سنوات عديدة كان فيها منخفضًا للغاية. وكما هو الحال في العديد من الدول، تأثر تسارع التضخم في البداية بشكل رئيسي بانخفاض العرض العالمي في ضوء الخروج من أزمة كوفيد-19. وتفاقمت هذه الانخفاضات خلال العام في ظل الحرب في أوكرانيا، والتي انعكست آثارها بشكل رئيسي على أسعار الطاقة والغذاء. وخلال العام، زادت أيضًا مساهمة الطلب المحلي القوي في التضخم. ومع ذلك، كان التضخم في إسرائيل هذا العام أقل منه في معظم الاقتصادات المتقدمة، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى اعتماد إسرائيل على احتياطياتها من الغاز الطبيعي، والتي تُثبت أسعارها بعقود طويلة الأجل. وبعد ارتفاع مطول في قيمة الشيكل، انخفضت قيمته بنسبة 4% خلال العام من حيث سعر الصرف الفعلي الاسمي، وهي عملية استمرت حتى بداية عام 2023[12].
انخفض معدل التضخم السنوي في إسرائيل على مدار 12 شهرًا إلى 3.3% في يوليو2023، وهو أدنى معدل منذ يناير من العام 2022، وفقًا للبيانات الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء. وكان معدل التضخم قد ارتفع بشكل حاد إلى 5.4% في يناير 2023، وهو أعلى معدل له منذ أكثر من 14 عامًا، ولكنه انخفض تدريجيًا منذ ذلك الحين. وساهمت الزيادة التدريجية لسعر الفائدة الأساسي من قبل البنك المركزي الإسرائيلي، من 0.1% في أبريل 2022 إلى 4.75% في مايو 2023، في الحد من التضخم[13]
ارتفع مؤشر أسعار المستهلك الإسرائيلي بنسبة 0.6% في يوليو2025، متجاوزًا التوقعات بقليل. وفي الاثني عشر شهرًا المنتهية في يوليو 2024، ارتفع معدل التضخم من 2.9%إلى 3.2% في نهاية يونيو، وفقًا للأرقام الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء اليوم. وبذلك، ارتفع التضخم مجددًا فوق الحد الأقصى السنوي المستهدف من قبل بنك إسرائيل والبالغ 3%[14].
للحرب على غزة آثار متناقضة على التضخم. فمن جهة، هناك عوامل تُسبب انخفاض التضخم، أهمها انخفاض الاستهلاك العام والركود الاقتصادي المتوقع بعد الحرب. ومن جهة أخرى، من المتوقع أن يستمر انخفاض سعر صرف الشيكل مقابل الدولار – أي ارتفاع أسعار السلع والخدمات المستوردة وارتفاع حجم الإنفاق الحكومي – وستؤدي الحرب إلى نقص في العديد من المنتجات الزراعية بسبب تركيز الزراعة الإسرائيلية في المنطقة الجنوبية. كما توجد توقعات بارتفاع أسعار النفط عالميًا، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود في إسرائيل.
5. الاستثمار الأجنبي
وفقًا لأحدث تقرير صادر عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، تراجعت الاستثمارات الأجنبية في الربع الأول من عام 2024 بنسبة 55.8 % لتسجل أدنى مستوى لها منذ الربع الأخير من عام 2021.
ولا يقتصر الأمر على الاستثمارات المالية، وخصوصًا في قطاع التكنولوجيا ، حيث لا يمكن الحديث عن مقاطعة صريحة، بل عن توجه نحو العمل بعيدًا عن الأضواء للحفاظ على سرية العلاقات مع إسرائيل. كما يعود الانخفاض أيضًا إلى رغبة المستثمرين في الحد من المخاطر، عبر تجنب ضخ الأموال في دولة تخوض حربًا وتواجه تحديات في تعبئة قوات الاحتياط. وإلى جانب العوامل الداخلية، تزايدت الضغوط الخارجية على الاقتصاد الإسرائيلي، وبالعام 2025 أعلن صندوق الثروة السيادي النرويجي – وهو الأكبر عالميًا بحجم أصول يتجاوز 1.5 تريليون دولار – قراره بيع حصصه في 11 شركة إسرائيلية احتجاجًا على الحرب في غزة. هذه الخطوة، التي تحظى بوزن رمزي ومالي كبير، قد تشكّل إشارة لبقية الصناديق الاستثمارية والمؤسسات العالمية لإعادة النظر في علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل، ما يفاقم من مخاطر تراجع الاستثمارات الأجنبية في المستقبل القريب. السيادي النرويجي عن تخارجه من عدد من استثماراته في إسرائيل على خلفية الأوضاع المتوترة في قطاع غزة والضفة الغربية.
وجاء هذا القرار عقب مراجعة عاجلة أطلقها الصندوق ، بعد تقارير إعلامية أشارت إلى امتلاكه حصة في مجموعة إسرائيلية متخصصة في صناعة محركات الطائرات، والتي تقدم خدمات للقوات المسلحة الإسرائيلية، بما في ذلك صيانة الطائرات المقاتلة.
أما في مجال التكنولوجيا، فقد كان الأثر لافتًا، إذ يشكل العاملون فيه أكثر من 20% من جنود الاحتياط المشاركين في الحرب على غزة. وقد أدى غيابهم لعدة أشهر إلى تعقيد إدارة العديد من الشركات الناشئة، ما دفع عددًا متزايدًا من هذه الشركات إلى تسريح موظفيها الإسرائيليين واستبدالهم بعمالة أجنبية، لتفادي إلغاء العمليات أو إبطاء وتيرة التطوير.
6. وضع قطاع التكنولوجيا
على مدار العقد الماضي، ازدادت أهمية صناعات التكنولوجيا الحديثة (الهاي تك) في الاقتصاد الإسرائيلي. فقد أصبحت المحرك الرئيسي للنمو في الاقتصاد الإسرائيلي، حيث تُسهم بحصة كبيرة من الصادرات، وتُسجّل أسرع نمو في عدد الموظفين، وتُحقق أكبر زيادة في الأجور[15].
نشرت هيئة الابتكار الإسرائيلية تقريرها السنوي حول حالة صناعات التكنولوجيا[16] ، ويستعرض التقرير تطور صناعة التكنولوجيا الحديثة في عام 2023، والإنجازات والصعوبات التي تواجهها ، ودور الحكومات الإسرائيلية، وحالة الاستثمارات الأجنبية، وإجمالي الناتج والعمالة في فروع التقنيات الحديثة المتقدمة للغاية.
ووفقًا للتقرير شكّلت صناعات التكنولوجيا العالية 20% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل في عام 2023 (14% في عام 2012)، مما يجعل هذا الفرع أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصاد الإسرائيلي.
بلغ حجم الناتج الإجمالي في قطاع التكنولوجيا العالية في عام 2012 حوالي 126 مليار شيكل، وارتفع في عام 2022 إلى 290 مليار شيكل.
تعد صناعة التكنولوجيا العالية مسؤولة عن 48.3% من إجمالي صادرات إسرائيل في عام 2022؛ وفي عام 2023، كانت النسبة حوالي 53%، وبلغ إجمالي صادرات هذا القطاع 74 مليار دولار.
على مدار العقد الماضي، زادت صادرات إسرائيل من التكنولوجيا العالية بنسبة 107%، وقد نمت هذه الصادرات منذ عام 2012 من 14.6 مليار دولار إلى 47.8 مليار دولار في عام 2022.
يعد قطاع التكنولوجيا الحديثة مسؤولاً عن 40% من نمو الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل من عام 2018 إلى عام 2023، بلغ إجمالي عدد العاملين في قطاع التكنولوجيا الحديثة في عام 2022 حوالي 402,000 موظف، وفي عام 2023 انخفض إلى حوالي 400,000 موظف.
الأضرار التي لحقت بقطاع التكنولوجيا خلال الحرب
مع تزايد اعتماد الاقتصاد الإسرائيلي على التكنولوجيا، أصبح القطاع أكثر حساسيةً وتأثرًا بالأزمات التي تطرأ عليه. ففي إسرائيل، يعتمد هذا القطاع، أكثر من غيره من الدول، بشكل شبه كامل على السوق الخاص والاستثمارات الأجنبية، وبدرجة أقل على الاستثمارات والدعم الحكومي، مما يجعله عرضة للتقلبات العالمية التي تؤثر على المستثمرين والشركات متعددة الجنسيات في هذا المجال.
وبناءً على تقرير هيئة الابتكار، فمنذ الاحتجاجات داخل إسرائيل عام ٢٠٢٣، ولاحقًا الحرب على غزة، كانت أبرز الآثار السلبية على قطاع التكنولوجيا الحديثة ما يلي:
- انخفاض في تعبئة رأس المال للشركات الناشئة عالية المخاطر (انخفاض بنسبة 55%).
- تباطؤ في عمليات التطوير وتأخير في مواعيد تسليم المنتجات.
- انخفاض في توظيف القوى العاملة.
- تراجع مكانة وسمعة الشركات الإسرائيلية بسبب الحرب على غزة.
- انخفاض ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد والشركات الإسرائيلية.
- انخفاض في زيادة حجم التوظيف من 10% في عام 2022 إلى 2.6% في عام 2023.
- انخفاض بنسبة 70% في استقطاب رؤوس الأموال إلى صناديق الاستثمار الإسرائيلية المتخصصة في الشركات الناشئة.
- انخفاض في حجم الاستثمار في شركات التكنولوجيا الحديثة، حيث انخفض رأس المال الاستثماري من حوالي 28 مليار دولار في عام 2022 إلى 8 مليارات دولار في عام 2023.
في عام ٢٠٢٤، ورغم تراجع الوضع الاقتصادي في إسرائيل وتباطؤ معظم المؤشرات الاقتصادية، واصل قطاع التكنولوجيا الحديثة لعب دور محوري في الاقتصاد الإسرائيلي، محققًا مؤشرات إيجابية، وإن كانت أضعف من السنوات السابقة. كما أثارت الأوضاع الأمنية والاقتصادية مخاوف الشركات في هذا الصدد. فقد ازدادت حالة عدم اليقين والمخاطر في القطاع، فأصبح أكثر خطورة من السنوات السابقة، وأقل استقرارًا، وأقل جاذبية للاستثمارات الأجنبية والمحلية. كما أنه يعاني منذ البداية من صعوبات عديدة قد تتغير مسارها في السنوات القادمة في حال استمرار الحرب على غزة وعدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي[17].
7. وضع قطاع السياحة (تراجع غير مسبوق في أعداد السياح)
انخفضت السياحة في إسرائيل بنسبة 76% سنويًا في أكتوبر 2023 بسبب الصراع في قطاع غزة وتم إلغاء معظم الرحلات الجوية من وإلى تل أبيب، وفقًا لتقرير صادر عن المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي. فإن 89,700 سائح زاروا إسرائيل في أكتوبر 2023، حيث دخل معظمهم قبل اليوم السابع من الشهر، أي قبل اندلاع عملية طوفان الأقصى وبالمقارنة، تجاوز عدد السياح الدوليين الوافدين 370,000 سائح خلال أكتوبر من العام 2022، مما يسلط الضوء على الضرر الكبير الذي لحق بالقطاع بسبب عملية طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية التي تلتها على غزة[18].
استقبلت إسرائيل في نوفمبر 2023، نحو 38,003 سائح فقط، مقارنةً بـ 333,007 في نوفمبر 2022، أي بتراجع نسبته 78.5%. وفي ديسمبر من العام نفسه، بلغ عدد السياح 52,008، انخفاضًا من 266,002 في ديسمبر 2022، ما يعكس تراجعًا حادًا بنسبة 80%، على مدار عام 2023، بلغ إجمالي عدد الزائرين نحو 3 ملايين سائح، مقابل 4.5 مليون في عام 2019. وتشير بيانات وزارة السياحة إلى أن القطاع السياحي يساهم بحوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل، ويوفر فرص عمل مباشرة لنحو 200 ألف شخص.[19]
خسائر مالية فادحة
أعلنت إسرائيل عن “انخفاض غير مسبوق” في عائدات السياحة، حيث بلغت خسائرها 3.4 مليار دولار منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023. وأظهرت الأرقام الصادرة عن وزارة السياحة الإسرائيلية أن أعداد السياح الوافدين انخفضت بأكثر من 90% منذ بدء حرب غزة. ووفقًا لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية (كان)، تجاوزت الخسائر المباشرة وغير المباشرة في قطاع السياحة 12 مليار شيكل (3.4 مليار دولار). ويعزو المسؤولون الإسرائيليون هذا الانخفاض الحاد إلى التوقف شبه الكامل لحركة الطيران، وانعدام الأمن والاستقرار على الصعيد الداخلي[20].
8- وضع سعر صرف العملة – الشيكل الإسرائيلي
يمثل الشيكل الإسرائيلي انعكاسًا مباشرًا للقوة الاقتصادية لإسرائيل، وغالبًا ما يتفوق أداؤه على معظم عملات منطقة الشرق الأوسط. فخلافًا لما تذهب إليه الأدبيات الاقتصادية الكلاسيكية، التي تفترض عادةً أن العملة الوطنية تكون أولى ضحايا الحروب بسبب هروب رؤوس الأموال وتراجع الاستثمارات وتآكل الثقة وارتفاع معدلات التضخم، أظهر الشيكل استقرارًا لافتًا حتى خلال فترات النزاعات الممتدة. بل إن التوقع المنطقي في حالة الحروب المصنفة كـ”حروب إبادة” هو فرض عقوبات اقتصادية قاسية تؤدي لانهيار العملة، إلا أن التجربة الإسرائيلية قدّمت صورة مغايرة تستحق الوقوف عندها.
شهد سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الشيكل الإسرائيلي خلال الفترة (2022–2025) تذبذبات محدودة نسبيًا، تعكس مزيجًا من العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في الاقتصاد الإسرائيلي[21].
سجل متوسط سعر الصرف عام 2022نحو 3.35 شيكل لكل دولار، وهو مستوى يعكس استقرارًا نسبيًا للعملة الإسرائيلية في ظل الظروف الاقتصادية العالمية.
بقي السعر قريبًا من العام السابق عام 2023عند 3.60شيكل للدولار، مما يشير إلى قدرة بنك إسرائيل على الحفاظ على التوازن النقدي رغم بداية التصعيد العسكري.
ارتفع متوسط السعر إلى 3.70 شيكل للدولار لعام 2024، نتيجة انعكاسات الحرب وتزايد الضغوط على المالية العامة، وهو ما أظهر أول علامات التراجع النسبي في قوة الشيكل.
عاد السعر للتراجع إلى 40 3,شيكل للدولار لعام 2025، في مؤشر على تحسن نسبي للثقة بالاقتصاد الإسرائيلي واستمرار التدخلات النقدية والدعم الخارجي[22].
فمنذ اندلاع حرب غزة 2023–2025، لم يشهد الشيكل انهيارًا حادًا كما كان متوقعًا، بل ظل مستقراً، وهو ما يفسر بخصوصية البنية الاقتصادية الإسرائيلية والدعم الخارجي الواسع، خصوصًا من الولايات المتحدة. هذا الدعم لا يقتصر على الخطاب السياسي، بل يتجسد في أدوات مالية ومؤسساتية فعّالة ساهمت في تعزيز العملة، من أبرزها[23]:
- المساعدات الأميركية المباشرة: معظمها عسكرية تُصرف بالدولار وتدخل النظام المالي الإسرائيلي، مما يعزز ميزان المدفوعات ويزيد احتياطيات النقد الأجنبي لدى بنك إسرائيل. خلال حرب 2023–2024 مثلاً، ضخ البنك أكثر من 30 مليار دولار من الاحتياطيات لحماية الشيكل.
- سندات إسرائيل (Israel Bonds): منذ عام 1951 جمعت إسرائيل عبر هذه الأداة التمويلية أكثر من 48 مليار دولار من مستثمرين عالميين ، ما يجعل أسواق رأس المال الغربية مرتبطة هيكليًا بالاقتصاد الإسرائيلي.
وبذلك أصبح الشيكل ليس مجرد عملة وطنية، بل رمزًا لعلاقة تربط بين الاقتصاد الإسرائيلي والنظام الرأسمالي العالمي. أما داخليًا، فقد لعبت الحكومة وبنك إسرائيل دورًا محوريًا في الحفاظ على الاستقرار. فبالرغم من تضاعف الإنفاق العسكري بين 2023 و2025، اتخذ بنك إسرائيل إجراءات فعّالة لمكافحة التضخم، وضبط أسعار الفائدة، وتعزيز ثقة المستثمرين، مما مكّن الاقتصاد من الصمود.
هذا الأداء يعكس تفاعلًا معقدًا بين عوامل داخلية وخارجية جعلت من الشيكل نموذجًا استثنائيًا في سلوك العملات زمن النزاعات.
9- الغاز الإسرائيلي بين الحرب والاستثمار
أثرت الحرب بين إسرائيل وحماس بشكل مباشر على إمدادات الغاز الطبيعي، التي تشكل ركيزة أساسية في مزيج الطاقة الإسرائيلي. ففي 9 أكتوبر 2023، أصدرت وزارة الطاقة الإسرائيلية قرارًا بوقف الإنتاج مؤقتًا في منصة تمار، المشغلة من قبل شركة شيفرون،. تمثل هذه المنصة المصدر الرئيس لتلبية الاحتياجات المحلية من الغاز، ما جعل قرار الإغلاق ذا تداعيات فورية على السوق الداخلي ، اتخذت الحكومة خطوة إضافية بوقف التدفقات عبر خط أنابيب شرق البحر الأبيض المتوسط في 10 أكتوبر 2023 (EMG)، الذي يربط مدينة عسقلان الإسرائيلية بالعريش المصرية، وهو الخط الأهم في صادرات الغاز الإسرائيلية نحو مصر.
هذا الوضع أيضاً فرض على شركات الكهرباء الإسرائيلية البحث عن بدائل لتأمين احتياجاتها من الوقود. ويكتسب ذلك أهمية خاصة في ظل التحول الكبير في مزيج الطاقة الإسرائيلي؛ إذ ارتفعت مساهمة الغاز إلى حوالي ٪40من إجمالي مصادر الطاقة بعد أن كانت شبه معدومة عام 2000. ويُظهر قطاع توليد الكهرباء التحول الأبرز، حيث أصبح الغاز يوفر ما يقرب من ٪70 من الكهرباء المنتجة بعد أن كان الفحم المصدر المهيمن سابقًا[24].
تقدر خسارة الاقتصاد القومي عن كل أسبوع يتم فيه إيقاف حقلَي الغاز نحو مليون دولار، تعود هذه الخسارة إلى الضرر في الناتج القومي بسبب توقف تصدير الغاز، وخسارة الدولة لعائدات من رسوم الامتياز والضرائب، وتكون الأضرار الاقتصادية الإجمالية أعلى بسبب زيادة تكلفة إنتاج الكهرباء نتيجة الاعتماد المتزايد على الفحم والسولار”، فالاحتياطات في حقول الغاز توفر القدرة على تلبية معظم حاجات الغاز في إسرائيل حتى في حال توقف اثنين من ثلاثة حقول، حيث أن التخطيط للتركيز على حقل “تمار” للغاز “الذي يكفي لنحو 75 في المئة من حاجات السوق، والبقية سيتم استبدالها بالفحم والسولار”.[25]
- تراجع التصنيف الائتماني لإسرائيل
شهد عام 2024 انخفاضًا في التصنيف الائتماني لإسرائيل من قِبل شركات التصنيف الائتماني العالمية، نتيجةً لتراجع أداء الاقتصاد الإسرائيلي وزيادة المخاطر. على سبيل المثال، حذّرت وكالة موديز من أن المواجهة العسكرية ستُضعف مؤسسات إسرائيل بشكل ملموس، وخاصةً أدوات صنع السياسات. وتشعر موديز بالقلق إزاء انعدام الانضباط المالي في أعقاب الحرب، وهناك شكوكٌ حول زيادة الإنفاق السنوي على الحرب، والتي تتراوح بين 15 و20 مليار شيكل، في السنوات القادمة.[26]
ألحقت الحرب أضرارًا بالغة بالاقتصاد الإسرائيلي، وأثارت مخاوف من أن تجد إسرائيل صعوبة، ولأول مرة، في سداد جزء من ديونها مستقبلًا. وفي أعقاب ذلك، خفّضت وكالات التصنيف الائتماني مستويات التصنيف الائتماني لإسرائيل. ورافق ذلك تقارير حادة أعربت عن قلقها إزاء اتساع نطاق الحرب في الشرق الأوسط وعلى حدود إسرائيل، وانتقدت بشدة الحكومة الإسرائيلية لعدم اتخاذها خطوات مناسبة للتعامل مع الأزمة .
أخيرًا، خفّض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الإسرائيلي لعامي 2024 و2025، وذلك في إطار توقعاته للاقتصاد العالمي الصادرة نهاية أكتوبر 2024. وأوضح أن نمو الاقتصاد الإسرائيلي لهذا العام سيبلغ 0.7% مقارنةً بالتوقعات السابقة البالغة 1.6%. كما خُفّض توقعات النمو الاقتصادي لعام 2025 من 5.4% إلى 2.7% حاليًا[27].
رابعاً: هل يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي الصمود في مواجهة الصراعات المتعددة؟
وفقًا لأحدث تقرير صادر عن بنك إسرائيل، من المتوقع أن ترتفع التكلفة الإجمالية للحرب إلى حوالي 67 مليار دولار بحلول نهاية عام 2025. ويشمل ذلك زيادة في الإنفاق الدفاعي، وانكماشًا في الناتج المحلي الإجمالي، ونقصًا في العمالة، وإغلاقًا للشركات، وأضرارًا زراعية، وخسائر في البنية التحتية، وهروبًا لرؤوس الأموال[28].
تاريخيًا، تمكن الاقتصاد الإسرائيلي من الصمود أمام التوترات الجيوسياسية والحروب المتكررة، ومن غير المرجح أن يواجه انهيارًا وشيكًا. ويرجع ذلك ، إلى الدعم المستمر من الولايات المتحدة، والذي لا يقتصر على الجانب المالي فحسب، بل يشمل أيضًا تسهيل المساعدات الدولية وجذب الاستثمارات الأجنبية. كما أن الاقتصاد الإسرائيلي، رغم تأثره الكبير بالظروف الراهنة، لا يزال قويًا، إذ تستحوذ الشركات الناشئة الإسرائيلية على نحو 10% من إجمالي الشركات الناشئة حول العالم، وتساهم شركات التكنولوجيا بحوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
الدعم الأميريكي
تُعدّ إسرائيل من أكبر المتلقين للمساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث قُدّرت بحوالي 154.8 مليار دولار في الفترة من عام 1946 إلى عام 2022، على شكل مساعدات عسكرية تُقدّر بحوالي 111.1 مليار دولار، وتمويل للدفاع الصاروخي يُقدّر بحوالي 9.4 مليار دولار، بالإضافة إلى مساعدات اقتصادية تُقدّر بحوالي 34.3 مليار دولار.
يتحمل الاقتصاد الإسرائيلي الآن عبئًا ماليًا أثقل من حرب غزة مقارنةً بالمراحل الأولى من الصراع، ويرجع ذلك أساسًا إلى الآثار المباشرة وغير المباشرة على اقتصاد البلاد، مثل آثار اضطرابات البحر الأحمر على التجارة الخارجية الإسرائيلية. وقد أدى ذلك إلى مطالبات بزيادة المخصصات المالية لتمويل الإنفاق الحربي في مناقشات الموافقة على ميزانية الحكومة الجديدة، مما يمثل ضغطًا إضافيًا على المالية العامة الإسرائيلية، مما كشف بوضوح عن أهمية الدعم الأمريكي لإسرائيل في الوقت الحاضر.
خاتمة
تشكل الحرب الإسرائيلية على غزة، وما تبعها من تصعيد على الجبهة الشمالية، صدمة اقتصادية غير مسبوقة للاقتصاد الإسرائيلي من حيث العمق واتساع نطاق التأثير. لقد كشف هذا الصراع عن هشاشة البنية الاقتصادية التي كانت تبدو مستقرة ظاهريًا، ودفعها إلى منطقة مجهولة تتسم بتداعيات قصيرة وطويلة الأمد بالغة التعقيد.
وعلى الرغم من أن المرونة التاريخية والدعم الخارجي قد يمنعان انهيارًا اقتصاديًا كاملاً في المدى القصير، إلا أن مؤشرات الخطر واضحة: عجز موازنة متصاعد، وديون عامة آخذة في التضخم، وتراجع حاد في قطاعي السياحة والتكنولوجيا المحوريين، وهروب للاستثمارات الأجنبية، وتآكل في السمعة الدولية والتصنيف الائتماني. هذه العوامل مجتمعة تهدد بتراجع مستدام لمستوى المعيشة وقدرة الاقتصاد على النمو.
[1] The Conversation, Academic rigour, journalistic flair,Available at :
https://theconversation.com/israel-11-months-of-war-have-battered-the-countrys-economy-237915
[2] The Nagel Commission is an expert committee that looks into the army’s and military institution’s financing and equipment needs. It was appointed by the government at the beginning of August 2024.
[3] تقرير قناة الجزيرة، الكنيست الإسرائيلي يقر موازنة 2025 بإنفاق الدفاع الأكبر بالتاريخ ، 2025، متاح علي الرابط التالي:
https://www.ajnet.me/ebusiness/2025/3/25/israeli-knesset-approves-2025-budget
[4] Nati Toker, “Nine pits that the war created in the economy,” The Marker, November 28, 2024, (Hebrew), at https://www.themarker.com/allnews/2024-11-28/ty-article-magazine/.premium/00000193-6ec2-d09a-ab9f-ffcb898e0000.
[5] Hezki Baruch, “Bank of Israel Governor: this will be the price of war in Gaza,” Channel 7, January 22, 2024, (Hebrew), at https://www.inn.co.il/news/626963; Gad Lior, “The deficit, interest rates, inflation and the rating…” Ynet, October 7, 2024, (Hebrew), at https://www.ynet.co.il/economy/article/rjg4mmtrr.
[6] Yoav Zeiton, et al., “The most expensive war – and Israel’s goals have not yet been met: a snapshot, after 3 months,” Ynet, January 7, 2024, (Hebrew) at https://www.ynet.co.il/news/article/r1by24voa.
[7] تقرير cnbc عربية ، ارتفاع عجز الميزانية الإسرائيلية 4.2% في 2023 بسبب الحرب، 2024، متاح علي الرابط التالي:
[8] Boaz Ben-Nun , Inflation again rising, but home prices continue to fall, Globes , Available at :
[9] Lior, op. cit.
[10] By Reuters Israel public debt burden slides to 60.9% of GDP in 2022 January 19, 2023
[11] الموقع الرسمي لقناة الجزيرة الاخبارية، حرب إسرائيل على غزة زادت من مستوى الدين العام (غيتي)، متاح علي الرابط التالي:
https://www.ajnet.me/ebusiness/2025/6/10/israel-debt-jump-gaza-war
[12]Bank of Israel Annual Report 2022, Available AT :
[13] XinhuaI srael’s inflation drops to lowest since January 2022
https://english.news.cn/20230816/7654848968c94a6b93e03cb3a9d9719f/c.html
[14] Inflation in Israel rises back above target range, globes, available AT
https://en.globes.co.il/en/article-inflation-in-israel-climbs-back-above-target-range-1001486962
[15] Ruthie Levi, “The company that decided not to buy in Israel because of the war and the big questions surrounding the future of local modern technology,” The Marker, June 4, 2024, at https://www.themarker.com/technation/2024-06-04/ty-article/.premium/0000018f-dd14-d673-ab8f-ffdc15570000 (Hebrew).
[16] Israel Innovation Authority, “Annual Report, State of Technology 2024,” June 4, 2024, at https://innovationisrael.org.il/report/%d7%97%d7%9c%d7%a7-%d7%90-%d7%aa%d7%a8%d7%95%d7%9e%d7%aa-%d7%94%d7%94%d7%99%d7%99-%d7%98%d7%a7-%d7%9c%d7%9b%d7%9c%d7%9b%d7%9c%d7%94-%d7%94%d7%99%d7%a9%d7%a8%d7%90%d7%9c%d7%99%d7%aa/ (Hebrew).
[17] Mtanes Shihadeh , Arab center, Washington DC, The War on Gaza and Israel’s Technology Sector,2024, Available at :
https://arabcenterdc.org/resource/the-war-on-gaza-and-israels-technology-sector/#_edn5
[18] Timothy Rooks, Can Israel’s economy withstand multiple conflicts?, Available at:
https://www.dw.com/en/israel-economy-iran-hamas-technology-industry/a-72960150
[19] Gaza war plunges Israel’s tourism industry into crisis,2024,Available at :
[20] Abdel Raouf Arnaout, Betul Yilmaz Israel’s tourism sector incurs $3.4B in record losses since Gaza war Israel reports more than 90% in tourist arrivals since October 2023
[21] أسعار صرف العملات العالمية، تاريخ سعر صرف الدولار الأمريكي (USD) إلى الشيكل الإسرائيلي الجديد (ILS)، متاح علي الرابط التالي :
https://www.exchange-rates.org/exchange-rate-history/usd-ils-2022
[22] بنك اسرائيل ، أسعار الصرف النموذجية ، متاح علي الرابط التالي:
[23] المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية ، تقرير بعنوان الشيكل الإسرائيلي خلال الحرب: حصانة دولية واستثمار عالمي في اقتصاد الحرب والإبادة، متاح علي الرابط التالي :
[24]Israel-Hamas war, implications for gas markets, The conflict has already cut gas supplies to Israel and could start to have wider impacts by weighing on exports,2023
https://www.bruegel.org/first-glance/israel-hamas-war-implications-gas-markets
[25] أمال شحادة نقلاً عن الخبير الاقتصادي لشركة (BDO)، حين هرتسوغ، تراجع إنتاج الغاز بسبب الحرب يهدد الاقتصاد الإسرائيلي، 2025
[26] Ilan Alon, “Lecture: Economic repercussions of the war: How much will it cost us?” College of Management, n.d., (Hebrew), at https://www.colman.ac.il/blogs/economy/the_economic_aspect_of_war/..
[27] David Nagy, “IMF cuts Israel’s growth by more than half,” The Marker, October 2024, (Hebrew), at https://www.themarker.com/wallstreet/2024-10-22/ty-article/.premium/00000192-b42c-d5f0-a1bf-f76d58780000.
[28] شبكة يافا الاخبارية ، Israel’s Economy Under Fire: Can It Survive Multiple War Fronts?
https://yaffaps.com/en/page-29469.html
باحث اقتصاد مشارك من الخارج بمركز ترو للدراسات والتدريب