Cairo

تغيرات جيوسياسية: فرص وتحديات التحالفات الأمريكية في آسيا وأفريقيا

قائمة المحتويات

مقدمة:

في العقود الأخيرة، شهدت العلاقات الدولية تحولاً ملحوظاً حيث أصبحت التحالفات الاستراتيجية عاملاً حاسماً في تحديد مكانة الدول على الساحة العالمية. وفي هذا السياق، تبرز الولايات المتحدة الأمريكية كواحدة من القوى العظمى التي سعت على مدى عقود إلى بناء وتطوير تحالفات عالمية، خاصة في قارتي آسيا وأفريقيا، وتعكس هذه التحالفات الجهود الأمريكية لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية، وتعتبر بمثابة آليات حيوية للتفاعل مع التحديات العالمية الراهنة.

وفي إطار ذلك، تأتي هذه الدراسة لتسلط الضوء على أهمية التحالفات الأمريكية في هاتين القارتين، مع تحليل التحديات التي تواجهها والفرص المتاحة لها، وسيتناول البحث التحالفات التاريخية والحالية، مع التركيز على تأثير القوى المنافسة مثل الصين وروسيا على النفوذ الأمريكي في آسيا وأفريقيا، كما سوفر تحليلاً دقيقاً لتراجع النفوذ الأمريكي في أفريقيا، وتستعرض كيفية تأثير الأحداث السياسية على السياسة الخارجية الأمريكية.

علاوة على ذلك، تسعى الدراسة إلى تقديم رؤية شاملة حول كيفية تعزيز الولايات المتحدة لوجودها في أفريقيا من خلال مشاريع تنموية مستدامة، تهدف إلى تحسين البنية التحتية وتعزيز القدرات المحلية لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والتحديات الوجودية كالتغيرات المناخية بالقارة الأفريقية، وذلك في ظل تصاعد الصراعات والتحولات الجيوسياسية ومنافسة الصين وروسيا لنفوذ الولايات المتحدة في أفريقيا، ومن ثم يصبح من الضروري أن تعيد الولايات المتحدة هيكلة سياستها الخارجية لتكون أكثر فعالية واستجابة لاحتياجات الشعوب في هذه المناطق وإلا ستترك المجال فسيحاً للقوى المنافسة لها.

الفصل الأول: التحالفات الأمريكية في آسيا

تاريخ علاقات الولايات المتحدة في آسيا يمتد لعقود، وتبرز خاصة علاقتها العميقة مع اليابان وتدخلها في الصراعات في شبه الجزيرة الكورية. بالإضافة إلى ذلك، تتجلى استراتيجيتها الشاملة في المنطقة التي تحيط بالمحيطين الهندي والهادي، وذلك على مستوى الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية، بجانب ذلك يوجد تعاون اقتصادي وأمني مع الهند ودول جنوب شرق آسيا.

1.1 السياق التاريخي للتحالفات الأمريكية في آسيا

أولاً: العلاقة التاريخية مع اليابان

تلتف العلاقات الأمريكية اليابانية حول تحالف استراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تعود بدايته إلى فترة ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ويشمل هذا التحالف الاستراتيجي أهداف مشتركة بين الدولتين منها؛ حرية الملاحة، ومواجهة خطر المنظمات الإرهابية، وتحقيق ازدهار اقتصادي، وردع عدوان القوى العالمية الصاعدة مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية.[1]

الجدير بالذكر أن كلا من الدولتين تسعيان إلى إقامة نظام دولي قائم على أساسيات القانون الدولي بما في ذلك الجوانب الاقتصادية، والسياسية والأمنية. فعلى سبيل المثال، يحمل هدف حرية الملاحة بين طياته أهدافاً أمنية وخصوصاً أن هذه المنطقة تواجه خطر توسع النفوذ الصيني في بحر الصين الجنوبي، بالإضافة إلى المخاطر النووية والصاروخية التابعة لكوريا الشمالية وغيرها من التهديدات.[2]

وبالتالي فأن التواجد العسكري الأمريكي في اليابان يمثل أحد أسس التحالف الأمني بين الدولتين لمواجهة هذه التهديدات، فيشمل هذا التواجد ما يقرب من 55 ألف جندي مما يسهم بشكل كبير في ردع أي تهديدات إقليمية، وفي سياق التعاون العسكري المشترك فتعتمد اليابان بشكل كبير والذي قد يصل إلى 90%على استيراد المعدات والأسلحة العسكرية المتقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية لتغطية احتياجاتها الدفاعية، والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة نشرت أصولها العسكرية الأكثر تقدما في اليابان بما في ذلك حاملة الطائرات “يو إس إس رونالد ريغان” وذلك قد يعزز من الجاهزية القتالية المشتركة.[3]

وفي إطار ذلك، فقد تجاوزت مبيعات الأسلحة الأمريكية لليابان من خلال نظام المبيعات العسكرية الخارجية حاجز 20 مليار دولار، وذلك بالإضافة إلى واحدة من أكبر الصفقات في تاريخ الولايات المتحدة والتي بلغ ثمنها 23.11 مليار دولار وقد شملت هذه الصفقة معدات عسكرية متقدمة مثل طائرات الإنذار المبكر، طائرات التزود بالوقود، أنظمة الطائرات بدون طيار بالإضافة إلى مجموعة من الصواريخ المتطورة.[4]  

ومن الناحية آخرى أرسلت اليابان قوات بحرية إلى المحيط الهندي مع بداية الألفية الجديدة لدعم العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وهي أول عملية عسكرية يابانية منذ الحرب العالمية الثانية. وفي إطار توسيع التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة، قامت اليابان في 2015 بإعادة تفسير دستورها ليسمح للقوات اليابانية بالدفاع عن الحلفاء في ظروف محدودة.[5]

وفي السنوات الأخيرة امتد التحالف الياباني الأمريكي إلى نطاق أبعد من التهديدات العسكرية من أجل التصدي لتحديات جديدة منها التغير المناخي والتطور التكنولوجي، ففي عام 2021 أطلق الرئيس الأمريكي السابق “جو بايدن” شراكة مناخية مع رئيس الوزراء الياباني السابق “يوشيهيدي سوجا” تهدف إلى تعزيز التعاون المشترك في مجالات التكنولوجيا الخضراء والتنسيق لتطوير البنية التحتية منخفضة الانبعاثات.[6]

وفي الآونة الأخيرة فقد ازداد التعاون التكنولوجي بين البلدين بشكل كبير حيث اقترحت الولايات المتحدة في عام 2022 تحالف “شيب 4” والذي يهدف إلى تعزيز التعاون بين أربعة دول وهم: اليابان، كوريا الجنوبية، تايوان والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في مجال إنتاج وتطوير الرقائق الإلكترونية والتي تعد عنصراً أساسياً في العديد من الصناعات التكنولوجية المتقدمة مثل الهواتف الذكية، والسيارات الكهربائية والطائرات، وذلك بهدف ضمان استقرار وتنوع سلاسل الإمداد في قطاع التكنولوجيا المتقدمة.[7]

ثانياً: العلاقة التاريخية مع كوريا الجنوبية

بالمثل تستند العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية إلى تاريخ طويل من التعاون الوثيق المبني على قيم ومصالح مشتركة، ويعود ذلك إلى عام 1882 حينما وقعت الولايات المتحدة معاهدة السلام والتجارة مع سلالة “جوسون” الكورية، إلا أن هذه العلاقات انقطعت أو بقول أخر توقفت مؤقتاً في عام 1905 حينما سيطرت اليابان على الشؤون الخارجية لكوريا، ولكن حينما انتهي الاستعمار الياباني استعيدت هذه العلاقات في عام 1949.[8]

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية تم تقسيم شبه الجزيرة الكورية بين الولايات المتحدة في الجنوب والاتحاد السوفيتي في الشمال، وبالتالي أدى ذلك إلى إنشاء دولتين مستقلتين وهما؛ كوريا الجنوبية وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية في الشمال، وفي عام 1950 اندلعت الحرب الكورية إثر غزو قوات كوريا الشمالية للجنوب، ومن هنا تدخلت الولايات المتحدة في النزاع من خلال الأمم المتحدة وانتهى الغزو من خلال توقيع هدنة في عام 1953.[9]

ومنذ ذلك الحين تعمقت العلاقات الدفاعية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وذلك من خلال معاهدة الدفاع المتبادل التي تم توقيعها عام 1953 ومن خلالها تتمركز القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية حتى تدافع عنها ضد أي عدوان خارجي طبقا للمعاهدة.[10]

ويمثل التعاون الاقتصادي أيضاً جانباً مهماً من التعاون المشترك بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية خصوصاً من حيث العلاقات التجارية والاستثمارية، وقد تعزز ذلك من خلال انضمام كوريا الجنوبية إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في عام 1996[11]، كما تعززت أيضاً من خلال دخول اتفاقية التجارة الحرة بين الدولتين حيز النفاذ في عام 2012، حيث ساهمت تلك الاتفاقية في زيادة حجم التبادل التجاري بينهما، وقد أشارت الاحصائيات في 2019 إلى مدي أهمية كوريا الجنوبية كشريك لأمريكا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري 168.6 مليار دولار مما جعل كوريا الجنوبية تحتل المركز السادس كأكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، كما ساهمت تلك الاتفاقية في زيادة الاستثمار المتبادل بين البلدين، حيث بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة للولايات المتحدة في كوريا الجنوبية 39.1 مليار دولار في 2019، وبلغت استثمارات كوريا الجنوبية في الولايات المتحدة 61.8 مليار دولار.[12] مما سبق يمكن القول أن هذه الاتفاقية ليست مجرد اتفاقية اقتصادية بل هي جزء من استراتيجية أكبر لتعزيز التحالف بين البلدين في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية، خصوصاً وأن الاقتصاد القوي والمستقر يساهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي لاسيما في ظل التوترات المستمرة في شبه الجزيرة الكورية.

ثالثاً: استراتيجية الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ

تأتي رؤية الولايات المتحدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ في إطار استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز حرية وانفتاح وازدهار هذه المنطقة الاستراتيجية، حيث تمثل هذه المنطقة حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية الحديثة وبناء على ذلك قام وزير الخارجية الأمريكي، “أنتوني بلينكن”، في ديسمبر 2021 بعرض استراتيجية حكومية، تهدف إلى الاستفادة من الفرص ومواجهة التحديات العالمية التي يفرضها القرن الواحد والعشرين، وترتكز هذه الاستراتيجية على خمسة محاور رئيسية وهي: الحرية والانفتاح، والاتصال، والازدهار، والمرونة، والأمن.[13]

يشير محور الحرية والانفتاح إلى التعامل مع التحديات بشكل عادل وشفاف بالإضافة إلى وضع وتطبيق القوانين بعدالة، ويركز هذا المحور بالأساس على ضمان تدفق السلع والأفكار والافراد عبر الأراضي والفضاء الإلكتروني والبحار المفتوحة، وذلك في إطار حكم رشيد يستجيب لاحتياجات الشعوب. وبالتالي يمكن القول إن هذا النهج هو محاولة لتعزيز قيم الحكم الديمقراطي وضمان حرية التجارة والتنقل خصوصاً في ظل التحديات التي تفرضها الصين من خلال سياساتها التوسعية في بحر الصين الجنوبي.[14]

ومن خلال محور الاتصال تسعي الولايات المتحدة إلى تعزيز الاتصال بين الدول التي تقع داخل وخارج منطقة المحيطين الهندي والهادئ من أجل تشكيل مجتمع اقليمي قادر على مواجهة التحديات المشتركة، وتسعى الولايات المتحدة إلى تطبيق هذا المحور من خلال دعم التحالفات الاقليمية والشراكات عبر المحيطين ومثال على ذلك هو تحالف “كواد الرباعي” الذي يعكس التزام دول مثل اليابان والهند وأستراليا لدعم هذه الرؤية.[15]

أما عن محور الازدهار فمن خلاله تهدف الولايات المتحدة إلى تحقيق رخاء اقتصادي شامل قائم على التعاون الاقتصادي متعدد الأطراف من خلال دعم التجارة الحرة والمتبادلة والعادلة التي تشمل جميع المجتمعات والدول وذلك من أجل موازنة وتجاوز الهيمنة الاقتصادية للصين في المنطقة.[16]

كما يرتكز محور المرونة على تحسين الأمن الصحي العالمي وتعزيز قدرة البلدان على مواجهة التهديدات العابرة للحدود مثل التهديدات المناخية وتهديدات الأوبئة والأمراض ومن خلاله، وتسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز القدرات الاقليمية لمواجهة تلك الأزمات المتكررة التي تؤثر على الاستقرار الاقليمي مثل جائحة كوفيد-19 والأثار السلبية للتغير المناخي.[17]

وأخيراً، تسعى الولايات المتحدة إلى حماية مصالحها ومصالح شركائها في المنطقة ضد أي تهديدات أمنية عابرة للحدود سواء هذه التهديدات من قبل الدول الآخرى، أو الجهات غير الحكومية، وبناء على ذلك تهدف الولايات المتحدة إلى ضمان أن حركة الأفراد والسلع عبر الحدود البرية والبحرية والجوية تتم بشكل قانوني عن طريق محور الأمن.[18]

ومن جانب آخر، تعتمد الولايات المتحدة في تنفيذ هذه الاستراتيجية على مساهمة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وذلك من خلال جهود ثنائية واقليمية تهدف إلى دعم الحوكمة الجيدة وحقوق الإنسان وتعزيز المؤسسات الديمقراطية، كما تهدف إلى تشجيع النمو الاقتصادي المستدام والشامل. بالتالي تعكس هذه الاستراتيجية مساعي الولايات المتحدة لمواجهة نفوذ الصين المتزايد في منطقة المحيطين الهادي والهندي ولبناء نظام عالمي قائم على أساس القيم الليبرالية التي تشاركها مع حلفائها في المنطقة.[19]

وفي إطار التركيز على دور الولايات المتحدة في منطقة المحيطين يجب التركيز على دورها في “الحوار الأمني الرباعي” أو ما يطلق عليه “الرباعية” الذي يمثل تجمع غير رسمي يضم كل من: الولايات المتحدة الأمريكية واليابان والهند وأستراليا، وقد نشأت بذور التعاون الأمني البحري بين هذه الدول في أعقاب كارثة تسونامي المحيط الهندي في عام 2004 ولكن باعتبار هذه الدول ديمقراطيات ذات اقتصاد قوي، توسع هذا التعاون ليشمل مجموعة من القضايا الأمنية والاقتصادية والصحية.[20]

وجدير بالذكر أن هذه الدول لديها خوف مشترك من تصاعد النفوذ الصيني في المنطقة وبالتالي دفع هذا الخوف الدول لتعزيز تعاونها الأمني، وظهر ذلك بوضوح في 2020 حينما شارك جميع أفراد القوات البحرية للدول الاعضاء في أول تدريب مشترك لديهم بعد أكثر من عقد، كما شهد عام 2021 اجتماعاً افتراضياً للدول الاعضاء بترتيب من الرئيس الأمريكي جو بايدن حضره رؤساء ووزراء الدول الأعضاء في الرباعية حيث ناقشوا سبل التعاون بشأن لقاحات كوفيد-19، والتغير المناخي، والابتكار التكنولوجي، وسلاسل الإمداد. ويري الخبراء أن هذه الشراكة تعتبر غاية في الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة خصوصاً أن منطقة المحيطين تمثل جزء أساسي من مصالحها البحرية والتجارية فقد أوضحت التقارير التابعة للأمم المتحدة أن ما يقارب 1.9 تريليون دولار من تجارة الولايات المتحدة مرت عبر هذه المنطقة في عام 2019، وأيضاً ويتوقع الخبراء أن تشهد هذه المنطقة مرور 42% من صادرات العالم و38% من وارداته.[21]

ومن الناحية الأخرى تلعب اليابان دوراً محورياً في الرباعية نظراً لأهمية هذه الشراكة لحماية مصالحها، حيث تعتمد اليابان بشكل كبير على حرية المرور في الممرات البحرية لتسهيل تجارتها العالمية خصوصاً، وأنها من أكبر المتضررين من تزايد نفوذ الصين في بحر الصين الجنوبي، حيث تواصل الصين سياساتها التوسعية التي تستفز اليابان في جزر بحر الصين الشرقي المتنازع عليها بين الدولتين، إذن يعد التنسيق الاستراتيجي مع شركائها في الرباعية أداة أساسية لليابان لمواجهة هذه التحديات. وفي ذلك الإطار، تخشى اليابان من سياسيات الصين المتعلقة بالتأثير الاقتصادي المشروط على دول المنطقة من خلال التعاون مع الولايات المتحدة وأستراليا لتعزيز الاستثمارات في البنية التحتية.[22]

1.2 التحالفات الجديدة في آسيا

أولاً: التعاون العسكري والاقتصادي مع الهند ودول جنوب شرق آسيا

تمثل العلاقة بين الولايات المتحدة والهند واحدة من أكثر العلاقات الاستراتيجية أهميةً وتأثيراً في القرن الحادي والعشرين حيث تعتبر الولايات المتحدة دعم الهند كقوة عالمية هو أولوية في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والجدير بالذكر أن التعاون بين الدولتين يمتد إلى مجموعة واسعة من المجالات تشمل الدفاع والأمن والطاقة النظيفة والفضاء، مما يدل على مدى عمق الشراكة الاستراتيجية بينهما.[23]

ففي مجال الدفاع والأمن، شهدت العلاقة الدفاعية بين الدولتين تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة وخصوصاً التعاون في مجال التصنيع الدفاعي المشترك والمثال على ذلك هو الموافقة على تصنيع محركات الطائرات من طرازGE F414 في الهند وتعد هذه الموافقة نقطة تحول مهمة، حيث يعزز هذا التعاون من قدرة الهند على تطوير قدراتها العسكرية بشكل مستقل.[24]

بالإضافة إلى ذلك، تشير الإحصاءات أن الولايات المتحدة أصبحت المورد الأساسي للأسلحة إلى الهند مما يؤكد على عمق هذه الشراكة الاستراتيجية التي تشمل أيضاً المشاركة في تدريبات جوية وبحرية سنوية وتعزز هذه التدريبات من قدرة القوات على العمل سوياً في السيناريوهات العسكرية المختلفة والاستعداد لمواجهة التحديات الإقليمية.[25]

الجدير بالذكر أن علاقة الأمن والدفاع بين الولايات المتحدة والهند مرت بعدة تطورات، وكان أبرزها في عام 2002 عندما وقعت الدولتين اتفاقية الأمن العام لمعلومات الجيش والتي وضعت حجر الأساس لتبادل المعلومات العسكرية بين البلدين، كما تطور ليصبح الإطار الجديد للعلاقات الدفاعية والذي تم توقيعه في 2005 وجاء ليشمل قضايا محورية، مثل مكافحة الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل مما يعكس التزام كلا الدولتين بمواجهة التحديات الأمنية المشتركة.[26]

ومع مرور الوقت تطورت العلاقة بين الدولتين أكثر ويعتبر هذا التطور جزء من التنافس الجيوسياسي في منطقة آسيا والمحيط الهادي، حيث تسعي الدولتين إلى موازنة النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة حيث تستفاد الولايات المتحدة من خلال دعم قدرات الهند كقوة إقليمية تساهم في استقرار المنطقة، بينما تستفاد الهند من التكنولوجيا والخبرة الأمريكية، وفي ذلك الإطار تم توقيع مذكرة تفاهم في عام 2011 لتعزيز التعاون في مجال الأمن السيبراني نظراً لأهمية هذه المجال في وقت تزايدت فيه الهجمات السيبرانية. [27]

كما أطلقت الدولتين في عام 2023 مبادرة INDUS-X التي تعتبر إحدى المبادرات الرئيسية في مجال التعاون الصناعي والتكنولوجي على صعيد الدفاع والأمن، حيث تسعى المبادرة إلى تعزيز القدرات الدفاعية بين الولايات المتحدة والهند خاصة في مواجهة التحديات الأمنية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، من خلال التعاون في تطوير تقنيات الدفاع والتكنولوجيا المتقدمة عبر الشراكة بين الشركات الناشئة والمؤسسات الأكاديمية والصناعات الدفاعية في كلا الدولتين. ومنذ إطلاق هذه المبادرة أبرمت العديد من الشركات الكبرى في قطاع الدفاع بالولايات المتحدة شراكات متعددة مع شركات هندية والمثال على ذلك شركة جنرال أتوميكس الأمريكية لأنظمة الطيران التي أبرمت ثلاث شراكات مع شركات هندية لتطوير برامج الذكاء الاصطناعي وطائرات بدون طيار من طرازMQ-9.[28]

والجدير بالذكر أن الصين تمثل تهديداً متزايد للولايات المتحدة في منطقة المحيطين حيث تتبع بكين سياسة توسعية، تسعى من خلالها إلى تغيير النظام الدولي الذي حافظ على استقراره منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومن الناحية الأخرى تسعى واشنطن إلى الحفاظ على النظام الدولي القائم المبني على القواعد وذلك من خلال استراتيجية تعزز من خلالها وجودها العسكري والدبلوماسي، عبر الشراكات ثنائية ومتعددة الأطراف مع دول جنوب شرق آسيا، والمثال الأفضل عن ذلك هو دعم الولايات المتحدة للمنتدى الإقليمي لرابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN)  في مختلف المجالات من أهمها الأمن البحري والسيبراني.[29]

ثانياً: تحديات الوجود الأمريكي في آسيا

طبقا لتقرير التقييم السنوي للتهديدات الصادر لعام 2022، والذي يصدر عن عن مجتمع الاستخبارات الأمريكية، تواجه الولايات المتحدة الأمريكية تهديدات جيوسياسية في منطقة المحيطين وتعتبر كل من الصين وكوريا الشمالية هما الدولتين الأكثر قلقاً بالنسبة لواشنطن، حيث تتزايد قوة الصين لتصبح أقوى منافس للولايات المتحدة في عدة مجالات، بما في ذلك الاقتصاد والتكنولوجيا والجيش وبذلك تسعى الصين إلى فرض نفوذها على المستويين الإقليمي والدولي من خلال تطوير مبادرات اقتصادية مثل مبادرة الحزام والطريق التي تتبنى من خلالها الصين علاقات اقتصادية تعتمد عليها العديد من الدول مما يساعدها في تعزيز هيمنتها، بينما تستمر كوريا الشمالية في تطوير قدراتها في مجال أسلحة الدمار الشامل بما في ذلك صواريخ باليستية نووية، كما تنخرط كوريا الجنوبية في أنشطة إلكترونية تعتبر تهديداً للأمن السيبراني مما يهدد أمن كوريا الجنوبية واليابان ويجعلها تهديد مباشر للمصالح الأمريكية في المنطقة وبالتالي تعتبر لاعباً مزعجاً على المستوى الدولي.[30]

ولكن تسعى واشنطن لمواجهة هذه التحديات من خلال تعزيز تحالفاتها في المنطقة وخصوصاً عبر التواجد الأمني والعسكري في دول حليفة مثل اليابان وكوريا الجنوبية، كما تم الإشارة إليه سابقاً، وذلك لاحتواء النفوذ الصيني ومواجهة التهديدات المشتركة.[31]

الفصل الثاني: هل تراجع دور التحالفات الأمريكية في أفريقيا؟

يبدو أن دور التحالفات الأمريكية في إفريقيا يشهد تراجعًا نسبيًا، هذا التراجع يأتي في سياق ما تشهده القارة من تحديات متعددة مثل الحروب والنزاعات المسلحة، والتغيرات المناخية الجارية، ومن الملاحظ أن الولايات المتحدة تواجه منافسة متزايدة من قبل دول أخرى مثل الصين وروسيا، التي تقدم دعمًا ماليًا وعسكريًا للعديد من الدول الإفريقية، هذا الدعم يعكس استراتيجية هذه الدول في تعزيز تواجدها ونفوذها في المنطقة، ومن المهم أن نلاحظ أن هذا التحول من الممكن أن يؤثر على تواجد وتأثير التحالفات الأمريكية في إفريقيا، مما يستدعي تقييماً دقيقًا للسياسات والاستراتيجيات الخارجية للولايات المتحدة في هذه المنطقة الحيوية.

2.1 تراجع النفوذ الأمريكي في أفريقيا

تشهد الساحة العالمية تحولاً جيوسياسياً كبيراً مع تزايد نفوذ الصين وتراجع الهيمنة الأمريكية التقليدية مما يؤدي إلى تعقيد العلاقات الدولية في عالم متعدد الأقطاب، وفي هذا السياق تواجه الولايات المتحدة تحدياً حقيقياً للحفاظ على نفوذها في أفريقيا، وهو ما يتطلب إعادة توجيه استراتيجيتها في أفريقيا حيث أصبحت بكين لاعباً رئيسياً في القارة الأفريقية بفضل استثماراتها الواسعة في البنية التحتية والقارة الأفريقية مما جعلها القوة المهيمنة عللا العلاقات الاقتصادية الأفريقية وبالتالي تضع واشنطن في موقف حرج.[32]

والجدير بالذكر أنه تاريخياً كانت أفريقيا ساحة للمنافسة بين القوى العظمى وتحديداً خلال فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ولكن التحدي الآن يكمن في تزايد النفوذ الصيني وخصوصاً من الناحية الاقتصادية، حيث يتفوق الاقتصاد الصيني من حيث الناتج المحلي بمعادل القوة الشرائية على الاقتصاد الأمريكي، كما  أن الصين ليست فقط منافس اقتصادي قوي للولايات المتحدة بل هي أيضاً واحدة من الشركاء الرئيسيين في التنمية الأفريقية، حيث تتحكم الصين في الموارد الطبيعية الحيوية في القارة الأفريقية وخصوصاً تلك المتعلقة بالطاقة المتجددة ومع تحول الطلب العالمي نحو هذه الموارد، تجد الولايات المتحدة نفسها في خطوة متأخرة عن الصين.[33]

وفي ذلك الإطار يجب ألا تغفل الولايات المتحدة عن التطورات الداخلية في القارة حيث يتزايد الشعور بالإحباط فيما بين الشعوب الأفريقية وخصوصاً الشباب الذين يشكلون غالبية سكان القارة، ففي الوقت الذي تحاول فيه النخب الحاكمة في أفريقيا محاكاة النموذج الصيني للتنمية “الاستبدادية” باعتباره حلاً للفقر والبطالة يبرز الفشل للنظام الديمقراطي الأمريكي في تحقيق تنمية اقتصادية ملموسة في أفريقيا ويعزز ذلك من النفوذ الصيني في القارة. علاوة على ذلك تواجه الولايات المتحدة تهديداً لقوتها الناعمة وتقديم نفسها كقوة ديمقراطية مستقرة، خصوصاً في أعقاب حادثة الكابيتول في عام 2021 التي أسفرت عن هجوم للكونغرس الأمريكي من قبل مؤيدي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وذلك أثناء تصديق نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020 مما أضعف من جاذبية ومصداقية “الاستثنائية الأمريكية”، التي لطالما روجت لها واشنطن كما أعطي مجالاً أكبر لقوي مثل الصين وروسيا للتعويض عن تلك الفجوة.[34]

وفيما يتعلق بتزايد النفوذ الروسي والصيني في القارة نجد أن الولايات المتحدة تواجه “ضربة استراتيجية” لإمداداتها من المعادن الحيوية في أفريقيا، مما جعلها تعتمد بشكل شبه كامل على الصين للحصول على هذه المعادن مثل الكوبالت والجرانيت والمنجنيز، والتي تعتبر حيوية نظراً لدخولها في الصناعات التكنولوجية، وجدير بالذكر أن روسيا والصين اتبعتا ممارسات استغلالية لاحتكار استخراج هذه المعادن في ظل تصاعد المنافسة العالمية حول الموارد الأفريقية.[35]

من الضروري الإشارة إلى أن الصين وروسيا نجحتا في تحسين صورتهما لدى حكومات إفريقية، على الرغم من سياساتهما المدمرة، ويعزى هذا الارتفاع في الشعبية إلى سياساتهما المفتوحة على تقديم الدعم المالي والعسكري للدول الأفريقية بشكل ومستوى لم تتمكن الولايات المتحدة من توفيره، فمن ناحية تعتمد الصين على مبادرة “الحزام والطريق” لتعزيز نفوذها في أفريقيا، بينما تعتمد روسيا على الشركات العسكرية مثل “فاغنر” لتوسيع نفوذها في بلدان مثل مالي وبوركينا فاسو.[36]

وفيما يتعلق بالحرب الأهلية في السودان المستمرة، استغلت موسكو هذا النزاع لتعزيز نفوذها وتواجدها من خلال اتباع سياسة مزدوجة في التعامل مع طرفي النزاع، ففي البداية دعمت موسكو قوات الدعم السريع، ولكن مؤخرا أبدت روسيا تقارباً مع القوات المسلحة السودانية وبالتالي يعكس هذا التغيير في الموقف الروسي سعيها للحفاظ على نفوذها في السودان بعد انتهاء النزاع، وهو نهج يختلف تماماً عن الموقف الأمريكي الذي انشغل بنزاعات أخري في مناطق مثل أوكرانيا وتايوان. ولكن هذا لا ينفي أن الولايات المتحدة قدمت مساعدات إنسانية كبيرة للسودان بما في ذلك تمويلها ب 100 مليون دولار في أبريل 2024، ولكن لم تتمكن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من تقديم حلول فعالة في معالجة النزاع بشكل شامل، وبالتالي يجدر بنا القول أن التحدي الأكبر الذي يواجه الولايات المتحدة هو فهم الأسباب التي جعلت روسيا والصين تتفوقان في تشكيل تحالفات استراتيجية وبناء النفوذ السياسي في القارة بينما تفقد واشنطن تأثيرها.[37]

2.2 التحالفات الحالية:

أولاً: العلاقات مع دول شمال أفريقيا (حالة مصر والمغرب)

يعد تراجع النفوذ الأمريكي في شمال أفريقيا أحد التحولات الجيوسياسية البارزة خلال العقدين الماضيين، فعلى الرغم من العلاقات التاريخية الطويلة بين الولايات المتحدة وبعض دول شمال أفريقيا مثل مصر والمغرب[38]، إلا أن النفوذ الأمريكي يشهد تناقصاً ملحوظاً لأسباب تتعلق بالتغيرات الداخلية في المنطقة وتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية كما تم ذكر ذلك سابقاً. وتاريخياً، كانت المغرب من أوائل الدول التي اعترفت بالولايات المتحدة كدولة ذات سيادة مستقلة في عام 1777 ووقعت معها معاهدة السلام والصداقة عام 1786 والتي تعد أطول معاهدة في تاريخ الولايات المتحدة.[39]

فتعد العلاقات المصرية الأمريكية من أقوي التحالفات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث تعتبر مصر شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة لأسباب عديدة أهمها، الموقع الجغرافي وقناة السويس والمصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية المشتركة[40] كما تستمر هذه العلاقة لأكثر من قرن وتهدف إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي ومواجهة التحديات المشتركة، وفيما يتعلق بالأمن الإقليمي تظهر كلا الدولتين التزاماً مشتركاً بتعزيز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط حيث تمتد الشراكة بينهما إلى دعم جهود الأمم المتحدة لإيجاد حلول دائمة للنزاعات في المنطقة مثل ليبيا والسودان.[41]

ومن الركائز الأساسية التي تقوم عليها العلاقة بين الدولتين هي الشراكة الدفاعية حيث تسهم الولايات المتحدة بأكثر من 50 مليار دولار كمساعدات عسكرية لمصر منذ عام 1978 وتهدف هذه المساعدات إلى تعزيز قدرة مصر عي حماية الحدود ومكافحة الإرهاب خصوصاً في شبه جزيرة سيناء.[42]

 كما تتعاون الدولتين في المجال الاقتصادي وذلك من خلال استثمارات الولايات المتحدة في البنية التحتية المصرية وتكنولوجيا الاتصالات الرقمية مما يدعم مسار التنمية الاقتصادية المصرية. وقد شهدت العلاقات الاقتصادية بين الدولتين تقدماً ملحوظاً من خلال انعقاد الدورة الثانية للجنة الاقتصادية المشتركة في سبتمبر 2024 في واشنطن، والتي تأسست بناء على رؤية مشتركة لتعميق الروابط الاقتصادية، ومن القضايا الهامة التي تم تناولها خلال الجلسات هي اتفاقية حوافز الاستثمار الثنائية التي تهدف إلى تحفيز الاستثمارات الأمريكية في مصر من خلال إزالة العوائق الضريبية والتنظيمية وهي خطوة استراتيجية لتعزيز التدفقات الاستثمارية.[43]

كما تم تسليط الضوء على خطط مقترحة لتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتصدير السيارات، من خلال تبني المعايير الأمريكية لسلامة المركبات مما يشكل نقلة نوعية في قطاع التصنيع المصري ويعزز الاستثمارات الأجنبية في مصر، وفي نهاية الجلسات اتفق الطرفان على عقد الدورة الثالثة في مصر في عام 2025 وهو ما يعكس الالتزام المستمر بين الدولتين لتطوير الشراكة الاقتصادية بينهما.[44]

أما فيما يخص العلاقات العسكرية بين الدولتين فهي تعتبر من أقوي أوجه التعاون الثنائي بينهما حيث تمتد هذه الشراكة العسكرية لأكثر من أربعة عقود، وتقوم على هدف تعزيز القدرات الدفاعية لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة وتتجسد هذه الشراكة بشكل أساسي في التدريبات العسكرية المشتركة مثل تدريب “برايت ستار” الذي اختتم في سبتمبر 2023 في قاعدة محمد نجيب العسكرية وذلك بحضور 8400 جندي من 19 دولة من بينها السعودية، الإمارات والأردن كما ضم التدريب مراقبين من 15 دولة أخري مما يدل على مكانة مصر كقوة إقليمية محورية.[45]

أما عن العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والمغرب، فتعد مثالاً على الشراكة القوية التي تشمل العديد من المجالات حيث تتشارك الدولتين في مصالح سياسية وأمنية واقتصادية،[46] فعلى الصعيد العسكري والأمني تتمتع المغرب بمكانة مميزة لدي الولايات المتحدة حيث تعد من أكبر المستوردين للمعدات العسكرية الأمريكية في أفريقيا، وهذه العلاقة العسكرية تتم من خلال برامج مبيعات الأسلحة العسكرية الأجنبية التي شهدت تسليمات مهمة مثل طائرات F-16 ومروحيات Apache الهجومية للمغرب، وإلى جانب ذلك تعمل المغرب على الاهتمام ببرامج التدريب العسكري الدولي التي توفر للضباط المغاربة فرص تدريب وتعليم في المؤسسات العسكرية الأمريكية مما يسهم في بناء قدرات الجيش المغربي ويعزز من العلاقة التعاونية بين الجيشين.[47]

ومن الناحية الاستراتيجية تعد المغرب عضواً مهماً في التحالفات الدفاعية متعددة الأطراف حيث انضمت المغرب في عام 1995 إلى حوار المتوسط مع حلف الناتو وتم تصنيفها كحليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج الناتو منذ عام 2004، مما منحها امتيازات خاصة في التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة بما في ذلك الأولوية في تلقي المعدات العسكرية الزائدة والمشاركة في الأبحاث المشتركة، وتشمل العلاقة العسكرية بين الدولتين أيضاً تدريبات مشتركة مثل تدريب “الأسد الأفريقي” الذي يعزز من جاهزية الجيش المغربي ويؤكد التزام الولايات المتحدة بدعم قدرات المغرب الدفاعية.[48]

كما يمتد التعاون بين الدولتين ليشمل مجالات التنمية والتعليم حيث تستثمر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومبادرة الشراكة الشرق أوسطية في دعم التعليم الأساسي وتدريب الشباب المغربي مما يعزز ذلك من تسليات الاستقرار الاجتماعي في المغرب ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة. أما عن التعاون الاقتصادي فقد شهدت العلاقات بين الدولتين طفرة كبيرة بعد توقيع اتفاقية التجارة الحرة بينهما في عام 2006 حيث تضاعفت صادرات المغرب للولايات المتحدة بينما زادت الصادرات الأمريكية للمغرب بأربعة أضعاف، وبالتالي ساهمت هذه الاتفاقية في تحسين الاقتصاد المغربي وجعلته مركزاً لجذل الاستثمارات الأجنبية لاسيما في قطاعات البنية التحتية والطاقة المتجددة والتكنولوجيا البيئية.[49]

ثانياً: التحالفات الأمنية في مناطق غرب أفريقيا والقرن الأفريقي

ترتكز العلاقات الأمريكية مع دول غرب أفريقيا والقرن الأفريقي على سياسة جديدة ترتكز على العمل المشترك مع دول غرب أفريقيا والقرن الأفريقي وذلك في مختلف المجالات من الاقتصاد إلى الدبلوماسية والأمن، وقد تجلي ذلك بوضوح خلال مؤتمر رؤساء أركان الدفاع الأفارقة الذي عقد في سبتمبر2024 في غابورون، بوتسوانا، حيث كان هذا المؤتمر فرصة مهمة لقادة الولايات المتحدة بما في ذلك الجنرال “مايكل لانغلي” قائد “القيادة الأمريكية في أفريقيا” للاستماع إلى نظرائهم الأفارقة، كما تضمن نقاشات متعلقة بغرب أفريقيا وما يواجها من تحديات، خاصةً فيما يتعلق بالانقلابات الأخيرة في النيجر ومالي وبوركينا فاسو والتي أدت إلى انسحاب هذه الدول من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وبالتالي تثير هذه الانقلابات تساؤلات حول مستقبل التعاون السياسي والأمني في المنطقة.[50]

في هذا النطاق، يسعي القادة الأفارقة بدعم من الولايات المتحدة إلى إيجاد حلول للصراعات والإرهاب في المنطقة، وانعكس ذلك في المبادرات الأفريقية مثل قوات حفظ السلام التي أرسلتها مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية إلى دول مثل شرق الكونغو، والموزمبيق للتعامل مع التمرد المسلح الذي أودي بحياة الآلاف منذ عام 2017 وأدت إلى نزوح أكثر من 800 ألف شخص.[51]

وإلى جانب هذه التحديات الأمنية، تعتبر أزمة المناخ أحد أكبر التحديات التي تواجه القارة إذ يتسع نطاق الصحراء الكبرى مما يؤدي إلى تفاقم النزاعات على الموارد في منطقة الساحل وفي ذلك الإطار تضغط هذه التغيرات المناخية على الدول الساحلية في غرب أفريقيا وتؤدي إلى زيادة الهجرة الداخلية والنزاعات على موارد مثل المياه والغذاء والطاقة، والمثال الأبرز على ذلك هو أزمة المياه في بحيرة التشاد التي أدت إلى تقلص المياه بشكل حاد خلال السنوات الأخيرة مما أثر سلباً على اقتصادات تشاد والنيجر ونيجيريا.[52]

وبالحديث عن دول القرن الأفريقي لا يمكن تجاهل الدور الأمريكي الكبير في دولة الصومال حيث تتمتع العلاقات الأمريكية-الصومالية بتاريخ طويل يمتد منذ عام 1960، وقد شهدت الصومال انقلاباً عسكرياً في عام 1969 أدى إلى هيمنة الحكم العسكري، وفي إطار حربها مع إثيوبيا في السبعينات اتجهت الصومال إلى البحث عن الدعم من الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة للحصول على المساعدات الاقتصادية والعسكرية، ولكن بالرغم من ذلك أدى الصراع الداخلي في الثمانيات إلى انهيار الحكومة المركزية في عام 1991 وهو ما جعل الصومال ساحة لصراعات متفرقة بين مختلف الفصائل المسلحة التي سعت للسيطرة على أراضي الدولة. وتتمثل الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصومال في تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي ومنع استخدام الأراضي الصومالية كساحة للإرهاب كما تهدف إلى معالجة الأزمة الإنسانية الناتجة عن عقود من الصراع والجفاف والفيضانات وغريها من التحديات.[53]

وفي ذلك الإطار، تقدم الولايات المتحدة مساعدات إنسانية ضخمة للصومال منذ عام 2006 حيث بلغ إجمالي هذه المساعدات ما يقارب 3 مليار دولار ومنذ عام 2011 قدمت الولايات المتحدة أكثر من 250 مليون دولار لدعم القطاعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الصومال وبالإضافة أيضاً إلى ذلك، تعمل الولايات المتحدة مع الشركاء الدوليين لدعم قطاع الأمن الصومالي بما في ذلك الجيش والشرطة والعدالة وذلك بالتوازي مع دعم جهود بعثة الاتحاد الأفريقي لمكافحة تنظيم الشباب الإرهابي.[54]

ففي سياق مكافحة الإرهاب في الصومال وتحقيق الاستقرار الإقليمي تلعب الولايات المتحدة دوراً محورياً في دعم الصومال حيث عانت الصومال منذ سقوط نظام “سياد بري” من صراعات داخلية وفوضي سياسية مما جعلها بيئة خصبة لنمو الجماعات الإرهابية مثل حركة “الشباب” وهي جماعة إرهابية قتالية مرتبطة بتنظيم القاعدة، وفي ذلك الإطار تبنت واشنطن نهجاً أمنياً أكثر شمولية في الصومال مع التركيز على مكافحة الإرهاب وبناء القدرات العسكرية المحلية، وتطبيقاً لهذه الاستراتيجية قامت الولايات المتحدة بتدريب وتجهيز القوات الخاصة الصومالية مثل لواء “دنب” الذي أصبح رمزاً لقدرة الصومال على مواجهة حركة شباب الإرهابية.[55]

وتأتي استراتيجية الولايات المتحدة في الصومال بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي حيث قدمت الولايات المتحدة دعماً مالياً كبيراً لعمليات حفظ السلام في الصومال، بقيادة الاتحاد مع التركيز على مواجهة التحديات الإرهابية العابر للحدود ولكن هذا لا ينفي أن استراتيجية أمريكا العسكرية في الصومال تواجه عقبات كبيرة، بما في ذلك الفساد داخل المؤسسات العسكرية الصومالية والافتقار إلى السيطرة الكاملة على المعدات والأسلحة التي تقدمها الولايات المتحدة. وبالتالي يتطلب ذلك أن تعمل الولايات المتحدة على إعادة النظر في كيفية التعامل مع الأزمات البنيوية في الصومال بما في ذلك الفساد وسوء الحوكمة لضمان تحقيق استقرار طويل الأمد.[56]

أما عن العلاقات الأمنية بين الولايات المتحدة ونيجريا، فتعد هذه العلاقات من أحد أعمدة التعاون الدولي في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء حيث تعكس مصالح استراتيجية مشتركة تمتد على مدى أكثر من 50 عاماً وفي ظل الوضع الجيوسياسي المعقد الذي تواجهه نيجريا كأكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان كما تمتلك أكبر اقتصاد في القارة، وتعتبر الشراكة التعاونية مع الولايات المتحدة أساسية خصوصاً في مجال الأمن ومكافحة الجماعات الإرهابية مثل بوكو حرام وداعش غرب أفريقيا.[57]

وتعمل الولايات المتحدة من خلال هذه الشراكة على تمويل برامج التدريب العسكري حيث حصلت نيجريا على أعلى مخصصات برامج التدريب العسكري الدولي في المنطقة، وفي سياق تعزيز القدرات العسكرية النيجرية قدمت الولايات المتحدة أيضاً تمويلاً كبيراً لدعم الأمن البحري وشمل ذلك صفقات بيع مهمة من خلال نظام المبيعات العسكرية الأمنية التي تضمنت شراء طائرات هجومية أمريكية الصنع، كما سمحت الولايات المتحدة بتصدير أكثر من 53 مليون دولار من المعدات الدفاعية لنيجيريا التي تشمل أجهزة التحكم بالنيران والأسلحة الثقيلة مما يعزز من قدرات نيجريا العسكرية.[58]

الفصل الثالث: مستقبل المصالح الأمريكية في أفريقيا

من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة في تعزيز تواجدها للحفاظ على مصالحها وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات في القارة الأفريقية، إلا أنها تواجه منافسة كبيرة في تحقيق مصالحها والتي عادة ما تتقاطع مع مصالح الشعوب وهذا يستعدي المزيد من العمل لدعم هذه التحالفات في مختلف الأصعدة.

3.1 المجالات الاستراتيجية للمصالح الأمريكية

تمثل القارة الأفريقية أهمية استراتيجية بالنسبة للأمن القومي الأمريكي حيث تشير التطورات الحالية إلى ضرورة إعادة تقييم شاملة للعلاقات بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية وأحد المحاور الأساسية في هذا السياق هو التهديدات العابرة للحدود التي تنبع من القارة الأفريقية، حيث تنتشر في بعض أجزاء أفريقيا حالة من الضعف وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي مما يوفر بيئة خصبة لنمو الجماعات الإرهابية مثل داعش وجماعات الجريمة المنظمة، والجدير بالذكر أن هذه الجماعات لا تقتصر على أفريقيا فقط بل تمتد لتؤثر على الأمن العالمي وخصوصاً الأمريكي.[59]

وتقوم هذه الجماعات مثل بوكو حرام والقاعدة باستهداف مصالح غربية وأمريكية مباشرة مثل القيام بعمليات هجومية على مبان دولية وفي ذلك الإطار تدرك الولايات المتحدة ضرورة دعم القوة الأفريقية وذلك من خلال تعزيز التعاون الأمني وتوفير التدريب والمساعدات اللازمة للقوات المحلية، وعلى صعيد الفرص التي توفرها القارة لأمريكا، فإن الاحتياجات السياسية والاقتصادية ستدفع الولايات المتحدة أكثر نحو أفريقيا حيث أن القارة تشهد نمواً سكانياً واقتصادياً ملحوظاً، ومن المتوقع أن بحلول عام 2050 ستكون موطناً لربع سكان العالم ومع صعود الطبقة الوسطى فيها سيشكل ذلك فرصة اقتصادية ضخمة للشركات الأمريكية للاستثمار في أفريقيا.[60]

 ولكن تواجه أمريكا تحدي المنافسة مع الصين وروسيا حيث يستغل كل منهما الفرص التي تتيحها من خلال الاستثمار في البنية التحتية والأسواق الأفريقية مما يعزز نفوذهم السياسي والاقتصادي في القارة وبالتالي حتى لا تفقد نفوذها في القارة يجب على الولايات المتحدة زيادة استثماراتها وعلاقاتها التجارية مع الدول الأفريقية.[61]

وفي سياق العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وأفريقيا، تعتمد هذه العلاقات على مزيج من الفرص والتحديات ولكن بالتركيز على الفرص، نجد أن الموارد الطبيعية الأفريقية تعد عنصراً أساسياً في استراتيجية الولايات المتحدة تجاه القارة حيث تعد هذه الموارد الحيوية ضرورة استراتيجية للأمن القومي الأمريكي، مثل البلاتين والإريديوم والتنتالوم وترجع أهمية هذه الموارد إلى استخدامها في التطبيقات العسكرية والتكنولوجية وتعتبر واردات الولايات المتحدة من هذه الموارد جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمريكية.[62]

3.2 تحديات وفرص التحالفات المستقبلية في مجالي الطاقة النظيفة والتغير المناخي

تعد قضية الطاقة النظيفة والتغير المناخي من أبرز التحديات العالمية التي تواجهها الدول اليوم وخاصةً بالنسبة للقارة الأفريقية التي تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالوصول إلى الكهرباء واستدامة مصادر الطاقة. ومع تصاعد الجهود الدولية لمكافحة التغير المناخي، تبرز العلاقة بين السياسات الأمريكية والأفريقية حيث تحاول أمريكا من خلال استراتيجيات متعددة أن تدعم التحول الطاقي في أفريقيا وتتلاقى الأهداف الأمريكية والإفريقية في ثلاث مجالات.[63]

أولاً: التعاون في مجال الكهرباء

تلتقي أهداف الولايات المتحدة مع أفريقيا في قطاع الوصول إلى الطاقة الكهربائية حيث تسعي الولايات المتحدة إلى دعم القارة لتحقيق هذه الهدف من خلال مبادرات مختلفة من بينها “باور أفريقيا” التي أطلقت في عام 2013 بهدف تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين الرعاية الصحية والتعليم عبر التوسع في انتاج وتوزيع الكهرباء في أفريقيا وتأتي هذه الجهود مدعومة بتشريعات مثل قانون  Electrify Africa Actلعام 2015، والذي يهدف إلى تحقيق 30 ألف اتصال جديد بحلول عام 2030 وتتماشي هذه الجهود مع الأولويات الأفريقية التي تركز على تأمين الطاقة كمحرك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.[64]

ثانياً: القضاء على الكربون في أنظمة الطاقة

تلتزم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بمواصلة دعم التحول نحو الطاقة النظيفة في أفريقيا ومن بين المبادرات الأمريكية البارزة في هذا النطاق هي “شراكة الانتقال العادل للطاقة” التي تم الإعلان عنها في قمة المناخ “كوب 26” لدعم جنوب أفريقيا في إزالة الكربون من قطاع الكهرباء الخاص بها، وذلك عبر توفير 8.5 مليار دولار على فترة تتراوح من ثلاث إلى خمسة سنوات وبالتالي تعكس هذه المبادرة الالتقاء بين أهداف واشنطن للحد من الانبعاثات الكربونية والطموحات الأفريقية لتحقيق التنمية المستدامة.[65]

ثالثاً: تنويع سلاسل الإمداد للطاقة النظيفة

وفي إطار اتباع استراتيجية تقليل اعتمادها على الصين في سلاسل إمداد الطاقة النظيفة بما في ذلك إنتاج الألواح الشمسية، تسعي الولايات المتحدة للاعتماد على أفريقيا بصفتها غنية بالموارد الطبيعية الحيوية واللازمة للطاقة النظيفة والمثال على ذلك استيراد الولايات المتحدة لمعدن الكوبالت من الكونغو والذي يدخل في صناعات تكنولوجية متعددة. وجدير بالذكر أن نقص الكهرباء وضعف البنية التحتية يمثلان عائقاً أمام تطوير واستدامة هذه الصناعة.[66]

مما سبق نجد أن السياسات الأمريكية تجاه أفريقيا في سياق الطاقة والتغير المناخي تتطرق إلى مجموعة من القضايا المعقدة وتعتبر مسألة توضيح موقف الولايات المتحدة من تمويل مشروعات الغاز لتوليد الطاقة خطوة أساسية في هذا الإطار، إذ يعكس الموقف الأمريكي غير الواضح تجاه هذه المشاريع قلقاً متزايداً بين الشركاء الأفارقة الذين يرون المشاريع المتعلقة بالغاز حيوية من أجل جهودهم في مجال الطاقة، وبالتالي يتعين على إدارة بادين أن تظهر التزامها الفعلي من خلال إطلاق مشروعات تخدم أهداف التنمية المستدامة في أفريقيا.[67]

خاتمة:

تظهر نتائج هذه الدراسة أن التحالفات الأمريكية في آسيا وأفريقيا ليست مجرد أدوات تقليدية لتحقيق المصالح الاقتصادية والأمنية فقط بل هي ركيزة أساسية لضمان الاستقرار الإقليمي والعالمي في مواجهة التحديات المتزايدة من القوى المنافسة خاصةً الصين وروسيا وعلى الرغم من النجاح الذي حققته الولايات المتحدة في بناء هذه التحالفات إلا أنها تظل تواجه هذه التحديات التي تتطلب استراتيجيات أكثر شمولية وتطوراً.

 وبالتالي توصي هذه الدراسة بأن تعيد الولايات المتحدة إعادة هيكلة سياستها الخارجية بما يتماشى مع التحولات العالمية الراهنة، كما يجب عليها أن تعمل على تعزيز وجودها مع أفريقيا من خلال مشاريع تنموية مستدامة تهدف إلى تحسين البنية التحتية، وتعزيز قدرات الدول الأفريقية الشريكة في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية.

فبالنسبة للقارة الأفريقية، تكشف الصراعات المتصاعدة والتحول الجيوسياسي في القارة وخصوصاً في منطقة القرن الأفريقي عن الضعف الواضح للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه هذه المنطقة حيث فشلت الولايات المتحدة في صياغة سياسة متكاملة لمواجهة التحديات المعقدة والمتشابكة والمثال على ذلك الانقلاب العسكري الذي شهدته السودان بقيادة عبد الفتاح البرهان والذي أفصح عن مدي هشاشة النفوذ الأمريكي وعدم قدرته على الاستمرار في صياغة حلول ملائمة للوضع السوداني.[68]

يري الخبراء أن التحدي الأكبر الذي تواجهه الولايات المتحدة في أفريقيا هو فقدانها القدرة على تقديم بدائل فعالة ومناسبة لاحتياجات شعوب المنطقة، فخلال الحرب الباردة كانت السياسة الأمريكية تركز بشكل أساسي على احتواء النفوذ الشيوعي، ولكن في مرحلة ما بعد الحرب تراجعت الولايات المتحدة عن الانخراط الفاعل في شؤون المنطقة. ومع تزايد تفشي الإرهاب في المنطقة تحولت الأولوية الأمريكية إلى مكافحة الإرهاب على حساب القضايا الأخرى مثل الفقر والجفاف وغيرها مما أضر بالمصالح الأمريكية في أفريقيا.[69]

وبناء على ذلك، فأن تقديم مقترحات للولايات المتحدة قد يسهم في استعادة نفوذها في القارة الأفريقية، ومن أهم المقترحات التي يمكن توجيهها للولايات المتحدة هو ضرورة إعادة استراتيجيتها في أفريقيا لتكون أكثر انسجاماً مع أهداف الاستقرار طويلة الأمد بدلاً من السياسة المبنية على مكافحة الإرهاب وتقديم المساعدات الأمنية التي لم تخدم المصالح الأمريكية في القارة بشكل فعال.[70]

وفي ذلك الإطار من المقترح أن تتبني الولايات المتحدة استراتيجية لتعزيز “الحوكمة الجيدة” في أفريقيا والتي تعد السبيل الأمثل لتحقيق الاستقرار طويل الأمد في القارة، وذلك لأن الفشل في توفير العدالة الاقتصادية وتوزيع متساو للفرص بالإضافة إلى انتشار الفساد يؤدي إلى تفاقم الصراعات الداخلية ويزيد من خطر الإرهاب ولذلك تحسين الحوكمة هي ضرورة لا غنى عنها لتحسين الاستقرار، وبالتالي من المقترح أن يكون التركيز الأساسي للولايات المتحدة على دعم الحكومات من خلال تحسين الحوكمة وتعزيز المؤسسات الديمقراطية.[71]

ومن المقترح أيضاً أن تعزز الولايات المتحدة قدراتها على تقديم الدعم التنموي مثل تحسين الرعاية الصحية والتعليم وتطوير الزراعة مما يخلق فرص اقتصادية جديدة في المناطق الريفية مما يساهم في معالجة أسباب التطرف والإرهاب من جذورها، إضافة إلى ذلك يجب على الولايات المتحدة أن تعمل على إعادة توجيه المساعدات الأمنية بشكل أكثر حكمة بحيث تكون مشروطة بتحقيق تحسن ومستوي ملموس في الحوكمة الديمقراطية.[72]

ومن ثم، يتعين على الولايات المتحدة أن تتبني نهج متوازن في أفريقيا يعتمد على تعزيز الحوكمة والتنمية الاقتصادية بدلاً من النهج التقليدي القائم على أساس المساعدات الأمنية قصيرة الأمد، وبالتالي ستؤدي هذه السياسة إلى استقرار أكبر على المدى الطويل وتخدم المصالح الأمريكية بشكل أفضل.

 

قائمة المراجع


[1]David, Vergun. “U.S.-Japan Alliance Increasingly Strengthened since End of WWII.” U.S. Department of Defense, August 14, 2020. https://www.defense.gov/News/Feature-Stories/Story/Article/2306658/us-japan-alliance-increasingly-strengthened-since-end-of-wwii/.   

[2] Ibid.

[3] Ibid.

[4] “U.S. Security Cooperation with Japan.” U.S. Department of State, January 20, 2021. https://www.state.gov/u-s-security-cooperation-with-japan/.  

[5] David, Vergun. “U.S.-Japan Alliance Increasingly Strengthened since End of WWII.” U.S. Department of Defense, August 14, 2020. https://www.defense.gov/News/Feature-Stories/Story/Article/2306658/us-japan-alliance-increasingly-strengthened-since-end-of-wwii/.  

[6] “The U.S.-Japan Alliance.” Council on Foreign Relations. https://www.cfr.org/backgrounder/us-japan-alliance.  

[7] Ibid.

[8] “U.S. Relations With the Republic of Korea.” U.S. Department of State, February 8, 2020. https://www.state.gov/u-s-relations-with-the-republic-of-korea/.  

[9] Ibid.

[10] Ibid.

[11] “U.S. Relations With the Republic of Korea.” U.S. Department of State, February 8, 2020. https://www.state.gov/u-s-relations-with-the-republic-of-korea/

[12] “U.S. – Korea Free Trade Agreement.” United States Trade Representative. https://ustr.gov/trade-agreements/free-trade-agreements/korus-fta.  

[13] “The U.S. Vision for a Free and Open Indo-Pacific.” U.S. Agency for International Development, January 10, 2023. https://www.usaid.gov/indo-pacific#:~:text=The%20U.S.%20Vision%20for%20a%20Free%20and%20Open%20Indo%2DPacific,-Image&text=Free%20%26%20Open%3A%20A%20free%20Indo,and%20responsive%20to%20the%20people.  

[14] Ibid.

[15] “The U.S. Vision for a Free and Open Indo-Pacific.” U.S. Agency for International Development, January 10, 2023. https://www.usaid.gov/indo-pacific#:~:text=The%20U.S.%20Vision%20for%20a%20Free%20and%20Open%20Indo%2DPacific,-Image&text=Free%20%26%20Open%3A%20A%20free%20Indo,and%20responsive%20to%20the%20people.

[16] Ibid.

[17] Ibid.

[18] Ibid.

[19] Ibid.

[20] Sheila A., Smith. “The Quad in the Indo-Pacific: What to Know.” Council on Foreign Relations, May 27, 2021. https://www.cfr.org/in-brief/quad-indo-pacific-what-know.  

[21] Ibid.

[22] Ibid.

[23] “United States-India Relations.” U.S. Department of State, November 9, 2023. https://www.state.gov/united-states-india-relations/.

[24] Ibid.

[25]David, Vergun. “U.S., India Rapidly Expand Their Military Cooperation.” U.S. Department of Defense, June 20, 2023. https://www.defense.gov/News/News-Stories/Article/Article/3433245/.

[26] Ajay Kumar, and Tejas Bharadwaj. “One Year of the Indus-X: Defense Innovation between India and the U.S.” Carnegie Endowment for International Peace, June 18, 2024. https://carnegieendowment.org/research/2024/06/one-year-of-the-indus-x-defense-innovation-between-india-and-the-us?lang=en.   

[27] Ibid.

[28] Ibid.

[29]Jim, Garamone. “Tailoring U.S. Outreach to Indo-Pacific Allies, Partners.” U.S. Department of Defense, June 15, 2023. https://www.defense.gov/News/News-Stories/Article/Article/3430129/#:~:text=The%20United%20States%20is%20also,%2C%20Singapore%2C%20Thailand%20and%20Vietnam.  

[30] “Foreign Policy: Asia Pacific.” The Policy Circle, September 28, 2022. https://www.thepolicycircle.org/brief/u-s-foreign-policy-asia-pacific-region/.  

[31] Ibid.

[32]Jakkie, Cilliers. “Retaining US Influence in Africa Requires Bridge-Building with China.” ISS Africa, May 15, 2024. https://issafrica.org/iss-today/retaining-us-influence-in-africa-requires-bridge-building-with-china.  

[33] Ibid.

[34] Ibid.

[35] Mia, Smith. “The U.S. Is Losing the Great Power Competition in Africa.” American Security Project, May 9, 2024. https://www.americansecurityproject.org/the-u-s-is-losing-the-great-power-competition-in-africa/.

[36] Ibid.

[37] Ibid.

[38] “U.S. Relations With Morocco.” U.S. Department of State, June 6, 2022. https://www.state.gov/u-s-relations-with-morocco/.  

[39]Sarah, Yerkes, and Thomas Hill. A new strategy for U.S. engagement in North Africa: A report of the North Africa Working Group – Carnegie Endowment for International Peace | Carnegie Endowment for International peace, February 23, 2021. https://carnegieendowment.org/posts/2021/02/a-new-strategy-for-us-engagement-in-north-africa-a-report-of-the-north-africa-working-group?lang=en.  

[40] Sahar, Khamis. “Agreements and Tensions in US-Egyptian Relations.” Arab Center Washington DC, December 2, 2021. https://arabcenterdc.org/resource/agreements-and-tensions-in-us-egyptian-relations/.  

[41] “The U.S.-Egypt Relationship.” U.S. Department of State, January 28, 2023. https://www.state.gov/the-u-s-egypt-relationship/#:~:text=Egypt%20is%20a%20valued%20U.S.,a%20pillar%20for%20regional%20stability.  

[42] Ibid.

[43] “U.S. and Egypt Advance Bilateral Economic Cooperation at the Second Joint Economic Commission Convening.” U.S. Embassy in Egypt, September 5, 2024. https://eg.usembassy.gov/joint-statement-us-egypt-joint-economic-commission/.

[44] Ibid.

[45]Gamal, Essam El-Din. “Egypt-US Relations: Security First.” ahramonline, September 23, 2023. https://english.ahram.org.eg/.  

[46] “U.S. Relations With Morocco.” U.S. Department of State, June 6, 2022. https://www.state.gov/u-s-relations-with-morocco/.

[47] “U.S. Security Cooperation with Morocco.” U.S. Department of State, April 8, 2024. https://www.state.gov/u-s-security-cooperation-with-morocco/.  

[48] Ibid.

[49] “U.S. Relations With Morocco.” U.S. Department of State, June 6, 2022. https://www.state.gov/u-s-relations-with-morocco/.

[50] Garamone, Jim. “U.S. Will Work with African Nations to Protect Interests, Encourage Cooperation.” U.S. Department of Defense, July 23, 2024. https://www.defense.gov/News/News-Stories/Article/Article/3847109/.

[51] Ibid.

[52] Ibid.

[53] “U.S. Relations With Somalia.” U.S. Department of State, March 18, 2022. https://www.state.gov/u-s-relations-with-somalia/#:~:text=The%20United%20States%20is%20committed,services%20for%20the%20Somali%20people.  

[54] Ibid.

[55] Elias, Yousif. “US Security Assistance to Somalia” Stimson Center, March 20, 2023. https://www.stimson.org/2023/us-security-cooperation-with-somalia/.  

[56] Ibid.

[57] “U.S. Security Cooperation with Nigeria.” U.S. Department of State, January 23, 2024. https://www.state.gov/u-s-security-cooperation-with-nigeria/.

[58] Ibid.

[59]Romain, Warnault. “Why Africa Matters to US National Security.” Atlantic Council, May 25, 2017. https://www.atlanticcouncil.org/in-depth-research-reports/report/why-africa-matters-to-us-national-security/.  

[60] Ibid.

[61] Ibid.

[62] Ibid.

[63]Katie, Auth. “How the U.S. Can Better Support Africa’s Energy Transition.” Carnegie Endowment for International Peace, January 31, 2023. https://carnegieendowment.org/research/2023/01/how-the-us-can-better-support-africas-energy-transition.  

[64] Ibid.

[65] Ibid.

[66] Ibid.

[67] Ibid.

[68] Gabriel, Negatu. “The US Risks Losing Its Influence in the Horn of Africa. Here’s How to Get It Back.” Atlantic Council, January 11, 2022. https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/the-us-risks-losing-its-influence-in-the-horn-of-africa-heres-how-to-get-it-back/.

[69] Ibid.

[70] Elizabeth, Shackelford, Ethan Kessler, and Emma Sanderson. “Less Is More: A New Strategy for US Security Assistance to Africa.” Chicago Council on Global Affairs, August 21, 2023. https://globalaffairs.org/research/report/less-more-new-strategy-us-security-assistance-africa.  

[71] Ibid.

[72] Ibid.

الاستقالات الوزارية في هولندا وتداعياتها على الموقف الأوروبي من إسرائيل
الميتافيزيقا السياسية للسلطة في فلسطين
رؤية جون ميرشايمر لحربي إسرائيل وروسيا ومستقبل النظام الدولي
التكنولوجيا الحيوية كأداة للقوة التنافس السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين في سباق الهيمنة العالمية
تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات."
Scroll to Top