Cairo

 أزمة الليرة التركية تطوق عنق الشمال السوري

قائمة المحتويات

باحث اقتصادي بمركز ترو للدراسات

أولًا: تصاعد حدة أزمة الليرة في تركيا:

شهدت الليرة التركية هبوطًا حادًا في قيمتها مقابل الدولار لتسجل أسوأ أداء أسبوعي لها في عامين، حيث وصل الدولار إلى 42 ليرة تركية وذلك في ضوء الأحداث الجارية في تركيا إثر التوترات السياسية بين المعارضة والحكومة، وهو ما نتج عن اعتقال عدد من السياسيين البارزين في إسطنبول والذي انعكس مباشرة على الأسواق المالية، حيث تراجعت الليرة بنسبة 11% يوم 19 مارس، قبل أن يتدخل البنك المركزي التركي بضخ 26 مليار دولار للحد من التراجع، ليقلص الخسائر إلى 3.5%..

ونتيجة توترات الأسواق المالية سارع  المستثمرون بالانسحاب من السوق التركية وتوجهوا لبيع السندات الحكومية التركية، حيث ارتفعت العوائد عليها بمقدار 139 نقطة أساس، ما يعكس هروب الأموال من الأسواق التركية نحو وجهات أكثر استقرارًا. وهو ما أدى إلى خسائر فادحة للبورصة التركية التي  فقدت 67 مليار دولار خلال ثلاثة أيام فقط، متأثرة بانخفاض مؤشرها العام بأكثر من 15%، وهي أكبر خسارة تتعرض لها منذ أزمة انهيار بنك “ليمان براذرز” في 2008.

وجراء الاجراءات التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي التركي ارتفعت الأسهم بنسبة 3.2% يوم الاثنين، وبلغت مكاسبها حوالي 1% عند الساعة 4 مساءً بتوقيت تركيا، كما عوضت السندات السيادية الدولية لتركيا بعض خسائرها، حيث ارتفعت السندات التي أجل استحقاقها 2045 بمقدار 0.7 سنت، ليصل سعرها إلى 83.7 سنتًا للدولار، بعد أن انخفض بأكثر من 3 سنتات الأسبوع الماضي.

ثانيًا: تأثير الليرة التركية على جارتها السورية

وفي ضوء تلك الاضطرابات، تُلقي التذبذبات الحادة في قيمة الليرة التركية على سكان مناطق الشمال السوري[1]، حيث اعتمد الشمال السوري الليرة التركية كعملة له منذ منتصف عام 2020. ويأتي ذلك كنتيجة طبيعية لتدهور قيمة الليرة السورية بشكل حاد والرغبة في إيجاد وسيط للتبادل أكثر استقرارًا، فضلًا عن التقارب الحدودي بين مناطق الشمال السوري وتركيا، حيث بدأ تداول الليرة التركية بشكل جزئي في أواخر عام 2016 عندما بسطت تركيا نفوذها على المنطقة بالتعاون مع الجيش الوطني السوري وأنشأت منظمات أمنية لضبط المنطقة ما جعل رواتب الموظفين بالعملة التركية.

وفي منتصف عام 2018، فرضت الحكومة التركية قيودًا أكثر تشددًا على الأموال التي تدخل للشمال السوري لتمر جميع الأموال هناك عبر البريد الرسمي التركي بالإضافة إلى افتتاح عدد أكبر من المعابر الحدودية مع تركيا ما أدى إلى تنشيط حركة التجارة بين الأطراف وجعل الاعتماد شبه كلي على تركيا.

هذا  وتؤثر الليرة التركية على الوضع في الشمال السوري من جانبين وذلك كما يلي:

  • الـتأثير الايجابي:

تُشير الدراسات إلى أنه منذ دخول الليرة التركية للشمال السوري شهدت أسعار السلع الأساسية استقرارًا نسبيًا مثل أسعار الخبز والأرز، كما لم تتواجد السوق السوداء كما كان منتشرًا في المناطق الواقعة تحت حكم النظام السابق، بالإضافة لذلك تزاديت معدلات التجارة البينية بشكل كبير بين الشمال السوري والتركي فضلًا عن تنشيط التجار الإلكترونية بين الجانبين، كذلك ارتفعت معدلات الاستثمار في الشمال السوري، فقد تم توقيع اتفاقيات لإمداد الكهرباء  بين تركيا والمجالس المحلية في شمال سوريا بين عام 2017 و 2021، هذا وقد ساعد التبادل بالعملة التركية على استقطاب الاستثمار في المدن الصناعية مثل مدينة “أعزاز” الصناعية والتس سجلت بالفعل تقدمًا منذ مطلع عام 2021.

  • التأثير السلبي:

تتعرض مناطق الشمال السوري لتهديد تغير سعر صرف الليرة التركية التي شهدت تذبذبات حادة منذ عام 2022، وتخضع في وضعها الاقتصادي للتقلبات السياسية والاقتصادية في تركيا، وهو ما أثر سلبًا على سبل العيش والتجارة، والآن تشهد المنطقة ركودًا اقتصاديًا كبيرًا، ووفقًا لتقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA)، يعيش 97% من سكان المنطقة في فقر مدقع. فضلًا عن ذلك تنخفض قيمة رواتب المواطنين الذين يتقاضون رواتبهم بالعملة التركية بينما تُجرى عمليات بيع السلع بمختلف أنواعها من غذاء وأدوية وملابس بالدولار  وهو ما يضع السوريون في البلاد أمام مخاطر تكاليف المعيشة.

بالإضافة لذلك تُعد مناطق الشمال السوري مسرح لتعدد العملات حيث لازالت الليرة السورية متداولة وكذلك يتم تقييم أسعار السلع لدى بعض التجار بالدولار ولدى البعض الأخر بالليرة التركية وهو ما نتج عنه تضارب في أسعار السلع خاصة مع تذبذبات العملة التركية المستمرة وذلك بالتوازي مع غياب أي سلطة نقدية في شمال البلاد لإدارة العملات من حيث المعروض الرسمي منها.

ومع ما تشهده تركيا الآن من اضطرابات في عملتها الرسمية التي وصل سعر صرفها إلى 39 ليرة تركية مقابل الدولار  في شمال سوريا، يواجه السورويون في شمال وشمالي غرب البلاد ، تقلبات في أسعار السلع مما يُفاقم المشاكل القائمة مثل انخفاض الدخل، والتضخم، ونقص الوظائف. لذا يُلاحَظ الآن رغبة عدد كبير من السكان في العودة إلى التعامل بالليرة السورية، التي تتميز حالياً بثبات سعر الصرف مقابل الدولار الأمريكي.

المراجع:

أولاً: المراجع باللغة العربية

 ثانيًا: المراجع باللغة الانجليزية


[1]  مدن الشمال السوري الواقعة تحت الإدارة التركية هي كما يلي: تشرف ولايتا كلّس وغازي عنتاب على منطقة ريف حلب الشمالي، وولاية هاتاي على منطقة عفرين، وولاية أورفة على منطقتي تل أبيض ورأس العين.

باحث اقتصادي بمركز ترو للدراسات

مساعي الولايات المتحدة لتوطين صناعة الرقائق الإلكترونية
قراءة تحليلية في قمة شرم الشيخ للسلام
دور شركة أسيلسان للصناعات الدفاعية في تعزيز النفوذ الجيوسياسي لتركيا
الملامح الاقتصادية لخطة ترامب لإعمار غزة
WhatsApp Image 2025-10-14 at 16.54
Scroll to Top