Cairo

الصراع في الكونغو بين الوساطتين الأنجولية والقطرية

قائمة المحتويات

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

أشارت مصادر إلى أن قطر استضافت الجمعة، 28 مارس 2025، جولة ثانية من المحادثات بين الكونغو ورواندا، كما عُقدت اجتماعات منفصلة مع ممثلين عن حركة 23 مارس المدعومة من رواندا والتي سيطرت على أهم مدينتين في شرق الكونغو. وكانت الجولة الأولى قد عقدت الثلاثاء الماضي؛ حيث التقى رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي ونظيره الرواندي بول كاغامي في أول محادثات بينهما منذ تصاعد هجوم متمردي حركة 23 مارس في يناير 2025.[i] 

الوساطة الأنجولية

ويأتي ذلك بعد انسحاب أنجولا من الوساطة التي كانت ترعاها بين أطراف الصراع في الكونغو في 24 مارس 2025. وقد لعبت أنجولا دور الوسيط عبر “عملية لواندا” التي بدأت عام 2019، ولكنها قررت الانسحاب بعد العثرات العديدة التي عطلت ذلك المسار التفاوضي الذي واجه تعقيدات بسبب وجود العديد من الأطراف المتنازعة. وكانت آخر جهود أنجولا هي محاولة لجمع حكومة الكونغو وحركة 23 مارس قبل أسبوع من محادثات قطر، ولكن تعثرت هذه الجهود ولم يذهب الطرفان لأنجولا.[ii]

وأعلن الرئيس الأنجولي، جواو لورينسو، انسحاب بلاده من دورها كوسيط في عملية السلام المتعلقة بشرق الكونغو، وأنها تفضل تركيز جهودها على رئاستها الحالية للاتحاد الإفريقي. وكانت الحكومة الأنجولية قد أعربت عن دهشتها من الاجتماع الذي استضافته الدوحة، والذي قالت إنه لم يكن جزءًا من أجندة الوساطة المتفق عليها، كما أشارت أنها تفضل الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية.[iii]

أبرز الفاعلين في صراع الكونغو الديمقراطية

وتجدد الصراع في يناير الماضي، حينما شنّت حركة 23 مارس، التي تنحدر من عرقية التوتسي والمدعومة من رواندا، هجومًا في شرق الكونغو الديمقراطية على مدينة غوما، عاصمة إقليم شمال كيفو الغني بالمعادن النادرة؛ حيث يضم مناجم للذهب والقصدير. كما هاجموا فيما بعد مدينة بوكافو الاستراتيجية، عاصمة إقليم جنوب كيفو؛ ليصبح ذلك أوسع هجوم قامت به الحركة منذ عام 2022.[iv]

والصراع لا يقتصر فقط على القوات الكونغولية، وتحالف نهر الكونغو الذي يضم حركة 23 مارس المدعومة من رواندا، بل توجد قوات لدول مجاورة، تشمل جنوب أفريقيا وبوروندي وأوغندا، فضلًا عن البعثة الأممية لحفظ السلام، وكل ذلك يأتي في إطار الجهود الدولية والإقليمية الساعية إلى خفض التصعيد في الكونغو. كما تتواجد شركات عسكرية خاصة تقدم الدعم للجيش الكونغولي. وهذا العدد الكبير من الأطراف يثير المخاوف من اندلاع حرب إقليمية شاملة.[v]  

تطورات الصراع في الكونغو الديمقراطية

شهدت الكونغو الديمقراطية العديد من الصراعات والحروب منذ استقلالها، والتي غذتها النزعات العرقية والأطماع الخارجية في مواردها الطبيعية. والتي أدت بدورها إلى أزمات إنسانية غير مسبوقة وسط صمت عالمي. ومع انسداد الأفق السياسي والدبلوماسي في نهاية العام الماضي، بين الكونغو ورواندا التي تدعم حركة 23 مارس؛ تصاعدت التوترات بين الطرفين وحققت الحركة مكاسب استراتيجية تمثلت في السيطرة على غوما عاصمة إقليم كيفو الشمالي الغني بالمعادن النادرة في نهاية يناير 2025.[vi] وفشل الجيش الكونغولي، والدول والجماعات المسلحة المتحالفة معه، والشركات العسكرية في التصدي لهذا الهجوم؛ حيث أوعز البعض ذلك الفشل إلى غياب التنسيق بين كل تلك الأطراف وسلاسل القيادة المختلفة، فذلك العدد الكبير من القوات التابعة لجهات مختلفة أصبح نقطة ضعف.[vii]

وأدت تلك الهزيمة إلى استسلام أعداد كبيرة من الجيش في مدينة غوما، بالإضافة إلى 300 فرد من الشركات العسكرية الذين قالت بعض المصادر إنهم رومانيون. وقامت تلك المجموعات بتسليم أسلحتها لقوات حفظ السلام قبل أن يسمحوا لهم بدخول قاعدة البعثة الأممية في مطار المدينة، ومن ثم توفير رحلات لإجلائهم إلى رومانيا عبر رواندا.[viii]

وفيما يتعلق بالأزمة الإنسانية؛ فحكومة الكونغو قالت إن 7 آلاف شخص على الأقل قتلوا منذ يناير 2025، كما قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن 600 ألف شخص على الأقل نزحوا بسبب القتال منذ نوفمبر 2024، بعد أن تم تدمير 90 مخيم إيواء منذ يناير الماضي. وبالرغم من ذلك الكم الهائل من الموارد، تعاني الكونغو من ظروف اقتصادية صعبة؛ فهي تصنف من أفقر خمس دول في العالم وفقًا للبنك الدولي، حيث يعيش أكثر من 70% من السكان على أقل من 2.15 دولار يوميًا.[ix]

ختامًا، من المتوقع أن يزيد المشهد في الكونغو تعقيدًا في الفترة المقبلة، وبشكل خاص بعد انسحاب أنجولا من الوساطة؛ لتستمر الكونغو في المعاناة لعقود طويلة من الصراع والتدخل الأجنبي الطامع في ثروات واحدة من أغنى الدول الإفريقية بالموارد النادرة الهامة للصناعات التكنولوجية، حيث تتصارع العديد من القوى الدولية والإقليمية مثل: الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، وتركيا، وإسرائيل، ودول أخرى.

ومن غير المرجح أن تستطيع الوساطة القطرية – في ظل المعطيات الحالية – خفض التصعيد؛ حيث ترفض حركة 23 مارس جميع الدعوات لوقف إطلاق النار حتى من رواندا. ومن المتوقع كذلك أن تتفاقم الأزمة الإنسانية بفعل هذه العمليات العسكرية، بالإضافة إلى تعليق البرامج الممولة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الذي يهدد حياة ما يقارب الـ 8 مليون نازح داخلي يُعانون من نقص حاد في الغذاء والماء والمأوى.

قائمة المراجع


[i] “Qatar hosts talks between Congo and Rwanda, also meets with rebels, sources say,” Reuters, March 28, 2025, https://www.reuters.com/world/africa/qatar-hosts-talks-between-congo-rwanda-also-meets-with-rebels-sources-say-2025-03-28/

[ii] “East Congo ceasefire in trouble as rebels stay in strategic town,” Reuters, March 24, 2025, https://www.reuters.com/world/africa/angola-end-east-congo-conflict-mediation-role-presidency-says-2025-03-24/

[iii] Ibid

[iv]  “تصعيد يُنذر بـ«الأسوأ»… فرص التفاوض تتلاشى في معارك شرق الكونغو،” الشرق الأوسط، 6 مارس 2025، تصعيد يُنذر بـ«الأسوأ»… فرص التفاوض تتلاشى في معارك شرق الكونغو

[v]  نفس المراجع السابق

[vi] Romain Gras, “M23 attack on Goma: Who are FARDC’s allies on the ground?” The Africa Report, January 28, 2025, https://www.theafricareport.com/374996/m23-attack-on-goma-who-are-fardcs-allies-on-the-ground/

[vii] Edwin Waita and Hereward Holland, “Congo’s defeated foreign mercenaries head home with ‘big relief’,” Reuters, January 29, 2025, https://www.reuters.com/world/africa/congos-defeated-foreign-mercenaries-head-home-with-big-relief-2025-01-29/

[viii] Edwin Waita and Hereward Holland, “Congo’s defeated foreign mercenaries head home with ‘big relief’,” Reuters, January 29, 2025, https://www.reuters.com/world/africa/congos-defeated-foreign-mercenaries-head-home-with-big-relief-2025-01-29/

[ix] Andrei Popoviciu, Ana Poenariu, Emmet Livingstone and Marine Leduc, “Supermarket guards, truck drivers and ‘very big mistakes’: the failed role of western mercenaries in the fall of Goma,” The Guardian, 14 Mar 2025. https://www.theguardian.com/global-development/2025/mar/14/failed-role-western-mercenaries-fall-of-goma-drc

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات."
مخرجات قمة ألاسكا بين ترامب وبوتن
وقع كلٌ من وزير خارجية رواندا، ووزير خارجية جمهورية الكونغو الديمقراطية اتفاقَ سلام تاريخيٍ في واشنطن في 27 يونيو 2025، وترجع أهميته أنه جاء هادفًا إلى إنهاء عقود من صراع دموي دام لأكثر من ثلاثة عقود، وأسفر عن مقتل آلاف ونزوح ملايين. هذه الحروب والصراعات الدامية ذات الأبعاد الكولونيالية، العسكرية، الاقتصادية، والإثنية يجعل من هذا الصراع واحدًا من أقدم الصراعات الإقليمية في إفريقيا وأكثرها تعقيدًا، ولهذا فإن اتفاقية السلام ربما تشكل نقطة انفراجة في هذا الصراع بشكل خاص، والصراعات الإفريقية بشكل عام.
Picture1
تعد قناة بنما ذات أهمية جيوسياسية واقتصادية كبيرة، فهي ممر مائي حيوي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، مما يختصر وقت وتكلفة الشحن البحري بشكل كبير. كما أنها تلعب دوراً محورياً في التجارة العالمية
Scroll to Top