Cairo

قراءة في المقترح المصري الجديد بشأن غزة والتعنت الإسرائيلي

قائمة المحتويات

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

عادت إسرائيل الأسبوع الماضي لشن عمليات عسكرية برية وجوية على قطاع غزة، بعد أن شهد القطاع هدوء نسبي خلال المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار، ولكن لم تخل هذه الفترة من خروقات إسرائيلية تضمنت قصف للمدنيين ومنع دخول المساعدات. وفي محاولة لخفض التصعيد قدمت مصر مقترحًا ينص على أن تطلق حماس كل أسبوع سراح 5 أسرى من أصل 59 أسير متبقي في حوزة حماس، بشرط أن تبدأ إسرائيل تنفيذ المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار بعد الأسبوع الأول. وهو ما يعني أن هذا المقترح هو بمثابة مدخل للعودة من جديد لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم عقده في يناير. وتشير المصادر إلى أن حماس “ردت بإيجابية” على المقترح، كما وافقت عليه الولايات المتحدة، بينما أشارت صحيفة تايمز أوف إسرائيل أن إسرائيل لم تتلق أي مقترح جديد للإفراج عن الأسرى المحتجزين في غزة.[i]

الفرق بين هذا المقترح وما سبقه من مقترحات

تجدر الإشارة إلى أن حماس كانت قد رفضت مقترح المبعوث الرئاسي الأمريكي ستيفن ويتكوف؛ حيث قال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أسامة حمدان إن مقترح المبعوث الأمريكي إلى المنطقة يقتصر على تبادل الأسرى فقط، ولا يتناول وقف إطلاق النار وفتح المعابر وإنهاء الحصار، مؤكدا أنه لا يمكن قبول العودة إلى “مرحلة الصفر”.[ii] ولذلك يعتبر مقترح ويتكوف خروجًا عن اتفاق وقف إطلاق النار، كما يمثل تماهيًا مع الموقف الإسرائيلي الراغب في إطلاق سراح الأسرى دون أية ضمانات من أجل استكمال الحرب على غزة وفرض مخطط التهجير.

وكانت حماس قد أعلنت موافقتها على إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي عيدان ألكسندر الذي يحمل الجنسية الأمريكية وجثامين 4 من مزدوجي الجنسية. وكان هذا المقترح نتاج طرح أمريكي بعد أن رأت الإدارة الأمريكية أن إسرائيل تتعنت وتعرقل أي جهد للتوصل لوقف إطلاق النار.[iii] ولكن عودة الحرب والاستياء الإسرائيلي من المفاوضات المباشرة بين حماس والولايات المتحدة عرقلت هذه المساعي. أما المقترح المصري فيهدف إلى خفض التصعيد وعودة المسار التفاوضي من خلال إخراج 5 أسرى كبادرة حسنة من حماس يتبعها استئناف المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار.

وموافقة حماس عليه تظهر رغبتها في استئناف المرحلة الثانية من الاتفاق الذي خرقته إسرائيل دون أي مبرر؛ فالأسباب الحقيقية وراء عودة الحرب هي رغبة الحكومة اليمينية المتطرفة في تنفيذ مخطط التهجير الذي أفشله صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بأرضه رغم افتقار القطاع لأدنى مقومات الحياة، بالإضافة إلى مصالح نتنياهو الشخصية ومحاولاته لتجنب أية مسألة قضائية سواء أكانت بخصوص اتهامه بالتزوير وانتهاك الثقة وقبول رشاوى أو مسؤوليته عن إخفاق السابع من أكتوبر.[iv] وبالفعل وافقت المحكمة على طلب نتنياهو إلغاء جلسة محاكمته الأربعاء، ١٩ مارس ٢٠٢٥، وعقد ٣ جلسات الأسبوع التالي.

توقعات برفض إسرائيلي وسط المعطيات الحالية

ومن غير المرجح أن تقبل إسرائيل المقترح المصري لإنها تسعى لاستكمال الحرب التي من خلالها تريد تهجير سكان قطاع غزة وتصفية القضية الفلسطينية. والدليل على ذلك أن إسرائيل وسعت المنطقة العازلة داخل قطاع غزة من أجل إجبار السكان على النزوح وخلق ظروف صعبة داخل القطاع تؤدي لإجبارهم على الهجرة. كما عاودت القوات الإسرائيلية الدخول لمحور نتساريم، ووسعت من عملياتها البرية في رفح وقامت بتطويق حي تل السلطان، فضلًا عن رفضها الانسحاب من محور فلادلفيا وفتح معبر رفح منذ بداية شهر رمضان، خلافًا لما نص عليه الاتفاق. وتزعم إسرائيل أن هذه الزيادة في المنطقة العازلة هي تطبيق لسياسة “الأرض مقابل الأسرى”، التي تدعي إسرائيل من خلالها أنها مستعدة للانسحاب مقابل الإفراج عن الأسرى.[v]

إدارة عسكرية لتهجير الغزيين

وفي سياق متصل، وافق الكابينت الإسرائيلي على إنشاء إدارة عسكرية لتهجير الغزيين تتبع وزارة الدفاع. ويعكس ذلك القرار التوجه القوي الذي يصل إلى حد الإجماع داخل الحكومة الإسرائيلية على استكمال الحرب وتهجير سكان القطاع. وزاد ذلك التوجه بشكل ملحوظ بعد أن تخلص نتنياهو من الأصوات التي كانت تدعو لعقد اتفاق لإطلاق سراح الأسرى بدلًا من السعي لتحريرهم عن طريق الحرب. فعلى سبيل المثال تمكن نتنياهو من إبعاد غالانت وغانتس عن الحكومة. كما استطاع إعادة بن غفير للحكومة وهو من أشد المؤيدين لاستكمال الحرب. شكلت كذلك إقالة رئيس الشاباك رونين بار خطوة نحو الدفع لاستكمال الحرب وفرض رؤية نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة.[vi]

من يخلف رونين بار في رئاسة الشاباك؟

وأشارت عدد من المصادر الشخصيات المحتملة لخلافة رونين بار، ولكن دون الكشف عن أسمائهم الحقيقية؛ فنائب رئيس الشاباك الحالي “ش”، الذي يشغل هذا المنصب منذ حوالي شهرين، وشغل في السابق منصب رئيس قسم الأبحاث، ورئيس وحدة السامرة، وعمل بصورة مركزة على إحباط عمليات في الضفة الغربية، هو أحد أبرز المرشحين. بالإضافة إلى ذلك، فتشير أحد المصادر إلى نائب رونين بار السابق “م”، الذي شغل هذا المنصب على مدار ثلاث سنوات ويعتبر مقرباً من نتنياهو، وزاد هذا التقارب في الأشهر الأخيرة عندما أصبح أحد العاملين على ملف المفاوضات من أجل إطلاق سراح المختطفين. و”م” شخص متدين من الصهيونية الدينية، كان قد خسر شقيقه في الحرب. كما أن هناك احتمال أن يختار نتنياهو شخص من خارج الشاباك من وحدة الاستخبارات العسكرية 8200.[vii]

خلاصة القول، لا يوجد ما يدفع إسرائيل للقبول بوقف إطلاق النار – حتى اللحظة؛ حيث يحظى العدوان الإسرائيلي بدعم أمريكي، وكذلك بدعم داخل الدوائر السياسية والعسكرية في إسرائيل التي أصبحت تمضي في مخططها لتهجير سكان القطاع دون معارضة تذكر بعد أن أطاح نتنياهو بالقيادات السياسية والعسكرية التي كانت تعطي أولوية لقضية تحرير الأسرى. كما أن غياب الموقف العربي الموحد يوفر لإسرائيل هامش الحركة الذي تريده من أجل تنفيذ مخططاتها.


قائمة المراجع

[i] “مقترح مصري جديد لاستعادة وقف إطلاق النار في غزة،” الشرق الأوسط، 24  مارس ، مقترح مصري جديد لاستعادة وقف إطلاق النار في غزة

[ii] “حماس تعلق على مقترح ويتكوف وترفض العودة إلى مرحلة الصفر،” الجزيرة، 18 مارس 2025، حماس تعلق على مقترح ويتكوف وترفض العودة إلى مرحلة الصفر | أخبار | الجزيرة نت

[iii] المرجع السابق

[iv] عبد الرؤوف أرناؤوط، “للمرة 19.. نتنياهو يمثل أمام المحكمة المركزية للرد على تهم بالفساد،” الأناضول، 24 مارس 2025، للمرة 19.. نتنياهو يمثل أمام المحكمة المركزية للرد على تهم بالفساد

[v] نظير مجلي، “«الأرض مقابل الرهائن»… تكتيك إسرائيلي جديد في غزة،” الشرق الأوسط، 24 مارس 2025، «الأرض مقابل الرهائن»… تكتيك إسرائيلي جديد في غزة

[vi] مهند توتنجي، “لماذا أقال نتنياهو رئيس جهاز الأمن العام في إسرائيل؟” BBC، 17 مارس 2025، رونين بار: لماذا أقال نتنياهو رئيس جهاز الأمن العام في إسرائيل؟ – BBC News عربي

[vii] “النواب الثلاثة: أبرز المرشحين لخلافة رئيس الشاباك،” i24NEWS، 16 مارس 2025، النواب الثلاثة: أبرز المرشحين لخلافة رئيس الشاباك – i24NEWS

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

الاستقالات الوزارية في هولندا وتداعياتها على الموقف الأوروبي من إسرائيل
الميتافيزيقا السياسية للسلطة في فلسطين
رؤية جون ميرشايمر لحربي إسرائيل وروسيا ومستقبل النظام الدولي
التكنولوجيا الحيوية كأداة للقوة التنافس السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين في سباق الهيمنة العالمية
تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات."
Scroll to Top