انطلقت الإدارة الأمريكية للرئيس المنتخب دونالد ترامب بالإعلان عن عددٍ قياسيٍ من القرارات في ضوء التغيرات الاقتصادية العالمية والتي جاء في مقدمتها الإعلان عن خطط شاملة لتعزيز إنتاج النفط والغاز في الولايات المتحدة، والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ وكذلك منظمة الصحة العالمية.. ويبدو أن الماضي يشكل الحاضر، إذ يعيد ترامب إنتاج ذات السياسات التي تبناها في ولايته الأولى ٢٠١٧.
فقد أعلن ترامب حالة الطوارئ الوطنية في قطاع الطاقة لتسريع إصدار التصاريح لمشاريع النفط والغاز بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي وجعل الولايات المتحدة على قمة المصدرين للنفط لمعالجة انخفاض الاحتياطي الإستراتيجي الأمريكي من النفط، الذي تأثر بشدة خلال إدارة بايدن نتيجة سحب كميات كبيرة لمواجهة ارتفاع الأسعار بعد أزمة أوكرانيا والضغوط على أسواق الطاقة. وهو ما يعيد التساؤلات حول تأثير ذلك على الأسواق العالمية ودور منظمة أوبك وبخاصة المملكة العربية السعودية والتي شهدت في عام ٢٠١٧ تراجع في المشتريات الأمريكية من النفط السعودي مقابل زيادة الإنتاج النفطي الأمريكي وتزايد الشحنات المُصدَرة إلى أوروبا وشرق آسيا، كذلك فإن الزيادة في الإنتاج الأمريكي قد يُشكل فائضا في العرض، وقد يدفع منظمة أوبك إلى اتخاذ تدابير لخفض الإنتاج. وهو ما قد يدفع المملكة العربية السعودية في ضوء تزايد الطلب العالمي على النفط للاستفادة من اقتصاديات الحجم (التكلفة الإنتاجية الأقل).
علي صعيد آخر، يعكس قرار انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ تأكيد ترامب على التشكيك في واقع الاحتباس الحراري العالمي والذي يصفه بالخدعة. قرار انسحاب ترامب يتناسب مع أهدافه التجارية لزيادة التنقيب عن النفط والغاز، وتحرير هذه الجهود من القيود التنظيمية، حتى تتمكن من زيادة الإنتاج بأقصى قدر. حيثُ يزيد من التأثير السلبي على الدول الأكثر تضررًا من تغير المناخ، خاصةً الدول النامية. حيثُ إن الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي تُعد مسؤولة عن النصيب الأكبر من الانبعاثات الكربونية، وبالتالي فإن تراجع التزامها يضعف الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي ويزيد من أعباء هذه الدول في التعامل مع الكوارث البيئية. وخسارة فادحة لقضايا المناخ من التمويل الأمريكي الموجه لهدف حماية المناخ والبيئة من الآثار الصناعية وهو ما قد يؤثر على تعاون الولايات المتحدة مع الدول الأخرى في ذات الشأن مما يمكنه أن يفسح المجال للمملكة العربية السعودية الاستفادة من هذه الفجوة عبر تعزيز مبادراتها في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة وبرامج مكافحة التغيرات المناخية مما يبرز مكانتها كمورد رئيسي للطاقة النظيفة. حيث قد تؤثر قرارات ترامب المتسارعة على الأسعار في الأسواق الخليجية وتدفعها لتسريع الحد من الاعتماد على النفط.
فبينما تسعى إدارة ترامب لتحقيق استقلال الطاقة وخفض التكاليف المحلية، فإن هذه السياسات قد تعيد تشكيل ديناميكيات أسواق الطاقة العالمية وتثير جدلاً حول التوازن بين التنمية الاقتصادية والمسؤولية البيئية. تظل القدرة على التكيف مع هذه التغيرات تحدياً للدول المنتجة والمستهلكة. وربما تأتي بتكاليف طويلة الأجل على مستوى العلاقات الدولية والمبادرات المناخية، مما يفرض على الدول المتأثرة إيجاد حلول بديلة.