Cairo
يعيش العالم اليوم على وقع تحولات جيوسياسية كبرى تتقاطع فيها المشاريع القومية مع المصالح العابرة للحدود، وتحتل تايوان موقع القلب في هذا الصراع المتشابك، بوصفها نقطة التقاء بين طموح الصين في إعادة بناء “الوطن الأم”، ومشروع الولايات المتحدة في الحفاظ على التوازن الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وفي هذا السياق، جاءت تصريحات وزير الدفاع الأمريكي بشأن استعداد الصين لغزو تايوان بحلول عام 2027 لتدفع بالمخاوف القديمة إلى واجهة الأحداث من جديد، وتعزز التساؤلات حول ما إذا كان العالم يقترب من لحظة الانفجار في واحدة من أخطر بؤر التوتر على الساحة الدولية.

مستقبل الأزمة بين الصين وتايوان في ضوء التوازنات الجيوسياسية وتنامي الاستعداد العسكري

قائمة المحتويات

باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب

1

يعيش العالم اليوم على وقع تحولات جيوسياسية كبرى تتقاطع فيها المشاريع القومية مع المصالح العابرة للحدود، وتحتل تايوان موقع القلب في هذا الصراع المتشابك، بوصفها نقطة التقاء بين طموح الصين في إعادة بناء “الوطن الأم”، ومشروع الولايات المتحدة في الحفاظ على التوازن الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وفي هذا السياق، جاءت تصريحات وزير الدفاع الأمريكي بشأن استعداد الصين لغزو تايوان بحلول عام 2027 لتدفع بالمخاوف القديمة إلى واجهة الأحداث من جديد، وتعزز التساؤلات حول ما إذا كان العالم يقترب من لحظة الانفجار في واحدة من أخطر بؤر التوتر على الساحة الدولية.[1]

وفي ضوء هذه التطورات المتسارعة، يهدف هذا التقرير إلى تحليل أبعاد الأزمة التايوانية من زواياها السياسية والعسكرية والاقتصادية، مع التركيز على المسارات المحتملة للصراع في ظل تصاعد مؤشرات الاستعداد العسكري الصيني، وتشديد واشنطن لتحالفاتها الإقليمية. ويتناول التقرير، في جوهره، سؤالًا محوريًا: هل تمضي الصين نحو استخدام القوة العسكرية بحلول عام 2027 لتحقيق هدفها بإخضاع تايوان؟ أم أن موازين الردع والتشابكات الدولية ستفرض واقعًا أكثر تعقيدًا؟ وعليه، يسعى هذا التحليل إلى استشراف مستقبل الأزمة بوصفها اختبارًا حاسمًا لإمكانية نشوب مواجهة كبرى في النظام الدولي الراهن.

أولًا: جذور النزاع الصيني – التايواني وتطور العلاقات

يستند النزاع الصيني – التايواني إلى وقائع تاريخية تعود إلى النصف الأول من القرن العشرين، وتحديدًا إلى لحظة انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية عام 1949، وهروب القوميين إلى جزيرة فورموزا (تايوان) حيث أسسوا حكومة موازية باسم “جمهورية الصين”، مقابل “جمهورية الصين الشعبية” التي أعلنت سيطرتها على البر الرئيسي. منذ تلك اللحظة، اتخذ النزاع طابعًا مزدوجًا، فهو من جهة صراع داخلي حول الشرعية السياسية بين سلطتين متنازعتين، ومن جهة أخرى ملف دولي يحكمه صراع أيديولوجي وتوازنات استراتيجية.[2]

على مدار العقود التالية، اتبعت بكين سياسة “الصين الواحدة”، معتبرة أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، رافضة أي شكل من أشكال الاعتراف الدولي بها كدولة مستقلة. ومع ذلك، تمكنت تايوان من بناء نموذج ديمقراطي متقدم، واقتصاد صناعي متطور، جعل منها كيانًا دوليًا فاعلًا، وإن كان غير معترف به رسميًا من أغلب الدول. وابتداءً من التسعينيات، بدأت تايوان تطالب بتوسيع مشاركتها في المنظمات الدولية، وهو ما اعتبرته بكين تصعيدًا خطيرًا يهدد وحدة “الصين التاريخية”.[3]

ومن أحد القضايا الإقليمية القوية قضية بحر الصين الجنوبي، حيث لا يمكن فهم التوترات حول تايوان بمعزل عن التنافس الواسع بين الصين والولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي، الذي يُعد من أهم الممرات البحرية التجارية في العالم. إذ تطالب الصين بالسيادة الكاملة على أغلب أجزاء هذا البحر، اعتمادًا على ما يُعرف بخط التسع نقاط، في مواجهة مطالب مضادة من دول مثل الفلبين، وفيتنام، وماليزيا.[4]

قامت الصين خلال العقد الماضي ببناء قواعد عسكرية في جزر صناعية، وزرع بنى تحتية دفاعية وجوية في مناطق متنازع عليها، في خطوة اعتبرتها واشنطن عسكرة ممنهجة تهدد حرية الملاحة في البحر. وردًا على ذلك، كثفت الولايات المتحدة من وجودها البحري، وأجرت مناورات مشتركة مع حلفائها، ومررت سفنًا عسكرية قرب الجزر محل النزاع فيما تسميه “عمليات حرية الملاحة”.[5]

وتكتسب تايوان أهمية خاصة في هذا السياق، لأنها تقع على حافة بحر الصين الجنوبي، وتُعتبر جزءًا من “سلسلة الجزر الأولى” التي تسعى الصين إلى اختراقها لكسر الطوق الاستراتيجي الأمريكي. لذا، فإن السيطرة على تايوان لا تحقق فقط مكاسب قومية لبكين، بل تفتح لها المجال لهيمنة بحرية واسعة النطاق، قد تغير ميزان القوى في المحيطين الهندي والهادئ.[6]

في السنوات الأخيرة، ازدادت التوترات بسبب تصاعد خطاب الاستقلال في تايوان، خاصة مع انتخاب رئيسة مثل تساي إنغ-وين، التي تمثل التيار الداعي إلى تعزيز الهوية التايوانية المستقلة. وردًا على ذلك، صعدت الصين من لهجتها العسكرية، وأجرت تدريبات عسكرية مكثفة في محيط الجزيرة، بل وخرقت مرارًا “خط الوسط” غير الرسمي الذي يفصل بين مضيق تايوان والبر الصيني. هكذا تحول النزاع من حالة من السلام البارد إلى حافة الهاوية، خاصة مع ازدياد التدخل الأمريكي في الملف، وقد بلغ هذا التصعيد ذروته مع زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، إلى تايوان في أغسطس 2022، في خطوة غير مسبوقة منذ عقود. اعتبرتها بكين استفزازًا مباشرًا لسيادتها الإقليمية، وردت بإطلاق أكبر مناورات عسكرية في تاريخها حول الجزيرة، شملت إطلاق صواريخ حلقت فوق تايوان، ومحاكاة لفرض حصار بحري وجوي عليها، مما شكل تحولًا نوعيًا في طبيعة الرد الصيني، ورسالة واضحة بأن قضية تايوان لم تعد تقبل التهاون أو التسويف في حسابات القيادة الصينية.[7]

ثانيًا: العلاقات الأمريكية – التايوانية في ظل الحروب التجارية وتحولات التحالفات

تشكل العلاقة بين الولايات المتحدة وتايوان أحد أبرز جوانب الاشتباك غير المباشر مع الصين، حيث تنتهج واشنطن سياسة مزدوجه، فهي من جهة لا تعترف رسميًا بتايوان كدولة مستقلة التزامًا بسياسة “الصين الواحدة”، لكنها من جهة أخرى تقدم لها دعمًا عسكريًا غير مسبوق، وتُعدها حليفًا استراتيجيًا في إطار مواجهة النفوذ الصيني في آسيا.[8]

بدأت استراتيجية الغموض الاستراتيجي للولايات المتحدة فيما يتعلق بالدفاع عن تايوان عام 1979 مع تحويل الولايات المتحدة اعترافها وعلاقاتها الدبلوماسية الرسمية من جمهورية الصين (تايوان) إلى جمهورية الصين الشعبية، وهدف الاستراتيجية الرئيسي هو منع الصين عن غزو تايوان ومنع  تايوان عن تأكيد استقلالها عن الصين، ومن منظور الغموض الاستراتيجي فأنه من الأفضل إبقاء جميع الأطراف في حالة تخمين ما إذا كان الجيش الأمريكي سيتدخل في حرب عبر مضيق تايوان وإلى أي مدى ومستوى سيكون هذا التدخل، ويُفهم الغموض الاستراتيجي عادة على أنه خلق حالة من عدم اليقين المتعمدة لدى كل من الصين وتايوان، وقد حافظ هذا النهج على السلام لعقود من الزمان في منطقة شبه جزيرة تايوان، ومنع انزلاق الولايات المتحدة إلى الحرب مع الصين، ويعتبر الغموض الاستراتيجي شكلًا من أشكال الردع المحوري، حيث تمنع دولة واحدة دولتين آخرتين من خوض حرب ضد بعضهما البعض.

وقد اعتمدت هذه العلاقة على قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979، الذي يخول للولايات المتحدة تزويد تايوان بوسائل الدفاع الذاتي، ويمنح الإدارة الأمريكية صلاحيات واسعة للدفاع عن الجزيرة في حال تعرضها لعدوان. وقد تم تعزيز هذه العلاقة خلال السنوات الأخيرة من خلال صفقات تسليح متقدمة، وتبادل زيارات برلمانية، ودعم أمريكي قوي لانضمام تايوان إلى المنتديات الدولية.[9]

إلى جانب الشراكة الأمنية، فإن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين تحتل أهمية بالغة. فتايوان تُعد المنتج الأكبر للرقائق الإلكترونية الدقيقة في العالم، من خلال شركة TSMC العملاقة، التي تشكل العمود الفقري لصناعة التكنولوجيا العالمية. وقد أثرت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين على تايوان، حيث اضطرت إلى إعادة توجيه استثماراتها لتجنب الضغوط الجمركية، كما سعت الشركات الأمريكية إلى جذب الاستثمارات التايوانية في صناعة أشباه الموصلات إلى أراضيها.[10]

وبينما استفادت تايوان من هذه الحرب بصفتها بديلًا للصين في بعض القطاعات، إلا أنها في الوقت ذاته وجدت نفسها في قلب لعبة ضغوط دولية، تهدد في حال تصعيدها بتحويل الجزيرة إلى ساحة مواجهة اقتصادية وعسكرية في آن واحد.[11]

ففي أبريل 2025، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 32% على معظم الواردات التايوانية، باستثناء أشباه الموصلات، وذلك ضمن ما سُمي برسوم يوم التحرير الهادفة إلى تصحيح الاختلالات التجارية وتعزيز التصنيع المحلي الأمريكي. شملت هذه الرسوم قطاعات حيوية مثل الأدوات الآلية، المنتجات الإلكترونية، والمعدات الصناعية، ما أثار قلقًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية التايوانية. تُعد هذه النسبة من أعلى الرسوم المفروضة على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، متجاوزة تلك المفروضة على اليابان (24%) وكوريا الجنوبية (25%)، ومساوية لتلك المفروضة على إندونيسيا .[12]

أثارت هذه الإجراءات مخاوف داخل تايوان بشأن تأثيرها على القدرة التنافسية للصناعات التايوانية في السوق الأمريكية، خاصة في ظل ارتفاع التكاليف الجمركية وتعقيد سلاسل التوريد. ورغم أن أشباه الموصلات، وهي من أبرز صادرات تايوان، قد استُثنيت من هذه الرسوم، إلا أن المنتجات التي تحتوي على مكونات تايوانية، مثل الخوادم والمنتجات الإلكترونية النهائية، لم تُعفى، مما يُنذر بتأثيرات غير مباشرة على قطاع التكنولوجيا. في هذا السياق، أعلنت الحكومة التايوانية عن خطة دعم بقيمة 88 مليار دولار تايواني (حوالي 2.65 مليار دولار أمريكي) لمساعدة الشركات المتضررة، مع التركيز على تعزيز العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة من خلال زيادة واردات الطاقة والمنتجات الزراعية الأمريكية، في محاولة لتخفيف حدة التوترات التجارية.[13]

ثالثًا: الخطة الصينية لغزو تايوان 2027 – بين الواقعية الاستراتيجية والردع السيكولوجي

برزت مسألة الغزو المحتمل لتايوان في عام 2027 كأحد أبرز السيناريوهات التي تناقشها الأوساط السياسية والعسكرية في واشنطن وبكين على حد سواء. ووفقًا لتقارير أمريكية عديدة، من بينها تصريحات مدير وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، فإن الرئيس الصيني شي جين بينغ قد وجه المؤسسة العسكرية إلى التحضير لسيناريو اجتياح عسكري لتايوان بحلول هذا التاريخ. لا تُقرأ هذه التوجيهات بالضرورة باعتبارها خطة تنفيذية صارمة، بقدر ما تعكس تصورًا استراتيجيًا طويل المدى يراهن على مراكمة الجاهزية العسكرية، وتوظيف التهديد كأداة للضغط السياسي والاستراتيجي على كل من تايوان وحلفائها الغربيين.[14]

من ناحية أخرى، يشير عدد من المحللين إلى أن التخطيط الصيني لا يستند فقط إلى رغبة سياسية، بل إلى تحليلات معمقة لقدرة الجيش على تنفيذ عمليات برمائية معقدة على جزيرة تتمتع بنظام دفاعي متطور، وبدعم عسكري ولوجستي من الولايات المتحدة. وبينما تواصل الصين تحديث قواتها المسلحة، وتطوير قدرات الإنزال والقتال الساحلي، تؤكد مؤسسات بحثية أمريكية مثل “معهد البحرية الأمريكية” أن الجيش الصيني لم يصل بعد إلى الكفاءة العملياتية التي تُمكنه من اجتياح ناجح وشامل للجزيرة، خاصة في ظل صعوبات بيئية وجغرافية وعسكرية غير هينة.[15]

كما أن الصين تدرك حجم المخاطر الاستراتيجية المترتبة على خطوة كهذه، بدءًا من العقوبات الاقتصادية الغربية التي قد تفوق تلك التي فُرضت على روسيا بعد غزو أوكرانيا، وصولًا إلى الاحتمالات المفتوحة لتورط أمريكي مباشر قد يحول النزاع إلى حرب إقليمية أو حتى مواجهة عالمية. لذلك، فإن الحديث عن عام 2027 لا يمكن فصله عن مبدأ “الردع بالغموض”، حيث تمارس بكين لعبة الأعصاب الاستراتيجية من خلال تهديد واقعي ولكن غير مُحدد الزمان، هدفه الأساسي ترهيب تايوان وتقليص هامش المناورة أمام واشنطن.[16]

من زاوية أخرى، فإن سياسة الصين تجاه الدعم الأمريكي لتايوان تُظهر مزيجًا من التصعيد الرمزي والتحكم الاستراتيجي في الردود. فرغم اللهجة المتشددة التي تعتمدها بكين، فإنها غالبًا ما تتجنب الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع واشنطن، مكتفية بإرسال إشارات حادة عبر المناورات العسكرية، وفرض عقوبات على شركات أمريكية، أو قطع قنوات الاتصال العسكري رفيعة المستوى، كما حدث بعد زيارة نانسي بيلوسي. وتندرج هذه السياسات في إطار ما يُعرف بـ”الردع المتدرج”، حيث تُوازن بكين بين الحفاظ على هيبتها السيادية، وتفادي الانزلاق إلى صراع غير محسوب.[17]

ويُقرأ الدعم الأمريكي لتايوان في نظر الصين باعتباره خرقًا صريحًا لمبدأ “الصين الواحدة” الذي يُعد حجر الزاوية في علاقاتها الدبلوماسية مع العالم. ووفق هذا المبدأ، فإن بكين ترى في كل صفقة تسليح، أو لقاء رسمي، أو تحرك دبلوماسي مع تايبيه، تحديًا وجوديًا لشرعية الدولة الصينية ذاتها. لذلك، فإن تصاعد التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وتايوان، خاصة بعد إقرار عدد من الحزم التسليحية التي تشمل صواريخ دفاعية متقدمة ونظم رادار عالية التقنية، قد دفع الصين إلى إعادة تقييم استراتيجيتها تجاه الجزيرة، بما في ذلك تحويل أدوات الضغط من التهديد العسكري وحده، إلى حصار اقتصادي محتمل، وحرب سيبرانية هجومية، وحملات تضليل إعلامي ونفسي تستهدف الداخل التايواني.[18]

ورغم هذا التصعيد، تبقي الصين دائمًا على مستوى من الغموض المحسوب في نواياها تجاه 2027، مدركة أن إظهار نية الغزو بشكل مباشر قد يُعجل من استعدادات واشنطن وحلفائها، ويمنح تايوان الوقت الكافي لتقوية دفاعاتها. ومن هذا المنظور، فإن الغاية الصينية لا تتمثل فقط في اجتياح الجزيرة عسكريًا، بل في إضعاف إرادتها السياسية، وتقليص نفوذ الدعم الغربي، وخلق واقع استراتيجي جديد يُرغم تايبيه على القبول بالتفاوض من موقع أضعف.

رابعًا: سيناريوهات مستقبلية

في ظل هذه الديناميكيات المعقدة والتشابكات الإقليمية والدولية المحيطة بأزمة تايوان، تبقى السيناريوهات المستقبلية مفتوحة على مسارات متعددة، تتفاوت في درجة التصعيد والتكلفة الاستراتيجية لكل من الأطراف المعنية.

السيناريو الأول، وهو الغزو الصيني المباشر لتايوان، يُعد الأكثر خطورة وتكلفة. ورغم أنه حاضر بقوة في الخطاب العسكري والإعلامي، إلا أن تحقيقه على أرض الواقع يتطلب تجاوز تحديات ضخمة، سواء من حيث الجغرافيا الدفاعية لتايوان، أو من حيث احتمال دخول الولايات المتحدة في المواجهة عسكريًا أو عبر قيادة تحالف دولي مضاد. إضافة إلى ذلك، فإن تكلفة هذا الخيار لا تقتصر على الصعيد العسكري، بل تمتد إلى انعزال الصين اقتصاديًا، وتعرضها لعقوبات دولية قد تكون أشد من تلك التي فرضت على روسيا، فضلًا عن تداعياته على صورة الصين كقوة صاعدة تسعى لتقديم نموذج عالمي بديل.

السيناريو الثاني، يتمثل في فرض حصار شامل على تايوان، سواء بحريًا أو سيبرانيًا أو اقتصاديًا، في محاولة لخنق الجزيرة دون اللجوء إلى صدام عسكري مباشر. وقد تلجأ بكين إلى هذا الخيار إذا أرادت اختبار إرادة واشنطن دون تجاوز الخطوط الحمراء المعلنة. هذا السيناريو يجمع بين الإكراه غير العسكري والضغط المتصاعد، عبر تعطيل خطوط التجارة، واختراق البنية التحتية الرقمية، وتعميق الحرب النفسية، وقد يكون خيارًا أكثر واقعية بالنظر إلى التحديات التي تواجه الصين في سيناريو الغزو التقليدي.

أما السيناريو الثالث، فيتجسد في استمرار الوضع الراهن وتعزيز الردع المتبادل، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا في الأجلين القريب والمتوسط. تقوم هذه الاستراتيجية على خلق توازن دائم في القوة والنفوذ، يحول دون اندلاع الحرب ولكن لا يؤدي إلى تسوية نهائية. وفي هذا الإطار، تسعى الولايات المتحدة إلى إبقاء تكاليف الغزو مرتفعة بالنسبة لبكين، فيما تستخدم الصين أدوات الضغط النفسي والعسكري لإبقاء تايوان تحت التهديد الدائم. ويتميز هذا السيناريو بمرونته وتعدد أدواته، لكنه يحمل خطر الانزلاق غير المقصود إلى صدام إذا فشلت آليات إدارة الأزمة.

السيناريو الرابع، والذي يمكن النظر إليه كامتداد ممكن للسيناريو الثالث، يتمثل في التوصل إلى تسوية تفاوضية عبر وساطة دولية أو تفاهمات إقليمية. ورغم أن هذا الخيار يبدو مستبعدًا في اللحظة الراهنة، إلا أن نجاح سيناريو الردع المتبادل في تجنب التصعيد، قد يفتح الباب أمام مسار تفاوضي طويل الأمد. وقد يؤدي هذا المسار إلى ترتيبات مُرضية لجميع الأطراف، كالاتفاق على نموذج “الصين الواحدة بصيغة مرنة”، أو منح تايوان وضعًا خاصًا على الصعيد الدولي دون إعلان استقلال رسمي.

ختامًا، إن المسألة التايوانية لم تعد مجرد خلاف إقليمي بين بكين وتايبيه، بل تحولت إلى ساحة اختبار شاملة لإعادة ترتيب النظام الدولي، حيث يتواجه مشروع الهيمنة الصينية مع منظومة التحالفات الغربية بقيادة الولايات المتحدة. وبين هواجس الغزو وآليات الردع، تبقى تايوان نموذجًا سياسيًا واقتصاديًا هشًا أمام عاصفة كبرى، قد تعيد رسم خرائط القوة في القرن الحادي والعشرين. ومن هنا، فإن التعامل مع هذا الملف يتطلب فهمًا دقيقًا للتاريخ، ومعرفة معمقة بالحسابات الاستراتيجية التي تحكم سلوك الفاعلين الدوليين.


[1] وزير الدفاع الأمريكي: الصين تستعد بجدية لغزو محتمل لتايوان، نُشر في 31 مايو 2025، رؤيا الإخباري.

https://royanews.tv/news/350600

[2] وزير الدفاع الأمريكي: الصين تستعد لغزو محتمل لتايوان، نُشر في 31 مايو 2025، القاهرة الإخبارية.

https://alqaheranews.net/news/129711/%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%81%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%AF-%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AE%D8%AF%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B6%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D8%A2%D8%B3%D9%8A%D8%A7

[3] ناشونال إنترست: هل تستعد الصين لغزو تايوان؟، نُشر في 5 أغسطس 2024، الجزيرة نت.

https://www.ajnet.me/politics/2024/8/5/%D9%86%D8%A7%D8%B4%D9%88%D9%86%D8%A7%D9%84-%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%B1%D8%B3%D8%AA-%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D9%84%D8%BA%D8%B2%D9%88

[4] الصعود الصيني والأثار المترتبة على نزاعات بحر الصين الجنوبي، نُشر في 2020، مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية.

https://jpsa.journals.ekb.eg/article_131200.html

[5] د/أحمد جلال محمود، أثر الأزمة التايوانية على التوازن الاستراتيجي في شرقي آسيا(العلاقات الصينية الأمريكية 2016-2022)، مجلة الدراسات السياسية والاقتصادية – كلية السياسة والاقتصاد – جامعة السويس.

https://psej.journals.ekb.eg/article_269890_ab8b8ee514d18f00fccd81208487c13e.pdf

[6] بحر الصين الجنوبي .. النزاعات الإقليمية تهدد شرايين التجارة الدولية بمنعطفات حادة، نُشر في 18 نوفمبر 2023.

https://www.aleqt.com/2023/11/17/article_2658926.html

[7] نور الدين، تايوان تحذّر من احتمال غزو صيني في عام 2027، نُشر في 19 مارس 2025، موقع الدفاع العربي.

https://www.defense-arabic.com/2025/03/19/%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D9%91%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%BA%D8%B2%D9%88-%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%A7%D9%85-2027

[8] أحمد صوان، “استراتيجية القنفذ”.. كيف تستعد تايوان لمواجهة محتملة مع الصين؟، نُشر في 10 مايو 2025، القاهرة الإخبارية.

https://alqaheranews.net/news/127382/%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%86%D9%81%D8%B0-%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%AF-%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%84%D9%83%D8%A8%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A

[9] “وول ستريت جورنال”: الصين تستعد لحصار تايوان، نُشر في 24 مارس 2025.

https://www.eremnews.com/news/world/8vuyfht

[10] استراتيجية أمريكية لمواجهة الغزو الصيني المحتمل لتايوان، نُشر في 9 يناير 2025، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.

https://futureuae.com/arAE/Mainpage/Item/9930/%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%86%D8%AF%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%BA%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B2%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AA%D9%85%D9%84-%D9%84%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86

[11] “تايوان لأشباه الموصلات” تحذر من تأثير رسوم ترامب الجمركية، نُشر في 3 يونيو 2025، العربية.

https://www.alarabiya.net/aswaq/economy/2025/06/03/%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%85-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%A4%D8%AB%D8%B1-%D8%A8%D8%B9%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%A1

[12] تايوان تعرض إلغاء الرسوم مع أميركا وتعد بمزيد من الاستثمارات، نُشر في 7 أبريل 2025، سكاي نيوز عربية.

https://www.skynewsarabia.com/business/1788384-%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D8%A7%D9%95%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%94%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7-%D9%88%D8%AA%D8%B9%D8%AF-%D8%A8%D9%85%D8%B2%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AB%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA

[13] تايوان: التوترات التجارية مع أميركا مجرد «خلافات بين الأصدقاء»، نُشر في 20 مايو 2025، صحيفة الشرق الأوسط.

https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF/5145143-%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B9-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7-%D9%85%D8%AC%D8%B1%D8%AF-%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B5%D8%AF%D9%82%D8%A7%D8%A1?page=1

[14] وزير الدفاع الأميركي: القوات الصينية تتدرب لغزو تايوان، نُشر في 31 مايو 2025، سكاي نيوز عربية.

https://www.skynewsarabia.com/world/1799978-%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%81%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%94%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AA%D8%AF%D8%B1%D8%A8-%D9%84%D8%BA%D8%B2%D9%88-%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86

[15] بكين تحذر واشنطن من “اللعب بالنار” بشأن تايوان، نُشر في 31 مايو 2025، سكاي نيوز عربية.

https://www.skynewsarabia.com/world/1800066-%D8%A8%D9%83%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D8%B4%D9%86%D8%B7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%B9%D8%A8-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D8%A8%D8%B4%D8%A7%D9%94%D9%86-%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86

[16] وزير الدفاع الأميركي: القوات الصينية تتدرب لغزو تايوان، نُشر في 31 مايو 2025، العربية.

https://www.alarabiya.net/arab-and-world/american-elections-2016/2025/05/31/%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%81%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AA%D8%AF%D8%B1%D8%A8-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%BA%D8%B2%D9%88-%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86

[17] تعرف على خطة الصين لإسقاط تايوان دون رصاصة، نُشر في 13 مايو 2025، الجزيرة نت.

https://www.ajnet.me/politics/2025/5/13/%D8%A7%D8%B9%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%A7%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%AE%D8%B7%D8%A9-%D8%A8%D9%83%D9%8A%D9%86-%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%82%D8%A7%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D9%8A%D8%B1%D8%A9

[18] وزيرا خارجيتى الصين وفرنسا يبحثان هاتفيا الالتزام بـ”التعددية” والتجارة وتايوان، نُشر في 7 يونيو 2025، اليوم السابع.

https://www.youm7.com/story/2025/6/7/%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1%D8%A7-%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%AA%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D9%88%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-%D9%8A%D8%A8%D8%AD%D8%AB%D8%A7%D9%86-%D9%87%D8%A7%D8%AA%D9%81%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D9%85-%D8%A8%D9%80-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%B1%D8%A9/7013811

باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب

الاستقالات الوزارية في هولندا وتداعياتها على الموقف الأوروبي من إسرائيل
الميتافيزيقا السياسية للسلطة في فلسطين
رؤية جون ميرشايمر لحربي إسرائيل وروسيا ومستقبل النظام الدولي
التكنولوجيا الحيوية كأداة للقوة التنافس السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين في سباق الهيمنة العالمية
تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات."
Scroll to Top