Cairo

إسرائيل وحزب الله: تصعيد متزايد وحسابات معقدة

قائمة المحتويات

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

المقدمة

منذ أن أعلن حزب الله فتح جبهة إسناد لغزة، والمشهد على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية في تصعيد مستمر. ففي البداية التزم الطرفان بقواعد الاشتباك، ولكن ما لبثت إسرائيل حتى أن عبرت كل الخطوط الحمراء. وتجليات هذا التصعيد بدأت باغتيال صالح العاروري، ومن ثم فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية، مرورا بتفجيرات أجهزة “البيجر” في 17 سبتمبر، و”الووكي توكي” في اليوم التالي، فضلا عن اغتيال إبراهيم عقيل قائد العمليات الخاصة مع مجموع من قيادات قوات النخبة “الرضوان”، أبرزهم أحمد وهبي، في 21 سبتمبر. ووصل التصعيد ذروته بعد أن شنت إسرائيل في 23 سبتمبر، مئات الغارات التي أسفرت عن استشهاد 500 شخص وإصابة 1500 في مناطق متفرقة من لبنان شرقا وجنوبا، بالإضافة إلى نزوح الآلاف. كما حاولت إسرائيل اغتيال الرجل الثالث في حزب الله، علي كركي، ولكنه وفق العديد من المصادر نجا من تلك المحاولة. وأخيرا، اختيال القبيسي مسؤول وحدات الصواريخ بحزب الله في الضاحية الجنوبية. وأخيرا وليس آخرا، أطلق حزب الله أمس، 25 سبتمبر2024، صاروخا باليستيا على تل أبيب لاستهداف مقر الموساد، لكن تصدت له منظومة آرو للدفاع الجوي.[i]

هل تصبح لبنان غزة جديدة؟

ومع اقترابنا من الذكرى الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ها نحن نشهد الان عدوانا آخر من إسرائيل على لبنان، ولكن هل سيقف النظام العالمي مجددا بدون تدخل؟ وللإجابة على هذا السؤال يجب أولا إيضاح بعض الفروقات بين غزة ولبنان.

لبنان دولة ذات سيادة وعضو بالأمم المتحدة وهذا على العكس من قطاع غزة. وهذا الفرق يفتح العديد من الآفاق أمام لبنان لمواجهة هذا العدوان. أولها اللجوء للقنوات الدبلوماسية والقانونية بما يشمل اللجوء للأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحاكم الدولية. كما أن لبنان له علاقات دبلوماسية مع العديد من الدول حول العالم والذين لهم مصالح في لبنان يريدون حمايتها. ومجددا هذا على العكس من قطاع غزة المحاصر والذي تقتصر علاقاته مع محور المقاومة وبعض الدول الأخرى. وعلى صعيد حزب الله، فإنه يتفوق على حماس كماً وكيفاً. كما أنه يمثل لإيران حجر الزاوية في محور المقاومة.

ثانيا، يجب التعرف على أبرز الدول التي أصدرت تصريحات ومواقف أولية من العدوان على لبنان؛ من أجل معرفة هل بالفعل سيستطيع هؤلاء منع تكرار نفس سيناريو قطاع غزة في لبنان.

الموقف الأمريكي

في البداية سنبدأ بتحليل موقف الولايات المتحدة، ثم تحليل الموقف الإيراني وباقي محور المقاومة، حيث تعتبر إيران هي قلب محور المقاومة، والذي يعتبر حزب الله أحد أهم أضلعه إن لم يكن أهمها. واخيراً تحليل التصريحات والمواقف الأخرى لأبرز الفاعلين الإقليميين والدوليين.

قال البيت الأبيض إن خطر التصعيد حقيقي في لبنان “وما زلنا نعتقد أن الحل الدبلوماسي ممكن”. وأضاف أن من مصلحة الجميع حل الصراع على طول الخط الأزرق بشكل دبلوماسي. لكنه في الوقت عينه، أكد التزام واشنطن بأمن إسرائيل “ضد كل التهديدات المدعومة من إيران بما في ذلك حزب الله”. وكان المبعوث الأمريكي إلى لبنان قد قام بمحاولات لحل الأزمة على الجبهة اللبنانية دبلوماسيا من خلال عدد من الزيارات التي قام بها للبنان وإسرائيل من أجل محاولة تحريك قوات حزب الله حوالي أربعة أميال عن الحدود الإسرائيلية وانتقال قوات الأمم المتحدة والقوات اللبنانية الوطنية إلى جنوب لبنان، ولكن إسرائيل لم تستجب لهذه الجهود وفي اليوم التالي لأخر زيارة له لإسرائيل قامت بشن عمليات تفجير “البيجرز” وبعدها “الووكي توكي”.[ii]

الموقف الإيراني ومحور المقاومة

وفي حقيقة الأمر، فإن الولايات المتحدة لم تقم بممارسة ضغط كافٍ على إسرائيل من أجل عدم التصعيد في لبنان. فهي تقوم بإرسال الكثير من المساعدات العسكرية لإسرائيل دون فرض أي قيود على طريقة استخدامها، وهو ما يعد تناقضا مع موقفها وتصريحاتها التي تدعوا دائما لخفض التصعيد. كما أنها تتغافل عن أن سبب الأزمة على الحدود اللبنانية هو العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي إذا انتهى، انتهى التصعيد على الجبهة الشمالية لإسرائيل.[iii] فدون أن تعمل الولايات المتحدة على الضغط على إسرائيل من أجل إنهاء الحرب في غزة وعدم التصعيد مع حزب الله، سواء من خلال تقييد بعض صادرات الأسلحة أو طرق أخرى، فإن التصريحات والمواقف الأمريكية هي مجرد ذر للرماد في العيون كما فعلت في بداية الحرب على غزة وتركت إسرائيل تفعل ما تشاء لما يقارب العام. وأخر هذه التصريحات هو البيان المشترك مع فرنسا ودول أخرى من أجل وقف لإطلاق النار لمدة 21 يوما في لبنان وهو ما سيتم التطرق له بالتفصيل في الأسطر القادمة.[iv]

في البداية، يجب الأخذ في الاعتبار أن إيران لم تفي بوعدها بالرد على مقتل إسماعيل هنية حتى الان، وهو الذي شكل ضربة للسيادة الإيرانية ولصورتها بين محور المقاومة. ولكن وفقا لتصريحات الساسة الإيرانيين، فإن إيران تعي أن نتنياهو يريد جرها لحرب إقليمية شاملة لخدمة مصالحه؛ لذلك فإن إيران ستقوم برد لا يؤدي إلى التصعيد وكذلك يفوت الفرصة على نتنياهو. ورغم أن العدوان الإسرائيلي على لبنان وسعيه لتدمير حزب الله كان في رأي بعض المحللين سيدفع إيران بتعجيل ردها، فمن الواضح أن إيران غير مستعدة الآن للمخاطرة من أجل حزب الله. ويرجع هذا إلى عدد من الأسباب أهمها الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل وتهديدها بدخول الحرب إلى جانبها إذا ما هاجمتها إيران. كذلك، فإن الأوضاع الاقتصادية والسياسية الإيرانية ليست في أحسن أحوالها في ظل العقوبات الاقتصادية الأميركية والغربية.[v]

وكان المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي قد أكد في منتصف أغسطس الماضي أن “التراجع التكتيكي أمام العدو لا ضير فيه” وهو ما يعكس استعداد إيران لتأجيل الرد أو تخفيض حدته، أو حتى عدم الرد في مقابل مكاسب أخرى مثل الحصول على امتيازات محورية من الغرب كرفع العقوبات. وهي بالتأكيد تعي أن تسوية كتلك ستؤثر على نفوذها إقليميا ودوليا.

وفي 23 سبتمبر، وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أتت تصريحات وزير الخارجية الإيراني مؤكدة لهذا الاتجاه، حيث قال عراقجي إن إيران مستعدة لبدء مفاوضات نووية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك إذا “كانت الأطراف الأخرى راغبة في ذلك”. وفوق ذلك، نقلت وكالة “بلومبرغ” عن الرئيس الإيراني قوله لبعض الصحفيين إن إيران “مستعدّة لخفض التوترات مع إسرائيل، ما دامت ترى التزاماً مماثلاً من الجانب الآخر، وأن إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً، وأن تأتي منظمة دولية إلى المنطقة لتوفير الأمن.”[vi] وهو ما نفاه وزير الخارجية في وقت لاحق. كما قال في تصريحات أخرى أن إسرائيل تريد توسيع الحرب وإيران لن تقع في هذا الفخ.[vii]

وفي سياق متصل، نقلت أكسيوس عن مسؤولين إسرائيليان ودبلوماسي غربي إن المخابرات الإسرائيلية والأمريكية تشير إلى أن حزب الله تواصل مع إيران في الأيام الأخيرة وحث الإيرانيين على المساعدة من خلال شن هجوم ردا على اغتيال إسرائيل لزعيم حماس إسماعيل هنية في طهران قبل شهرين. ولكن أعرب الإيرانيون عن تحفظهم بشأن الانضمام إلى القتال ضد إسرائيل الآن ولم يعطوا ردا إيجابيا.[viii]

وعلى صعيد محور المقاومة أو الممانعة، أكدتا حركة حماس وجماعة الحوثي، على دعمهم لحزب الله وللشعب اللبناني الشقيق في مواجهة هذا العدوان الوحشي. وقالت حركة حماس أن هذا العدوان ما كان ليحصل لولا الدعم والغطاء الأميركي المفتوح، وطالبت الحركة جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إلى التحرك لوقف العدوان على الشعبين اللبناني والفلسطيني. كما دعا الحوثيون الدول العربية والإسلامية للخروج من حالة الصمت. وفي السياق نفسه، أدانت المليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق العدوان على لبنان وأكدت على دعمها لحزب الله.[ix] ومؤخرا ظهر أحد مظاهر هذا الدعم في المسيرة العراقية التي سقطت في قاعدة عسكرية إسرائيلية قرب غور الأردن، بالإضافة إلى مسيرة أخرى في ميناء إيلات البارحة، 25 سبتمبر2024. ومن الواضح أن مساندة محور المقاومة أو مبدأ وحدة الساحات سيقتصر على عمليات إشغال محدودة وغير مؤثرة عسكريا لكنها مزعجة، من أجل تجنب ضربات إسرائيلية موجعة لهذه المليشيات والدول الموجودة بها. بالإضافة إلى تقديم بعض الدعم اللوجستي والذي يتيحه الظهير والعمق الاستراتيجي لحزب الله في سوريا والعراق. كذلك، لاحت في الأفق بعض الأخبار التي تحدثت عن استعداد عدد من المليشيات في سوريا والعراق أن تشارك بأفراد على الأرض إذا ما وقع اجتياح بري.[x]

التصريحات والمواقف لأبرز الفاعلين الإقليميين والدوليين

تطرقنا في الأسطر السابقة لأكثر الفاعلين نفوذا في هذه الأزمة والذين بيدهم إما خفض التصعيد أو إشعال حرب إقليمية واسعة، سننتقل في الأسطر القادمة لأهم الفاعلين الإقليميين والدوليين الذين كذلك يمكنهم التأثير بشكل أو بآخر على مجريات الأزمة.  

فعلي الصعيد العربي، اجتمع وزراء خارجية مصر والأردن والعراق على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتحضيراً للقمة الثلاثية المرتقبة على مستوى القادة في القاهرة، حيث أصدروا بيانا مشتركا الأربعاء 25 سبتمبر، حذّروا فيه من أن إسرائيل “تدفع المنطقة إلى حرب شاملة”، و “أن وقف هذا التصعيد يبدأ بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.” وأدانوا العدوان الإسرائيلي على لبنان، كما دعوا المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياتهم ذات الصلة لوقف الحرب.[xi]

وفي سياق متصل، أكد الملك الأردني عبد الله الثاني “وقوف بلاده المطلق مع لبنان وأمنه وسيادته وسلامة مواطنيه في مواجهة الحرب الإسرائيلية عليه”. كذلك، كانت العراق قد تقدم بمقترح خلال اجتماع مجلس جامعة الدول العربية في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ لعقد قمة عربية وإسلامية طارئة تهدف إلى توحيد الجهود من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان. وفي نفس الصدد، أدانت قطر العدوان الإسرائيلي على لبنان، الذي أدى إلى مئات الشهداء ومئات الجرحى، محذرة من اتساع دائرة العنف في المنطقة وانزلاقها إلى حرب إقليمية شاملة، في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة. وأشارت وزارة الخارجية إلى أن استمرار التصعيد يعود بالدرجة الأولى إلى غياب أي رادع لتصرفات “إسرائيل”.[xii]

أصدرت الخارجية السعودية بيان رسمي ينص مفاده “نتابع بقلقٍ بالغ تطورات الأحداث الأمنية الجارية في الأراضي اللبنانية”، مجددة للتحذير من خطورة اتساع رقعة العنف في المنطقة والانعكاسات الخطيرة للتصعيد على أمن المنطقة واستقرارها. وحثّت كافة الأطراف للتحلي بأقصى درجات ضبط النفس والنأي بالمنطقة وشعوبها من مخاطر الحروب، مؤكدة أهمية الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته. يأتي ذلك كله في ظل تأكيد الأمير محمد بن سلمان رفض بلاده تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية.[xiii]

ورغم هذه التصريحات والمواقف العربية، فإنه دون موقف عربي موحد ومتضامن لأخذ خطوات أبعد من التصريحات، من الصعب التحدث عن تأثير حقيقي خصوصا في ظل غياب أي دور للجامعة العربية.

وعلى الصعيد الإقليمي، اتهم الرئيس التركي أردوغان خلال تواجده بالأمم المتحدة إسرائيل بأنها تجر المنطقة بأكملها إلى الحرب، كما أكد أن تركيا تقف إلى جانب الشعب اللبناني. وأضاف أن السبب الوحيد وراء عدوان إسرائيل على الشعب الفلسطيني، هو الدعم غير المشروط من بعض الدول وأن هذه الدول التي تملك تأثيرا على إسرائيل تشارك علنا في هذه المجزرة. وفي نفس الإطار، وجه انتقادات لنظام الأمم المتحدة بسبب عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرارات توقف التصعيد.[xiv]

أما على الصعيد الدولي، فقد اجتمع مجلس الأمن الدولي، في 25 سبتمبر، بناءً على طلب من فرنسا، ولكن من دون اتخاذ قرارات وهو الطابع السلبي لمجلس الامن فيما يخص قضايا النزاع العربي الاسرائيلي. إلا أن وزير الخارجية الفرنسي كأحد الأطراف المعنية، أعلن في كلمته عن اقتراح مشترك مع الولايات المتحدة ودول أخرى لإرساء وقف لإطلاق النار لمدة 21 يومًا في لبنان من أجل إفساح المجال للتوصل إلى تسوية سياسية. وفيما بعد صدر بيان مشترك لكل من: الولايات المتحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر. وغابت عنهم مصر والأردن. ومن المتوقع أن هذا المقترح كباقي المقترحات لوقف إطلاق النار في غزة، لن يتم تنفيذه بسبب الشروط المجحفة التي سيضيفها نتنياهو عليه.[xv]

وفي سياق متصل، كان الرئيس ماكرون قد قام بإجراء مكالمة وصفت بالمتوترة مع نتنياهو في بدايات التصعيد. ووفقا للقناة 12 الإسرائيلية وصحيفة يديعوت أحرونوت، اتهم ماكرون نتنياهو بأنه يدفع المنطقة نحو حرب، وأن على إسرائيل أن تسلك مساراً دبلوماسياً. ولكن نتنياهو رد عليه بقوله “بدلاً من الضغط علينا، حان الوقت لكي تضغطوا وتتحدثوا مع (حزب الله). سنعيد سكاننا إلى ديارهم.” وفرنسا تعد من الجدول التي تلعب دورا نشطا في هذه الأزمة، كما كانت دائما في الشئون اللبنانية. فالمبعوث الرئاسي الفرنسي لودريان زار لبنان مرات عديدة هذا العام، وآخر الزيارات كانت في الفترة بين 15 و25 سبتمبر.[xvi]

وفي إطار الجهود الفرنسية لخفض التصعيد، التقى الرئيس ماكرون بنظيره الإيراني بزشكيان، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخلال اللقاء عمد ماكرون وفقا لبيان الرئاسة الفرنسية إلى “تسليط الضوء على مسؤولية إيران في دعم تهدئة عامة واستخدام نفوذها مع الأطراف المزعزعة للاستقرار، التي تتلقى دعمها من أجل المضي نحو وقف لإطلاق.”[xvii] ويأتي هذا اللقاء في إطار الجهود الفرنسية للتواصل مع جميع الأطراف من أجل خفض التصعيد. وفي وقت سابق، وتحديداً في 29 يوليو، كان الرئيس الفرنسي قد تواصل مع نظيره الإيراني من أجل تهنئته بفوزه في الانتخابات، بالإضافة إلى إبلاغه أن “إيران ينبغي أن تضطلع بدور لتجنب تصعيد التوتر بين لبنان وإسرائيل عن طريق وقف الدعم لأطراف تزعزع استقرار المنطقة.”[xviii]

وعلى صعيد الاتحاد الأوروبي، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن التصعيد في لبنان خطير ومثير للقلق للغاية، وأضاف “ما زلنا نعمل على وقف التصعيد في لبنان لكن أسوأ توقعاتنا أصبحت حقيقة”. وأضاف بوريل للصحافيين: “الموقف خطير ومقلق للغاية. بوسعي القول إننا أمام حرب شاملة تقريباً”. وتابع: “إن لم يكن هذا الموقف هو حرب، فلا أعرف ماذا تطلقون عليه”. وأوضح بوريل أن أوروبا تبذل جهودا لتقليل التوتر، واعتبر بوريل أن المدنيين يدفعون ثمناً باهظاً، وأنه توجد ضرورة لبذل كل الجهود الدبلوماسية للحيلولة دون اندلاع حرب شاملة. كما دعا من جديد إلى التنفيذ الكامل والمتكافئ لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.[xix]

ومن جهتها شددت وزارة الخارجية الصينية على دعم بكين للبنان بقوة في الحفاظ على سيادته وأمنه، منددة بقوة بالانتهاكات بعد شن “إسرائيل” ضربات جوية واسعة النطاق على لبنان. وأكدت مواصلتها العمل من أجل عملية السلام في الشرق الأوسط. كذلك، أعلنت وزارة الخارجية الروسية، الثلاثاء 25 سبتمبر، إدانة موسكو للهجمات العسكرية الواسعة النطاق التي تشنها إسرائيل على لبنان، داعيةً إلى وقف فوري للأعمال القتالية، كما أكدت أن موسكو مستعدة للتنسيق مع دول الشرق الأوسط، لمنع وقوع كارثة في ظل تصعيد الصراع اللبناني الإسرائيلي.

ولكن على أرض الواقع، من غير المتوقع أن يضطلع أي طرف فيهم بجهود حقيقية لوقف التصعيد حيث نجد روسيا غارقة في مستنقع أوكرانيا، وتدير وجهها وظهرها أمام الاعتداءات اليومية الإسرائيلية على أراضي لبنان وسوريا. كذلك الصين لا ترغب في التدخل بأي شكل حتى لا ينعكس تدخلها سلبياً على مشكلتها وأزمتها الخطيرة مع تايوان.[xx]

الخاتمة

تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية منفردةً اوراق الضغط على إسرائيل لتغيير هذا الواقع الدموي، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية اللبنانية في قوله إن “أمريكا هي مفتاح خلاصنا”. ولكن ما يملكه بقية الأطراف هو التوحد حول الرفض والإدانة واتخاذ خطوات أبعد من أجل الضغط على الولايات المتحدة من أجل أن تضغط هي بدورها على إسرائيل. وفي ظل غياب الإرادة الدولية والتجاهل الأمريكي التي أصبحت الإدارة فيها شبه غائبه عن المشهد بعد انسحاب بايدن من السباق الرئاسي، من الصعب توقع خفض التصعيد بعد أن أصبح نتنياهو ممسكا بخيوط اللعبة ليفعل ما يحلو له. فالآن، تشن إسرائيل حرب إبادة جديدة في لبنان، وتحديدا في المناطق الجنوبية والشرقية التي تتواجد بها الحاضنة الشعبية لحزب الله؛ من أجل إعادة سكان شمال إسرائيل إلى مساكنهم، أو إذا لم تتمكن من تحقيق ذلك، فستكون على الأقل قد وضعت حاضنته في خضم حرب على إثر ضرباته لإسرائيل.  

لهذا، من الواضح أن الوضع في لبنان في طريقه لمشهد أكثر تصعيدا، في ظل اصرار نتنياهو على إضعاف قدرات حزب الله وفك ارتباطه بجبهة غزة. ولكن تبقى الكثير من الأسئلة هنا في حاجة لإجابة مثل: هل ستطول الحرب كحرب غزة وهل سيستطيع حزب الله الصمود، وأن يمارس الصبر الاستراتيجي وسياسة كسب النقاط الذي يمارسها لتجنب تصعيد أكثر يضر بالدولة اللبنانية، أم أن إسرائيل قادرة على حسم المعركة سريعا وفك الارتباط بين حزب الله وغزة، أو بين حزب الله ومحور المقاومة ككل إذا جاز التعبير. وهل تنوي إسرائيل القيام باجتياح بري أم فقط عمليات توغل محدودة. لا شيء مستحيل؛ فكل المستحيل بعد حرب غزة أصبح ممكنا.


[i] أخبار الأمم المتحدة. “لبنان: وكالات الأمم المتحدة تحذر من العودة إلى ‘أيام حرب عام 2006 المظلمة,’” September 24, 2024. https://news.un.org/ar/story/2024/09/1134846.

[ii] التلفزيون العربي. “أمام تصعيد إسرائيل في لبنان.. لماذا تنتهج واشنطن سياسة ‘عدم التدخل’؟ | التلفزيون العربي,” September 21, 2024. https://www.alaraby.com/news/%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%85

[iii] Stroul, Dana. “Israel and Hezbollah Are Escalating Toward Catastrophe: How to Avert a Larger War That Neither Side Should Want.” Foreign Affairs, September 25, 2024. https://www.foreignaffairs.com/israel/israel-and-hezbollah-are-escalating-toward-catastrophe.

[iv] Wintour, Patrick, and Andrew Roth. “France and US push for 21-day Hezbollah-Israel ceasefire in Lebanon as UN chief warns ‘hell is breaking loose.’” The Guardian, September 26, 2024. https://www.theguardian.com/world/2024/sep/26/lebanon-temporary-ceasefire-plan-hezbollah-israel.

[v] BBC News عربي. “حزب الله وإسرائيل: لماذا تتأخر إيران في الدفاع عن الحزب؟,” September 25, 2024. https://www.bbc.com/arabic/articles/cz9p5vgzn2vo.

[vi] Augusta Saraiva and Arsalan Shahla, Iran’s President Says He’s Prepared to Ease Tensions With Israel, Bloomberg, 23 Sep. https://www.bloomberg.com/news/articles/2024-09-23/iran-s-president-says-he-s-prepared-to-ease-tensions-with-israel

[vii] محمد مخلوف، مع التصعيد الإسرائيلي في لبنان.. لماذا تأخر الردّ الإيراني؟  العربية 25سبتمبر، https://www.alarabiya.net/iran/2024/09/25/%D9%85%D8%B9-

[viii] Barak Ravid, Hezbollah asked Iran to attack Israel, Israeli and Western officials say, Axios, Sep 24, https://www.axios.com/2024/09/24/hezbollah-israel-iran-attack-us-intelligence

[ix] حمداني, زهير. “لغز الرد الإيراني المعلّق.. كيف سيدعم “محور المقاومة” حزب الله؟.” الجزيرة نت, September 23, 2024. https://www.ajnet.me/politics/longform/2024/9/23/%D9%84%D8%BA%D8%B2A3%D8%AA-%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7.

[x] الأوسط, الشرق. “الجيش الإسرائيلي: جريحان بانفجار طائرة مسيّرة في ميناء إيلات.” الشرق الأوسط, September 25, 2024. https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85

[xi] Staff, By Jerusalem Post. “Israel dragging region into war, say Jordan, Egypt and Iraq.” The Jerusalem Post | JPost.Com, September 25, 2024. https://www.jpost.com/breaking-news/article-821627.

[xii] “قطر تدين بأشد العبارات العدوان الإسرائيلي على لبنان,” n.d. https://www.qna.org.qa/ar-QA/News-Area/News/2024-09/23/0143-%D9%82%D8%B7%D8%B1-%D8%AA%D8%AF%D9%8A%D9%86-

[xiii] عربية, سكاي نيوز. “محمد بن سلمان: لا علاقات مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية.” سكاي نيوز عربية, September 18, 2024. https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1742662-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF

[xiv] Giordano, Elena. “Turkey’s Erdoğan compares Israel’s Netanyahu to Hitler at UN assembly.” POLITICO, September 24, 2024. https://www.politico.eu/article/turkey-recep-tayyip-erdogan-compare-israel-benjamin-netanyahu-adolf-hitler-unga/.

[xv] Wintour, Patrick, and Andrew Roth. “France and US push for 21-day Hezbollah-Israel ceasefire in Lebanon as UN chief warns ‘hell is breaking loose.’” The Guardian, September 26, 2024. https://www.theguardian.com/world/2024/sep/26/lebanon-temporary-ceasefire-plan-hezbollah-israel.

[xvi] زبون, كفاح. “الجيش الإسرائيلي يضع نصر الله من ضمن أهداف الاغتيالات… وتلاسن بين نتنياهو وماكرون.” الشرق الأوسط, September 21, 2024. https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-

[xvii]Asharq Al-Awsat. “Macron Presses Iran President for Lebanon De-escalation,” September 25, 2024. https://english.aawsat.com/arab-world/5064507-macron-presses-iran-president-lebanon-de-escalation.

[xviii] “بزشكيان يحذر ماكرون من عواقب وخيمة لأي هجوم إسرائيلي على لبنان.” الشرق الأوسط, July 29, 2024. https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%

[xix] Skujins, Angela. “EU foreign policy chief calls for ‘immediate ceasefire’ between Hezbollah and Israel.” Euronews, September 24, 2024. https://www.euronews.com/my-europe/2024/09/22/eu-calls-for-immediate-ceasefire-between-hezbollah-israel.

[xx] محمد مخلوف، مع التصعيد الإسرائيلي في لبنان.. لماذا تأخر الردّ الإيراني؟  العربية 25سبتمبر، https://www.alarabiya.net/iran/2024/09/25/%D9%85%D8%B9-

دياب, يوسف. “تساؤلات لبنانية عن انكفاء إيراني «مُريب» خلال الحرب الإسرائيلية.” الشرق الأوسط, September 23, 2024. https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-A9.

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

الاستقالات الوزارية في هولندا وتداعياتها على الموقف الأوروبي من إسرائيل
الميتافيزيقا السياسية للسلطة في فلسطين
رؤية جون ميرشايمر لحربي إسرائيل وروسيا ومستقبل النظام الدولي
التكنولوجيا الحيوية كأداة للقوة التنافس السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين في سباق الهيمنة العالمية
تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات."
Scroll to Top