Cairo

التجدد المفاجئ للصراع في سوريا: مقاربات التفسير

قائمة المحتويات

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

بعد الهدوء النسبي الذي شهده الصراع السوري، جاءت عملية “ردع العدوان” التي شنتها فصائل المعارضة في 27 نوفمبر 2024 لتعقد المشهد أكثر في وقت تمر فيه المنطقة، بل والعالم بمرحلة مفصلية. وكانت سوريا في مارس 2011 قد شهدت ما عرف حينئذٍ بانتفاضات الربيع العربي والتي تطورت إلى صراع مسلح بين النظام السوري والمعارضة، وظلت دائرة العنف المفرغة تتسع بسبب لجوء كل طرف إلى حليف لمساعدته في هزيمة الطرف الآخر، فالنظام السوري لجأ إلى روسيا وإيران، والمعارضة بعضها لجأ إلى تركيا، والبعض الآخر لجأ إلى الولايات المتحدة مثل الأكراد. لم يؤد تواجد كل هذا العدد من الأطراف إلا إلى تعقيد المشهد وصعوبة التوصل لتسوية بسبب تقاطع المصالح وتضاربها بين هذه الأطراف في العديد من الملفات داخل سوريا وخارجها، بالإضافة إلى ظهور دخلاء على المشهد السياسي للاستفادة من هذه الفوضى مثل داعش والجماعات المنبثقة عنها.

وفي ضوء ذلك، يستعرض هذا المقال أولًا الأطراف المتصارعة في المشهد السوري وداعميها، يليه تقديم لمحة موجزة عن الوضع منذ اتفاق أستانا حتى إطلاق عملية ردع العدوان، وأخيراً تقديم قراءة تحليلية لأبرز أسباب اشتعال المشهد.

أولاً: خلفية الصراع وأطرافه في سوريا

لفهم المشهد السوري المعقد، يجب أولًا التعرف على الأطراف الرئيسية الثلاثة لهذا الصراع. الطرف الأول هو النظام السوري والذي تدعمه روسيا وإيران وحزب الله، بجانب القوات الرديفة وجيش التحرير الفلسطيني، بالإضافة إلى فصائل مسلحة موالية للنظام. ويمثل الدعم الجوي أبرز مظاهر الدعم الروسي، بينما يتمثل الدعم من إيران وحزب الله في وجود قوات على الأرض تقاتل جنباً إلى جنب مع قوات النظام، وتضم المليشيات الإيرانية فصائل مثل زينبيون وفاطميون.

 أما الطرف الثاني فيتمثل في فصائل المعارضة السورية المسلحة والتي تتكون من عدة فصائل، أبرزها “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا قبل انشقاقها عن القاعدة) الفصيل الأكبر الذي جاء نتيجة اندماجها مع 26 فصيلًا آخرين في 2017 بعد انطلاق مفاوضات أستانا بين الحكومة السورية والمعارضة، بمشاركة روسية تركية إيرانية، وهي ترفض هذه المفاوضات وتعدّها جزءا من “المؤامرة على الثورة السورية”. وحاليًا تأتي الهيئة على رأس غرفة عمليات الفتح المبين التي تضم فصائل عديدة أبرزها: فتح الشام، لواء الحق، أنصار الدين، وجيش السنة، إضافة إلى فصائل من الجبهة الوطنية للتحرير مثل الجيش الحر وصقور الشام. وتتلقى هذه الفصائل دعمًا من تركيا حيث تمدهم بالسلاح وبالمرتزقة والمقاتلين عن طريق الشركات العسكرية الخاصة بالرغم من أنها تصنف تلك الفصائل كمنظمات إرهابية، بالإضافة إلى وجود اتهامات روسية بوجود دعم أوكراني لهم أيضًا، كما تشكل عوائد النفط والضرائب في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم مصدر دخل لهم.

والطرف الثالث هو قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والتي ويغلب عليها المكون الكردي، ولكنها كذلك تضم فصائل عربية وسريانية، وتسيطر فصائلهم المسلحة على أجزاء واسعة من الشمال الشرقي لسوريا وأبرزها التحالف العربي السوري، ووحدات حماية الشعب، والمجلس العسكري السرياني، بالإضافة إلى وحدات حماية المرأة. ويدعم هذا الطرف الولايات المتحدة الأمريكية بالسلاح والخبراء، كما تشكل عائدات البترول في مناطق نفوذهم جزءًا كبيرًا من مواردهم. وبالرغم من أن “قسد” وفصائل المعارضة يشتركون في عداوتهم للنظام السوري، إلا أنهم كذلك يقاتلون بعضهم البعض بسبب وجود خلافات عديدة بينهم وأهمها الدعم التركي لفصائل المعارضة.

وملخص هذا المشهد هو أن سوريا أصبحت يسيطر وينتشر على أراضيها مواقع عسكرية لكل من روسيا، والولايات المتحدة، وإيران، وتركيا، وحزب الله، وقسد، وهيئة تحرير الشام وباقي فصائل المعارضة.

ثانياً: مسار أستانا والجمود النسبي للصراع في سوريا في السنوات الأخيرة

يعبر مسار أستانا عن سلسلة من الاجتماعات والمحادثات الدولية التي انطلقت في يناير 2017 في أستانا عاصمة كازاخستان، بهدف التعامل مع الصراع في سوريا عن طريق الحوار بين أطراف الصراع برعاية كل من روسيا وتركيا وإيران. جاءت هذه المحادثات في إطار فشل جهود الأمم المتحدة في تحقيق حل سياسي للأزمة السورية، بما في ذلك وضع مسار التحول السياسي الديمقراطي في سوريا. تعثر مسار الأمم المتحدة يعود إلى فشل المفاوضات التي كانت ترعاها الأمم المتحدة بين القادة السياسيين للفصائل السورية ونظام الأسد، إضافة إلى الخلافات بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، حيث دعمت الصين وروسيا نظام الأسد، بينما وقفت فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة في صف المعارضة مما عرقل إصدار أي قرارات أو تدخلات فعالة لحل الصراع  في سوريا.

في المقابل، تميز مسار أستانا بقدرة كل من روسيا وتركيا على لعب دور الوسيط بفضل دعمهما المباشر لأطراف الصراع، حيث قدمت روسيا الدعم العسكري لنظام بشار الأسد منذ 2015 وقدمت تركيا دعماً مستمراً للمعارضة وسط تراجع اهتمام دول الخليج والغرب. هذا الوضع، بالإضافة إلى رغبة كل من تركيا وروسيا في الحفاظ على مصالحهما في سوريا من تطورات الصراع، دفع أردوغان وبوتين إلى الاتفاق في ديسمبر 2016 على إطلاق محادثات أستانا لإدارة الصراع في سوريا. في هذا السياق، بدأت المحادثات في يناير 2017 بين ممثلي الدولة السورية والفصائل المعارضة وتم الاتفاق على إدارة الصراع بناء على مبدأ خفض التصعيد، وتم وقتها تحديد أربع مناطق لخفض التصعيد وهي: إدلب وما حولها من حلب واللاذقية، أجزاء من حمص، الغوطة الشرقية، جنوب سوريا.

غلب الطابع العسكري على مسار أستانا على عكس الطابع السياسي الذي اتسم به مسار الأمم المتحدة، فكان أغلب ممثلي الفصائل المسلحة من القادة العسكريين، فضلاً عن أن هدف المحادثات انحصر في إدارة الصراع المسلح في سوريا بناء على خفض التصعيد وليس وضع حد نهائي للصراع. هذا النهج الذي تم اتباعه في محادثات أستانة لخفض التصعيد أتاح للأطراف المتنازعة، وعلى رأسها روسيا والنظام السوري، مواصلة عملياتهم العسكرية. ففي حين بدأت عملية أستانا بأربع مناطق خفض تصعيد، بقيت إدلب فقط في عام 2018، حيث تمكنت قوات النظام السوري من السيطرة على المناطق الثلاث الأخرى. وعلى الرغم من التصعيد المتكرر والغارات الجوية الروسية والنظامية، نجحت تركيا وروسيا في الحفاظ على صيغة عمل مشتركة لإدلب باعتبارها آخر منطقة خفض تصعيد. ومع ذلك، وقعت إدلب تدريجيًا تحت سيطرة التنظيم السياسي والعسكري “هيئة تحرير الشام”. وفي الوقت نفسه، وسعت تركيا والفصائل العسكرية التي تدعمها نفوذها في شمال حلب عبر ثلاث عمليات عسكرية في 2016، 2018، و2019، دون شن هجمات كبيرة باتجاه مناطق النظام.

وفي الإطار التنافسي بين مسار أستانا والمسار الذي تقوده الأمم المتحدة في جنيف، خاصة بعدما كشف مسار أستانا عن المأزق الذي يواجهه الأخير، جاء تصريح المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا بأن محادثات أستانا مقتصرة على مناقشة القضايا العسكرية فقط، بينما ستظل القضايا السياسية تناقش في جنيف. لكن تعرض هذا التصريح للنقد عندما عقدت روسيا “مؤتمر الحوار الوطني السوري” في سوتشي في يناير 2018 متجاوزة بشكل واضح نطاق القضايا العسكرية فقط. اضطرت الأمم المتحدة إلى اتخاذ موقف سريع، وتمثلت استراتيجيتها في جعل مشاركتها في مؤتمر سوتشي مشروطة بالإبقاء على العملية السياسية تحت رعايتها. وافقت روسيا على هذا الاتفاق، كما عكسه البيان الختامي لمؤتمر سوتشي، حيث أُعلن عن تشكيل لجنة دستورية بقيادة الأمم المتحدة في جنيف لصياغة إصلاح دستوري كمساهمة في التسوية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة. وأكد البيان أن “الاتفاق النهائي يجب أن يتم التوصل إليه في عملية جنيف التي تقودها الأمم المتحدة، بما يشمل تفويض اللجنة ومعايير اختيار أعضائها وقواعد الإجراءات الخاصة بها”. ومع ذلك، أدخل مؤتمر سوتشي تغييرات على المفاوضات السياسية لحل الأزمة حيث تقلصت أجندة المفاوضات من الانتقال السياسي الشامل إلى الإصلاح الدستوري.

في سياق مسار أستانا ومؤتمر سوتشي، حققت كل من روسيا وإيران وتركيا مكاسب استراتيجية جراء التوسط بين أطراف الصراع. حققت روسيا موقعاً بارزا في سوريا يمكنها من خلاله المساومة مع الولايات المتحدة بشأن ليبيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى سيطرتها على الموارد الطبيعية كالنفط والغاز وميناء طرطوس على البحر الأبيض المتوسط. أما إيران فقد ساعدها التواجد في سوريا في أن تمثل تهديداً مباشراً لإسرائيل من خلال تسهيل عملية إمداد حزب الله بالسلاح، بالإضافة إلى أن إسرائيل أضحت في مرمى صواريخ المليشيات الموالية لإيران. وبالنسبة لتركيا فإن وجودها العسكري على الأراضي السورية كضامن للسلام في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ساعدها في ردع الهجمات المحتملة من تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الكردية المسلحة، بالإضافة إلى منع الأكراد من الانفصال عن تركيا وسوريا وتكوين دولة مستقلة.

أما على مستوى الصراع داخل سوريا، نجحت تلك الجهود ضمن مسار أستانا وسوتشي في تحقيق قدر من الاستقرار و تجميد الصراع، لا سيما منذ الاتفاق التركي الروسي لوقف إطلاق النار في مارس 2020 وحتى الأحداث الأخيرة. فقد أصبح الصراع أقل تفككاً من  حيث الفصائلية، وتم القضاء على العديد من فصائل المعارضة، بينما تم فصل العديد من الفصائل الأخرى في إدلب شمال غرب سوريا. نتيجة لذلك، جُمّدت الجبهات العسكرية مع إنشاء مناطق عازلة ومجالات نفوذ تم تحديدها في محادثات أستانا، وانخفضت نسبة العنف العسكري منذ عام 2017. ورغم ذلك، فشلت المحادثات في تحويل الصراع إلى نظام سلام شامل ودائم، فقد أدى تجميد خطوط الصراع والمناطق العازلة إلى تعميق الانقسام السياسي والجغرافي، حيث ظلت البلاد منقسمة إلى أربع مناطق رئيسية تحكمها أنظمة شبه مستقلة: حكومة الإنقاذ في إدلب والتي تتبع هيئة تحرير الشام، والحكومة المؤقتة في بقية الشمال الغربي، والإدارة الذاتية في الشمال الشرقي، والنظام السوري في باقي المناطق.

ثالثاً: قراءة في أسباب الاشتعال المفاجئ للصراع في سوريا بعد خمس سنوات من الجمود

بعد تجمد الصراع في سوريا منذ خمس سنوات تقريباً، أطلقت فصائل المعارضة السورية المسلحة في شمال غرب سوريا، والمعروفة بهيئة تحرير الشام، عملية عسكرية أطلقت عليها عملية “ردع العدوان” في 27 نوفمبر 2024. تمثل هذه العملية أكبر عملية هجوم للمعارضة منذ سنوات، كما تعد أول اختراق لخطوط التماس بين النظام السوري والمعارضة في محافظة إدلب منذ الاتفاق التركي الروسي لوقف إطلاق النار في مارس 2020. يمكن إرجاع تجدد الصراع في سوريا في هذا الوقت لعدة أسباب؛ أولها محاولة تركيا للضغط على نظام بشار الأسد للقبول بالشروط التركية التي رفضها وأدت لعرقلة مسار التطبيع، حيث حددت تركيا أربعة شروط لعودة العلاقات التركية-السورية إلى مستويات ما قبل 2011. تتمثل تلك الشروط  في تطهير سوريا من العناصر الإرهابية من وجهة نظر تركيا مثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)؛ حفاظاً على سلامة أراضيها ووحدتها، وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية وشاملة، وإنجاز العملية السياسية ودستور جديد في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 على أساس المطالب والتوقعات المشروعة للشعب السوري، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة آمنة وكريمة للاجئين، مع ضمان استمرار وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين دون انقطاع.علاوة على ذلك، تأتي هذه المستجدات في الصراع في إطار رغبة تركيا والفصائل التي تدعمها في فرض أمر واقع جديد لكسب أفضلية في أية تسوية قد تحدث بشأن الصراع في سوريا مع عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض. وكذلك تسعى تركيا إلى إضعاف القوات الكردية وحسر مناطق نفوذهم، وهو ما تم من خلال إخراجهم من مدينة حلب.

ثانياً، تأتي هذه العملية في وقت تعاني فيه صفوف جيش النظام من الضعف، إضافة إلى انشغال روسيا بالصراع في أوكرانيا، وانشغال حزب الله بحربه ضد إسرائيل في لبنان ودعم حماس في غزة، في مقابل تلقي  فضائل المعارضة دعمًا كبيرًا من جانب تركيا والذي كان واضحًا في استخدامهم للمسيرات للمرة الأولى. في هذا السياق، لم يتدخل الجانب الروسي لدعم نظام الأسد في الثلاث أيام الأولى من الهجوم مما أثار تساؤلات حول حدود الدعم الروسي لنظام الأسد في ظل ما تواجهه من تصعيدات في حربها مع أوكرانيا. كما أثر عدم التدخل هذا الشكوك حول ما إذا كانت روسيا قصدت عدم التدخل للضغط على بشار الأسد لإنجاح المفاوضات مع تركيا، في ظل تصاعد الادعاءات بسفر بشار الأسد إلى روسيا بعد اندلاع الهجوم للاتفاق بشأن المحادثات مع تركيا. ومع ذلك، بدأت روسيا تتدخل بعدما بدأت قوات المعارضة تتوغل أكثر في نفوذ النظام وتقترب من مدخل مدينة حماة في وسط سوريا، حيث إن وصول هيئة تحرير الشام لتلك المدينة يهدد نفوذ روسيا في  ميناء طرطوس في البحر المتوسط، حيث أن مدينة حماة تبعد عن طرطوس مسافة 50 ميلاً وهي المدينة التي تصل البر بالمدن الساحلية في سوريا فذلك قد يمنع وصول روسيا إلى مناطق النفوذ البرية للنظام السوري . كما ادعت روسيا بأن هجوم الفصائل لم يكن ممكناً بدون دعم خارجي ، وأعلن سفير روسيا لدى الأمم المتحدة  فاسيلي نيبينزبا بأن الهجوم مدعوم من أوكرانيا والتي دعمت هيئة تحرير الشام بالطائرات المسيرة.

من جهة أخرى، أدى انخراط حزب الله في حربه مع إسرائيل وسحب جزء من قواته من الخطوط الأمامية المواجهة للمعارضة إلى حدوث فراغ استغلته المعارضة لتنفيذ عملياتها. كما أسهمت الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع قوات النظام وحزب الله والمليشيات الإيرانية في سوريا في إضعافها. ومع ذلك، حافظ حزب الله على تمركز قواته في الخطوط الخلفية قرب الحدود اللبنانية، فيما يُعرف بـ “تأمين الجانب”، لتفادي استغلال إسرائيل لهذا الفراغ. وحتى الآن، لم يظهر دور واضح لحزب الله في المشهد الحالي، إلا أن الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام للحزب، أكد أن “الحزب سيكون إلى جانب سوريا لإحباط أهداف العدوان بما يتمكن منه”. ومن جانبه أشار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى أن إيران ستفكر في إرسال قوات إلى دمشق إذا طلب بشار الأسد الدعم.

ثالثًا، في ظل السعي الأمريكي والإسرائيلي لتقويض النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وبشكل خاص في دول الطوق العربي وقطع خطوط إمداد حزب الله، من المتوقع أن تقبل أمريكا بهذه التحركات التركية التي تخدم أهدافها هي وإسرائيل، فضلًا عن المساعي الأمريكية لإضعاف النفوذ الروسي في سوريا، وكذلك إشغالها بحروب أخرى بجانب حربها في أوكرانيا. كما أن سوريا تمثل إحدى دول المواجهة في النظرية الأمنية الإسرائيلية لمواجهة الخطر العربي وضمان أمن إسرائيل في بيئة إقليمية مليئة بالتهديدات. ترتكز النظرية على مواجهة الخطر في ثلاثة محاور رئيسية: الأول يتعلق بالصراع الفلسطيني، والثاني يشمل دول المواجهة المباشرة مثل مصر وسوريا ولبنان، أما الثالث فيغطي الدول المحاذية لدول المواجهة، وأبرزها دول مجلس التعاون الخليجي. في هذا الصدد، استغلت إسرائيل تجدد المشهد في سوريا وشنت عدة هجمات جوية ضد نظام الأسد وحلفاؤه في سوريا. أيضاً، يأتي الهجوم الإسرائيلي في  سياق توتر العلاقات بين روسيا وإسرائيل. فمنذ بداية التدخل الروسي في سوريا، شهدت العلاقات الروسية-الإسرائيلية مجموعة من التفاهمات لإبعاد إيران عن الحدود السورية ضماناً للأمن الإسرائيلي. ومع ذلك، دخلت العلاقات بينهما في حالة من التوتر منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، لاسيما عقب أحداث السابع من أكتوبر 2023 حيث أن  روسيا أخلت بتلك التفاهمات وسمحت للميليشيات والقوات المدعومة من إيران بالتواجد على الحدود، ما دفع إسرائيل إلى استهداف مواقع حزب الله وإيران في سوريا مرة أخرى. في هذا الإطار، من المحتمل أن يكون هذا الهجوم الإسرائيلي للضغط على روسيا والنظام السوري بضبط الحدود من جديد ومنع التواجد الإيراني في سوريا بإمداد حزب الله في لبنان بالمساعدات العسكرية في ظل اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين حزب الله وإسرائيل في لبنان.

ختاماً، إن الاشتعال المفاجئ للصراع في سوريا في الأيام الماضية جاء متأثراً بشكل كبير بمستجدات الأوضاع في البيئة الإقليمية والدولية المحيطة به. على سبيل المثال، اشتعال الحرب في غزة ولبنان أثر على مستوى  التواجد الإيراني في الصراع مما خلق نوع من الفراغ استغلته المعارضة لشن هجومها. كما أن الأحداث الأخيرة واتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان ألقى بظلاله على المشهد في سوريا فاستغلت إسرائيل تجدد الصراع وشنت هجمات على النظام سوريا للضغط على النظام وروسيا  من أجل تقويض النفوذ الإيراني في سوريا ومنع وصول أي إمدادات لحزب الله في لبنان عبر سوريا. وتأتي هذه التغييرات في ظل تغييرات أخرى على المستوى الدولي، فحرب روسيا مع أوكرانيا كان لها تأثيراتها على الصراع، حيث نجد أن انشغال روسيا في حربها مع أوكرانيا أثر على مستوى انخراطها في الصراع في سوريا إضافة إلى دعم أوكرانيا للمعارضة في سوريا ضد روسيا ونظام الأسد كما تدعي روسيا . فضلاً عن عودة ترامب للبيت الأبيض مرة ثانية وتغيير الإدارة الأمريكية دفع بعض الأطراف مثل تركيا والفصائل المعارضة  إلى خلق واقع جديد قبل مجيئ ترامب للحصول على أفضلية في أية تسوية قد تحدث خلال إدارته بشأن سوريا.

كما أن تجدد الصراع مع عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض مرة ثانية يزيد التساؤلات حول مستقبل الصراع. فما زالت الشكوك قائمة بخصوص احتمال تدخل الولايات المتحدة المباشر في الصراع ، فليس من الواضح إذا كانت ستتدخل لحماية الأكراد أم سيعيد الرئيس ترامب سياسات الماضي بالانسحاب وعدم التدخل في الصراع. ومع ذلك، يبدو أن تجدد الصراع في سوريا سيزيد الوضع تعقيداً في الشرق الأوسط ويضع تحديات واسعة أمام السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط. فضلاً عن أن اشتعال الصراعات على أكثر من جبهة في الشرق الأوسط سوف يعقد فرص تحقيق السلام في المنطقة، ويفرض تحديات غير مسبوقة على جهود إنهاء الصراعات وإيجاد تسوية شاملة للأزمات الإقليمية.

قائمة المراجع:

مراجع باللغة العربية:

“البنتاغون: قصفنا جماعات إيرانية وسورية.. ونعمل مع قسد.” سكاي نيوز عربية، December 3, 2024. https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1759544-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%AA%D8%A7%D8%BA%D9%88%D9%86-%D9%82%D8%B5%D9%81%D9%86%D8%A7-%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%95%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%86%D8%B9%D9%85%D9%84-%D9%82%D8%B3%D8%AF

الجزيرة. “ردع العدوان.. عملية عسكرية أطلقتها المعارضة السورية لإبعاد نفوذ النظام عن الشمال.” الجزيرة. 3 ديسمبر 2024.

https://www.ajnet.me/encyclopedia/2024/11/29/%D8%B1%D8%AF%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D8%B7%D9%84%D9%82%D8%AA%D9%87%D8%A7

الشرق الأوسط. “الفصائل المسلحة السورية باتت «على أبواب» مدينة حماة.” الشرق الأوسط. 3 ديسمبر 2024.

https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/5088014-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D8%A7%D8%A6%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D8%AA%D8%AA-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A3%D8%A8%D9%88%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%A9

الشرق الأوسط. “روسيا: هجوم الفصائل في سوريا لم يكن ممكناً دون دعم وتحريض من الخارج.” الشرق الأوسط. 4 ديسمبر 2024.

https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/5088117-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D9%87%D8%AC%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D8%A7%D8%A6%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%84%D9%85-%D9%8A%D9%83%D9%86-%D9%85%D9%85%D9%83%D9%86%D8%A7%D9%8B-%D8%AF%D9%88%D9%86-%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D9%88%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B6-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC

الديربي، عبدالعال. “اتفاقيات السلام العربية الإسرائيلية وأثرُها على القضية الفلسطينية.” مجلة الدراسات السياسية والاقتصادية المجلد 2، العدد 3 (2022): 301-239.

https://psej.journals.ekb.eg/article_269897.html

 “حلب: ماذا نعرف عن هيئة تحرير الشام التي تشن هجمات على مواقع تابعة للجيش السوري؟” بي بي سي. 30 نوفمبر 2024. https://www.bbc.com/arabic/articles/cpvzv7n1zl2o

“لواء فاطميون.. مليشيا من اللاجئين الأفغان تقاتل مع الأسد بسوريا.” الجزيرة نت، April 29, 2024. https://www.ajnet.me/encyclopedia/2024/2/26/%D9%84%D9%88%D8%A7%D8%A1-%D9%81%D8%A7%D8%B7%D9%85%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%A6%D9%8A%D9%86

“قوات سوريا الديمقراطية.. فصائل عسكرية في شرق سوريا تدعمها أميركا.” الجزيرة نت، June 15, 2024. https://www.ajnet.me/encyclopedia/2016/1/12/%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85.

“كييف تنفي.. روسيا تتهم أوكرانيا بالتورط في الصراع السوري.” , December 4, 2024 DW https://www.dw.com/ar/%D9%83%D9%8A%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D9%86%D9%81%D9%8A-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%AA%D9%87%D9%85-%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%B7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A/a-70962552

“هيئة تحرير الشام والفصائل.. أسرار العودة والتمويل الخارجي.” سكاي نيوز عربية، December 1, 2024. https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1758970-%D9%87%D9%8A%D9%8A%D9%94%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D8%A7%D9%8A%D9%94%D9%84-%D8%A7%D9%94%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%85%D9%88%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A

مراجع باللغة الإنجليزية:

Azizi, Hamidreza, and Nicole Grajewski. “Russia’s Syria Strategy After Aleppo’s Fall.” Foreign Policy, December 2, 2024. https://foreignpolicy.com/2024/12/02/syria-aleppo-russia-hts-hezbollah-iran.

Beaujouan, Juline. “Power Peace: The Resolution of the Syrian Conflict in a Post-Liberal Era of Peacemaking.” Journal of Intervention and Statebuilding (2024): 1-20.

Gebeily, Maya, and Suleiman Al-Khalidi. “Syrian Rebels Advance Close to Hama City, Piling Pressure on Assad and His Allies.” Reuters, December 4, 2024. https://www.reuters.com/world/middle-east/us-backed-group-fights-syrian-army-reignited-conflict-spreads-2024-12-03/.

Hodge, Jeremy, and Hussein Nasser. “Syria Chaos Helps Turkey, Complicates Trump Foreign Policy.” Foreign Policy, December 3, 2024. https://foreignpolicy.com/2024/12/02/syria-russia-turkey-assad-putin-trump-iran-hezbollah/.

Hellmüller, Sara, and Bilal Salaymeh. “Multiparty mediation in a changing world: the emergence and impact of parallel processes to UN peacemaking in Syria and Libya.” International Journal of Conflict Management 35, no. 1 (2024): 129-149.

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

الاستقالات الوزارية في هولندا وتداعياتها على الموقف الأوروبي من إسرائيل
الميتافيزيقا السياسية للسلطة في فلسطين
رؤية جون ميرشايمر لحربي إسرائيل وروسيا ومستقبل النظام الدولي
التكنولوجيا الحيوية كأداة للقوة التنافس السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين في سباق الهيمنة العالمية
تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات."
Scroll to Top