Cairo

رفع العقوبات عن سوريا.. الأسباب والتداعيات وتحول الموقف الأمريكي

قائمة المحتويات

باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب

منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، شكّلت العقوبات الدولية إحدى أبرز الأدوات السياسية والاقتصادية التي استخدمتها الدول للضغط على نظام بشار الأسد. وقد تنوعت هذه العقوبات من حيث الجهات الفارضة لها وأسباب فرضها والقطاعات التي استُهدفت بها. وقد أثرت العقوبات بشكل مباشر على المواطن السوري، حيث شهد الاقتصاد السوري تراجعًا كبيرًا في سعر الليرة السورية، وارتفاعًا للأسعار وتقييدًا في حركة الاستيراد أو التصدير.

وفي تحول لافت، شهدت زيارة الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، خلال ولايته الثانية إلى منطقة الخليج قرارًا مفاجئًا برفع العقوبات عن سوريا، استجابةً لوساطة المملكة العربية السعودية وتركيا. وقد مثل هذا القرار أولى الخطوات في إطار استراتيجية ورؤية جديدة للولايات المتحدة تجاه سوريا، ما أثار العديد من التساؤلات حول ملامح هذه الرؤية ودوافعها، ومدى امكانية رفع العقوبات، ومطالب ترامب لرفعها، فضلاً عن مصالح السعودية وتركيا خلف هذه الوساطة.

يهدف هذا المقال التحليلي إلى دراسة العقوبات المفروضة على سوريا وأسباب فرضها والنتائج التي ترتبت عليها. فضلاً عن تحليل قرار ترامب بوقف العقوبات الأمريكية على سوريا في 14 مايو 2025، بالإضافة إلى الفرص أمام سوريا بعد اتخاذ هذا القرار، وذلك من خلال عدة نقاط، أولاً، العقوبات المفروضة على سوريا وأسبابها. ثانيًا، نتائج فرض العقوبات. ثالثًا، قرار ترامب برفع العقوبات وتداعياته. رابعًا، ردود الأفعال.

أولاً، العقوبات المفروضة على سوريا وأسبابها

عانت سوريا لأكثر من أربعين عامًا من سلسة من العقوبات، أثّرت بشكل سلبي وعميق على الاقتصاد السوري. تعددت أنواع هذه العقوبات وأسبابها والجهات الفارضة لها ما بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات أخرى. فيعود أول هذه العقوبات إلى سبعينات القرن الماضي، حيث صنفت الولايات المتحدة الأمريكية سوريا كدولة راعية للإرهاب عام 1979 في عهد حافظ الأسد ووضعتها في قائمة الدول الراعية للإرهاب. وأصدر الرئيس الأسبق، جورج بوش، الأمر التنفيذي رقم 13338، تنفيذًا لقانون لمحاسبة سوريا وقانون استعادة السيادة اللبنانية لعام 2003.[1]

ومع بداية الربيع العربي في عام 2011، فرضت واشنطن بشكل مكثف عقوبات على النظام السوري بهدف حرمان النظام من أى موارد قد تُستخدم للعنف ضد المواطنين والضغط عليها من أجل تحقيق انتقال سلمي للسلطة. ووفقًا لذلك، أصدر الرئيس الأسبق، باراك أوباما، خمس أوامر تنفيذية، كان أولها في 29 أبريل 2011، وتضمن تجميد كل ممتلكات المسؤولين السوريين بسبب تبنيهم سياسات قمع وانتهاك لحقوق الإنسان. بينما جاء الأمر التنفيذي الثاني في 18 مايو 2011 الذي قام بتجميد ممتلكات مجموعة أخرى من المسؤوليين السوريين، من بينهم بشار الأسد.

أما الأمر التنفيذي الثالث في 18 أغسطس 2011 جاء لتجميد ممتلكات الحكومة ذاتها وحظر تصدير الخدمات والاستثمارات الأمريكية إلى سوريا، كما حظر استيراد المواد النفطية السورية وكذلك الصفقات الأمريكية في المنتجات النفطية. فيما فرض الأمر التنفيذي الرابع في 23 أبريل 2012 عقوبات على الأفراد والمؤسسات السورية والإيرانية التي ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتبع ذلك إصدار أمر تنفيذي خامس في 1 مايو 2012 تناول فرض عقوبات على بعض الأجانب الذين يساعدون سوريا وإيران للتهرب من العقوبات المالية والاقتصادية الأمريكية.[2]

صدّق الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، خلال ولايته الأولي على “قانون قيصر لحماية المدنيين” في 20 ديسمبر 2019، والذي أقره الكونغرس بشأن سوريا. كان يهدف قانون قيصر إلى مساءلة نظام بشار عن ممارسة العنف والاعتقال التعسفي والتعذيب ضد الشعب السوري. ووفقًا لذلك، تم فرض عقوبات إلزامية بموجب القانون على الأشخاص التي تدعم النظام سواء بتقديم السلع أو الخدمات أو صناعة الطائرات أو دعم عسكري. ودخل القانون حيز التنفيذ في 17 يونيو 2020.[3] ولاحقًا، فرض الكونغرس الأمريكي في عهد الرئيس الأسبق جو بايدن في عام 2022 قانون “كابتغون 1” وقانون “كابتغون 2” الذي يعني قانون مكافحة انتشار وتجارة المخدرات من قبل الأسد بهدف تدمير شبكة تجارة المخدرات للنظام.[4]

لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية هى الجهة الوحيدة التي فرضت عقوبات على نظام الأسد، فقام الاتحاد الأوروبية بحظر توريد المعدات العسكرية والأسلحة إلى سوريا، وذلك بسبب العنف التي مارسته الحكومة السورية في مايو 2011. وأيضًا، في عام 2012، حظر الاتحاد الأوروبي أجهزة مراقبة الاتصالات وبعض السلع التي تستخدم في تصنيع معدات للقمع، بالإضافة إلى تفتيش الطائرات والسفن المتجهة إلى سوريا إذا لم تقدم سوريا سببًا معقولاً عن محتوياتها.

وقرر الاتحاد الأوروبي في عام 2013 بدعم “الائتلاف الوطني السوري”، إحدى القوى المعارضة السورية، بمعدات تقنية وعسكرية غير فتاكة لحماية المدنيين.[5] علاوة على ذلك، فرض الاتحاد الأوروبي العديد من تدابير تقييدية على سوريا سواء أشخاص أو كيانات في مجالات مختلفة، من بينهما تجميد الأصول والأموال وعدم منح الحكومة أي منح أو مساعدات، وحظر فتح أي حسابات لهم في دول الاتحاد، ومنع التعامل مع شركات الطائرات السورية، ومنع الاستثمار في الأراضي السورية، وحظر تصدير النفط.[6]

إلى جانب ذلك، فرضت الأمم المتحدة وبعض الدول الأخرى مثل المملكة المتحدة[7] وتركيا واليابان وأستراليا وكندا عقوبات مالية على النظام السوري، بالإضافة إلى حظر الأسلحة، ووضع قيود على السفر. ومع ذلك، فإن كل عقوبات الأمم المتحدة على سوريا كدولة لم تعد سارية المفعول منذ 2017.[8] أما بالنسبة للعقوبات العربية، فقد علّقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا في أواخر 2011، كما تم وقف التعاملات مع البنك المركزي السوري، والبنك التجاري السوري، إضافة إلى وقف التعاملات المالية، ورحلات الطيران من وإلى سوريا، وتجميد الأرصدة المالية التابعة لحكومة بشار الأسد.[9]

ثانيًا، نتائج فرض العقوبات

قبل اندلاع الحرب السورية 2011، كان الاقتصاد السوري يُصنف كاقتصاد سريع النمو يعتمد على الزراعة وإنتاج النفط، حيث كانا يساهمان بأكثر من نصف الناتج القومي الإجمالي ويعمل فيهما نحو 40% من القوى العاملة. وجدير بالذكر أن معظم العقوبات فُرضت على قطاع الطاقة الذي يعتبر من أهم القطاعات للاقتصاد السوري، مما كان له آثارًا سلبية عميقة على المواطن السوري ومستوى معيشته. وبالتالي، ومع بداية الحرب وفرض عقوبات دولية، ارتفعت معدلات البطالة من 8.9% في عام 2010 إلى 14.9% في 2011  وظلت كذلك حتى عام 2016.[10]

علاوةً على ذلك، انخفض إنتاج النفط في سوريا من 200 ألف برميل يوميًا في عام 2012 إلى 16 ألف برميل يوميًا في عام 2013 وذلك لعدة أسباب، من بينهما انسحاب الشركات الأجنبية وسيطرة الجماعات الكردية وتنظيم داعش على المناطق النفطية، بالإضافة إلى العقوبات. فتجاوزت خسائر القطاع النفطي 60 مليار دولار ما بين 2011 و 2015. وتبعًا لذلك، زادت حدة الأزمة النفطية في البلاد وزادت معها معاناة الشعب السوري في الحصول على الوقود بسبب عدم قدرة سوريا على تكرير النفط، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وانقطاع مستمر للتيار الكهربائي، وزيادة أسعار السلع الصناعية والزراعية.[11]

علاوةً على ذلك، تدهور النمو الاقتصادي من 5% عام 2011 إلى (-10.05%) خلال مدة الحرب (2011 – 2018)، كما تدهور الناتج المحلي بنسبة 26.34% بعد عام 2011. ونتيجة لذلك، أدت العقوبات المفروضة إلى هجرة رؤوس الأموال، وزيادة العجز التجاري، وتراجع سعر الليرة السورية، وارتفاع الأسعار ومعدل التضخم. كما انخفضت حصيلة الصادرات السورية، حيث بلغ معدل انكماش الصادرات في عام 2012 إلى 71%، وذلك في مقابل ارتفاع معدل الواردات بنسبة بلغت أكثر من 270% خلال فترة الحرب. واستنادًا إلى العقوبات المالية، تعطلت جميع التحويلات المالية الخارجية، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف إتمام الصفقات التجارية من استيراد وتصدير، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن، الأمر الذي انعكس على المواطن السوري بارتفاع أسعار هذه المنتجات وضعف قوته الشرائية.[12]

أثّرت جميع هذه العقوبات بشكل مباشر على الشعب السوري، إذ لم يٌستثنَ حظر الورادات والصادرات من المواد الطبية أو الغذائية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الأدوية والسلع الأساسية. كما أن نقص الوقود وارتفاع أسعاره أدّيا إلى توقف المصانع عن الإنتاج، مما تسبب في فقدان العديد من العمال لوظائفهم. وبالتالي، فإن العقوبات التي فٌرضت على سوريا أثرت بالسلب على حقوق المواطن السوري وحقه في عيش حياة كريمة.[13]

ثالثًا، رفع العقوبات وتداعياتها

خلال جولته الخليجية إلى المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات من 13 إلى 16 مايو 2025، جاءت وعود ترامب عن رفع العقوبات على الدولة السورية، بناءً على وساطة سعودية وتركية، لتكون أول خطوة في تقارب أمريكي سوري وفرصةً كبيرة لمستقبل سوري أفضل. وقد التقى ترامب خلال هذه الزيارة بنظيره السوري أحمد الشرع، في لقاء أثار الكثير من التساؤلات حول رؤية واشنطن لدمشق، ومصالحها المحتملة من هذا اللقاء، بالإضافة إلى أبعاد الوساطة السعودية والتركية، وشروط رفع العقوبات على سوريا ومدى إمكانية تنفيذ هذه الرؤية.

يعدّ لقاء ترامب والشرع أول لقاء يجمع بين رئيس أمريكي ونظيره السوري منذ عام 1994 عاماً، حين التقى الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد مع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في جينيف في إطار جهود السلام بين سوريا وإسرائيل، مما يعطي أهمية كبيرة لهذا اللقاء من الناحيتين السياسية والتاريخية،[14] حيث قرر ترامب رفع العقوبات المفروضة على سوريا مقابل خمس شروط، أبرزها توقيع دمشق على اتفاقية إبراهام ليعيد فتح مسار العلاقة السورية الإسرائيلية مرة أخرى، ولكن في سياق مختلف تمامًا عن المراحل السابقة. ويتمثل الشرط الثاني في خروج المقاتلين الأجانب من الأراضي السورية، أما الشرط الثالث فهو ترحيل أعضاء من حركات فلسطينية مسلحة. بينما شدّد الشرطين الرابع والخامس على ضرورة مكافحة الأرهاب المتمثل في تنظيم داعش ومساعدة واشنطن على منع عودة التنظيم، بالإضافة إلى تحمل الحكومة السورية مسئولية مراكز احتجاز داعش التي تتواجد في الشمال الشرقي السوري.[15]

وبالرغم من ذلك فليس من سلطة الرئيس الأمريكي رفع جميع العقوبات المفروضة، إذ تنقسم إلى نوعين، وهما أوامر تنفيذية وقوانين تشريعية. فيستطيع ترامب وقف الأوامر التنفيذية عن طريق إصدار أمر تنفيذي آخر، ولكن الكونغرس الأمريكي وحده هو الذي لديه صلاحية إلغاء القوانين التى تفرض عقوبات، فالإلغاء أمر معقد ويستغرق وقتًا طويلاً.[16] ومع ذلك، وفقًا لقانون قيصر، للرئيس الأمريكي صلاحية تعليق العمل بالقانون أي تعليق فرض العقوبات مؤقتًا لمدة 180، بشرط توضيح أن ذلك يصُب في صالح الأمن القومي الأمريكي، مع الالتزام بالشروط والمعايير المحددة لتعليق العقوبات. كما يلتزم الرئيس بتقديم تقرير عن أسباب تعليق هذه العقوبات كل 90 يومًا وإلا سيخضع هذا القرار للنقاش والمراجعة.[17] ومن المهم الإشارة إلى تأكيد وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، خلال اجتماعه مع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، في 15 مايو 2025، على أن واشنطن ستصدر مجموعة من الإعفاءات الأولية من العقوبات المفروضة على سوريا، دون أن يشمل ذلك رفعًا كاملاً للعقوبات في الوقت الراهن.[18]

لم يكن ترامب هو أول من اتخذ قرار رفع العقوبات على سوريا، بل قام الاتحاد الأوروبي في 19 فبراير 2015 باتخاذ قرار بتعليق عدد من التدابير التنفيذية المفروضة على دمشق بهدف تسهيل التعاملات المالية والاستثمارية في مجال الطاقة والنفط وإعادة الأعمار، وذلك يرجع لدعم دول الاتحاد لانتقال سياسي آمن ومستقبل أفضل لسوريا.[19] وبالفعل، في 24 فبراير، أعلن الاتحاد الأوروبي العقوبات التي سيتم تعليقها، والتي شملت تعليق التدابير التنفيذية المتعلقة بقطاع الطاقة، ورفع حظر التعاملات مع البنك المركزى السوري والخطوط الجوية السورية، وعدد الجهات الأخرى.[20] ووفقًا لذلك، يتنبى الاتحاد الأوروبي سياسة التدريج ووضع الشروط في تعليق العقوبات، كما تبنت المملكة المتحدة سياسات مشابهة.[21]وفي 20 فبراير 2025، قرر الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات الاقتصادية مبدئيًا ولكنه خاضع لإعادة النظر فيه إذا لم تحترم الحكومة السورية حقوق الأقليات.[22]

وقد لعبت السعودية وتركيا دورًا مهمًا في رفع العقوبات الأمريكية عن دمشق، وتتمثل مصلحة الرياض من ذلك في إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان مقابل زيادة نفوذها في البلدين ومنع انتشار الجماعات الإرهابية[23]، حيث كانت سوريا إحدى الدول التي شهدت الحرب بالوكالة بين كل من المملكة وإيران في منطقة الشرق الأوسط،[24] وكانت كحلقة وصل لإيصال الإمدادات بين طهران وأذرعها في لبنان وسوريا.[25] في المقابل، تهدف أنقرة من الإسهام في بناء الدولة السورية وحماية حدودها واستقرارها، إلى منع أكراد سوريا من الاستقلال والحصول على حكم ذاتي، بالإضافة إلى سعيها في إعادة المهاجرين السوريين لبلادهم.[26] [27]

وفي ذات الإطار، تُعد قطر من أكبر الدول الداعمة للشرع،[28]حيث سددت كل من السعودية وقطر القروض المستحقة على سوريا التي تبلغ 15.5 مليون دولار أمريكي للبنك الدولي، الأمر الذي مكّن سوريا من الاقتراض والتعامل مع البنك الدولي مرة أخرى. وقد زودت الدوحة دمشق بالغاز الطبيعي لتخفيف أزمة انقطاع الكهرباء في مارس.[29] وفي مايو، حصلت قطر على إذن واشنطن لتنفيذ مبادرة قطرية لتمويل القطاع العام السوري ودعم حكومتها في مساعيها لإعمار البلاد.[30]

من الجانب الآخر، فإن قرار ترامب برفع العقوبات يعكس تبني واشنطن رؤية جديدة للدولة السورية، ومصالحها المحتملة من هذا اللقاء، حيث تتشارك واشنطن مع كل من السعودية وتركيا في تقليص النفوذ الإيراني في سوريا وذلك من خلال دعمها للأكراد والمعارضة السورية والجماعات المسلحة آنذاك بالأسلحة والمساعدات العسكرية والاقتصادية والسياسية.[31] وأيضًا قدمت دعمًا للجيش السوري الحر والائتلاف الوطني السوري للقضاء على نظام الأسد. ويُمكن القول إن واشنطن لم تتدخل بشكل مباشر في سوريا، بل دعمت أطراف داخل المتجتمع السوري. وتعددت مصالحها هناك، ما بين مصالح سياسية في إطار تنافسها مع روسيا، إلى جانب مساعيها لمحاربة تنظيم داعش،[32] ومصالح اقتصادية تمثلت في حقول النفط في الشمال السوري.[33] فضلًا عن مساعي واشنطن لدعم إسرائيل في عمليات التطبيع مع الدول العربية، وهو ما أشار إليه ترامب كأحد الشروط الأساسية لرفع العقوبات.[34]

بعد إعلان ترامب رفع العقوبات على سوريا، زادت قوة سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي ووصلت إلى  8400 ليرة للدولار بعد أن كانت 11 ألف ليرة للدولار.[35] الأمر الذي يُظهر حجم تأثير العقوبات على العملة السورية. كما عادت سوريا إلى النظام المالي العالمي (السويفت) لتُفتح أبواب التجارة والاستثمار الأجنبي والتحويلات المالية، بالأخص أمام السعودية وقطر لتقديم دعم مالي كبير للحكومة.[36] وبناءًا على ذلك، سيفتح قرار رفع العقوبات مسار إعادة إعمار سوريا والتطوير في كافة قطاعاتها وبالأخص قطاع الطاقة والنقل الذين يعتبران أساس الاقتصاد السوري.

وكنتيجة مباشرة لذلك، ستزيد فرص العمل وسيرتفع الناتج المحلي الإجمالي، مما يحسن مستوى المعيشة للمواطن السوري. إلى جانب ذلك، ستتمكن الحكومة السورية من إعادة بناء وهيكلة مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية، وهو ما يُسهم في تعزيز استقرار المجتمع. ووفقًا لذلك، ستكون سوريا في موضع أفضل في المجتمع الدولي، مستفيدةً من دعم إقليمي من قطر والسعودية وتركيا، إضافة إلى دعم الولابات المتحدة والاتحاد الأوروبي في حال الالتزام بتنفيذ شروط وطلبات رفع العقوبات.[37] ويعتبر هذا القرار فرصة أمام سوريا لاجتذاب الاستثمارات الأمريكية، وذلك ما ذكره الشرع في اجتماعه مع ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.[38]

رابعًا: ردود الأفعال

رحبت لجنة الأمم المتحدة المعنية بسوريا بقرار ترامب، مشيرةً إلى التأثيرات السلبية للعقوبات على مختلف القطاعات السورية والاستثمار ووصول المساعدات، كما دعت دول العالم لاتخاذ مثل هذا القرار تجاه سوريا بهدف تخفيف حدة الأزمة الإنسانية والاقتصادية التي تعانى منها البلاد منذ عام 2011.[39] كما رحبت بعض الدول الأوروبية بإعلان ترامب مثل ألمانيا التي أكدت على أهمية التعاون مع الحكومة السورية لتحسين المستوى الاقتصادي ومستوى المعيشة للمواطنين وبدء إعادة إعمار البلاد.[40]

فضلًا عن ذلك ، رحّبت العديد من الدول العربية بقرار ترامب وبجهود السعودية وتركيا، ومن بينها قطر والعراق وسلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة والبحرين واليمن والأردن والكويت ولبنان وليبيا وفلسطين.[41][42]

وختامًا، يُعد قرار ترامب برفع العقوبات الأمريكية عن سوريا خطوة تُغير مسار العلاقات الثنائية بين البلدين ومكانة سوريا في المجتمع الدولي. فقد تضررت سوريا على مدار أربعة عقود من فرض عدد كبير من العقوبات السياسية والاقتصادية والعسكرية والمالية، ما انعكس سلبًا على قدرتها على الاستيراد والتصدير وأدى إلى تراجع انتاجية أهم القطاعات السورية كقطاعي الطاقة والزراعة، الأمر الذي ساهم في ارتفاع معدلات البطالة والتضخم بشكل حاد.

لقد فُرضت هذه العقوبات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وعدة دول أخرى، بالإضافة إلى جامعة الدول العربية، ضد نظام بشار الأسد وسياساته في انتهاك حقوق الإنسان. إلا أن التطورات السياسية الأخيرة، المتمثلة في سقوط نظام الأسد وتولي أحمد الشرع زمام الحكم، دفعت المجتمع الدولي لإعادة النظر في جدوى استمرار العقوبات، وهو ما تجلى في رفع الاتحاد الأوروبي لعددًا من التدابير التنفيذية بشكل مبدئي في مايو 2025.

وفي تحول لافت، جاء قرار ترامب برفع العقوبات الأمريكية مقابل مجموعة من الشروط التي تعكس جزئيًا مصالح واشنطن وعلى رأسها دفع مسار التطبيع مع إسرائيل. علاوةً على ذلك، برز دور الوسيط لكل من السعودية وتركيا، في تسهيل قرار ترامب ومقابلة نظيره السوري أحمد الشرع. ويعكس هذا القرار مدى توافق مصالح واشنطن في الشرق الأوسط مع تطلعات السعودية وتركيا في الملف السوري، فضلاً عن آمال دمشق في الخروج من العزلة الدولية وبناء مستقبل أفضل. وآخيراً، فإن استمرار رفع هذه العقوبات سيبقى مرهونًا بمدى التزام دمشق بتنفيذ بمطالب واشنطن.


[1] “Syria Sanctions”. U.S. Department of State. https://www.state.gov/syria-sanctions/#UNSC

[2] Ibid.

[3] “Caesar Syria Civilian Protection Act”. U.S. Department of State. June 17, 2025. https://2017-2021.state.gov/caesar-syria-civilian-protection-act/

[4] “Text – H.R.6265 – 117th Congress (2021-2022): CAPTAGON Act”. Congress.gov. December 14, 2021. https://www.congress.gov/bill/117th-congress/house-bill/6265/text#:~:text=This%20Act%20may%20be%20cited,Bashar%20al%2DAssad%20in%20Syria.

[5] “EU arms embargo on Syria”. SIPRI. November 11, 2024. https://www.sipri.org/databases/embargoes/eu_arms_embargoes/syria_LAS/eu-embargo-on-Syria

[6] “Syria: Restrictive measure against Syria”. European Union. https://www.sanctionsmap.eu/api/v1/pdf/regime?id[]=34&id[]=32&lang=en&search=Syria&search_type=1

[7]  خالد التركاوي، مسار رفع العقوبات عن سوريا: المراحل والأثمان والآثار الاقتصادية”، مركز جسورللدراسات، مارس 2025، https://jusoor.co/ar/short-link/2623

[8] Byron Andronik. “An Inhumane Response. The Humanitarian Consequences of Sanctions: A Case Study of Syria.” UCL Global Governance Institute Working Paper Series 1 (2018): 31.

[9]  “نص العقوبات التي فرضتها الجامعة العربية على سوريا”، Reuters، 27 نوفمبر 2011، https://www.reuters.com/article/idUSCAE7AQ0E4/

[10] Op.cit. Andronik. p.16-17

[11]  رامي مازن المرعي. “العقوبات الاقتصادية وتداعياتها على سورية.”، مجلة جامعة البعث، المجلد 43، العدد 17، 2021، ص. 101 – 102 https://journal.homs-univ.edu.sy/index.php/Law/article/view/436

[12]  مرجع سابق، 104 -103

[13]  مرجع سابق، ص. 105 -106

[14] “The President’s News Conference With President Hafiz al-Asad of Syria in Geneva”. The American Presidency project. January 19, 1994. https://www.presidency.ucsb.edu/documents/the-presidents-news-conference-with-president-hafiz-al-asad-syria-geneva

[15]  هبة القدسي، “ما هي مطالب ترمب الخمسة من الشرع بعد رفع العقوبات؟”، الشرق الأوسط، 14 مايو 2025، https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9%E2%80%8B/5142959-%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A-%D9%85%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8-%D8%AA%D8%B1%D9%85%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%85%D8%B3%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B9-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B1%D9%81%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA%D8%9F

[16]  سارة فياض،” ما هي العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، ومتى ستُرفع بالفعل؟”، عربى BBC News، 14 مايو 2025، https://www.bbc.com/arabic/articles/cp853d7lrj8o

[17] “H.R.31 – Caesar Syria Civilian Protection Act of 2019”. Congress.Gov. 2019. https://www.congress.gov/bill/116th-congress/house-bill/31/text

[18]  “روبيو والشيباني يبحثان تطبيع العلاقات الأميركية-السورية”، العربية، 15 مايو 2025، https://www.alarabiya.net/arab-and-world/syria/2025/05/15/%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%AB%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%8A%D9%88-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A8%D8%B4%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%B7%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9

[19] “Syria – Council Declaration”. Council of the European Union. 19 February 2025. https://data.consilium.europa.eu/doc/document/ST-6227-2025-ADD-1/en/pdf#page=1.00

[20] “Syria: EU suspends restrictive measures on key economic sectors”. European Council. February 24, 2025. https://www.consilium.europa.eu/en/press/press-releases/2025/02/24/syria-eu-suspends-restrictive-measures-on-key-economic-sectors/

[21]  مرجع سابق، فياض.

[22]  “الاتحاد الأوروبي “يوافق مبدئياً” على رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا”، عربي BBC News، 20 مايو 2025، https://www.bbc.com/arabic/articles/cqxee9v9l2ro

[23] “Saudi Arabia’s Calculated Re-engagement in Syria and Lebanon”. Arab Center Washington DC. April 8, 2025. https://arabcenterdc.org/resource/saudi-arabias-calculated-re-engagement-in-syria-and-lebanon/

[24] Op.cit. Ahmed. P. 37 -39

[25] Shahram Akbarzadeh. “Hezbollah’s Defeat and Iran’s Strategic Depth Doctrine”. Middle East Council on Global Affairs. April 13, 2025. https://mecouncil.org/publication/hezbollahs-defeat-and-irans-strategic-depth-doctrine/

[26]  العزاوي, سلامة, جمال, and شاكر. “تطور السياسة الخارجية التركية تجاة الازمة السورية بعد احداث2011.” مجلة الدراسات السياسية والاقتصادية 5, no. 1 (2025): 613-646.

[27] Yaakov Lappin. “Turkey’s Involvement and Entrenchment in Syria – Goals and Implications”. Al,a Reseaarch and Education centre. January 2, 2025. https://israel-alma.org/turkeys-involvement-and-entrenchment-in-syria-goals-and-implications/

[28] By Timour Azhari, & Andrew Mills. “Exclusive: Qatari financing of Syrian salaries gets US go-ahead, sources say”. Reuters. Mary 8, 2025. https://www.reuters.com/world/middle-east/qatari-financing-syrian-salaries-gets-us-go-ahead-sources-say-2025-05-07/

[29] “World Bank says Saudi Arabia and Qatar have paid off Syria’s outstanding debt”. AP News. May 16, 2025. https://apnews.com/article/syria-world-bank-saudi-arabia-qatar-debt-007d228b56cd1a42cc1daaf1e662cfec

[30] Timour Azhari, &Andrew Mills.“Exclusive: Qatari financing of Syrian salaries gets US go-ahead, sources say”. Reuters. May 8, 2025. https://www.reuters.com/world/middle-east/qatari-financing-syrian-salaries-gets-us-go-ahead-sources-say-2025-05-07/

[31] Shahram Akbarzadeh. “Hezbollah’s Defeat and Iran’s Strategic Depth Doctrine”. Middle East Council on Global Affairs. April 13, 2025. https://mecouncil.org/publication/hezbollahs-defeat-and-irans-strategic-depth-doctrine/

[32] Sabbir Ahmed. “A Critical Study of Bashar al Assad’s Religio-political Policies”.  Master diss, University of Dhaka, 2023. p.37 -39. https://www.researchgate.net/profile/Md-Ahmed-289/publication/374556859_A_Critical_Study_of_Bashar_al_Assad’s_Religio-political_Policies/links/6524f262fc5c2a0c3bc70613/A-Critical-Study-of-Bashar-al-Assads-Religio-political-Policies.pdf

[33] Jack Detsch. “U.S. Troops Really Are in Syria to Protect the Oil—for the Kurds”. Foreign Policy. August 5, 2020. https://foreignpolicy.com/2020/08/05/kurds-oil-syria-us-troops-trump/

[34] Alexandre Kateb. “The Abraham Accords After Gaza: A Change of Context”. Carnegie Endowment for International Peace. April 25, 2025. https://carnegieendowment.org/research/2025/04/the-abraham-accords-after-gaza-a-change-of-context

[35]  شام السبسبي ، “خبراء اقتصاديون للجزيرة نت: هذه أبعاد قرار رفع العقوبات الأميركية عن سوريا”، الجزيرة ، 14 مايو 2025، https://www.ajnet.me/ebusiness/2025/5/14/economists-dimensions-decision-lift-us-sanctions-syria

[36]  مرجع سابق، فياض.

[37]  حسن الشاغل، “5 نقاط تشرح تأثير رفع العقوبات الأميركية على اقتصاد سوريا”، الجزيرة، 15 مايو 2025، https://www.ajnet.me/ebusiness/2025/5/15/5-%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%B7-%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D8%AD-%D8%AA%D8%A3%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D8%B1%D9%81%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA

[38]  مرجع سابق، القدسي.

[39] Beyza Binnur Dönmez. “UN Syria Commission hails US decision to lift sanctions, urges other countries to follow suit”. Anadolu Ajansi. May 14, 2025. https://www.aa.com.tr/en/middle-east/un-syria-commission-hails-us-decision-to-lift-sanctions-urges-other-countries-to-follow-suit/3568208

[40]  “الخارجية الألمانية ترحب بإعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا”، سانا، 14 مايو 2025، https://sana.sy/?p=2218618

[41]  “ترحيب عربي بإعلان ترامب رفع العقوبات عن سوريا”، الجزيرة، 14 مايو 2025، https://www.ajnet.me/news/2025/5/14/%D8%AA%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D8%A8-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%A8%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D9%85-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%B1%D9%81%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA

[42] Ibrahim Khazen, Awad Rjoob, Betul Yilmaz “Arab countries welcome Trump’s decision to lift sanctions on Syria; hail Türkiye, Saudi efforts”. Anadolu Ajansi. May 14, 2025. https://www.aa.com.tr/en/middle-east/arab-countries-welcome-trump-s-decision-to-lift-sanctions-on-syria-hail-turkiye-saudi-efforts/3568217

باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب

الاستقالات الوزارية في هولندا وتداعياتها على الموقف الأوروبي من إسرائيل
الميتافيزيقا السياسية للسلطة في فلسطين
رؤية جون ميرشايمر لحربي إسرائيل وروسيا ومستقبل النظام الدولي
التكنولوجيا الحيوية كأداة للقوة التنافس السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين في سباق الهيمنة العالمية
تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات."
Scroll to Top