Cairo

دلالات التصعيد الإسرائيلي في غزة.. وضع إنساني كارثي واستهداف ممنهج للنساء والأطفال

قائمة المحتويات

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

صرح المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء يوم الثلاثاء الماضي، بأن المخابز بغزة أغلقت وهو ما يعني أن القطاع على حافة المجاعة في ظل وضع إنساني كارثي. وكانت الأمم المتحدة في وقت سابق، قد حذرت من أن مخابز غزة على وشك أن ينفد منها الدقيق. وأدى ذلك إلى تخفيض توزيع الغذاء على العائلات إلى النصف. وتواجه جهود الإغاثة خطرًا شديدًا؛ حيث تستهدف إسرائيل بشكل ممنهج النساء والأطفال ومواقع المنظمات الإغاثية والأفراد العاملين لحسابها. ومنذ بداية شهر رمضان، وعلى مدار أكثر من 4 أسابيع، منعت إسرائيل جميع مصادر الغذاء والوقود والأدوية وغيرها من الإمدادات عن سكان قطاع غزة؛ ليصبح بذلك أطول حصار حتى الآن منذ أن بدأت إسرائيل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة.[i] ومن هذا المنطلق، يناقش التقرير تركيز إسرائيل على استهداف الأطفال والعاملين في المجال الإنساني، وتوسيع عملياتها العسكرية داخل القطاع، بالإضافة إلى المساعي الأخيرة لوقف إطلاق النار.

أولًا: استهداف الأطفال والنساء وموظفي المجال الإنساني

وارتفع عدد الشهداء إلى ما يزيد عن الـ 50 ألفًًا، بينما تخطت أعداد المصابين الـ 113 ألفا. والغالبية العظمى من هذه الأعداد هي من النساء والأطفال؛ حيث قالت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة إن عدد الأطفال الذين قتلوا خلال حرب الإبادة في غزة، ارتفع إلى 18 ألف طفل، كما وصل عدد الإصابات في صفوف الأطفال إلى ما يقارب الـ 33 ألف طفل، بالإضافة إلى استشهاد ما يزيد عن 12 ألف امرأة.[ii]

بالإضافة إلى ذلك، تم العثور على 15 جثمان مكبل لمجموعة من العاملين في المجال الإنساني الذين حاصرهم الاحتلال وفُقد الاتصال معهم، وكان بينهم 8 من طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني، و6 من رجال الدفاع المدني، وموظف في الأونروا. هذا بالرغم من التنسيق مع الاحتلال، والتزامهم بالزي الرسمي لعملهم، واستقلالهم لسيارات الإسعاف.

والسبب وراء استهداف الأطفال والنساء هو إرهاب الشعب الفلسطيني، والسعي لمنع خروج جيل جديد من المقاومين؛ فإسرائيل تعيش هاجس ديموغرافي يجعلها تستهدف المرأة الفلسطينية في إطار ما يعرف بحرب الأرحام. أما الهدف من استهداف العاملين في المجال الإنساني هو القضاء على كل مقومات الحياة داخل القطاع من خلال منع هؤلاء العاملين من تقديم أية خدمات صحية أو إغاثية. كما أن إسرائيل تستهدف مقرات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية من أجل تدمير أية مواقع يمكن أن يلجأ إليها الفلسطينيون وتساعدهم في التشبث بأرضهم.

ثانيًا: توسيع العمليات العسكرية

ومن المتوقع أن تزداد أعداد الشهداء والمصابين بصورة كبيرة بسبب المجاعة التي تضرب القطاع، وكذلك بسبب توسيع إسرائيل لعملياتها البرية داخل القطاع؛ حيث أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن توسيع نطاق العمليات العسكرية في غزة بشكل كبير، مشيراً إلى أنه سيكون هناك إخلاء واسع النطاق لمناطق وصفها بـ “مناطق القتال”. كما قال إنه من المقرر السيطرة على مساحات واسعة من القطاع الفلسطيني وضمها إلى “المناطق الأمنية لإسرائيل” التي من المرجح أن تصل لـ 25% من مساحة القطاع. وبالفعل قام الجيش الإسرائيلي بتوسيع المساحات المحتلة من قطاع غزة، وأجبر النازحين في رفح على النزوح بعد دخول الفرقة 36 المدرعة. كما طُلب من النازحين في بيت حانون وجباليا وتل الزعتر، والتفاح، ومخيم جباليا إخلاء هذه المناطق.[iii]

وتدعي إسرائيل أن الهدف من وراء تلك العمليات هو زيادة الضغط على حماس من أجل الإفراج عن الأسرى، ولكن في الحقيقة فإن الأمر لا يتعلق بالأسرى وحماس لكنه يتعلق بتهجير الشعب الفلسطيني؛ فإذا كان يريد نتنياهو تحرير الأسرى لاستمر في تنفيذ الاتفاق الذي أثبت نجاحه على مدار المرحلة الأولى، عوضًا عن العودة للحرب التي فشلت على مدار أكثر من عام ونصف في تحريرهم.

بالإضافة إلى ذلك، أشارت صحيفة “إسرائيل هيوم” أن إسرائيل قدمت طلبًا رسميًا إلى كل من مصر والولايات المتحدة لتفكيك البنية التحتية العسكرية التي أنشأها الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء، كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي إن “إسرائيل لن تقبل بهذا الوضع”. وتتهم إسرائيل مصر بانتهاك اتفاقية السلام، التي انتهكتها إسرائيل بالفعل عندما احتلت معبر رفح ومحور فلادلفيا. وقالت مصادر مصرية للعربية أن “مصر شددت الإجراءات الأمنية نتيجة الأحداث الأخيرة دون خرق اتفاقية السلام”.[iv] وتريد إسرائيل أن توسع من المناطق منزوعة السلاح حول حدودها خشية تكرار تجربة السابع من أكتوبر التي فشل خلالها الجيش الإسرائيلي في التصدي للهجوم؛ وهذا ما تفعله إسرائيل بالفعل داخل لبنان وسوريا.

ثالثًا: مساعي وقف إطلاق النار

وكانت حماس قد وافقت على مقترح الوسطاء الذي ينص على إطلاق سراح 5 أسرى والعودة فيما بعد لاستكمال اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم في يناير الماضي. ولكن إسرائيل رفضته وقدمت مقترحًا آخر يشترط إطلاق سراح 11 أسير، بينهم الأسير الأمريكي-الإسرائيلي عيدان ألكسندر، في اليوم الأول من الهدنة. وفي اليوم العاشر، تتم إعادة جثث 16 أسيرًا متوفى، وهو ما يعادل نحو نصف عدد الأسرى الأحياء والأموات لدى حماس.[v]

وأشارت بعض المصادر إلى أن هذا الاتفاق يمتد لـ 40 يومًا، مع بدء المفاوضات على مبادئ جديدة في اليوم الثاني من التنفيذ؛ حيث تصر إسرائيل على نزع سلاح المقاومة، وترفض الانسحاب من قطاع غزة مكتفية بإعادة تموضع لقواتها داخل القطاع، فضلًا عن وضع آلية تضمن إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين فقط. كل هذه الشروط تتنافى مع ما تم الاتفاق عليه في اتفاق وقف إطلاق النار؛ ولذلك قررت حماس عدم التعاطي مع الاقتراح الإسرائيلي الأخير، وصرح مسؤول في الحركة “أن الاحتلال يهدف لتعطيل الاقتراح المصري-القطري ويريد تعطيل أيّ اتّفاق”.[vi]

ختامًا، تعمل إسرائيل على توسيع نطاق عملياتها العسكرية في غزة من أجل الضغط على الشعب الفلسطيني وإجباره على الهجرة، كما تقدم إسرائيل مقترحات بها شروط تعجيزية تهدف إلى تجريد المقاومة من ورقة الأسرى دون أية مقابل يذكر. تستخدم إسرائيل كذلك سلاح التجويع من أجل جعل القطاع منطقة تفتقر لأدنى مقومات الحياة. وفي ظل تلك المعطيات من المستبعد أن تقبل إسرائيل بوقف لإطلاق النار؛ حيث إن ما يجري هو تطبيق لمخطط التهجير الذي تحاول إسرائيل فرضه. وإذا كانت إسرائيل تريد حقًا وقفًا لإطلاق النار؛ لكانت استمرت في تطبيق أو عادت لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم في يناير، ولكنها تلكأت وأفشلت محاولات استكماله، وفي نفس الوقت، تستمر في تقديم مقترحات غير قابلة للتطبيق من أجل كسب الوقت والاستمرار في تنفيذ مخططاتها.

قائمة المراجع


[i] “Gaza: No aid has reached war-torn enclave for more than three weeks,” The United Nations, 26 March 2025, https://news.un.org/en/story/2025/03/1161531

[ii] “الشهداء،” الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 3 أبريل 2025، https://www.pcbs.gov.ps/site/lang__ar/1405/Default.aspx

[iii] “الجيش الإسرائيلي يصدر إنذاراً لإخلاء مناطق شمال غزة، وحماس تقرر “عدم التعاطي” مع ورقة قدمتها إسرائيل بشأن الهدنة،” BBC، 2 أبريل 2025، https://www.bbc.com/arabic/articles/cj3xm5m41keo

[iv]  “أول رد مباشر من مصر على إسرائيل بشأن قوة الجيش في سيناء،” العربية، 2 أبريل 2025، https://www.youtube.com/watch?v=Oweh8sIJMQQ

[v] مروة عنبر، “إسرائيل تكشف تفاصيل مقترح جديد لتبادل الأسرى.. وحماس ترفض،” الدستور، 31 مارس 2025، https://www.dostor.org/5019427

[vi] “حماس: قررنا عدم الرد والتعاطي مع المقترح الإسرائيلي،” العربية، 3 أبريل 2025، حماس: قررنا عدم الرد والتعاطي مع المقترح الإسرائيلي

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

الاستقالات الوزارية في هولندا وتداعياتها على الموقف الأوروبي من إسرائيل
الميتافيزيقا السياسية للسلطة في فلسطين
رؤية جون ميرشايمر لحربي إسرائيل وروسيا ومستقبل النظام الدولي
التكنولوجيا الحيوية كأداة للقوة التنافس السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين في سباق الهيمنة العالمية
تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات."
Scroll to Top