Cairo

رؤية تحليلية لقرارات الرئيس ترامب بنشر قوات الحرس الوطني في ضوء نظرية حالة الاستثناء

قائمة المحتويات

باحث مساعد في النظم والنظرية السياسية بمركز ترو للدراسات والتدريب

  تحوّلت قرارات الرئيس دونالد ترامب في الشهور القليلة الماضية لعام 2025 إلى نقطة محورية في النقاش حول دور السلطة الفيدرالية في إدارة الأمن الداخلي، عندما أمّر بنشر قوات الحرس الوطني وفرض الأمر الفيدرالي على بعض وحدات الحرس الوطني التابعة للولايات في مدن مثل لوس أنجلوس وواشنطن العاصمة، وتوسعت الجهود لاحقًا لتشمل ممفيس، شيكاغو وبورتلاند. ولا تُعتبر هذه القرارات جديدة على تاريخ السياسة الأمريكية، بل لها تاريخ طويل، كما أنها لا تُمثل مجرد استجابة طارئة لأزمات أمنية مزعومة، بل تجسيدًا لتحول منهجي في استخدام أداة تقليدية تُعتبر في الأصل احتياطًا محليًا في حالات الكوارث أو الاضطرابات القصوى.

  وقد أثارت هذه الإجراءات جدلاً قانونيًا وسياسيًا واسعًا في الداخل الأمريكي، إذ يطعن معارضوها في مدى استيفائها للمعايير الدستورية، خصوصًا في ظل اعتراض ولايات ومدن بقيادة ديمقراطية، وصدور أحكام قضائية مؤقتة بمنع بعض هذه الانتشارات. لذا، تتجه هذه الورقة إلى تحليل هذه القرارات الرئاسية الراهنة في ضوء نظرية “حالة الاستثناء” التي نظّر لها الفيلسوف الإيطالي جورجيو أجامبين، وذلك ليس فقط من مجرّد منظور تنفيذ سياسي إجرائي، بل باعتبار هذه القرارات فصلًا في تطور مبدأ نشر الحرس الوطني كممارسة في السياسة الأمريكية، وانعكاساته على التوازن بين الحكومة الفيدرالية والولايات، وعلى مفهوم الأمن الداخلي والديمقراطية في الولايات المتحدة المعاصرة.

أولا: نظرية “حالة الاستثناء” كإطار تفسيري للخلل الكامن في الديمقراطية الغربية:

   حاول الفيلسوف الإيطالي جورجيو أجامبين أن يُقدم تنظيرًا حول وضع يتسم بالالتباس والصعوبة في المنظومات الديمقراطية الغربية الحديثة والمعاصرة، ألا وهي حالة الاستثناء. وهي الحالة التي نظر لها أجامبين على كونها ركيزة أساسية، تجسد “نموذجًا للحكم” – على حد وصفه – في البُنى القانونية والممارسات السياسية في السياسة الغربية. طوّر أجامبين مفهوم حالة الاستثناء في أحد أهم أجزاء كتابه “الإنسان المستباح“، وهو كتاب ضخم أثار القلق في الفلسفة السياسية المعاصرة، وهذا الجزء صدر عام 2003 تحت عنوان “حالة الاستثناء”

   سعى أجامبين لإدراك مفهوم السيادة بالاعتماد على البناء النظري للفيلسوف الألماني كارل شميت حولها، وكان شميت يُحدد السيادة بالقدرة على خلق حالة الاستثناء.[1] ويوضح كارل شميت في كتابه “اللاهوت السياسي” أن إمكانية إخضاع الدولة للقانون عبر جعل القانون هو محور السيادة وليست الدولة هي محاولة فاشلة؛ بسبب حالة الاستثناء، وهذه هي الحالة التي رأى شميت أن صاحب السيادة فيها يُقرر تعطيل العمل بالنظام القانوني بسبب مُستجدات تُعرقل ظروف عمله، مما يستوجب العمل بالقرار السياسي القابع خارج القانون والمُتجاوز له.[2]

   لا تعود السيادة في هذا الفهم إلى الشعب كما هو الحال في النظريات الديمقراطية الغربية الحديثة، ولا تتجلى تلك السيادة في صُنع القوانين والعمل بها فقط، بل بالأساس بالقدرة على تعليق هذه القوانين وتجاوزها عندما يستدعي الأمر ذلك. لكن أجامبين قد قام بتطوير المفهوم الخاص بالسيادة بالنظر إليها لا على أنها خارج القانون المنبثق عنها كما الحال عند شميت، بل على أنها بنية يرتبط فيها القانون بالحياة عندما يُعلق صاحب السلطة القانون عبر استخدامه للسيادة. يُوضح أجامبين هذا الارتباط في الممارسة السيادية بقوله: “الاستثناء هو تلك المنظومة الأصلية التي بواسطتها يرتبط القانون بالحياة ويحتويها بداخله، وذلك من خلال تعليق العمل بالقانون نفسه”.[3]

   اشتقّ أجامبين مفهوم حالة الاستثناء من هذا التأسيس واعتبرها الحالة التي تجمع العلاقة التفاعلية بين رباعية السيادة، القانون، الإنسان والحياة؛ وفَهم هذه الحالة على أنها خلل بين السياسي والقانوني، ناجم عن ظروف غير اعتيادية، لا يستطيع النظام القانوني أن يتعامل معها وفقًا لترتيباته الثابتة داخل منظومته القانونية. والأمثلة على ذلك كثيرة، كالحروب الأهلية والانتفاضات، أو أوقات الأزمات السياسية عموما. ونظرًا لأن طبيعة هذه الأزمات تعود إلى المسألة السياسية؛ فأجامبين يحاول أن يفهم حالة الاستثناء الواقعة فيها من المنظور السياسي وليس القانوني، رغم أنه يعي أن هذه الحالة تُجسد أرضًا مباحة تتوسط التخوم بين السياسة والقانون،[4] فهذه منطقة رمادية غامضة ليست داخل القانون ولا خارجه بل هي الوصلة التي تربط القانون بالعنف.

   وبالتركيز على الطبيعة السياسية لهذا الوضع، ينظر أجامبين لحالة الاستثناء على كونها حالة تتسم بتعليق العمل بالقوانين التي تحدد طبيعة عمل السلطة تجاه مواطنيها، في ظروف استثنائية؛ مما يجعل سيادتها مطلقة دون قيود في الحكم والسيطرة. فهم أجامبين هذه الحالة بشكل مركب بالرغم من أنها تخلق واقعًا غير قانوني إلا أنها من حيث كونها قاعدة، فهي متفقة مع النظام القانوني سواء بنص دستوري يُعطي صلاحيات ضخمة للسلطة التنفيذية في الظروف الاستثنائية  كما هو الحال في عدة دساتير ديمقراطية كالدستور الأمريكي والفرنسي، أو انطلاقًا من مبدأ أن الضرورة لا قانون لها،[5] مما يجعل صاحب السيادة يُعلق النظام القانوني ليتعامل معها؛ لأنها مُربكة للمحددات التي يتفاعل معها هذا النظام عادة. وهذا ما أوضحه أجامبين بقوله عن حالة الاستثناء أنها: “ليست قانونا خاصا كقانون الحرب، بل هي تعليق للعمل بالنظام القانوني. وعلى هذا الأساس فهي تعين عتبة هذا النظام أو حدوده”.[6]

   لم ينظر أجامبين إلى حالة الاستثناء على أنها ظاهرة نادرة أو خافتة في التجربة السياسية الغربية، بل نظر إليها – في ضوء قراءته التاريخية ومتابعته للسياسة المعاصرة – على أنها ظاهرة متكررة وذات طابع حاكم، كما أن حالة الاستثناء تُعتبر آلية مستوعبة في البنية القانونية للدولة الحديثة ذاتها، ورآها في السياسة الحالية على أنها “تميل على نحو متزايد إلى طرح نفسها بوصفها نموذجا للحكم في السياسة المعاصرة، ويهدد هذا التحول من إجراء مؤقت واستثنائي إلى أسلوب للحكم”. وهذا يعتبر أمرًا خطيرًا على مستوى الممارسة السياسية؛ لأنه يُقيم وصلة رابطة بين الديمقراطيات والشموليات، تجعل القدرة على عملية التمييز بينهما صعبة، بل ومنعدمة.[7] والأمر الأكثر خطورة أن الدول المعاصرة باتت تلجأ لخلق حالات طوارئ كإجراء سياسي، أي أن حالة الاستثناء باتت تتكشف باعتبارها القاعدة التي تجسد نموذجًا تأسيسيًا للنظام القانوني وليس حالة عارضة أو مؤقتة.[8]

   ويُوضح أجامبين أن حالة الاستثناء لا تقوم على إلغاء القانون، بل على تعطيله وتعليقه أو حتى التلاعب به بما يُحقق زيادة صلاحيات صاحب السلطة في تلك الظروف التي تحددها الحكومات وحدها بأنها تُهدد بقاء النظام أو الجماعة السياسية، مما يمنحها قوة متعاظمة لمواجهة هذه المهددات، لكن هذه القوة الإضافية  تتعدى على حقوق وحريات المواطنين بالخرق، وهذا الوضع هو ما يخلق “الإنسان المستباح” المُعرض – ولو نظريًا – للانتهاك والعنف في أي لحظة من قبل السلطة بحجة حفظ النظام العام؛ لأنه فقد الغطاء القانوني الذي يحمي حياته. لذلك، وصف أجامبين هذه الحالة بأنها “حياة عارية”، أي مجردة من أي تحفظات قانونية تضمن لصاحبها حقوقه الأساسية بما فيها حقه في الحياة. هذه المفاهيم الأجامبينية كانت من أهم مُسلطات الضوء على المنطقة المعتمة في الأنظمة الديمقراطية، وأوجدت صدى نقديًا لممارسات العديد من الحكومات الغربية التي تروج خطابها الليبرالي داخليًا وخارجيًا، وهو ما يكون مناسبًا لفهم به الحالة الأمريكية المعاصرة.

ثانيا: الصلاحيات الدستورية للرئيس الأمريكي في استخدام قوات الحرس الوطني بالولايات وحالاته التطبيقية:

   يشكّل استخدام الرئيس الأمريكي لقوات الحرس الوطني في الولايات إحدى أكثر المسائل القانونية والسياسية تعقيدًا في النظام الدستوري الفيدرالي للولايات المتحدة. فبينما يقرّ الدستور للرئيس بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة سلطةً في إدارة الشؤون العسكرية وحماية الأمن الوطني، يضمن في الوقت ذاته للولايات استقلالها في تنظيم وإدارة قواتها الأمنية والعسكرية. ومن ثمّة، فإن العلاقة بين السلطة الفيدرالية وسلطة الولايات في هذا المجال تظل محكومة بتوازن دقيق بين ضرورات الأمن القومي ومتطلبات السيادة للولايات.

   وقد أثارت هذه الإشكالية سجالات فكرية ودستورية منذ نشأة الجمهورية الأمريكية، خاصةً في اللحظات التي لجأت فيها السلطة التنفيذية إلى استدعاء الحرس الوطني لمواجهة اضطرابات داخلية أو تنفيذ القوانين الفيدرالية ضد إرادة بعض الولايات، ويمكننا أن نجد لهذه الحالة صدى واضح في المشهد الداخلي الأمريكي الراهن بعد قرارات الرئيس دونالد ترامب المتكررة بنشر قوات الحرس الوطني في عدة مدن أمريكية. لذلك، فإن دراسة الصلاحيات الدستورية للرئيس في هذا السياق تمثل مدخلًا أساسيًا لفهم حدود السلطة التنفيذية في النظام الأمريكي، وكيف يمكن للأطر القانونية أن تضبط التوتر بين منطق الأمن ومنطق الفيدرالية، بين الحماية الوطنية والاستقلال المحلي.

  • الإطار الدستوري العام للسلطة التنفيذية والطبيعة المزدوجة للحرس الوطني:

   ينص الدستور الأمريكي في المادة الثانية على أن رئيس الولايات المتحدة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، بما في ذلك الجيش والبحرية، وكذلك قوات الولايات عندما تُستدعى إلى الخدمة الفيدرالية.[9] وتعد هذه الصلاحية أحد أهم مظاهر السلطة التنفيذية التي تُتيح للرئيس التدخل في حالات الطوارئ الوطنية والكوارث أو الاضطرابات الداخلية المدنية.[10] ويستند هذا النص إلى رؤية الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية بأن الرئيس يجب أن يمتلك سلطة كافية لضمان الأمن القومي وحماية النظام الدستوري، دون أن يخلّ ذلك بمبدأ الفصل بين السلطات أو بحقوق الولايات في إدارة شؤونها الداخلية.

   ويُعد الحرس الوطني الأمريكي مؤسسة فريدة من نوعها في النظام الفيدرالي؛ فهو يتمتع بطبيعة مزدوجة تجمع بين الانتماء للولايات والانتماء الفيدرالي.[11] فمن جهة، يخضع الحرس الوطني لإمرة حاكم الولاية ويستخدم في مواجهة الكوارث الطبيعية أو ضبط الأمن المحلي. ومن جهة أخرى، يمكن للرئيس الفيدرالي استدعاؤه للخدمة الوطنية بموجب سلطاته الدستورية أو وفقًا للقوانين الاتحادية مثل قانون الاستدعاء (Title 10, U.S. Code) أو قانون التمرد (Insurrection Act of 1807) الصادر عام 1807، الذي يسمح للرئيس بنشر القوات الفيدرالية أو الحرس الوطني لإعادة النظام العام في حال تعذر على سلطات الولاية القيام بذلك.[12] فالحرس الوطني هو في الأصل قوة ولاية احتياطية، تتبع الحاكم في الظروف العادية، لكنها تخضع للفدرلة الكاملة حين يستدعيها الرئيس بموجب تفويض دستوري أو قانوني.

  • الأساس القانوني لتدخل الرئيس في شؤون الولايات وأثره على التوتر بين السلطة الفيدرالية وسلطة الولايات:

   تستند صلاحيات الرئيس في استخدام الحرس الوطني إلى مجموعة من القوانين الفيدرالية، أهمها هو قانون التمرد (The Insurrection Act of 1807) الذي يمنح الرئيس صلاحية استخدام القوات المسلحة، بما فيها الحرس الوطني، لقمع التمردات أو تنفيذ القوانين الفيدرالية عندما تكون سلطات الولاية عاجزة أو ممتنعة عن ذلك.[13] كذلك قانون الدفاع الوطني (National Defense Act of 1916) الذي أعاد تنظيم الحرس الوطني ليصبح جزءًا من الاحتياط الفيدرالي الدائم، مما عزز سلطة الرئيس في استدعائه للخدمة الوطنية. بالإضافة إلى القانون المتعلق بالطوارئ (The Stafford Act of 1988) الذي يُتيح للرئيس إعلان حالة طوارئ وطنية وتوجيه الموارد العسكرية والمدنية، بما في ذلك الحرس الوطني، لدعم الاستجابة للكوارث.[14] وتُعد هذه القوانين تقييدًا جزئيًا لسلطة الرئيس، إذ تشترط وجود حالة استثنائية محددة قانونًا قبل التدخل الفيدرالي، حمايةً لحقوق الولايات وصيانةً لمبدأ التوازن الفيدرالي.

   على الرغم من الوضوح النسبي للإطار القانوني، فإن ممارسة الرئيس لحق استدعاء الحرس الوطني كثيرًا ما أثارت نزاعات دستورية وسياسية. فحكام الولايات يرون أن تدخل الرئيس في شؤونهم الأمنية يُعد مساسًا بسيادة الولاية، بينما يبرر الرؤساء الأمريكيون تدخلهم بضرورة حفظ النظام العام وحماية الحقوق المدنية. وقد برز هذا التوتر في أحداث تاريخية، مثل تدخل الرئيس أيزنهاور في أركنساس عام 1957 لتطبيق قرارات إلغاء التمييز العنصري، وتدخل الرئيس جورج بوش الأب عام 1992 أثناء اضطرابات لوس أنجلوس.[15] تلك السوابق أكدت أن سلطة الرئيس ليست مطلقة، لكنها قابلة للتفعيل حين يهدد العجز المحلي السلم الاجتماعي أو وحدة الاتحاد.

   وبالرغم من اتساع الصلاحيات الدستورية للرئيس، إلا أن ممارستها تخضع لرقابة مؤسسية من الكونجرس والمحاكم. فالكونجرس يستطيع تقليص التمويل أو تقييد الاستخدام المفرط للقوة، كما تملك المحكمة العليا صلاحية مراجعة دستورية للإجراءات التنفيذية عند تجاوزها حدود التفويض.[16] إضافةً إلى ذلك، تمثل المساءلة السياسية والإعلامية قيدًا فعليًا على قرارات الرئيس في نشر الحرس الوطني، خاصة في القضايا التي تمس الحريات المدنية وحقوق التظاهر، وهي القضايا التي تُثار بشيء من التخوف حاليًا في الولايات الأمريكية بسبب قرارات الرئيس ترامب.

   فيمكن القول إن صلاحيات الرئيس الأمريكي في استخدام الحرس الوطني تمثل منطقة رمادية بين الصلاحيات الفيدرالية وسيادة الولايات، فهي ليست سلطة مطلقة ولا مقيدة بالكامل. إذ يقوم النظام الدستوري الأمريكي على مبدأ الاستثناء المقيد؛ أي منح الرئيس سلطة التدخل عند الضرورة لحماية الاتحاد، بشرط ألا يتحول هذا الاستثناء إلى قاعدة دائمة أو وسيلة لتوسيع السلطة التنفيذية على حساب استقلال الولايات.

  • حالات تطبيقية تاريخية لاستخدام المبدأ الدستوري منذ بداية القرن العشرين حتى فترة ترامب الأولى:

   إذا كانت قرارات الرئيس ترامب الحالية بنشر قوات الحرس الوطني قد أثارت الجدل في الداخل الأمريكي بين من يؤيدها بغرض التصدي لحالات الفوضى الداخلية، والمعارض لها بحجة الحفاظ على الحقوق والحريات والصلاحيات الخاصة بالولايات؛ فإن مبدأ استخدام الرئيس لقوات الحرس الوطني له سوابق عديدة في التاريخ الأمريكي، وبدونها لا نستطيع فهم طبيعة هذا الاستخدام وظروف متطلباته. لذلك؛ استدعاء هذه السوابق لا يُعد مجرد استعراضا تاريخيا، بل دلالة تاريخية تُبرز التوتر البنيوي بين السلطة الفيدرالية وحقوق الولايات، وتكشف عن اللحظة التي يقترب فيها النظام السياسي الأمريكي بشكل ما أو بآخر من حدود الاستثناء كما وصفها جورجيو أجامبين.

   يمكن أن تعود الجذور التاريخية لاستخدام مبدأ قوات الحرس الوطني إلى عهد الرئيس الأمريكي المؤسس جورج واشنطن الذي واجه ما يُعرف تاريخيًا ب”تمرد الويسكي”، وهو التمرد الذي تصاعد في أواخر القرن الثامن عشر بعد رفض قطاع من منتجي الخمور في ولاية بنسلفانيا دفع الضريبة والقيام بعصيان مدني، ذلك ما دفع الرئيس واشنطن إلى استدعاء قوات من عدة ولايات لمواجهة التمرد المسلح وإجبار المتمردين على دفع الضريبة.[17] لكن يجب التنبيه بأن الحرس الوطني بتكوينه الحالي لم يكن موجودًا حينها، لكننا يمكننا أن نعتبر أن القوات التي استخدمها الرئيس واشنطن تُعد النواة الأساسية لتشكيل الحرس الوطني لاحقًا بتنظيمه الحديث والحالي في أوائل القرن العشرين، وذلك بعد إصدار ما سُمي بقانون الميليشيا عام 1903. وما يميز هذه الواقعة التاريخية الخاصة بتمرد الويسكي أنها أرست السابقة الدستورية والسياسية الأولى لما سيُعرف فيما بعد بمبدأ نشر قوات الحرس الوطني.

   ونظرا لمحدودية نطاق الورقة، سنحاول رصد أبرز الاستخدامات الرئاسية الأمريكية لهذا المبدأ بالاقتصار على تغطية الفترة التي تمتد طوال القرن العشرين وصولا للوقت الراهن. وذلك بغرض كشف الاختلافات في استخدام المبدأ وتبيان ظروف تطبيقه، وهو ما يساعدنا في فهم وتقييم القرارات الحالية للرئيس ترامب إلى حد بعيد.

1 – استخدام المبدأ في سياق الحربين العالميتين:

   بدأ الاستخدام الرئاسي المكثف للحرس الوطني في القرن العشرين مع الرئيس وودرو ويلسون عام 1916، عقب هجوم قوات بانشو فيا على بلدة كولومبوس في نيو مكسيكو. فقد أمر ويلسون بنشر ما يزيد على مئة ألف من أفراد الحرس الوطني على الحدود مع المكسيك ضمن ما عُرف بـ”حملة الحدود”. وكان الهدف من نشر القوات هو منع التوغلات المسلحة وضمان أمن الحدود الجنوبية، مستندًا إلى قانون الميليشيا لعام 1903 الذي سمح للرئيس باستدعاء الحرس في حالات الطوارئ الخارجية.[18] وشكّل هذا القرار أول توظيف حقيقي للمبدأ في المجال العسكري الخارجي الذي أتت التهديدات منه، ورسّخ سلطة الرئيس في استخدام هذه القوة كامتداد للجيش النظامي.

   ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، استخدم الرئيس فرانكلين روزفلت الحرس الوطني على نطاق واسع ضمن عمليات التعبئة الشاملة للقوات المسلحة. فبعد تعديل قانون الدفاع الوطني عام 1933، أصبح الحرس الوطني جزءًا من احتياطي الجيش الفيدرالي، ما أتاح للرئيس تحويله من قوة ولائية إلى تشكيلات قتالية تعمل تحت القيادة العامة. وقد مثّل هذا الاستخدام ذروة الفدرلة الكاملة للحرس الوطني في المجال العسكري، وساهم في ترسيخ تصوّر جديد لدوره كقوة مزدوجة الانتماء بين الولاية والاتحاد.[19]

   بينما في أعقاب الحرب العالمية الثانية، هدد الرئيس هاري ترومان باستخدام الجيش في الداخل لمواجهة الإضرابات العمالية الواسعة التي هددت الأمن الاقتصادي والاجتماعي، مثل إضراب عمال السكك الحديدية عام 1946. ولم يكن هنا التدخل ذا طبيعة عسكرية خارجية كما هو الحال في استخدام السابقتين، بل جاء لحماية المرافق الحيوية والحفاظ على النظام العام. والرئيس ترومان لم يستند إلى “قانون التمرد” بل على قوانين الطوارئ الاقتصادية والإدارية التي كانت تجيز للحكومة الفيدرالية إدارة المرافق الصناعية الحيوية أثناء النزاعات العمالية، وكانت مثل تلك القوانين هامة في هذا السياق التاريخي بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية.[20] مثلت هذه السابقة خطوة في توسيع صلاحية الرئيس نحو مواجهة التهديدات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية، لا العسكرية الخارجية فقط.

2 – استخدام المبدأ لتعزيز الحقوق الدستورية للسود:

   أما الرئيس دوايت أيزنهاور، فقد ارتبط اسمه بإحدى أهم وأشهر حالات استخدام الحرس الوطني في التاريخ الأمريكي الحديث، وهي أزمة مدرسة ليتل روك المركزية بولاية أركنساس عام 1957. فبعد أن رفض حاكم الولاية تنفيذ حكم المحكمة العليا بدمج الطلبة السود في المدارس، قام أيزنهاور بفدرلة الحرس الوطني في الولاية، أي سحب السيطرة عليه من الحاكم ووضعه تحت قيادة فيدرالية مباشرة، ثم أرسل وحدات من الجيش لتأمين تطبيق القرار.[21] عكست هذه الخطوة تحول استخدام المبدأ من أداة لحفظ النظام إلى وسيلة لحماية الحقوق الدستورية والمدنية، مؤكدةً أن السلطة الفيدرالية هي الضامن الأخير للعدالة المدنية.

   وفي أوائل الستينيات، تابع الرئيس جون كينيدي نهج سلفه في استخدام الحرس الوطني لتعزيز الحقوق المدنية. ففي عام 1962، أمر كينيدي بنشر الحرس الوطني في ولاية ميسيسيبي لتمكين الطالب الأسود جيمس ميريديث من الالتحاق بجامعة الولاية بعد مقاومة عنيفة من السكان والحاكم. وفي العام التالي، استخدم الحرس الوطني في ولاية ألاباما لفرض الدمج المدرسي في برمنغهام ومونتغمري.[22] وقد مثل هذان التدخلان تطبيقًا مباشرًا لمبدأ الفدرلة في مواجهة سلطة الولايات الرافضة للقوانين الفيدرالية، مما أكد أولوية الحقوق المدنية على سيادة الولاية.

3 – استخدام المبدأ لمواجهة اضطرابات النصف الثاني من القرن العشرين:

   في عهد الرئيس ليندون جونسون، أصبح الحرس الوطني أداة أساسية في مواجهة الاضطرابات الاجتماعية الواسعة التي هزّت المدن الأمريكية بين عامي 1965 – 1968، خاصة بعد اغتيال مارتن لوثر كينغ. استُخدمت قوات الحرس في ديترويت وشيكاغو وواشنطن العاصمة لاستعادة النظام بعد أعمال الشغب التي خلفت مئات القتلى وآلاف الجرحى.[23] وقد جسد هذا الاستخدام توسع المبدأ تحت غطاء قانوني وفيدرالي قوي ليشمل مواجهة التوترات العنصرية والاجتماعية التي كانت تموج بعض المدن الأمريكية.

   بينما في فترة حكم الرئيس ريتشارد نيكسون حدث أحد أكثر استخدامات الحرس الوطني إثارة للجدل في القرن العشرين، وذلك عندما أمر بنشره لاحتواء الاحتجاجات المناهضة لحرب فيتنام في الجامعات الأمريكية. وقد انتهى الأمر بحادثة جامعة كينت ستيت عام 1970، حين أطلق أفراد من الحرس الوطني النار على المتظاهرين وقتلوا أربعة طلاب وأصابوا تسعة،[24] وهو ما جعل هذه الحادثة تشكل نقطة انعطاف في الوعي الأمريكي، إذ أبرزت خطورة استخدام القوات شبه العسكرية في مواجهة المدنيين، وأعادت الجدل حول حدود صلاحية الرئيس في تفعيل المبدأ داخل أراضي الدولة.

   أما الرئيس جورج بوش الأب، فقد استخدم الحرس الوطني عام 1992 خلال أعمال الشغب في لوس أنجلوس بعد تبرئة رجال الشرطة في قضية رودني كينغ. كان ذلك آخر تطبيق فعلي لقانون التمرد في القرن العشرين، إذ تمّ استدعاء الحرس الوطني الفيدرالي بناء على طلب حاكم كاليفورنيا لاستعادة النظام في المدينة.[25]

4 – استخدام المبدأ لمواجهة الإرهاب وحماية الحدود في القرن الحادي والعشرين:

   ومع مطلع القرن الحادي والعشرين، شهد مبدأ استخدام الحرس الوطني تحوّلات عميقة مرتبطة بصعود “الحرب على الإرهاب” وتزايد الكوارث البيئية، ما أعاد تعريف مهامه وحدود استخدامه الرئاسي. وفيما يخص قضيتي الإرهاب والهجرة، جاء التحول الأول في عهد الرئيس جورج بوش الابن، عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، إذ استُخدم الحرس الوطني لأول مرة في إطار استراتيجيات الحدود والهجرة في ضوء حالات الأمننة التي اعتمد الرئيس بوش الإبن في خلقها بفترة حكمه، فقد نشر الرئيس بوش وحدات الحرس على الحدود الجنوبية المكسيكية لمواجهة الهجرة غير الشرعية واستمرار تعزيز الأمن الداخلي والحرب على الإرهاب، كما استُدعيت عشرات الآلاف من قواته للخدمة الفيدرالية في أفغانستان والعراق ضمن عمليات خارجية طويلة المدى.[26] وقد مثّل هذا الاستخدام اندماجًا تامًا بين الأبعاد العسكرية والأمنية للمبدأ، وأدى إلى تغيّر بنيوي في طبيعة الحرس الوطني ذاته الذي أصبح جزءًا من القوة القتالية الأمريكية المنتشرة عالميًا والتي تتعامل بمنطق الأمننة داخليًا.

   أما الرئيس باراك أوباما، فقد استخدم الحرس الوطني في نطاق محدود نسبيًا، مفضّلًا التعاون مع حكام الولايات بدلًا من فرض الفدرلة. ففي عام 2010، أمر بنشر قوات من عناصر الحرس الوطني على الحدود مع المكسيك للمساعدة في مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات والاتجار بالبشر.[27] كما تم نشر الحرس الوطني خلال احتجاجات “فيرغسون” في ولاية ميزوري عام 2014 بعد مقتل الشاب “مايكل براون”، لكن الاستخدام بقي تحت سيطرة الحاكم المحلي ولم يتحول إلى تدخل فيدرالي مباشر.[28] يعكس هذا النهج اتجاهاً جديدًا في السياسة الفيدرالية يقوم على ضبط النفس التنفيذي وتجنّب المواجهات مع سلطات الولايات.

5 – استخدام المبدأ في مواجهة الكوارث الطبيعية:

   وفي عام 2005، أعاد إعصار كاترينا – الذي يعد من أكثر الظواهر الطبيعية تدميرا في التاريخ الأمريكي – فتح النقاش حول سلطة الرئيس في استخدام الحرس الوطني أثناء الكوارث الكبرى. فقد تعرضت إدارة بوش الابن لانتقادات حادة بسبب تأخرها في فدرلة الحرس الوطني لولاية لويزيانا، ما أدى إلى تفاقم الكارثة الإنسانية في مدينة نيو أورلينز. ورغم أن التدخل اللاحق ساهم في جهود الإغاثة، فإن الجدل كشف عن هشاشة التوازن بين السلطة الفيدرالية وسلطة الولايات في حالات الطوارئ، ودفع الكونغرس إلى إعادة النظر في صلاحيات الرئيس بموجب “قانون التمرد” و”قانون ستافورد” لإدارة الكوارث.[29] كما أنه بعد هذه الواقعة تحديدًا، بدأت تيارات نقدية في نظريات العلاقات الدولية والأمن تتساءل حول مدى قدرة القوة العسكرية في تحقيق الأمن في ظل مثل هذه الظروف، وبدأت تدخل أبعاد أخرى للأمن الإنساني تتجاوز التركيز على السعي نحو تعاظم القوة العسكرية لتحقيق الأمن عبر إيجاد فهم تكاملي لمفهوم الأمن.

6 – فترة الرئيس ترامب الأولى والتصدي للهجرة والاضطرابات الاجتماعية:

   أما خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى (2016 – 2020)، فقد عاد الجدل بقوة حول حدود سلطة الرئيس في نشر الحرس الوطني. ففي عام 2018، أمر ترامب بنشر قوات الحرس على طول الحدود الجنوبية مع المكسيك في إطار ما سماه “حماية الحدود الوطنية” ومنع الهجرة غير الشرعية، مستمرًا على نهج الجمهوري بوش الإبن.[30] ورغم أن هذه القوات بقيت تحت سيطرة حكام الولايات، فإن الخطوة مثّلت استخدامًا سياسيًا واضحًا للمبدأ في سياق أمني داخلي. وفي عام 2020، بلغ الجدل ذروته بعد مقتل “جورج فلويد” واندلاع احتجاجات واسعة ضد عنف الشرطة في عشرات المدن الأمريكية. حينها هدد ترامب بتفعيل “قانون التمرد” لنشر الحرس الوطني الفيدرالي في المدن التي شهدت اضطرابات بسبب خلافاته مع العديد من حكام الولايات، بل أصدر أوامر فعلية بنشره في واشنطن العاصمة، حيث شارك في تفريق المتظاهرين بالقرب من البيت الأبيض.[31] ورغم أنه لم يُفعّل القانون رسميًا، فإن استخدامه للقوة العسكرية داخليًا أعاد إلى الأذهان أزمات الستينيات، وأثار نقاشًا واسعًا حول إمكانية إساءة استخدام المبدأ لأغراض سياسية، وهو ما أصبح جليًا في فترة حكمه الحالية التي شهدت على تكرار الظاهرة.

   إن استعراض قرنٍ كامل من استخدام الرؤساء الأمريكيين لمبدأ نشر الحرس الوطني يكشف عن ثلاثة أنماط متتابعة في توظيفه. أولها النمط العسكري – الأمني الذي ساد النصف الأول من القرن العشرين، حيث كان الهدف الأساسي دعم العمليات العسكرية أو حماية الحدود، كما في حقبتي ويلسون وروزفلت، وتكررت في الوقت المعاصر بشكل مختلف مع فترات بوش وأوباما وترامب، وجميعهم ركزوا على الحدود الجنوبية التي اعتبروها مصدرا لتهديدات الأمن الأمريكي. وثانيها النمط الحقوقي- المدني الذي بلغ ذروته في الخمسينيات والستينيات مع فترات أيزنهاور وكينيدي وجونسون، حين استُخدم الحرس الوطني لفرض الحقوق المدنية وإنهاء التمييز العنصري. أما ثالثها فهو النمط الإداري- الإنساني والأمني- الداخلي الذي برز منذ الثمانينيات واستمر في القرن الحادي والعشرين، حيث أصبح الحرس الوطني أداة لإدارة الكوارث ومكافحة الإرهاب والهجرة والاضطرابات.

   كما يُظهر المسار التاريخي أن قانون التمرد لعام 1807 ظل الركيزة القانونية الأساسية التي تمنح الرئيس سلطة استدعاء الحرس الوطني، وإن اختلفت طبيعة المبررات والسياقات. فبينما كانت الدعوات الأولى لتطبيقه تتعلق بالتهديدات الخارجية أو بالعصيان المسلح، أصبحت تطبيقاته المعاصرة تدور حول الاضطرابات المدنية والتحديات الاجتماعية. ومع تصاعد الاستقطاب السياسي في العقود الأخيرة، برزت مخاوف من إمكانية توظيف المبدأ لتوسيع سلطة الرئيس على حساب النظام الفيدرالي ومبدأ الفصل بين السلطات.

   إن تتبّع الاستخدامات الرئاسية لمبدأ نشر قوات الحرس الوطني من بدايات القرن العشرين حتى ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى يُبرز تطورًا واضحًا في وظيفة المبدأ ودلالته السياسية. فبينما بدأ كآلية لحماية الأمن القومي والحدود، تحول تدريجيًا إلى أداة لضبط التوازن بين الفيدرالية والحقوق المدنية، ثم إلى وسيلة لإدارة الكوارث ومكافحة التهديدات غير التقليدية.

   وفي كل مرحلة، كان الحرس الوطني مرآة تعكس طبيعة العلاقة بين السلطة التنفيذية والمجتمع الأمريكي: بين الأمن والحرية، وبين المركز والولايات، وبين الشرعية السياسية واستخدام القوة. ومع دخول القرن الحادي والعشرين، تزداد أهمية هذا المبدأ لا بوصفه مجرد إجراء إداري، بل كمعيار لمدى التزام النظام الأمريكي بحدود سلطته الدستورية في مواجهة أزماته الداخلية. وقد مثّل هذا المبدأ محورًا متكررًا في تاريخ الولايات المتحدة خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين، إذ استخدمه الرؤساء في مواجهة الاضطرابات الداخلية، والكوارث الطبيعية، وحماية الحقوق الدستورية، بل وحتى في مكافحة الإرهاب. ويتيح تتبّع تاريخ هذه الاستخدامات فهمًا عميقًا لكيفية تحوّل الحرس الوطني من قوة محلية محدودة إلى أداة رئيسة من أدوات ممارسة السلطة الفيدرالية في الداخل الأمريكي، تزداد درجة استخدامها في الوقت الراهن كما سنرى، بل وحتى ربما يزداد تسيسها.

ثالثا: قرارت الرئيس ترامب بنشر قوات الحرس الوطني في ولايته الثانية:

   شهدت الولايات المتحدة منذ منتصف عام 2025 سلسلة قرارات متتابعة من إدارة الرئيس دونالد ترامب تقضي بنشر قوات الحرس الوطني في عدد من المدن الأمريكية الكبرى مثل لوس أنجلوس، واشنطن العاصمة، ممفيس، شيكاغو، بورتلاند، وولايات جنوبية كبرى مثل تكساس، ومن المتوقع أن يزيد عدد تلك المدن في الفترة القادمة كما صرّح الرئيس ترامب.[32] جاءت هذه القرارات في سياق سياسي مشحون، اتسم بارتفاع منسوب الاحتجاجات الاجتماعية والنزاعات حول الهجرة والتمييز، ما جعل الإدارة تبرر تدخلها باعتباره إجراءً ضروريًا لحماية الأمن القومي والنظام العام. إلا أن هذه الخطوات كشفت في الوقت ذاته عن توجه متزايد لتوسيع سلطة الرئيس الفيدرالية على حساب صلاحيات الولايات، وهو ما أعاد إلى الواجهة سؤال “حالة الاستثناء” وحدود استخدامها في النظام الأمريكي.

1 – نشر قوات الحرس الوطني في لوس أنجلوس:

   أمر الرئيس ترامب بنشر ما يقارب 2000 جندي من قوات الحرس الوطني في مدينة لوس أنجلوس بأوائل يونيو من عام 2025، وذلك لمواجهة الاحتجاجات التي وقعت في أوائل الشهر كرد فعل على سياسات حملة الرئيس في إدارته لملف المهاجرين غير الشرعيين، بالأخص عندما بدأت إدارة الهجرة والجمارك (ICE) بدخول عدة مناطق في المدينة المعروفة بكثافة المهاجرين غير الشرعيين، وذلك بغرض اعتقالهم وترحيلهم. وقد شبّه الرئيس ترامب هؤلاء المهاجرين في خطابه بالمجرمين والغزاة الذين احتلوا المدينة التي يجب أن تُحرر منهم، كما وصف المتظاهرين بأنهم “محرضون ومثيروا شغب غالبًا ما يحصلون على أجور مقابل ذلك”.[33]

   ونُفذ قرار الرئيس ترامب على ضوء استنكار من حاكم ولاية كاليفورنيا الديمقراطي جافين نيوسوم الذي أعتبر القرار نابعًا من “رئيس ديكتاتوري”. بينما حكمت المحكمة الجزئية الأمريكية عبر حاكمها تشارلز براير أن قرار الرئيس ترامب منتتهك للقانون؛ لأن مبرر نشر قوات الحرس الوطني كان مفتعلًا بسبب عدم وجود تمرد بالمعنى الفعلي، وأنه ليس هناك في المدينة ما هو فوق قدرة جهات الولايات المختصة بإنفاذ القانون للتعامل معه.[34]

2 – نشر قوات الحرس الوطني في واشنطن العاصمة:

   وفي محاولة متكررة لإحراج الإدارات الديمقراطية، أصدر الرئيس ترامب قرارًا في أواسط أغسطس 2025 باستدعاء حوالي 800 جندي من قوات الحرس الوطني لنشرهم في العاصمة واشنطن ووضع الأجهزة الأمنية لمدينة الولاية تحت القيادة الفيدرالية المباشرة من أجل التصدي للجرائم المتفشية في شوارع المدينة بشكل قدّرته الإدارة الفيدرالية بأنه يتعدى سيطرة إدارة الولاية، معلنًا بذلك حالة الطوارئ إزاء الجريمة، وكذلك العمل على تفريغ المدينة من المتشردين الذين يشوهون صورتها أمام نظر العالم، وذلك من أجل استعادة العاصمة “عظيمة مرة أخرى” كما صرّح الرئيس ترامب.[35]

   وأعربت إدارة الولاية عن قلقها من هذا القرار ومن خطاب الرئيس ترامب حول تفشي الجريمة في المدينة؛ لأن التقارير المحلية كانت تشير إلى أن الجريمة انخفضت إلى أدنى مستوياتها خلال الأعوام الثلاثين الماضية، وأكدت ذلك رئيسة المدينة موريل بوزر باستخدام إحصاءات تبين أن جرائم العنف انخفضت بنسبة 26% عن العامين الماضيين، بينما جرائم القتل انخفضت بنسبة 12%، وهي الأرقام التي تؤكد تضخيم خطاب الرئيس ترامب لقضية الجريمة في العاصمة واشنطن. ووصل القطاع الذي يرفض نشر قوات الحرس الوطني من سكان العاصمة إلى نسبة قاربت 80%.[36]

3 – نشر قوات الحرس الوطني في ممفيس:

   وفي ضوء أولوياته للتصدي “للجريمة المتفشية”، أمر الرئيس ترامب في منتصف سبتمبر من عام 2025 بنشر قوات الحرس الوطني في مدينة ممفيس، وبرر هذا الاستخدام بفشل حكومة المدينة في التعامل مع المستويات العليا للجريمة التي تتصاعد في المدنية، مستخدمًا المبررات والأسلوب ذاته الذي اتبعه عند استخدام الحرس الوطني في العاصمة واشنطن بوصف مدينة ممفيس كمدينة “مضطربة جدا” وبالتالي في حاجة إلى تدخل فيدرالي.[37] بينما أفردت الشرطة في الولاية تقارير تشير إلى أن نسبة الجريمة وصلت لأدنى مستوى لها في المدنية على مدار الربع قرن المنصرم.

   وواجه هذا القرار اعتراض من قبل عدة أعضاء من حكومة بلدية ممفيس، بما فيهم عمدة المدينة الذي رأى أن استخدام الحرس الوطني لن يقلل من مستويات الجريمة، لكن حاكم ولاية تينيسي الجمهوري بييل لي دعم القرار رغبةً منه في رؤية الولاية بنسب جريمة أقل،[38] وهذا لكونه جمهوري متفق مع السياسات الرئاسية بطبيعة الحال. وبات مؤكدا بعد نشر قوات الحرس الوطني في مدينة ممفيس أن الرئيس ترامب يتتبع المدن التي يحكمها الديموقراطيون ويستغل الظروف الاجتماعية كي يوسع سلطاته الفيدرالية فيها، متهمًا إياهم بالتقصير.

4 – نشر قوات الحرس الوطني في بورتلاند:

   وفي أوائل أكتوبر من عام 2025، حاول الرئيس ترامب نشر نحو 200 من قوات الحرس الوطني في مدينة بورتلاند مبررًا هذا النشر بحماية المنشآت الفيدرالية وبالأخص موظفي إدارة الهجرة والجمارك ICE بالإضافة إلى منع أعمال العنف والتخريب و”مكافحة الإرهاب الداخلي”، في المدينة التي وصفها الرئيس بأنها “تحترق بالكامل” وفيها “متمردون في كل مكان” وصرح الرئيس ترامب بأنه ليس لديه مشكلة في إجازة استخدام “القوة الكاملة” من أجل حماية المنشآت الفيدرالية،[39] وكان الرئيس ترامب يشير بشكل أساسي إلى الاحتجاجات التي قامت بجوار مركز الهجرة بالمدينة.

   وسرعان ما أحبطت المحكمة الجزئية الأمريكية قرار الرئيس ترامب، حيث حكمت قاضية المحكمة “كارين إيميرجوت” بعدم قانونية قرار الرئيس؛ لأن ظروف الاحتجاجات الطبيعية في المدينة لا تعتبر في درجة من العنف تتطلب “الاستيلاء الفيدرالي” على الحرس الوطني، بذلك جعلت الرئيس ترامب متجاوزا لصلاحياته الدستورية التي تتطلب درجة معينة من التهديدات للنظام الفيدرالي لفدرلة الحرس الوطني.[40] وهو ما جعل قرار الرئيس بنشر القوات يتوقف جزئيًا بقرار المحكمة التي قالت قاضيتها أن بلادها تُدار ب”القانون الدستوري، لا الأحكام العرفية” كانتقاد ضمني لتوجهات الرئيس ترامب التي تنزع نحو السيطرة الفيدرالية على مدن الولايات عبر اللجوء إلى تضخيم الأحداث.

5 – نشر قوات الحرس الوطني في شيكاغو:

   بجعل قضيتي “الجريمة” و”الفوضى” محور العلاقة بين الحكومة الفيدرالية التي يرأسها الرئيس الجمهوري دونالد ترامب وعدد من حكومات المدن الديمقراطية، سواء على مستوى الخطاب أم على مستوى السياسات الرئاسية الأمريكية، وصف الرئيس الأمريكي الحالة في تلك المدن بأنها “فوضى في المدن التي يحكمها الديمقراطيون”.[41] واستمر الرئيس ترامب في استخدام مبدأ نشر قوات الحرس الوطني في أوائل شهر أكتوبر من عام 2025، وهذه المرة في مدينة شيكاغو، حيث قرر نشر نحو 500 جندي من القوات فيها، واصفًا إياها في تصعيد خطابي خطير وغير مسبوق بأنها “منطقة حرب”،[42] وهو وصف يحمل دلالات خطيرة لأنه يحوّل التعامل مع منطقة داخلية إلى منطق القوة الحربية.

   وعلى غرار ما حدث في مدينة بورتلاند، قضت قاضية فيدرالية تُدعى “إيبريل بيري” بتعليق مؤقت لتنفيذ أمر الرئيس ترامب بنشر قوات الحرس الوطني في مدينة شيكاغو ومحيطها، حيث أوضحت أن القانون الذي يعتمد عليه الرئيس ترامب لم تتحق شروطه؛ لأن المدينة لم تشهد خطر التمرد، بل رأت أن سياسة الرئيس ترامب بنشر قوات الحرس الوطني في المدينة لا تساعد على احتواء الاحتجاجات، بل تزيد من حدتها وتؤجج التوترات سواء بين المواطنين وقوات الأمن، أو بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات. ورحّب حاكم ولاية إلينوي الديمقراطي “جيه.بي بريتزكر” ومعه سلطات ولاية شيكاغو بهذا الحكم، خاصةً وأنهم كانوا قد رفعوا دعوى قضائية مسبقًا ضد القرار الرئاسي الذي وصفوه بأنه “يخالف الدستور وينتهك سيادة الولاية”.[43]

  • الدوافع الرئاسية لنشر الحرس الوطني :

   وفقًا لاستعراض التفاعلات بين الحكومة الفيدرالية وحكومات المدن والولايات على ضوء القرارات الرئاسية بنشر قوات الحرس الوطني، تتضح مجموعة من الدوافع التي حفزت الرئيس ترامب للجوء إلى هذا المبدأ، ونستعرض فيما يلي أهم هذه الدوافع.

أ – محاربة الجريمة والعنف:

   كانت محاربة الجريمة والعنف أهم هذه الدوافع، فخص الرئيس ترامب بعض المدن التي يسيطر عليها الديموقراطيون في الولايات بأنها تشهد معدلات عالية من الجرائم التي تهدد الأمن الأمريكي كالقتل والسطو واستعمال الأسلحة لإطلاق النار،[44] ونحن نستطيع أن نتفهم مخاوف الرئيس ترامب فيما يخص هذه المسائل على ضوء اغتيال الناشط الأمريكي المحافظ شارلي كريك في أواسط سبتمبر من عام 2025. وينظر الرئيس ترامب لنشر قوات الحرس الوطني على أنها صلاحية فيدرالية تمكّنه من تعزيز الأمن العام واستعادة النظام في الولايات.

ب – التصدي للاحتجاجات:

    بينما كانت الاحتجاجات على سياسات الرئيس المحافظة التي تُتبع في ملف الهجرة وما تبعها من أحداث من أهم هذه الدوافع أيضا، كان الخطاب الرئاسي يكرر ضرورة حماية المنشآت الفيدرالية وأهمها مكاتب الهجرة من أعمال الشغب التي يقوم بها المحتجون. ونظر الرئيس ترامب إلى حماية هذه المنشآت على أنها مسؤولية فيدرالية على الحكومة الفيدرالية التدخل لحمايتها ضد تقاعس الدور الذي تلعبه سلطات أمن الولايات من حكام الولايات أو العُمد والمسؤولين المحليين في احتواء الجرائم وأعمال الشغب.[45] كما أولى الرئيس ترامب أهمية للدور الذي ستلعبه قوات الحرس الوطني في إنفاذ قانون الهجرة الفيدرالي عبر دعم مكاتب الهجرة في عملها لمواجهة الهجرة غير الشرعية، وهي القضية التي تستحوذ على أهمية كبيرة على أجندة الرئيس ترامب الداخلية.

   ج – تدريب القوات:

   وكان تدريب القوات أحد دوافع الرئيس ترامب لاستخدام قوات الحرس الوطني في المدن التي يرى أنها  تشهد نسبة عالية من الخطورة، فقد وجه الرئيس القادة العسكريين في اجتماعه بهم بضرورة جعل هذه المدن ميدانًا لتدريب القوات بما فيهم قوات الحرس الوطني، لكي يكونوا على جاهزية عالية لمواجهة التهديدات الداخلية التي تستدعي فرض حالات الطوارئ،[46] ويدلل هذا الدافع على نية الرئيس ترامب في الاستمرار باستخدام قوات الحرس الوطني في مدن أخرى وهو ما يتفق مع طبيعة خطابه الذي يشير إلى أن الدور قادم على عدة مدن أخرى.

د – الاستحقاقية الدستورية للرئيس:

   وقبل كل ذلك، ينظر الرئيس الأمريكي لنفسه على أنه صاحب صلاحيات دستورية تمكّنه من اتخاذ تدابير استثنائية كاستخدام قوات الحرس الوطني حال رأى تهديدات تمس النظام الفيدرالي أو المواطنين، وهو ما يتفق مع رؤية الرئيس ترامب الذي يريد أن يظهر دائمًا في مظهر القوة مما يدعوه للإسراع في استخدام صلاحياته بكثافة في ضوء تفسيره الشخصي للواقع، وهذه هي نقطة الخلاف بينه وبين من يعارضون استخدامه للحرس الوطني، فهو يفسر الواقع بشكل مبالغ فيه لتبرير تدخلاته، بينما يرى المعارضون أن الأحداث لا تشكل خطورة كبيرة ويمكن لسلطات الولايات التعامل معها، فالتدخل الفيدرالي غير قانوني من وجهة نظرهم؛ لأن الصلاحيات الدستورية تحدد حالات معينة أبرزها حالة التمرد على الحكومة الفيدرالية، وهو لم يتحقق فعليًا على أرض الواقع.[47]

  • دوافع سلطات الولايات لرفض نشر القوات:

   أثارت قرارات الرئيس ترامب حفيظة قطاع كبير من النخبة الأمريكية، بالأخص السياسيين والنشطاء الديمقراطيبن الذين جاءت قرارات تدخل الرئيس في مدنهم. وكانت هناك مجموعة من الححج التي أفردوها لتبيان خطر قرارات الرئيس ترامب على السياسة الداخلية الأمريكية.

أ – المبررات القانونية:

   من الجانب القانوني برر المعارضون لقرارات الرئيس ترامب رفضهم بعدم توفر الشروط القانونية اللازمة لمشروعية نشر القوات، لأن نشر قوات الحرس الوطني يتطلب موافقة وتنسيق مع حاكم الولاية وسلطات المدن، ونشر القوات المتجاوز لإرادة الولايات يعبر عن انتهاك فيدرالي لسيادتها وصلاحياتها.[48]

   تُرفض القرارات الرئاسية قانونيًا أيضًا بموجب قانون Posse Comitatus الذي يحظر استخدام القوات العسكرية الفيدرالية في إنفاذ القوانين المحلية الجنائية وغيرها داخل المدن، وبموجب ذلك القانون يقتصر فعل التدخل على حالات استثنائية محددة لا يجب تخطيها،[49] معتبربن الرئيس ترامب غير عابئ بتلك الالتزامات القانونية. وكذلك الأمر مع قانون التمرد الذي يبرر حالة التدخل الفيدرالي في حالات التمرد الفعلية التي تهدد الكيان الفيدرالي كما ذكرنا مسبقًا. ومن أهم الاعتراضات القانونية على القرارات هي أنها تُعرض حقوق المواطنين في التظاهرات السلمية وحرية التجمعات للخطر، خاصة في استعمال القوة تجاههم، وهو ما حدث فعليًا عندما أطلقت القوات النار على مواطنة أمريكية في شيكاغو، مما أسفر عن إصابتها.[50]

ب – المبررات السياسية والاجتماعية:

   وكانت هناك بعض الدوافع السياسية والاجتماعية لرفض القرارات الرئاسية بنشر قوات الحرس الوطني، تمثلت في المخاوف حول تسييس الموقف بجعل قرارات النشر تدعم موقف سياسي للرئيس ترامب ونخبته الجمهورية على حساب صلاحيات الولايات، وتصبح التدخلات بذلك مشهدًا استعراصيًا لفرض النظام والعمل على إظهار القوة والأمان في مدن خصوم الجمهوريين السياسيين بعد إظهار فشلهم، وهو ما يخدم مصالح انتخابية بالأساس أكثر من القضايا الأمنية الفعلية. وكانت هناك أصوات جمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي قلقة ومحذرة من القرارات المتلاحقة للرئيس بنشر قوات الحرس الوطني في المدن الأمريكية.[51]

   بينما من الجهة الاجتماعية، كانت هناك مخاوف من استخدام الحرس الوطني الذي يُمكن أن يُزيد من تفاقم حدة الاحتجاجات بدلًا من تهدئتها، وهو ما يسحب الموقف لمنطقة أكثر خطورة على المستوى الأمني. واقتصاديًا يشير رفض القرارات إلى ضرورة الانتباه للآثار الاقتصادية السلبية لنشر قوات الحرس الوطني الذي يُمكن أن يعيق الأنشطة التجارية بسبب قلة الحركة المترتبة على الوضع الأمني، ناهيك عن الضرر على حركة السياحة والاستثمارات المحلية في المدن التي نُشرت فيها القوات.[52]

رابعًا: تحليل أجامبيني لقرارات الرئيس ترامب بنشر قوات الحرس الوطني:

   يتضح من الحالة التي خلقتها قرارات الرئيس ترامب بأن الديمقراطية الأمريكية قد تدخل في أزمة بسبب مجموعة من العوامل التي تتفاعل على خلفية هذه الحالة، وأهمها هو نمو نفوذ السلطة الرئاسية الفعلية على أرض الشارع الأمريكي، بما يتجاوز القانون والمؤسسات الأمريكية. فقررات الرئيس الأمريكي بنشر الحرس الوطني إذا كانت تُقام لفرض النظام، فهي في الوجه المقابل تُعيد رسم حدود الصلاحيات الرئاسية في تقييم اللحظات الاستثنائية التي تتطلب تدخلًا فيدراليًا بما يخدم قوة الرئيس ضد المدن والولايات التي تجد تفسيرًا مختلفًا للأحداث.

   والحالات المتكررة والمتتابعة لنشر ومحاولة نشر القوات في خمسة مدن على مدار الثلاثة أشهر الماضية، بالإضافة إلى التصريح بأن هذه المدن ستزيد في الفترة القادمة، تؤشر على ازدياد التوسع الفيدرالي في مجالات الشرطة والأمن المحليين، وهو ما يجعل السيادة التنفيذية تنتقل من الإطار الدستوري المدني إلى منطقة الطوارئ التي تُجيز تعليق الحدود القانونية بين الأمن والسياسة.

   فالخطاب الرئاسي الأمريكي ينزع نحو تسييس الأمن عبر تضخيم خطورة قضايا الهجرة وتفاعلاتها الاحتجاجية – التي نشبت بالأساس من سياسات السلطة الأمريكية الحالية – للرأي العام من أجل شرعنة التدخلات الفيدرالية في مدن الولايات وإظهار السلطة التنفيذية الفيدرالية في مظهر حارس النظام العام من الفوضى، ناهيك عن جعل القضية الأمنية كاستراتيجية لتشويه صورة الخصم السياسي الديمقراطي الذي يظهره الخطاب أمام الرأي العام على كونه عاجزًا عن حماية الأمن، مما يزيد من شعبية الرئيس ترامب ويعزز فرصته الانتخابية لظهوره في مظهر الرئيس القوي الذي بإمكانه القضاء على العنف والفوضى، وهو الذي يستخدم خطابًا تحذيريًا للوضع من أجل تبرير السيطرة عليه ومصادرته، فتصوير المهاجرين على أنهم “غزاة” أو المدن الأمريكية على أنها “منطقة حرب” كما قال على مدينة شيكاغو، أو “فوضى” كما قال على مدينة ممفيس،[53] يحوّل القضية المدنية – السياسية المتعلقة بالسياسات المحلية لمعالجة المشكلات الاجتماعية، أو التقنية – المختصة المتعلقة بضمان الأمن إلى قضية عسكرية، يستلزم التعامل معها بالقوة، مما يجعل المواطن الأمريكي أو حتى الإنسان المهاجر الذي يعيش في هذه المناطق، مكشوفًا أمام السلطة بلا غطاء قانوني يضمن له عدم تعرض السلطة الفيدرالية لحياته في ضوء الحالة الأمنية الاستثنائية التي يخلقها خطاب الرئيس الأمريكي، وهو ما تحقق بالفعل في حالة إطلاق النار على السيدة الأمريكية كما أوضحنا سلفًا.

   فالرئيس ترامب يستخدم الخطاب الأمني كأداة سياسية لتوسيع سلطاته، عبر استخدام الغطاء القانوني الذي يمكّنه من استخدام قوات الحرس الوطني، وهي الحالة التي شرحها أجامبين بامتياز عندما رصد ظاهرة تعليق القانون بواسطة القانون ذاته، وهذا هو ما يفعله الرئيس ترامب الذي يستند على قاعدة قانونية تسمح له بتهميش حقوق المواطنين والولايات لضمان زيادة نفوذه في المدن التي يحكمها خصومه السياسيين الديمقراطيين.

   كما أن الخطاب الرئاسي المُبرر لنشر قوات الحرس الوطني يؤطر المطلب السياسي المتمثل في الاحتجاج في سياق أمني، ويُصوره كتهديد قومي مرتبط بأعمال العنف وازدياد معدلات الجريمة، بالإضافة إلى التعدي على الممتلكات الفيدرالية، وهو ما يُصادر الحق السلمي في التظاهر، ذلك الحق الذي يعتبر حقًا قانونيًا أصيلًا، ويبرر التعامل مع الموقف عسكريًا باستخدام الحرس الوطني مع إمداده الحق في استخدام “القوة الكاملة” كما وجه الرئيس الأمريكي حديثه للقوات في مدينة بورتلاند في التعامل مع الاحتجاجات.[54] وهذه الحالة تبرهن على إنتاج ما يسميه أجامبين “الحياة العارية”، فالمواطن الأمريكي الذي يتظاهر في مدينة بورتلاند من أجل المطلب السياسي أصبحت حياته على المحك لأن الرئيس الأمريكي صاحب السيادة أعطى الضوء الأخضر للقوات باستخدام القوة الكاملة التي لن تخرج عن إطارها حياة المتظاهرين وأجسادهم على كل حال. وهذا الوضع هو جوهر حالة الاستثناء، فهي في جوهرها تستبدل السياسة بفضاء أمني تُستعاد السيادة فيه عبر قرار الرئيس الأمريكي، وليس عبر القانون.

   وتكشف أيضًا قرارات الرئيس ترامب في فترته الرئاسية الحالية عن نمط خطير تحدث عنه أجامبين في نظريته، ألا وهو أن تصبح حالة الاستثناء نمطًا للحكم وليس حالة عارضة كما يُفترض، وذلك ما ظهر واضحًا في زيادة عدد المدن التي قرر الرئيس الأمريكي بنشر قوات الحرس الوطني بها، ناهيك عما يطمح في ضمها للقائمة،[55] وهو ما يحوّل القاعدة القانونية الاستثنائية إلى ممارسة متكررة ومؤسسية تصبح جزءًا منتظمًا من إدارة السياسة الداخلية الأمريكية، وهو ما يمكن أن يخلق مناخًا من الرقابة والاحتواء، تتخطى فيه الحكومة الفيدرالية صلاحيتها ويُقيم حالة من التوتر بينها وبين الولايات وسلطتها ومواطنيها؛ لأنه إذا كان في وجهة نظر المؤيدين لقرارات استخدام قوات الحرس الوطني أن هذا التكنيك ناجع في التصدي للاحتجاجات والشغب؛ فإن تكلفته يمكن أن تصل إلى حد زيادة التوتر البنيوي بين السلطة الفيدرالية وسلطات الولايات ومدنها، ناهيك عن تكرار النموذج في مدن أخرى، فنمط تكرار نشر القوات في مدن أخرى والرد عليها باحتجاجات محلية يمكن أن يستمر في التكرار؛ لأن سكان الولايات يتخوفون من تقويض استقلالية ولايتهم، وهو ما يفاقم من آثار مشكلات الاحتجاجات ولا يحلها حلا جذريًا، ذلك ما يخلق المزيد من التدخل الفيدرالي ويخلق التدخل المزيد من الاحتجاجات التي تُوجد الذريعة الاستثنائية لجعل السلطة التنفيذية تقوم بتوسيع سلطتها، وتستمر المعضلة في التفاقم وفقًا لتلك لتلك المنهجية.

   ويعبر نمط نشر الرئيس الأمريكي للقوات في المدن الأمريكية عن السلطة السيادية التي لا تحتاج إلى وسيط قانوني، بل تعبر عن نفسها في السيطرة الميدانية على الشارع ومصادرته، وفي ضوء هذا المشهد لا تعتبر القوات فقط قوة لضبط الأمن، بل مشهدًا لتمظهر السيادة، يُعيد صياغة العلاقة بين الدولة والشعب في سياق خارج عن العلاقة الديمقراطية الأمريكية التقليدية.

   مما لاشك فيه أن هذه الحالة التي خلقها الرئيس ترامب بنشر قوات الحرس الوطني تتسق مع شخصيته الجدلية التي اتضحت مع فترته الأولى وميّزته عن غيره من الرؤساء السابقين. ويكشف تحليل السمات الشخصية والسياسية للرئيس دونالد ترامب في ضوء قراراته المتكررة بنشر قوات الحرس الوطني في الآونة الأخيرة عن عدد من السمات النفسية والسياسية المتداخلة التي تعكس فلسفة حكمه، وطبيعة شخصيته القيادية، وموقفه من مفاهيم الدولة والأمن والنظام.

   تُظهر قرارات ترامب المتكررة بنشر قوات الحرس الوطني نزعةً سلطوية واضحة تعكس ميله إلى فرض النظام بالقوة واستخدام أدوات الدولة العسكرية في إدارة الأزمات الداخلية.[56] هذه النزعة ترتبط بفكره الشعبوي الذي يُصور شخصه باعتباره حاميًا للشعب ضد الفوضى والنخب الفاسدة أو اليسار الفوضوي، ما يجعل الأمن أداةً سياسية لترسيخ صورته كزعيم قوي. فبدلًا من الحوار المدني أو الوساطة السياسية، يعتمد ترامب على القوة كوسيلة لإظهار الحسم والهيبة، مستثمرًا في ثقافة الخوف لتعزيز شعبيته في أوساط مؤيديه المحافظين.

   كما تُبرز قراراته ذات الطابع العسكري أيضًا سمات إظهار القوة، وهذا ما أوضحته دراسة سيكولوجية أُجريت على شخصيته خلال فترة ولايته الأولى.[57] ويسعى الرئيس ترامب إلى تجسيد صورة القائد القوي الذي لا يتراجع. فهو غالبًا ما يربط قراراته بمفاهيم البطولة الشخصية والزعامة الفردية، ويعتبر أي تراجع عن استخدام القوة نوعًا من الضعف. ويُعتبر النزوع المتكرر إلى نشر الحرس الوطني، حتى في قضايا داخلية، انعكاسًا إلى ميله للاستعراض الرمزي للقوة أكثر من الاهتمام بالنتائج العملية أو التوازنات المؤسسية.

  وختامًا، تُظهر هذه الدراسة أن استخدام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فترته الرئاسية الثانية لقوات الحرس الوطني خلال عام 2025 تتجاوز حدود التدخل الأمني المؤقت لاستخدام الحرس الوطني في السياق التاريخي الأمريكي، لكنها تُعتبر امتدادًا لسياسته في فترته الأولى التي استخدم فيها الحرس الوطني في ضوء أحداث مقتل “جورج فلوريد” ومكافحة الهجرة، محولًا ذلك المبدأ الدستوري إلى أداة سياسية تُمارس من خلالها السلطة التنفيذية نفوذها على المدن والولايات. فمن خلال قرارات النشر المتكررة في لوس أنجلوس وواشنطن وممفيس وشيكاغو وبورتلاند، برز نمط واضح من التوظيف الانتقائي والاستثنائي للقوة تحت مبررات فضفاضة كالجريمة والهجرة وتهديد النظام العام. وقد أتاح هذا النمط للسلطة المركزية أن توسّع حضورها الأمني والإداري على حساب استقلالية الولايات، في إطار ما يمكن وصفه بتحوّل بنيوي في طبيعة الحكم الفيدرالي الأمريكي.

   استندت الدراسة إلى التحليل الفلسفي – القانوني لمفهوم “حالة الاستثناء” كما صاغه الفيلسوف الإيطالي جورجيو أجامبين، لتبيّن أن قرارات النشر لم تكن مجرد استجابات ظرفية لحالات طارئة، بل مثلت تجسيدًا عمليًا لتحول الاستثناء إلى قاعدة حكم. وتحاول السلطة التنفيذية في تعليق فاعلية القانون باسم القانون ذاته، الأمر الذي يهدد التوازن الدستوري بين السلطات، ويُضعف من ضمانات الحريات المدنية، ويحوّل المواطنين والمحتجين إلى فئة خارج الحماية القانونية والسياسية، وهو ما ظهر في إطلاق النار على سيدة أمريكية.

   وتخلص الدراسة إلى أن خطاب الرئيس ترامب لعب دورًا حاسمًا في إعادة تشكيل وعي عام يقوم على تضخيم الخطر، وتبرير اللجوء إلى القوة في مواجهة تحديات داخلية كان يمكن معالجتها بأدوات مدنية. كما أظهرت أن تكرار قرارات النشر أضعفَ من مبدأ الفيدرالية، ورسّخ نمطًا من المركزية التنفيذية التي تستخدم الاستثناء كآلية إدارة مستمرة، لا كإجراء طارئ.

   وتؤكد الدراسة أن ما يجري لا يمثل مجرد تفاعل مؤقت مع أحداث أمنية أو احتجاجية، بل يعكس تحوّلًا هيكليًا في منطق ممارسة السلطة داخل النظام الأمريكي. فالتوسع غير المنضبط في استخدام الحرس الوطني، وتطبيع منطق الطوارئ، يمثلان معًا خطرًا بنيويًا على مبدأ سيادة القانون وتوازن السلطات، ويؤشران إلى ميل متزايد نحو تحويل الاستثناء إلى قاعدة حكم دائمة، وهو ما يستدعي يقظة مؤسسية وتشريعية لضمان ألا يصبح تعليق القانون سمة النظام بدلًا من انحراف عابر فيه، وهو ما حدث فعليًا من قبل قضاء ولايتي ممفيس وشيكاغو.

   وفي النهاية، يمكن القول أن استدعاء الحرس الوطني بهذه الكثافة والانتقائية يكشف عن تبدل العلاقة بين الدولة والمجتمع في الولايات المتحدة. فبدلًا من أن يكون الحرس الوطني أداة دفاع مشترك، أصبح رمزًا للانقسام الداخلي، وأداة لإعادة إنتاج الخطاب الأمني بوصفه البديل عن السياسة. بعبارة أخرى، فإن الولايات المتحدة لم تكن تواجه خطرًا خارجيًا، بل خطرًا من داخلها — خطر السياسة نفسها.


[1] جورجو أغامبين، “حالة الاستثناء: (الإنسان الحرام 1،2)”، ترجمة: ناصر إسماعيل، (القاهرة، مدارات للأبحاث والنشر، الطبعة 2، 2024)، ص 35.

للمزيد انظر: تقديم سومر المير محمود لكتاب “مفهوم السياسي” لكارل شميت، ترجمة: سومر المير محمود، (القاهرة، مدارات للأبحاث والنشر، 2017).

[2] كارل شميت، “اللاهوت السياسي“، ترجمة: رانية الساحلي وياسر الصاروط، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2018)، ص 23 – 27.

[3] “جورجو أغامبين، مصدر سبق ذكره، ص36، 39.

[4] المصدر السابق، ص 35 – 36.

[5] المصدر السابق، ص 72.

[6] المصدر السابق، ص 35، 41.

[7] المصدر السابق، ص 37 – 38.

وانظر أيضا:

محمد الهادي عمري، “حالة الاستثناء والإنسان المستباح عند جورجيو أجامبين”، مجلة تبين للدراسات الفكرية والثقافية، مجلد 12، عدد 48، ص 49.

[8] “جورجو أغامبين”، مصدر سبق ذكره، ص 38، 44.

[9] الفقرة 2 من المادة الثانية من الدستور الأمريكي.

[10] Joseph Nunn, “The Insurrection Act Explained“, BRENNAR CENTER FOR JUSTICE, 21 April 2022, last access in: 7 October 2025: https://linksshortcut.com/tpvxd

[11] Joseph Nunn, “The President’s Power to Call Out the National Guard Is Not a Blank Check”, BRENNAR CENTER FOR JUSTICE, 18 November 2024, last access in 7 October 2025: https://linksshortcut.com/sMpUB

[12] Ibid

[13] Nunn, “The Insurrection Act Explained“, Op. Cit.

[14] Nunn, “The President’s Power to Call Out the National Guard Is Not a Blank Check”, Op. Cit.

[15] David L. Nevins, “Just the Facts: Has the U.S. Military Ever Been Used to Stop Protests? A Look at History and Law”, The Fulcrum, 12 June 2025, last access in: 7 October 2025: https://linksshortcut.com/gziOt

[16] Nunn, “The President’s Power to Call Out the National Guard Is Not a Blank Check”, Op. Cit.

[17] Matthew Waxman, “Remembering the Whiskey Rebellion” Lawfare, 25 September 2018, last access in: 7 October 2025: https://linksshortcut.com/OLCNS

[18]The defining role of the National Guard in WWI”, U.S. ARMY, 7 August 2017, last access in: 7 October 2025: https://linksshortcut.com/ogDsX

[19]Executive Order 8530—Ordering Certain Units and Members of the National Guard of the United States Into the Active Military Service of the United States”, The American Presidency Project, Document published in 31 August 1940, last access in 7 October: https://linksshortcut.com/OjgHU

[20] “Wages and Working Conditions: The Railroad Strike of 1946”, The National WWll Museum, 28 May 2021, last access in 8 October 2025: https://linksshortcut.com/sWNcp

[21] Ryan P. Hovatter, “Can the President Federalize the National Guard?”, Military Review, January – February 2025, last access in: 8 October 2025: https://linksshortcut.com/IZxLu

[22] Ibid

[23] Bill Chappell, “What happened when Lyndon Johnson federalized the National Guard” NPR, 9 June 2025, last access in: 8 October 2025: https://linksshortcut.com/uDSvA

[24] Tara Ramanathan, “When Has the U.S. National Guard Been Deployed?”, Britannica, 3 September 2025, last access in 8 October 2025: https://linksshortcut.com/fzMch

[25] Ibid

[26] Stacy Bannerman, “NO SURPRISE IN BUSH’S ‘EMERGENCIES'”, Foreign Policy In Focus, 7 July 2006, last access in: 8 October 2025: https://fpif.org/no_surprise_in_bushs_emergencies/?utm

[27]Obama Administration Announces Aug. 1 National Guard Deployment to Support Federal Law Enforcement Along the Southwest Border”, Homeland security, 19 July 2010, last access in: 8 October 2025: https://linksshortcut.com/zxGva

[28] Tom McCarthy, “Obama: no excuse for destruction in response to Ferguson grand jury decision”, The Guardian, 26 November 2014, last access in: 8 October 2025: https://linksshortcut.com/IDIvA

[29] Ibid

[30] CRISTIANG LIMA, “Trump activates plan to deploy National Guard to Mexico border“, POLITICO, 4 April 2018, last access in: 8 October 2025: https://linksshortcut.com/eRNhy

[31] Alan Suderman, “How governors are responding to Trump’s request to send National Guard troops to D.C.“, PBS, 2 June 2020, last access in: 8 October 2025: https://linksshortcut.com/wxWjh

[32]What to know about National Guard deployments in other cities after plans stalled in Chicago”, AP, 13 October 2025, last access in: 14 October 2025: https://linksshortcut.com/KIwnI

[33] Ivan Pereira Jenna Harrison and Alex Stone, “Trump has made a number of claims about the LA protests. Here is the context“, abc news, 13 June 2025, last access in: 10 October 2025: https://linksshortcut.com/lAuis

[34] OLGAR RODRIGUEZ, “Judge rules Trump administration broke law in deploying Naţional Guard soldiers to LA this summer”, AP, 2 September 2025, last access in: 10 October 2025: https://linksshortcut.com/hbhzi

[35] Todd Lopez, “National Guard Mobilizes 800 Troops in D.C. to Support Federal, Local Law Enforcement”, DOD News, 14 August 2025, last access in: 10 October 2025: https://linksshortcut.com/RDghT

[36] علي بردي، ” “ترمب ينشر «الحرس الوطني» لمكافحة الجريمة في واشنطن”، ١١ أغسطس ٢٠٢٥، آخر وصول في: ١٠ أكتوبر ٢٠٢٥: https://linksshortcut.com/zsXYO

[37] WILL WEISSERT AND JONATHAN MATTISE, “Trump deploys National Guard to Memphis, calling it a ‘replica’ of his crackdown on Washington”, AP, 16 September 2025, last access in: 10 October 2025: https://linksshortcut.com/BilRQ

[38] SAM STOCKARD, “Shelby County lawmakers torn over National Guard deployment to Memphis”, TENNESSEE LOOKOUT, 16 September 2025, last access in: 10 October 2025: https://linksshortcut.com/PUKfg

[39] Richard Hall, “Trump Sends Troops to Portland, Authorizes ‘Full Force, If Necessary”, Time, 27 September, last access in: 11 October 2025: https://linksshortcut.com/YzaMT

[40] ماجدة بوعزة، ” “ترامب يأمر بنشر الحرس الوطني في بورتلاند وقاضية تمنعه”، DW، ٥ أكتوبر ٢٠٢٥، آخر وصول في: ١١ أكتوبر ٢٠٢٥: https://linksshortcut.com/nkius

[41] Brian Bennett, Rebecca Schneid and Richard Hall, “Trump Signals Greater Use of Military in U.S. Cities, Warning of War From Within'”, Time, 30 September 2025, last access in: 11 October 2025: https://time.com/7321940/hegseth-trump-generals-meeting/?utm_source

[42] Emily Schmall Susan Heevery anit Daniel Tretta, “National Guard poised to enter Chicago as Trump calls for jailing Democratic leaders”, 9 October 2025, last access in: 11 October 2025: https://linksshortcut.com/npiQY

[43]الولايات المتحدة: القضاء يأمر بتعليق نشر الحرس الوطني في شيكاغو“، France 24، ١٠ أكتوبر ٢٠٢٥، آخر وصول في: ١١ أكتوبر ٢٠٢٥: https://linksshortcut.com/EqTuw

[44] Bivian Bennett and Nik Pooll, “We’re Going to Do It Anyway’: Trump Says He Intends to Deploy National Guard to Chicago”, Time, 2 September 2025, last access in: 12 October 2025: https://time.com/7314045/trump-announcement-chicago-baltimore-national-guard/

[45] Elissa Steedman, “Trump deploys National Guard in city deeply scarred by military force”, ABC NEWS, 6 October 2025, last access in: 12 October 2025: https://linksshortcut.com/qRPcC

[46] Emily Davies and Karen DeYoung, “Trump deploys tactics and language of war against perceived domestic threats” The Washington Post, 11 October 2025, last access in: 12 October 2025:

https://linksshortcut.com/rkOeD

[47] Connor Greene, “Trump Is Threatening to Use the Insurrection Act to Deploy Troops in the U.S. Can He?”, Time, 8 October 2025, last access in: 12 October 2025: https://time.com/7324040/insurrection-act-trump-national-guard/?utm_source

[48]  “Illinois National Guard Deployment Challenge“, 8 October 2025, last access in: 13 October 2025:

https://linksshortcut.com/MsQAR

[49]US judge declares Trump’s National Guard deployment to Los Angeles illegal”, ALJAZEERA, 2 September 2025, last access in: 13 October 2025:  https://linksshortcut.com/wFTKC

[50] ترامب يأمر بنشر 300 جندي من الحرس الوطني في مدينة شيكاغو“، RT، ٥ أكتوبر ٢٠٢٥، ١٣ أكتوبر ٢٠٢٥: https://linksshortcut.com/AGiCj

[51] Andrew Stanton, “GOP Senators Issue Warning About Trump’s National Guard Use-‘Bad Precedent”, Newsweek, 8 October 2025, last access in: 13 October 2025: https://linksshortcut.com/HRzaF

[52]National Guard presence dampens Washington tourism”, Hospitality.today, 2 September 2025, last access in: 13 October 2025:  https://linksshortcut.com/rOXkI

[53] Michelle Stoddart. Ivan Pereira, and Beatrice Peterson, “Trump says he’ll send National Guard to ‘deeply troubled’ Memphis”, abc news, 12 September 2025, last access in: 13 October 2025: https://linksshortcut.com/IYRZJ

[54] نادين يوسف، “ترامب يأمر بنشر قوات مسلحة في بورتلاند ويسمح لها باستخدام القوة الكاملة” ضد المتظاهرين”، BBC ARABIC، ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٥، آخر صول في: ١٣ أكتوبر ٢٠٢٥:https://www.bbc.com/arabic/articles/cy0438kgdlyo

[55]What to know about National Guard deployments in other cities after plans stalled in Chicago”, Op. Cit.

[56] Chas Danner, “The Dangers of Trump’s National Guard Aggression”, Intelligencer, 8 October 2025, last access in: 14 October 2025: https://linksshortcut.com/XjJmo

[57] Matthew M. Yalcho, “Dimensions of pathological narcissism and intention to vote for Donald Trump”, PLOS ONE, Vol. 16, No. 4, 2021, pp. 2: https://linksshortcut.com/mUjyl

باحث مساعد في النظم والنظرية السياسية بمركز ترو للدراسات والتدريب

WhatsApp Image 2025-10-14 at 16.54
الاجتياح الإسرائيلي لغزة دوافع الأطراف وموقفها، والتداعيات السياسية والإنسانية
التوغل الإسرائيلي في الإقليم وتداعياته على الأمن القومي المصري
WhatsApp Image 2025-10-02 at 22.07
الانتخابات البرلمانية القادمة في العراق: فرص التغيير وإعادة تشكيل المشهد السياسي
Scroll to Top