يُعد كتاب “جيوش الرمال: الماضي والحاضر والمستقبل للفعالية العسكرية العربية” أحد الكتب التحليلية في المجال العسكري التي تسعى إلى تقديم تفسير لأسباب ضعف الأداء العسكري للجيوش العربية عبر التاريخ الحديث بدءًا من عام 1945. صدر هذا الكتاب لمحلل أمريكي سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أي/ CIA) يُدعى كينيث مايكل بولاك في عام 2019 عن دار نشر جامعة أكسفورد.
عمل كينيث م. بولاك محللًا عسكريًا لشئون الخليج العربي في وكالة الاستخبارات الأمريكية حيث كان يُعد التقارير السرية للوكالة عن الاستراتيجية العراقية والعمليات العسكرية خلال حرب الخليج الأولى. كما شغل منصب مدير شئون الشرق الأدنى وجنوب أسيا، ثم مدير شئون الخليج العربي في مجلس الأمن القومي. وكان بولاك مديرًا سابقًا لمركز سابان لسياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز (Brookings Institution) وأيضًا زميل أول في معهد أمريكان انتربرايز (American Enterprise Institute) متخصصًا في الشؤون العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط، وبالأخص إيران ودول الخليج كالسعودية والعراق. حصل بولاك على درجة الدكتوراة ويتولى حاليًا منصب نائب رئيس قسم السياسات في معهد الشرق الأوسط (Middle East Institute).[1]
يبدأ بولاك في كتابه بطرح عدة تساؤلات، أبرزهم لماذا تنهزم الجيوش العربية في العديد من الحروب بالرغم من أن احتمالية انتصارها عالية، بل وحتى عندما تنتصر يكون انتصارها مهزوز، ولماذا ينهزم العرب مرارًا وتكرارًا أمام إسرائيل. ثم ركز بولاك أسئلته على ثلاثة دول وهم العراق وسوريا وليبيا، إذ تسائل لماذا اتخذ من العراق العديد من السنوات لهزيمة إيران، في وقت كانت تعاني فيه طهران من انعزال عالمي وتوتر داخلي، ولماذا انهزم الجيش العراقي بسهولة أمام التحالف بقيادة واشنطن في عام 1991، ولماذا لم يصمد أمام هجوم داعش في 2014، بل وكان من الصعب مواجهة التنظيم بالرغم من وجود مساعدات أمريكية ضخمة. أما بالنسبة لسوريا، فقد اقتصر تساؤله على محاولة تفسير أسباب معاناة الجيش السوري من المشكلات ذاتها التي واجهها الجيش العراقي، ليتبع ذلك بسؤالٍ آخر حول أسباب هزيمة الجيش الليبي أمام تشاد عام 1987.
ومن خلال هذه الأسئلة، يمكن استنتاج عدة نقاط، أولًا اعتبار العرب جميعهم وجيوشهم كيان واحدًا بغض النظر عن كونهم 22 دولة عربية يختلف فيها التاريخ والخبرة العسكرية من دولة إلى أخرى. ثانيًا الاعتراف بدور أمريكي واضح في الشرق الأوسط يتمثل في تشكيل تحالفات من أجل تدمير إحدى المؤسسات العسكرية الوطنية وأيضًا مساعدتها لاحقًا من أجل محاربة داعش، الأمر الذي يؤكد أن التدخل الأجنبي يلعب دورًا محوريًا في مسار المؤسسات السياسية والعسكرية في عدة دول عربية مؤثرًا على استقرار المنطقة ككل.
وهذا ما أكده بولاك لاحقًا، إذ ذكر أن هزيمة الجيوش العربية تصب في مصلحة الولايات المتحدة التي تتمثل في حماية حليفها الأول في المنطقة إسرائيل. الأمر الذي يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول حجم وتاريخ الدعم الأمريكي لتل أبيب وتأثير ذلك على مسار الحروب في المنطقة حيث بدأ الدعم الأمريكي لتل أبيب منذ دعم إنشاء دولة إسرائيل في عام 1948، ثم تواصل عبر المساعدات الخارجية بمختلف أنواعها العسكرية والدفاعية والاقتصادية،[2] آخذًا طابعًا أكثر تنظيمًا بعد حرب أكتوبر 1973 بهدف ضمان التفوق العسكري والتكنولوجي لإسرائيل على جيرانها.[3]
لم تتغير هذه السياسات باختلاف الإدارات الأمريكية إذ تعبّر عن اتجاه ثابت في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل بغض النظر عن الحزب الحاكم، وهذا ما تجلى بالفعل منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023 والتي مازالت مستمرة لعامين بدون توقف، تخللتها اعتداءات إسرائيلية على العديد من الدول المجاورة لها مثل سوريا ولبنان واليمن وقطر. وخلال هذه الحرب، أقرت واشنطن بعض التشريعات التي بموجبها يُقدم إلى تل أبيب مساعدات عسكرية بمبلغ يصل إلى 16.3 مليار دولار، تحتوي على ما يقارب من 90 ألف طن من الأسلحة والمعدات.[4] وهذا يفسر سبب قدرة إسرائيل على إطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها لتشمل المواجهة مع إيران.
برز الاتجاه الأمريكي الداعم لتل أبيب في خطاب الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب في الكنيست في 13 أكتوبر 2025، إذ أكد على أن الولايات المتحدة هي من تصنع الأسلحة وتقدمها بشكل مستمر لحليفتها إسرائيل.[5] وهو ما يتناقض تمامًا مع ما أوضحه بولاك بشأن دوافع الوجود الأمريكي في المنطقة، إذ أشار أن واشنطن تبنت سياسة بناء الجيوش العربية منذ سبعينات القرن الماضي، انطلاقًا من مبدأ أنه كلما كانت هذه الجيوش أقوى، كلما زادت قدرتها على الردع وقللت اضطرار الولايات المتحدة للتدخل نيابة عنهم ودعمهم.
هذا بدوره يدفع إلى التساؤل حول حقيقة الأهداف للوجود الأمريكي في المنطقة، والذي يبدو أنه يسعى في جوهره إلى جعل ميزان القوى متذبذبًا بما يخدم توطيد نفوذه ونفوذ إسرائيل بالشرق الأوسط، حيث لم يقتصر الدور الأمريكي على دعم الجيوش النظامية، بل امتد أيضًا إلى دعم فاعلين غير دوليين مثل جماعات المعارضة المسلحة ضد نظام بشار الأسد في سوريا بهدف الحد من النفوذ الإيراني والروسي فيها، فضلًا عن دعم قوات سوريا الديموقراطية (قسد) في حربها ضد تنظيم داعش.[6] وبالتالي، فإن التدخلات الخارجية في المنطقة قد تكون إحدى أسباب إضعاف الجيوش العربية، إذ أن دعم أطراف أخرى مسلحة داخل الدولة يهدد أمنها واستقرار جميع مؤسساتها.
وبناءًا على الأسئلة السابقة، حدد بولاك أربعة أسباب وراء إخفاق الجيوش العربية عبر العقود، وهم:
- تبنّي العقيدة السوفيتية.
- تسييس المؤسسات العسكرية.
- الضعف الاقتصادي والتنموي للدول.
- الأنماط الثقافية لسلوك أفراد هذه الدول.
ورغم تعدد هذه الأسباب، إلا أنه وضّح أن العامل الرئيسي وراء هذه الإخفاقات هي الثقافة العربية التي تتمثل في بنية اجتماعية أبوية ووجود قيم للخضوع للسلطة العليا ورفض النقد، مما يخلق سلوكًا مؤسسيًا لا يتماشى مع طبيعة الحرب الحديثة مثل الخوف من الخطأ والمركزية المفرطة، الأمر الذي انعكس في المؤسسة التعليمية. إلا أن هذا التفسير الثقافي يثير العديد من الإشكاليات، إذ يتجاهل العديد من العوامل الداخلية والخارجية التي تؤثر بشكل واضح في كفاءة الأداء العسكري لهذه الجيوش، مثل الإرث الاستعماري الذي أضغف بنية الدولة الحديثة ومؤسساتها التعليمية والعسكرية[7]، فضلًا عن التدخلات الأجنبية فيما بعد التي لعبت دورًا محوريًا في استقرار هذه الدول.
كما أن هذا التفسير لا يتماشى مع ذكر بولاك بعض الحالات الاستثنائية العربية التي تتسم بتفوق الأداء العسكري مثل حزب الله وداعش، فهي تقع تحت طائلة الثقافة العربية أيضًا وبالتالي فإن حجة أن الثقافة العربية هي السبب الرئيسي تسقط، بل وتعطي أهمية لبعض العوامل الأخرى مثل الإدارة والايدولوجيا والمصالح.
تعكس رؤية بولاك واعتماده على التفسير الثقافي لأسباب ضعف الأداء العسكري للجيوش العربية نزعة استشراقية ترى في الثقافة العربية سببًا للفشل والتخلف، وهو ما انعكس في عنوان الكتاب “جيوش الرمال” الذي يمكن أن يُفهم بوصفه إشارة إلى البيئة الصحراوية التي ينتمي إليها العرب، ولكنه في الوقت نفسه يعكس نظرة بولاك والمؤسسات الأمريكية إلى الجيوش باعتبارها عديدة وكثيرة كأفراد ولكنها بلا فاعلية أو كفاءة.
وختامًا، يمكن القول أن أطروحة بولاك في كتابه “جيوش الرمال” تعكس رؤية المؤسسات الأمريكية للدول العربية ومصالحها فيها، بل وتعيد انتاج الرؤية الاستشراقية التي تفسر أسباب إخفاق الجيوش العربية إلى طبيعة الثقافة العربية، متجاهلًا العديد من العوامل التاريخية ودور التدخلات الخارجية.
[1] “Kenneth M. Pollack”. Middle East Institute. https://www.mei.edu/profile/kenneth-m-pollack
[2] “U.S. Foreign Aid to Israel: Total Aid (1949 – Present). Jewish Virtual Library. https://www.jewishvirtuallibrary.org/total-u-s-foreign-aid-to-israel-1949-present
[3] “U.S. Foreign Aid to Israel”. Congressional Research Service. February 2022. https://www.congress.gov/crs_external_products/RL/PDF/RL33222/RL33222.44.pdf
[4] Jonathan Masters, & Will Merrow. “U.S. Aid to Israel in Four Charts”. Council on Foreign Relations. October 7, 2025. https://www.cfr.org/article/us-aid-israel-four-charts
[5] “Full text of Trump’s Knesset speech: You’ve won. You can’t beat the world. It’s time for peace”. The Times of Israel. October 14, 2025. https://www.timesofisrael.com/full-text-of-trumps-knesset-speech-youve-won-you-cant-beat-the-world-its-time-for-peace/
[6] Shabnam Dadparvar, & Amin Parto. “A. Great powers, the arming of non-state groups, and the prolongation of armed conflicts in the Middle East”. Asian Rev. Political Econ. 4, 4 (2025):6-8. https://doi.org/10.1007/s44216-025-00046-8
[7] Yara M. Asi. “The Colonial Legacy in the Arab World: Health, Education, and Politics”. Arab Centre Washington DC. November 9. 2022. https://arabcenterdc.org/resource/the-colonial-legacy-in-the-arab-world-health-education-and-politics
 
								 
     
    
        
      
     
    
        
      
     
    
        
      
     
    
        
      
     
    
        
      
     
    
        
      
     
    
        
      
     
    
        
      
     
    
        
      
     
    
        
      
															 
       
      
       
      
       
      
       
     