يُعد الشمول المالي ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة الشاملة، فهو يعزز وصول الأفراد والشركات إلى الخدمات المالية بسهولة وبالتالي المساهمة بشكل كبير في تعزيز النمو الاقتصادي وتقليل الفقر وتحسين مستوي المعيشة. فمن خلال تعزيز الوصول إلى الخدمات المالية يتمكن الأفراد من إدارة أموالهم بشكل أفضل من خلال الاستثمار في التعليم والصحة، وبالتالي المساهمة في تنمية المجتمع.
ووفقًا لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة توجد علاقة وثيقة بين الشمول المالي وأهداف التنمية المستدامة، وذلك من خلال التركيز على هدفين وهما الهدف الأول ( القضاء على الفقر) و الهدف الثامن (العمل اللائق و النمو الاقتصادي). فهو يساهم في مكافحة الفقر (الهدف الأول)، فمن خلال توفير الخدمات المالية الأساسية مثل الحسابات المصرفية والقروض الصغيرة، يتم تمكين الفئات المعرضة للفقر من خلال الادخار مما يساعدهم على بناء مدخرات طارئة وتلبية الاحتياجات المستقبلية كما يساهم في تحقيق نمو اقتصادي مستدام (الهدف الثامن)، حيث يوفر التمويل اللازم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة مما يساهم في خلق فرص عمل جديدة وزيادة الإنتاجية. كما يُسهم في تحسين كفاءة الأسواق من خلال تسهيل المعاملات المالية.
لذا يتم تعريف الشمول المالي على إنه إتاحة الخدمات المالية الأساسية لجميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن دخلهم أو موقعهم الجغرافي. ويشمل ذلك مجموعة واسعة من الخدمات مثل فتح حسابات مصرفية، الحصول على قروض، والتحويلات المالية، و التأمين. لذلك تعد التكنولوجيا المالية من الحلول الرئيسة لتعزيز الشمول المالي، حيث تساهم في توفير كافة الاحتياجات المالية والمصرفية وتمهيد سبل الوصول اليها بأسهل الطرق وبأقل تكلفة ممكنة، وذلك لكافة فئات المجتمع.
يتناول هذا المقال دور التكنولوجيا المالية في تعزيز الشمول المالي في مصر مع التركيز على دور الخدمات المصرفية عبر الهاتف مثل إنستاباي في تلبية إحتياجات الفئات المستبعدة مالياً،حيثُ يُسهم في إدماج الفئات المهمشة في النظام المالي الرسمي، وبالتالي زيادة المدخرات و الاستثمارات، وتحفيز النمو الاقتصادي، كما يُعزز الاستقرار المالي من خلال تقليل التعاملات النقدية وزيادة الشفافية في المعاملات المالية.
أولًا: التوجهات الاستراتيجية المصرية لتعزيز الشمول المالي:
- استراتيجية مصر 2030 تُمهد الطريق للشمول المالي
في ضوء التطورات التكنولوجية المتسارعة، تسعي مصر جاهدة من خلال استراتيجيتها الطموحة للتنمية المستدامة 2030 وهي رؤية مصر 2030 إلى تحسين جودة حياة المواطنين -والتي تضع الشمول المالي كأحد أهدافها الرئيسة– من خلال تعزيز الوصول إلى الخدمات المالية، وتحقيق نمو اقتصادي شامل، والقضاء على الفقر. ولتحقيق ذلك، تعمل الحكومة المصرية على تطوير البنية التحتية المالية، وتشجيع الابتكار في مجال الخدمات المالية، وتوسيع نطاق الوصول إلى هذه الخدمات، خاصة في المناطق الريفية والمحرومة.
ونظرًا للدور المحوري الذي تلعبه التكنولوجيا المالية في تحقيق الشمول المالي من خلال تقديم حلول مبتكرة وفعالة من حيث التكلفة في توفير خدمات مالية تُسهل الوصول إلى التمويل والمدفوعات بطرق أكثر فعالية للفئات المستبعدة مالياً والتي كانت تواجه صعوبة في الحصول على الخدمات المالية التقليدية، ظهرت تطبيقات الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، مثل “إنستاباي” من خلال إتاحة إجراء تحويلات مالية فورية بأمان وسهولة للمستخدمين، مما يُسهم في تعزيز الشمول المالي في مصر وكذلك توسيع نطاق الوصول إلى الخدمات المالية، خاصة في المناطق النائية التي تعاني من عدم توافر فروع بنكية بكثافة.
وتتمثل أهداف استراتيجية مصر 2030 المتعلقة بالشمول المالي فيما يلي:
- تعزيز التنمية الاقتصادية و الاجتماعية: يسعي الشمول المالي إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام من خلال تمكين الأفراد و الشركات من الوصول إلى التمويل اللازم لبدء مشاريعهم، وتوسيع أعمالهم وبالتالي خلق فرص عمل جديدة، وتسهيل وصول التمويل للفئات المهمشة وزيادة الانتاجية الاقتصادية. كما يُساهم في تحسين مستوي المعيشة للمواطنين من خلال توفير الخدمات المالية الأساسية مثل الحسابات المصرفية و التأمين.
- تقليل الفجوة بين الفئات المختلفة: يهدف الشمول المالي إلى تقليل الفجوة بين الفئات المختلفة في المجتمع، من خلال إتاحة فرص متساوية للوصول إلى الخدمات المالية و إدماج الفئات الأكثر تهميشاً في الأنشطة الاقتصادية.
- تمكين المرأة و الشباب اقتصادياً: يساهم الشمول المالي في المساواة بين الجنسيين و التمكين الاقتصادي للمرأة من خلال توفير فرص متساوية للوصول إلى الخدمات المالية مما يؤدي إلى تعزيز مشاركتهم في النشاط الاقتصادي و تحقيق الاستقلال المالي.
- السياسات والمبادرات الداعمة للشمول المالي:
تبذل الحكومة المصرية والجهاز المصرفي بقيادة البنك المركزي جهود كبيرة لدعم الشمول المالي ، ومن أبرزها دور البنك المركزي في وضع الخطط والاستراتيجيات لتعزيز الشمول المالي، وتقديم الدعم الفني والمالي للمؤسسات المالية. كما يقوم بتنظيم القطاع المالي وتطوير البنية التحتية اللازمة لتقديم الخدمات المالية، كذلك تطوير تقنيات مالية مبتكرة بالتعاون مع الشركات الناشئة لتعزيز سهولة الوصول للخدمات المالية.
ففي إطار رؤية مصر 2030 لدعم التحول الرقمي، أصدر البنك المركزي المصري مجموعة من القرارات بنهاية ديسمبر 2024 تتضمن مد إعفاء العملاء من كافة المصروفات والعمولات الخاصة بخدمات التحويلات البنكية للأفراد التي تتم من خلال القنوات الإلكترونية (الإنترنت والموبايل البنكي) بالجنيه المصر،. وكذلك مد الإعفاء من كافة المصروفات والعمولات الخاصة بخدمات التحويلات لعملاء المنظومة الوطنية للمدفوعات اللحظية وتطبيق إنستا باي وتسري هذا القرارات اعتبارًا من 1 يناير 2025 ولمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد. كما تم من قبل زيادة الحدود القصوي لمعاملات إنستاباي لتشجيع المزيد من المستخدمين للاعتماد عليه.
كما أطلق البنك المركزي استراتيجية للشمول المالي والتي تهدف إلى تعزيز وصول الخدمات المالية لكل فئات المجتمع، مع التركيز على الفئات المهمشة والنساء والشباب. تتضمن هذه الاستراتيجية تطوير المنتجات المالية و تبسيط الإجراءات و تقديم التوعية المالية. بجانب مبادرة حياة كريمة التي تهدف إلى تطوير الريف المصري و توفير الخدمات الأساسية لسكان الريف، بما في ذلك الخدمات المالية. ومبادرة دعم صغار المزارعين بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، حيث يعمل البنك المركزي المصري مع برنامج الأغذية على دمج صغار المزارعين في القطاع المالي الرسمي، من خلال توفير خدمات مالية ملائمة، مما يسهم في تحسين إنتاجيتهم و مستويات معيشتهم.
وقد أسفرت جهود البنك المركزي المصري بالتعاون مع القطاع المصرفي عن زيادة معدلات الشمول المالي في مصر خلال الفترة من ديسمبر 2016 حتى يونيو 2024 بنسبة 181%، حيث ارتفع عدد المواطنين الذين يمتلكون حساب معاملات مالية– سواء في البنوك أو البريد المصري أو محافظ الهاتف المحمول أو البطاقات مسبقة الدفع- إلى 48.1 مليون مواطن من إجمالي 67.3 مليون مواطن في الفئة العمرية (16 سنة فأكثر) والذين يحق لهم التعامل مع البنوك، لتبلغ نسبة الشمول المالي 71.5% في يونيو 2024.
ثانياً: تحليل وضع الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول في مصر
شهدت مصر في السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً في مجال الخدمات المالية، وذلك بفضل التوسع في استخدام التكنولوجيا المالية وخاصة الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول ومنها تطبيق إنستاباي والذي يلعب دوراً محورياً في هذه الثورة المالية من خلال تقديمه لمجموعة واسعة من الخدمات المصرفية بطريقة سهلة، سريعة، وآمنة تساعد على تقليل التعامل بالنقد وتحسين الكفاءة الاقتصادية وزيادة الإقبال على الخدمات الرقمية في مصر.
فقد ساهم إنستاباي بشكل كبير في تقليل الاعتماد على النقد في المعاملات اليومية، وذلك من خلال توفير قنوات دفع إلكترونية آمنة و سهلة الاستخدام مما أدي إلى تحقيق نمو كبير في حجم المعاملات،حيث بلغت نحو 1.5 مليار معاملة بقيمة تصل إلى 2.9 تريليون جنيه مصري في عام 2024. هذا وقد شهدت المنظومة الوطنية للمدفوعات اللحظية وتطبيق “إنستا باي” ارتفاعًا في عدد المستخدمين من 6.5 مليون عميل عام 2023 إلى 12.5 مليون عميل عام 2024.
هذا التوسع في استخدام انستاباي يساهم في تقليل التعاملات النقدية التقليدية وبالتالي تحسين الكفاءة الاقتصادية وتقليل التكاليف المرتبطة بطباعة و إدارة النقد. بجانب أن التحويلات المالية اللحظية تعزز من سرعة المعاملات وتزيد من الثقة في النظام المالي، وتحد من التضخم من خلال زيادة الشفافية في التعامل و تقليل فرص التلاعب بالأسعار و تحسين كفاءة الأسواق مما يؤدي إلى خفض تكاليف الانتاج والتوزيع و بالتالي ضبط عرض النقود وانخفاض الاسعار.
فضلاً عن أن قرار البنك المركزي بالسماح بالتحويلات الدولية للعاملين في الخارج من خلال “ إنستاباي” يتوقع أن يكون له تأثير إيجابي كبير على زيادة تحويلات العاملين بالخارج مما يساهم في زيادة المعروض من النقد الأجنبي في مصر، ويعزز من استقرار العملة المصرية، وتوجيه جزء كبير من هذه التحويلات إلى الاستثمار مما يدعم النمو الاقتصادي.
ثالثًا: الفرص و التحديات التي تواجه الشمول المالي في مصر
تعتبر مصر على أعتاب مرحلة جديدة من مراحل تطور الشمول المالي، وذلك بفضل مجموعة من العوامل الإيجابية والفرص المتاحة، حيثُ يشهد قطاع التكنولوجيا المالية في مصر نمواً متسارعاً،مما يوفر فرص كبيرة لتطوير حلول مبتكرة مثل المدفوعات الرقمية، والقروض الصغيرة، والتأمين، مما يوسع نطاق الوصول إلى الخدمات المالية. وتُولي الحكومة المصرية اهتماماً كبيراً بملف الشمول المالي، وتعمل على توفير البيئة القانونية المناسبة لنمو هذا القطاع وتقدم دعم مالي وفني للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية و تعزز الشراكات بين القطاع العام والخاص لتطوير حلول مبتكرة لتعزيز الشمول المالي. ومع زيادة انتشار الهواتف الذكية بشكل كبير في مصر، فإن هذا يعمل على توفير قاعدة عريضة من المستخدمين المحتملين للخدمات المالية الرقمية.
على الرغم من هذه الفرص الواعدة، إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجه تحقيق الشمول المالي في مصر، و من أهمها ضعف البنية التحتية التكنولوجية في بعض المناطق حيث لا تزال هناك فجوة رقمية بين المناطق الحضرية والريفية، وتعاني بعض المناطق من ضعف في تغطية شبكات الانترنت والاتصالات مما يحد من قدرة الأفراد على الوصول إلى الخدمات المالية الرقمية. بجانب افتقار جزء كبير من السكان خاصة في المناطق الريفية إلى الوعي الكافي بالخدمات المالية الرقمية والمخاطر المرتبطة بها، مما يجعلهم يفضلون التعامل بالنقد بالإضافة إلى وجود بعض الشكوك حول أمان وسرية الخدمات المالية الرقمية مما يُثني بعض الأفراد عن استخدمها.
وللتقليل من هذه الفجوات، يمكن العمل على الاستثمار في شبكات الاتصالات و توفير نقاط وصول إلى الإترنت في المناطق النائية، وتنظيم حملات توعية واسعة النطاق لتعريف فوائد الخدمات المالية الرقمية و كيفية استخدمها، والعمل على تصميم منتجات وخدمات مالية تلبي احتياجات الفئات المستهدفة وتكون سهلة الاستخدام.
في الختام، يُمثل الشمول المالي في مصر ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة. ومع التقدم التكنولوجي المتسارع والدعم الحكومي، يعد مستقبل الشمول المالي في مصر واعداً. ومع ذلك، يتطلب تحقيق هذا الهدف مواصلة الجهود لتوسيع نطاق الخدمات المالي، وتعزيز الثقة في النظام المالي، وتطوير البنية التحتية الرقمية لضمان وصول جميع فئات المجتمع إلى الخدمات المالية بسهولة وفعالية. حيث يمثل الشمول المالي في مصر تحدياً وفرصة في آن واحد ويتطلب النجاح في هذا المسار مواصلة العمل على تحسين البنية التحتية وزيادة التوعية المالية لتحقيق أقصي استفادة من هذه الجهود.
المصادر:
https://www.presidency.eg/ar/%D9%85%D8%B5%D8%B1/%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B1-2030
https://www.cabinet.gov.eg/StaticContent/Vision2030
https://www.cabinet.gov.eg/News/Details/78047
https://www.cbe.org.eg/ar/financial-inclusion/financial-inclusion-strategy
https://www.albankaldawli.org/ar/topic/financialinclusion/overview
https://journals.ekb.eg/article_317550_9247ff3863c8e478f4f005bd2c00cdc6.pdf