المقدمة
في ظل التوترات المتسارعة في الشرق الأوسط، وترقب الهجوم الإسرائيلي على إيران، أعلن البنتاغون، في 13 أكتوبر 2024، نشر منظومة الدفاع الجوي “ثاد” Terminal High- Altitude Area Defense (THAAD) المخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية في إسرائيل، برفقة عسكريين أميركيين سيشرفون على تشغيلها بناء على توجيهات من الرئيس جو بايدن، وبتفويض من الوزير لويد أوستن. وبرر البنتاغون نشر المنظومة الأمريكية في إسرائيل بأنها تأتي “للمساعدة في تعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية في أعقاب الهجمات الإيرانية غير المسبوقة ضد إسرائيل في 13 أبريل الماضي، ومرة أخرى في الأول من أكتوبر الجاري”. وأفاد بأن هذه ليست المرة الأولى التي تنشر فيها الولايات المتحدة منظومة “ثاد” في إسرائيل، حيث سبق أن نشرتها الولايات المتحدة عام 2019، في إطار تدريبات مشتركة. ولكن أهم ما في هذا القرار أنه جاء بناء على طلب إسرائيلي في ظل مشهد تسوده الضبابية. ولفهم أعمق لطبيعة هذا القرار، سيتم أولاً عرض أبرز خصائص هذه المنظومة، ومن ثمة تناول الدلالات الرئيسية التي يحملها القرار، وأخيرا، استعراض أبرز الانعكاسات المتوقعة لهذا القرار على مسارات التصعيد.[i]
خصائص المنظومة
تعد منظومة ثاد من أكثر منظومات الدفاع الجوي تطورا حيث تستخدمها الولايات المتحدة لضمان أعلى مستوى لحماية قواعدها الحساسة. واقتصر نشرها على عدد محدود من الدول بينها إسرائيل. وتتميز هذه المنظومة التي بدأت شركة لوكهيد مارتن بتطويرها عام 1992، ودخلت أولى بطاريتها الخدمة رسميا عام 2008، بأنها مضادة للصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى، حيث تستطيع رصدها على بعد 3000 كم واعتراضها والتصدي لها على بعد يتراوح بين 150 و200 كم. وتتألف البطارية عادة من رادار ووحدة تحكم ومعدات دعم بالإضافة إلى 6 مركبات إطلاق تحمل 48 صاروخا ومن الممكن أن يتم توسيع قدرات البطارية بإضافة 3 مركبات إضافية، وتحتاج إلى 95 جنديا لتشغيلها ونحو نصف ساعة لإعادة تذخيرها. وتصل سرعة صواريخها إلى 8 أضعاف سرعة الصوت وتنتهج أسلوب التصادم لاعتراض الصواريخ على ارتفاعات عالية سواء داخل الغلاف الجوي أو خارجه. والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تمتلك 7 بطاريات فقط، إذ تبلغ تكلفة الواحدة منها قرابة المليار دولار.[ii]
وتهدف الولايات المتحدة عن طريق نشر هذه المنظومة إلى تعزيز الدفاعات الإسرائيلية المكونة من عدة طبقات والتي تشمل منظومات السهم ومقلاع داوود والقبة الحديدية، بالإضافة إلى تعزيز الدفاعات الأمريكية في المنطقة. حيث ستسمح هذه المنظومة من خلال نظام واسع للقيادة والسيطرة وإدارة المعركة، أن يتم التواصل مع مجموعة من الدفاعات الصاروخية الأمريكية، بما في ذلك أنظمة Aegisالتي توجد عادة على متن سفن البحرية الأمريكية وأنظمة الدفاع الصاروخي باتريوت المصممة لاعتراض الأهداف قصيرة المدى. ويمكن نشر نظام ثاد بسرعة بواسطة طائرات شحن تابعة للقوات الجوية الأمريكية مثل C-17 وC-5. وكان البنتاغون في 14 أكتوبر، قد أشار لوصول بعض أجزاء هذه المنظومة لإسرائيل، لكنه لم يعط جدولا زمنيا لموعد نشاطها في إسرائيل. ويمكن تفسير ذلك التستر بأنه يخدم عنصر المباغتة الذي تريد إسرائيل تنفيذه في ضربها لإيران.[iii]
دلالات إرسال المنظومة
ويشير هذا القرار إلى عدة دلالات، وهي كالآتي: أولا، جاء هذا القرار بناء على طلب إسرائيل، وهو ما يعد تحولا في سياسية رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي طالما كان يقول بأن “إسرائيل تدافع عن نفسها بنفسها.” كما يكشف هذا القرار اعتماد إسرائيل المتزايد ليس فقط على الأسلحة الأمريكية، ولكن أيضا على المساعدة العملياتية العسكرية الأمريكية ولحلفائها الآخرين. يعد أيضا هذا القرار نقطة تحول في السياسة الأمريكية وهذا يعني أن الجنود الأمريكيين يمكن أن ينخرطوا بشكل مباشر في القتال بين إسرائيل وإيران على الأراضي الإسرائيلية[iv]. وهذا كله على عكس ما صرحت به الولايات المتحدة في أكتوبر الماضي على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي حيث قال” : لا توجد نية للقيام بنشر قوات في إطار الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، وبصراحة تامة، لا يرغب الإسرائيليون في رؤية جنود أميركيين مشاركين في هذا النزاع”. أيضا يأتي هذا القرار على عكس ما صرحت به كامالا هاريس في سبتمبر الماضي، في إطار الترويج لحملتها الانتخابية، حيث قالت إن “اعتبارا من اليوم، لا يوجد فرد واحد من جيش الولايات المتحدة في الخدمة الفعلية في منطقة قتال في أي منطقة حرب حول العالم، لأول مرة هذا القرن”.[v]
ثانيا، إقدام إسرائيل على مثل هكذا طلب وموافقة الولايات المتحدة الأمريكية عليه يشير إلى أن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية فشلت في التصدي لبعض الصواريخ الإيرانية التي وصلت لمواقع حساسة مثل قاعة نيفاتيم الجوية ومنصة إنتاج الغاز بالقرب من مدينة عسقلان. وإضافة إلى ذلك، فبعد الرد الإيراني بأيام فشلت أيضا أنظمة الدفاع الجوي في التصدي للمسيرة التي أطلقتها الفصائل العراقية على الجولان المحتل؛ ليعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل جنديين وإصابة 23 آخرين.[vi]
وفوق ذلك، جاءت عملية حزب الله التي استهدف فيها معسكر تابع للواء جولاني بمدينة بنيامينا جنوبي حيفا مؤدية لمقتل 4 جنود وإصابة 67، منهم 7 بحالة خطيرة، لتؤكد مرة أخرى عدم قدرة المنظومات الإسرائيلية على التصدي للمسيرات والصواريخ الأكثر تطورا التي أصبح يستعملها محور المقاومة، بما فيها الصواريخ والمسيرات التي أطلقتها جماعة الحوثي أيضا. وفي السياق ذاته، قد يكون ذلك الطلب أيضا علامة على أن مخزونات إسرائيل من الصواريخ الاعتراضية من طراز السهم ومقلاع داوود قد استنفدت بشكل كبير أو تضررت منصات إطلاقها بسبب الهجوم الصاروخي الباليستي الإيراني في 1 أكتوبر 2024.
بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أن دفاعات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها – بما تشمل من قواعد وقطع بحرية في المنطقة – لم تستطع هي الأخرى أن تتصدى لعدد كبير من الصواريخ الإيرانية، هذا بالرغم من أن الولايات المتحدة كانت صرحت في وقت سابق بأن الدفاعات الموجودة نجحت في إحباط الردين الإيرانيين. وحتى وإن كانت هذه الدفاعات فعالة؛ فهي مع الرد الإيراني القادم، والذي من المتوقع أن يكون أكثر قوة واتساعا، خصوصا إذا شارك فيه باقي محور المقاومة، ستحتاج للمزيد من التدعيم لقدراتها.[vii]
ثالثا، فإن قرار الولايات المتحدة الأمريكية بإرسال هذه البطارية، والتي لا يمكن إغفال أنها تمتلك منها 7 بطاريات فقط، ينم أن الإدارة الأمريكية تدعم إسرائيل في توجيه ضربة قوية لإيران وليس كما تدعي من خلال تصريحاتها بأنها تدعو لتجنب التصعيد. ولذلك، فإن الرد الإيراني بالتبعية سيكون أكثر قوة من سابقيه وهو ما يجعل إسرائيل في أمس الحاجة لهذه المنظومة. كما يكشف هذا التواجد العسكري الأمريكي في إسرائيل أن الهجوم الإسرائيلي سيتضمن أعلى درجات التنسيق مع الولايات المتحدة حتى وإن قيل غير ذلك.
انعكاسات إرسال المنظومة على التصعيد
للتعرف على مدى تأثير هذا السلاح على مجريات التصعيد يجب النظر قبل ذلك إلى عدد من العوامل. أولا، يعتبر هذا النظام من بين الأكثر تطورا حول العالم، ولكنه لم يجرب في ميادين المعارك بعد للحكم عليه بشكل فعلي. ثانيا، نظام ثاد مكلف للغاية، ويتطلب طاقماً مدربا تدريبا عاليا، كما أن الولايات المتحدة كما سبقت الإشارة لا تمتلك سوى 7 بطاريات وهو ما يشير إلى أنه هناك إمدادات محدودة من القذائف الاعتراضية على الصعيد العالمي، فهي باهظة الثمن ولا يمكن إنتاجها بالسرعة التي قد تكون هناك حاجة إليها في مختلف مواقع نشر هذا النظام مثل جوام وكوريا الجنوبية خصوصا مع ما تشهده هذه المنطقة من توترات بعد المناورات الضخمة التي تجريها الصين حول جزيرة تايوان. [viii]
ثالثا، هذا النظام لن يعمل وحيدا، بل سيعمل بجانب الدفاعات الإسرائيلية والدفاعات الأخرى للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. وكما ذكرنا من قبل فهو يستطيع في الحد الأدنى إطلاق 48 صاروخ اعتراضي وفي الحد الأقصى 72 صاروخ اعتراضي قبل أن يتم تذخيره مرة أخرى. ولذلك؛ فمدى فاعليته ستأخذ في الاعتبار ما أشرنا إليه سلفا، بالإضافة إلى نوعية الصواريخ الإيرانية المستخدمة في الرد المتوقع وعددها. فهذا النظام يستطيع اعتراض الصواريخ التي تصل سرعتها إلى 8.2 ماخ، ولكن بعض المصادر تشير إلى أن إيران تمتلك صواريخ تصل سرعتها لـ 18 ماخ.[ix]
وإذا ما اعتمدت إيران على نوعية صواريخ أسرع بالإضافة إلى عدد أكبر؛ ستتمكن في هذه الحالة من تقليل فاعلية هذا النظام، ومن ثم ستستطيع إلحاق خسائر بإسرائيل وهو ما سيدفعها للهجوم مجددا على إيران لتستمر دائرة العنف المفرغة والتصعيد. ولكن في هذه الحالة سيكون لهذا التصعيد حسابات مختلفة، حيث سيصبح محور المقاومة أكثر جرأة خصوصا بعد فشل المساندة الأمريكية وفشل منظومتها وهو ما سيسبب أيضا لها احراجا كبيرا وانعكاسا على موقفها في مختلف الصراعات عالميا. ولكن لا يمكن إغفال أيضا أن لهذه الحسابات الجديدة محددات أخرى تتعلق بطبيعة الهجوم الإسرائيلي المنتظر وتداعيته على إيران.
أما إذا نجح هذا النظام في ردع إيران أو اعتراض ضرباتها؛ فسيقوم فهذه الحالة بتغيير قواعد اللعبة وستتمكن إسرائيل من فصل إيران عن باقي محور المقاومة والاستفراد بكل لاعب منهم والقضاء عليه بعد قطع الدعم والمساندة الإيرانية. وهو ما سيعني أن ساحة لبنان بشكل خاص ستشهد تصعيدا أعنف.
الخاتمة
وفي ظل هذا المشهد الذي تسوده الضبابية، من المتوقع أن يكون وصول هذه المنظومة بمثابة ضوء أخضر لإسرائيل لشن هجومها على إيران، كما أنه قد يكون المتغير الذي سيطلق يد إسرائيل ويسمح لها بالذهاب لمزيد من التصعيد، إذا نجح في ردع إيران ومنعها من الرد على الهجوم الإسرائيلي المرتقب. أما إذا فشل في تقليل الآثار الناجمة عن الرد الإيراني؛ ففي هذه اللحظة ستتغير معادلات الردع وسيهرع كل جانب لإعادة ترتيب الأوراق والحسابات، فالتداعيات لن تقتصر فقط على ما إذا كان أحد الأطراف سيذهب لمزيد من التصعيد أم سيرتدع، بل ستصل للتأثير على الانتخابات الأمريكية في الخامس من نوفمبر القادم.
في النهاية، نحن أمام تفاصيل دقيقة تفصل بين الذهاب نحو الحرب مفتوحة أو البقاء ضمن التصعيد المنضبط إلى حد ما، والذي يحفظ لكل طرف قوة ردعه. ولكن مما لا شك فيه أننا أصبحنا في مرحلة لا عودة فيها إلى الوضع السابق قبل السابع من أكتوبر. فكل طرف أصبح يرى أن هذه المعركة هي معركة بقاء.
[i] Lendon, Brad. “What is THAAD? The powerful US anti-missile defense system is being sent to Israel – along with up to 100 supporting troops”. CNN. October 14, 2024. https://edition.cnn.com/2024/10/14/middleeast/thaad-missile-interceptors-israel-defense-intl-hnk-ml/index.html
[ii] المنشاوي, محمد. “ما مبررات واشنطن لإرسال منظومة ثاد الدفاعية لإسرائيل؟.” الجزيرة نت, October 16, 2024. https://www.ajnet.me/politics/2024/10/16/%D9%85%D8%A7-%D9%85%D8%A8%D8%B1%D8%B1%D8%A7%D8%AA
[iii] Lendon, Brad. “What is THAAD? The powerful US anti-missile defense system is being sent to Israel – along with up to 100 supporting troops,” CNN. October 14, 2024, https://edition.cnn.com/2024/10/14/middleeast/thaad-missile-interceptors-israel-defense-intl-hnk-ml/index.html
[iv] Ravid, Barak. “U.S. sending THAAD missile system and troops to operate it to Israel.” AXIOS, Oct 13, 2024, https://www.axios.com/2024/10/13/us-send-thaad-missile-israel
[v] Keating, Joshua. “Biden and Harris say America’s no longer at war. Is that true?” Vox, September 11, 2024. https://www.vox.com/kamala-harris/371497/harris-troops-war-zones.
[vi] Fabian, Emanuel. “Satellite imagery appears to show damage at air base after Iranian missile strike,” The Times of Israel, 3 October 2024, https://www.timesofisrael.com/satellite-imagery-appears-to-show-damage-at-air-base-after-iranian-missile-strike/
[vii] Bateman, Alys Davies & Tom. “US helped Israel shoot down Iran missiles – Pentagon,” October 1, 2024. https://www.bbc.com/news/articles/clyv0ne41pzo.
[viii] Thibault, Harold. “China steps up pressure on Taiwan as military drills prepare for potential invasion.” Le Monde.Fr, October 15, 2024. https://www.lemonde.fr/en/international/article/2024/10/15/china-steps-up-pressure-on-taiwan-as-military-drills-prepare-for-potential-invasion_6729428_4.html.
[ix] Aydin, Yavuz. “THAAD in focus: US missile defense system soon to be deployed in Israel
باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات