Cairo

اتجاهات بعض الدول الكبرى نحو حقوق الإنسان

قائمة المحتويات

باحث العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات

تُعدّ حقوق الإنسان اليوم من أبرز الأدوات التي توظفها الدول الكبرى والمنظمات الدولية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول النامية، حيث لم يعد هذا الموضوع محصورًا في نطاقه الداخلي، بل بات شأنًا دوليًا تستخدمه القوى الكبرى كوسيلة لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية تتجاوز شعارات الحرية والعدالة. حيث أن بعد الحرب الباردة، شهد العالم تحولًا في طبيعة الصراعات من الصراعات الدولية بين الدول إلى صراعات داخلية تمزق المجتمعات من الداخل.

وفي ظل هذه التحولات، ظهر مفهوم “التدخل الإنساني” الذي استُخدم بداية كأداة للتعامل مع الأزمات الإنسانية، إلا أن هذا المفهوم تعرض لتسييس شديد من قبل الدول الغربية، خاصة تحت قيادة الولايات المتحدة، حتى أصبح يُستخدم كغطاء للتدخل في الشؤون السيادية للدول النامية. تحت شعار حماية حقوق الإنسان وإرساء الديمقراطية، باتت الدول الغربية تبرر تدخلاتها العسكرية والسياسية والاقتصادية في دول مثل يوغوسلافيا سابقًا والعراق وأفغانستان، بالإضافة إلى التدخلات غير المباشرة عبر دعم فئات وأقليات داخلية.

اولاً: ازدواجية المعايير الغربية في التعامل مع قضايا حقوق الانسان

ينما تدعو أوروبا بشكل مستمر إلى احترام حقوق الإنسان، فإنها تتبنى مواقف متناقضة في تعاملها مع بعض الدول أو القضايا، ما يعكس تأثير المصالح السياسية والاقتصادية في تشكيل هذه السياسات.

على سبيل المثال، يُلاحظ أن أوروبا قد تتدخل في بعض الدول لتغيير الأنظمة القائمة أو تقديم السند القانوني لاجتياحها، كما حدث في العراق عام 2003 وليبيا 2011، دون أن تفكر في النظام الجديد الذي سيحل محل النظام القديم. هذا التدخل غالبًا ما يكون مدفوعًا بمصالح سياسية محددة، مثل محاربة الإرهاب أو تعزيز النفوذ الغربي في المنطقة، بينما يتم تجاهل الأضرار الناتجة عن هذه التدخلات على مستوى الاستقرار الإقليمي والشعوب المتضررة.

وتتجلى ازدواجية المعايير الأوروبية بشكل جلي في التعامل مع قضايا الأعلام والشعارات السياسية في الرياضة. ففي عام 2022، رفض الأمن الفرنسي رفع مشجع تونسي للعلم الفلسطيني في ملعب حديقة الأمراء بحجة أنه شعار سياسي يتعارض مع تعليمات الفيفا، بينما سمحت بعض الدوريات الأوروبية الكبرى برفع علم أوكرانيا خلال الحرب الروسية الأوكرانية. هذا الاختلاف في التعامل يعكس تأثير المواقف السياسية الأوروبية، حيث يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تشكيل الرأي العام العالمي لصالح مواقفه السياسية المعادية لروسيا، في الوقت الذي يتجاهل فيه قضايا مشابهة عندما تتعلق بحقوق الفلسطينيين.

إضافة إلى ذلك، تتناقض مواقف أوروبا في تعاملها مع الاحتجاجات المحلية. ففي فرنسا، على سبيل المثال، تم قمع احتجاجات حركة السترات الصفراء، التي كانت مسيرات سلمية احتجاجًا على ارتفاع أسعار الوقود، باستخدام العنف من قبل قوات الأمن. في الوقت نفسه، كانت أوروبا تدعو إلى احترام حقوق الإنسان وحريات التعبير. كما أن فرنسا أعلنت حالة الطوارئ عام 2016 بعد الهجمات الإرهابية التي استهدفتها، وهو ما يتناقض مع موقفها من حالات الطوارئ في دول أخرى، مثل مصر، التي تتعامل مع تهديدات إرهابية أشد من خلال إجراءات أمنية صارمة، لكنها قوبلت بانتقادات من قبل الاتحاد الأوروبي، وتم الان وقف العمل لحالة الطوارئ.

وعلى صعيد آخر، فإن الدول الأوروبية رغم دعواتها لمكافحة الإرهاب، فإنها في بعض الأحيان تستضيف وتوظف التنظيمات الإرهابية لخدمة مصالحها. فعلى سبيل المثال، يُعتبر مكتب تنظيم الإخوان الإرهابي في لندن مركزًا أساسيًا لأنشطة التنظيم الدولي، حيث يسيطر على العديد من الأنشطة المالية التي تمولها دول أوروبية، وهو ما يتناقض مع شعارات أوروبا في محاربة الإرهاب. هذه الازدواجية تثير تساؤلات حول مدى جدية أوروبا في محاربة الإرهاب إذا كانت تسمح ببعض الأنشطة التي تساهم في تقوية هذه الجماعات.

تتجلى هذه الازدواجية بشكل خاص في تعامل أوروبا مع قضايا اللاجئين والمهاجرين. ففي حين أن أوروبا تدافع عن حقوق الإنسان في المحافل الدولية وتنتقد انتهاكات حقوق الإنسان في بعض الدول، فإن معاملتها للاجئين من مناطق معينة تُظهر تفاوتًا كبيرًا في المعايير. على سبيل المثال، أثناء النزاع في أوكرانيا، استقبلت العديد من الدول الأوروبية موجات كبيرة من اللاجئين الأوكرانيين ووفرت لهم تسهيلات قانونية واجتماعية، بينما تعرض اللاجئون من بلدان أخرى مثل سوريا أو أفغانستان لمعاملة قاسية، بما في ذلك عمليات الاحتجاز والرفض. هذه التفاوتات تشير إلى وجود معايير مزدوجة في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، تتأثر أحيانًا بالاعتبارات الجغرافية والسياسية.

ثانياً: استخدام حقوق الإنسان كأداة للتدخل في شؤون الدول

يبدو أن حقوق الإنسان تحوّلت إلى أداة سياسية تعكس توازنات القوى العالمية والصراع على النفوذ، حيث يتم توظيف هذا المفهوم وفقًا لأجندات سياسية تهدف إلى إضفاء شرعية للتدخلات الدولية، وفي الوقت ذاته تُستخدم لتثبيت مكانة القوى الكبرى وإضعاف الأطراف الأخرى.

فاصبحت حقوق الإنسان في السياسة الدولية كأداة للتدخل والسيطرة، حيث يتجاوز هذا المفهوم مجرّد كونه وسيلة لضمان كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، ليصبح وسيلة لتحقيق أهداف سياسية تخدم مصالح الدول الكبرى. هذا الاستخدام المعقّد لحقوق الإنسان يبرز بشكل خاص عندما تنشأ توترات بين القوى الكبرى والدول النامية فيما يسمى “الجنوب العالمي”، حيث تعتمد بعض الدول الغربية على خطاب حقوق الإنسان لتبرير التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، بينما تتجاهل في بعض الأحيان انتهاكات مشابهة تحدث داخل حدود حلفائها أو مصالحها الاستراتيجية.

أحد الأمثلة البارزة هو انتقاد بعض الدول الغربية لانتهاكات حقوق الإنسان في بلدان نامية، كإيران وسوريا، بينما تغضّ الطرف عن الانتهاكات في مناطق أخرى قد تكون لها مصالح استراتيجية فيها، مثل إسرائيل أو دول معينة في الشرق الأوسط. هذا التمييز في المعايير لا يمر دون رد فعل؛ فهو يثير شكوك دول الجنوب التي تعتبر هذه “الازدواجية” انعكاسًا للمصالح الاستراتيجية والسياسية أكثر من كونه التزامًا حقيقيًا بحقوق الإنسان. فمن غير المتوقع أن الغرب الذي بُني على مبادئ حقوق الإنسان وحماية المدنيين وحق الشعوب في العيش بكرامة، يسمح اليوم بهذه الفظائع التي تحدث في غزة، حيث تستهدف النيران المستشفيات والمدارس، ويُترك المدنيون دون حماية من الأسلحة الثقيلة. لقد باتت المعايير الدولية، كاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، مجرد نصوص تُنتهك بانتظام، ولم تُعد تُطبق سوى بشكل انتقائي على الحالات التي تتوافق مع المصالح السياسية للدول الكبرى.

حيث أن الغرب تدخل عبر ضغوط سياسية متواصلة على مجلس الأمن لمنع صدور قرار يُدين هذه الجرائم أو يدعو لوقف إطلاق النار، في تناقض صارخ مع استجابته السريعة في سياقات أخرى، مثل حرب أوكرانيا. في أوكرانيا، سارعت المحكمة الجنائية الدولية إلى استصدار قرار بتوقيف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد أيام قليلة من تقديم الشكاوى ضده، بينما تُطوى الملفات المقدمة ضد إسرائيل من دون أي تحرك يُذكر.

في ظل هذه السياقات، ينظر العديد من المراقبين إلى مجلس حقوق الإنسان كمنصة تعكس صراعات النفوذ بين القوى العالمية، بدلاً من أن تكون فضاءً نزيهًا لتعزيز حقوق الإنسان بشكل متساوٍ وعادل.

الصين، على سبيل المثال، استغلت هذا التوتر لتقديم نموذج بديل لحقوق الإنسان يركّز على “الحقوق الجماعية” مثل الحق في التنمية الاقتصادية، بدلاً من التركيز على الحقوق الفردية المدنية. تروج بكين لهذا النموذج كإطار ملائم للدول النامية، وتستخدم هذا التوجه للدفاع عن سياساتها ضد الانتقادات الغربية، خاصة فيما يتعلق بمعاملة الأقليات، ما يفتح الباب أمام نقاش عالمي حول مدى مصداقية النموذج الغربي لحقوق الإنسان ومدى ملاءمته لكافة الثقافات والسياقات.

مثال على ذلك، العقوبات الاقتصادية والسياسية التي فرضتها الدول الغربية على بعض الدول مثل كوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا وليبيا تعكس بشكل واضح استخدام الغرب لهذه الأداة لتحقيق أهداف سياسية وجيوسياسية، إضافة إلى فرض قيمه المتعلقة بحقوق الإنسان على الدول المعنية.

كوريا الشمالية هي واحدة من أبرز الأمثلة على استخدام العقوبات كوسيلة للضغط على دولة تتمتع بنظام سياسي مغلق. تم فرض العقوبات على كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي والانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان. العقوبات الغربية ضد كوريا الشمالية تشمل حظر جميع أشكال المساعدات والأنشطة المالية والتجارية، وقد كانت تهدف إلى الحد من قدرات كوريا الشمالية العسكرية والنووية. في هذا السياق، تسعى الدول الغربية إلى دفع الحكومة الكورية الشمالية للتخلي عن برنامجها النووي والانخراط في مفاوضات دبلوماسية تهدف إلى تحسين وضع حقوق الإنسان في البلاد. ورغم أن العقوبات كان لها تأثير كبير على الاقتصاد الكوري الشمالي، إلا أن النظام في بيونغ يانغ استمر في تحدي المجتمع الدولي، مما يوضح محدودية تأثير العقوبات على الأنظمة التي ترفض الانصياع للضغط الدولي.

أما فنزويلا، فقد تعرضت لعقوبات واسعة النطاق من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بسبب تدهور الوضع السياسي والاقتصادي تحت حكم الرئيس نيكولاس مادورو. فرضت الولايات المتحدة عقوبات ضد الحكومة الفنزويلية منذ عام 2015، وركزت بشكل خاص على شركة النفط الوطنية “PDVSA”. هذه العقوبات تهدف إلى عزل الحكومة الفنزويلية سياسيًا وإضعاف قدرتها الاقتصادية، في محاولة لتحقيق تغيير سياسي في البلاد. ورغم ذلك، لم تنجح العقوبات في إسقاط النظام أو تحقيق التغيير المطلوب، بل زادت من اعتماد فنزويلا على حلفائها مثل الصين وروسيا، مما يعكس فشل بعض العقوبات في تغيير النظام السياسي في الدول المستهدفة.

أما بالنسبة لكوبا، فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات صارمة على كوبا منذ الثورة الكوبية في عام 1959، وقد استمرت العقوبات رغم محاولات بعض الحكومات لتخفيفها في فترات معينة. تهدف هذه العقوبات إلى الضغط على الحكومة الكوبية لتغيير سياساتها الداخلية والخارجية، بما في ذلك الانفتاح السياسي والاقتصادي. لكن العقوبات فشلت في إحداث تغيير جذري في كوبا، بل على العكس، زادت من عزلة البلاد الاقتصادية وأدت إلى تعزيز العلاقة مع دول أخرى مثل روسيا وفنزويلا. ومع ذلك، كانت العقوبات سببًا في استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في كوبا، مما يبرز تأثير العقوبات على حياة المواطنين.

فيما يخص ليبيا، فقد فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على ليبيا بعد حادثة لوكربي عام 1988، وقام برفعها في عام 2003 بعد أن اعترفت الحكومة الليبية بالحادثة ودفعت تعويضات لعائلات الضحايا. ومع بداية الحرب الأهلية في ليبيا عام 2011، فرضت الأمم المتحدة عقوبات جديدة، بما في ذلك منطقة حظر الطيران. هذه العقوبات كانت تهدف إلى دعم الجهود الدولية لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية. ورغم أن بعض العقوبات كانت ناجحة في عزل النظام الليبي آنذاك، فإن النزاع الداخلي المستمر منذ 2011 يوضح أن العقوبات لم تكن كافية لإنهاء الأزمة بشكل كامل.

إيران، من جهة أخرى، تمثل المثال الأكثر تعقيدًا في استخدام العقوبات كأداة للضغط السياسي. بدأت العقوبات الغربية ضد إيران بسبب برنامجها النووي، وانتشرت لتشمل مجالات أخرى مثل حقوق الإنسان ودعم ما تطلق عليه الدول الغربية من وجهة نظرها حركات الإرهاب. وعلى الرغم من تخفيف بعض العقوبات بعد الاتفاق النووي في 2015، استمر الضغط الغربي على إيران باستخدام أدوات أخرى، مثل عقوبات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بسبب خروقات حقوق الإنسان. العقوبات الغربية على إيران لم تقتصر فقط على الحد من قدرتها النووية، بل كان لها أيضًا تبعات اقتصادية كبيرة على البلاد، مما تسبب في تدهور الأوضاع الاجتماعية والإنسانية.

يتضح من كل ذلك أن العقوبات الاقتصادية والسياسية التي تفرضها الدول الغربية على هذه الدول تستخدم كأداة للضغط لتحقيق أهداف متعددة تشمل تغيير السياسات الداخلية والخارجية للدول المستهدفة، بما يتماشى مع القيم الغربية مثل حقوق الإنسان والديمقراطية. لكن، ورغم بعض النجاحات المحدودة في بعض الحالات، فإن فشل هذه العقوبات في إحداث التغيير المنشود في بعض الدول يعكس حدود تأثير هذه الأدوات في تحقيق أهدافها السياسية.

ادعت الولايات المتحدة ان هناك ملاحظات على الحالة الحقوقية في مصر ، من وجهة نظرها، وقررت حجب جزء من المعونة العسكرية عن مصر، والتي تقدر بـ 85 مليون دولار. وتمارس واشنطن ضغوطاً مباشرة على الحكومة المصرية للالتزام بمعايير حقوق الإنسان والديمقراطية. هذا القرار يؤثر بشكل خاص على العلاقات الاستراتيجية طويلة الأمد بين البلدين، حيث يثير جدلاً واسعاً داخل مصر. تعتبر السلطات المصرية القرار تدخلاً في شؤونها الداخلية ومحاولة لفرض إملاءات سياسية، بينما ترى منظمات حقوق الإنسان الدولية أن هذه العقوبات خطوة نحو تحسين ملف حقوق الإنسان في مصر.

ثالثاً: انعكاسات التدخلات الغربية على استقرار الدول

تأتي خطورة هذه التدخلات تكمن في أنها تساهم في زعزعة استقرار الدول النامية، حيث تقوم بعض القوى الكبرى بتوظيف المشاكل العرقية والدينية كأداة لتفتيت المجتمعات، مما يؤدي إلى إذكاء الفتن الداخلية والصراعات الأهلية. ويتم هذا الضغط من خلال مؤسسات غير حكومية ومنظمات حقوقية تُنشر تقاريرها حول أوضاع حقوق الإنسان في هذه الدول، ما يخلق بيئة من التوتر والضغط الدولي، بل ويتيح المجال أمام القوى الكبرى للتدخل تحت مسوغ حماية حقوق الإنسان وحماية الأقليات.

علاوة على ذلك، أصبحت الدول النامية معرضة للتشهير والضغوط الاقتصادية والسياسية بشكل كبير إذا لم تلتزم بمعايير حقوق الإنسان التي تفرضها الدول الغربية. وتعد هذه المعايير في بعض الأحيان مزدوجة، حيث يُغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في بعض الدول الصديقة للدول الكبرى، بينما تتعرض الدول النامية لعقوبات اقتصادية وتدخلات سياسية تحت ذات الذريعة.

إن تطور مفهوم “التدخل الإنساني” ليشمل استخدام حقوق الإنسان كوسيلة للسيطرة، يعدّ انعكاسًا لسياسة الهيمنة الحديثة التي تعتمدها القوى الكبرى، في سعيها لإعادة فرض نفوذها بطريقة ناعمة ومؤثرة، مستغلة الأزمات الداخلية التي تعاني منها هذه الدول. ومع تزايد استخدام هذا المفهوم بطرق تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة الذي يضمن سيادة الدول ووحدتها، يبقى التساؤل قائمًا حول مدى مصداقية الشعارات الإنسانية التي تُرفع، وحول الهدف الحقيقي الكامن وراء تدخلات تحمل في ظاهرها نبلاً وحرصًا على حقوق الإنسان، بينما تُخفي وراءها رغبة في فرض السيطرة والتأثير على سياسات الدول النامية ومقدراتها.

خلاصة القول، يكشف استخدام الدول الغربية للأدوات السياسية والاقتصادية، بما في ذلك العقوبات، عن تناقض واضح في معاييرها، حيث يتم تطبيق هذه العقوبات بشكل انتقائي على الدول التي لا تتوافق مع سياساتها أو مصالحها، بينما يتم التغاضي عن الانتهاكات أو السياسات المشابهة في دول أخرى حليفة لها. هذا التوجه يعكس ازدواجية المعايير التي تجعل من الصعب على العديد من الدول احترام هذه القيم المفروضة من الخارج. فالغرب لا يلتزم دائمًا بتطبيق معايير حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية بشكل شامل، بل يراعي مصالحه الاقتصادية والسياسية في المقام الأول، مما يجعل من الصعب على الكثير من الدول النامية، بما في ذلك الدول العربية، تقبل هذه القيم كأداة للهيمنة.

وعلى الرغم من الضغوط التي تمارسها القوى الغربية، فإن العديد من الدول العربية والنامية أصبحت أكثر وعيًا بقدرتها على تبني قيمها الخاصة وتطوير أنظمتها السياسية والاجتماعية بما يتناسب مع تاريخها وثقافتها. هذه الدول تسعى اليوم لتحقيق نمو اقتصادي واجتماعي دون الحاجة إلى التدخل الغربي، مع التركيز على السيادة الوطنية والاحترام الكامل لخصوصياتها الثقافية والدينية. هذا الوعي المتزايد يجعل من فكرة فرض القيم الغربية في مجتمعاتنا أمرًا مرفوضًا، حيث نرى أن الطريق الأنسب لتقدم هذه الدول يكمن في تبني حلول محلية، تتناسب مع التحديات التي تواجهها، دون القبول بتدخلات خارجية تفرض عليها واقعًا لا يتماشى مع تطلعات شعوبها. الواقع يعكس أن العالم اليوم ليس مجالًا لتصدير القيم من طرف واحد، بل يتطلب احترام التنوع الثقافي والسياسي بين الأمم، وتحقيق شراكات متعددة تستند إلى الاحترام المتبادل والسيادة الوطنية.

المصادر:

بوركهالتر, د. (2024, August 5). عن ازدواجية المعايير لدى القوى الغربية… “طبيعة حقوق الإنسان سياسية بامتياز “ SWI swissinfo.ch . https://shorturl.at/ZYOJ9

 Welle, D. (2022, August 21). كوبا الأقدم وإيران الأبرز.. هل يوجد تأثير للعقوبات الدولية؟. dw.com.  https://shorturl.at/Bi58j

جمال, م. (2022, November 26). الازدواجية والوظائفيَّة.. كيف تتعامل أوروبا مع قضايا حقوق الإنسان؟. Al QaheraNews Tv.   https://shorturl.at/n3VbF

المعيني, خ. (2012, April 9). ذريعة “التدخل الإنساني” في العلاقات الدولية. الجزيرة نت. https://shorturl.at/ByM2v

تعليق: الأزمة الإنسانية في غزة تفضح معايير الغرب المزدوجة تجاه حقوق الإنسان. (n.d.). https://arabic.news.cn/20240301/54c368e01f3b46199358324ca72d1877/c.html

Dijana, A. (2024, August 23). ذريعة التدخل الدولي الإنساني والهيمنة على الدول: جدلية التدخل وسيادة الدول (2-3). المحقق. https://shorturl.at/YOB0b

دوزي و. (2020). التدخل الدولي الإنساني بين حتمية التدخل وازدواجية المعايير. مجلة القانون والتنمية, 2(2), 1-13. https://asjp.cerist.dz/en/article/139924

“إدارة بادين تعلن حجب 85 مليون دولار من مساعداتها لمصر.” CNN, September 14, 2023. https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2023/09/14/us-will-withhold-millions-in-aid-to-egypt.

RT Arabic. “الولايات المتحدة توسع قائمة عقوباتها ضد روسيا وكوريا الشمالية.” RT Arabic, December 16, 2024. https://arabic.rt.com/world/1629098-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B9-%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9-%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9/.

باحث العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات

الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران وتداعياتها على مسار العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية
مساعي الولايات المتحدة لتوطين صناعة الرقائق الإلكترونية
زيارة الرئيس السوري إلى روسيا: الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية للزيارة
التصعيد بين أفغانستان وباكستان الدوافع والمواقف الدولية
قراءة تحليلية في قمة شرم الشيخ للسلام
Scroll to Top