Cairo

انقسامات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.. هل تُحدث التأثير المرجو؟

قائمة المحتويات

باحث دكتوراه في العلاقات الدولية.
مديرة مركز ترو للدراسات والتدريب

جاء توقيع نحو ألفٍ من جنود الاحتياط في وحدة الاستخبارات 8200 وسلاح الجو الإسرائيلي، بالإضافة إلى طيارين، على عريضة احتجاج موجهة لقائد سلاح الجو الجنرال تومر بار، مطالبين فيها بوقف الحرب في قطاع غزة، ليلقي الضوء من جديد على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من الداخل. فوفقاً للإعلام الإسرائيلي، يوم الخميس 10 أبريل 2025، تصاعدت دعوات من جنود الاحتياط هذا نصها: “في هذا التوقيت، تخدم الحرب مصالح سياسية وشخصية وليس الأمن القومي”، وان “استمرار الحرب لا يؤدي إلى تقدم أي من أهدافها المعلنة، وسيؤدي إلى مقتل الرهائن وجنود الجيش الإسرائيلي والمدنيين الأبرياء”.  انطلاقًا مما سبق، يسعى هذا التقرير لعرض مظاهر تلك الأزمة وأسبابها ومدى تأثير هذه الاحتجاجات المتكررة بين صفوف الجيش الإسرائيلي، وإلى أي مدى قد تتحول هذه الظاهرة إلى واقع يؤثر في صنع القرار السياسي في إسرائيل ؟.[1]

1
عريضة الاحتجاج

أولاً: مظــاهر الأزمة

لم تكن تلك هي الأزمة الأولى داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، فتاريخ الحروب الإسرائيلية مليء بالعديد من مظاهر التمرد والاحتجاجات؛ ففي حرب لبنان الأولى سنة 1982، تزعم العقيد إيلي جيبع، قائد الكتيبة التي اجتاحت لبنان من راس الناقورة احتجاجاً، و رفض التقدم نحو بيروت واحتلالها. وقال جيبع إن “هذا الاحتلال لا يخدم مصالح إسرائيل، ويورطها في حرب غير ضرورية، وإنه ليس مستعداً للتضحية بقطرة دم واحدة من جنوده لمعركة تدخل في شؤون لبنان”. وقامت قيادة الجيش بفصله من الخدمة بسبب رفضه تنفيذ الأوامر. وفيما بعد قام مع آخرين بتأسيس حركة «يوجد حد» التي رفعت شعار رفض الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة؛ لتصبح أول حركة تمرد منظمة في تاريخ الجيش الإسرائيلي، فقد استقطبت آلاف الجنود من جيش الاحتلال.[2]

ومنذ اندلاع الحرب على غزة، في السابع من أكتوبر 2023. وفي مارس 2024، فقد طُرد ضابطان كبيران من الجيش الإسرائيلي، أحدهما طيار حربي، بسبب رفضهما المشاركة في الحرب على غزة التي أعتبرها جنود من الجيش الإسرائيلي أنها حرب غير نزيهة وغير ضرورية، نقلاً عن تصريحات لموقع الجيش الإسرائيلي. وفي تطور آخر، كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن توقيع حوالي مائة طبيب عسكري من قوات الاحتياط على رسالة تدعو إلى وقف القتال وإعادة المختطفين. وجاء في نص الرسالة: “نحن نخدم في منظومة الاحتياط بدافع الالتزام بقدسية الحياة وبروح الجيش الإسرائيلي وقسم الطبيب، نرى أن استمرار القتال وترك المختطفين يتعارض مع هذه القيم الأساسية”.  وأشارت المصادر إلى أن هذه الرسالة ما زالت مبادرة قيد التنظيم ولم تخرج للنور بشكل رسمي حتى اللحظة. ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة انضمام المزيد من الموقعين، لا سيما أن أغلب الموقعين هم من قوات الاحتياط النشطة. وكان رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير قد صدّق الخميس الماضي على قرار فصل قادة كبار بالجيش ونحو ألف جندي احتياط من الخدمة، وذلك بعد توقيعهم على عريضة الاحتجاج التي تدعو لإنهاء حرب غزة.[3]

تكشف هذه الخطوة حجم التململ داخل الجيش، خاصة أن معدلات رفض أوامر الاحتياط والتراجع في تجنيد الاحتياط وصل إلى 30% – 50% بحسب هآرتس،[4] لتتزامن تلك الأزمة مع تفاقم أزمة التجنيد داخل الجيش الإسرائيلي التي ظهرت قبل فترة بسبب الخسائر التي تكبدها الجيش، بالإضافة إلى عدم تمرير قانون التجنيد المرتبط بأزمة الحريديم؛ لتلجأ إسرائيل إلى تمديد فترة خدمة ربع المجندات اللاتي التحقن بالجيش عام 2023 لمدة 8 أشهر إضافية، فضلًا عن اتخاذ تدابير أخرى غير معلنة.[5]  

ثانياً: جذور الأزمة وأسبابها

جذور الأزمة تعود إلى بداية الحرب على قطاع غزة وبدء العمليات البرية. ولكن استمرار الحرب لما يزيد عن العام ونصف العام وعدم القدرة على تحقيق أهدافها المعلنة حتى الآن؛ جعل الرأي العام الداخلي في إسرائيل، والذي تتوافق معه رؤية بعض العسكريين في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، يرى أنه يتم توريط إسرائيل في حرب بلا شرعية، مجهولة المصير، وتخدم مصالح شخصية سياسية لرئيس وزراء إسرائيل على حساب المؤسسة العسكرية، وليست حرباً أمنية تخدم مصالح إسرائيل.

هناك انقسام في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية؛ فالفريق المًعارض يرى أن رئيس الوزراء نتنياهو يرغب في الاستمرار في الحرب على غزة، وربما تعمد فتح جبهات جديدة ليضمن بقائه السياسي في السلطة لأن انتهاء الحرب يعني مساءلته عن كل ما تورط فيه من أخطاء سواء الإخفاق في حماية إسرائيل من هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023 أو اتهامه في قضايا الفساد وخضوعه للمحاكمة، إلى جانب تراجع شعبيته خاصة بين أهالي الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس لما تسبب فيه من تعطيل عقد صفقة التبادل لأشهر عديدة وتعمد إفشال المفاوضات. يضاف إلى ذلك الإضرار بصوررة إسرائيل كدولة ديمقراطية (وفق مزاعم الإسرائيليين) ومثولها أمام محكمة العدل الدولية ومحاولة إضعاف القضاء وتقويض استقلال السلطة القضائية، وتغول السلطة التنفيذية على جميع السلطات عن طريق ما يُسمى خطة التعديلات القضائية لإرضاء حلفائه من اليمين الديني المتطرف (بن غفير وزير الأمن القومي وبتسلائيل سيموترتيش وزير المالية) دون أن يأخذ في الاعتبار المصالح الإسرائيلية.[6]

هناك عدد كبير من كبار القادة بالجيش الإسرائيلي غاضبون من إدارة نتنياهو للحرب، وغير راضين عن تقويض نتنياهو لمفاوضات الهدنة واستعادة الرهائن المحتجزين، وتعمد تعطيل مفاوضات إيقاف الحرب، وتوريط الجيش الإسرائيلي في عدد من الجبهات مثل التوغل في سوريا والجنوب اللبناني والتصعيد في غزة من جديد. يرون ذلك إنهاكاً للجيش الإسرائيلي دونما جدوى، ودون تحقيق أهداف الحرب.

وكان غانتس عضو مجلس الحرب ووزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق قد أعلن أن نتنياهو يقود إسرائيل نحو الهاوية، وكان قد هدد بالانسحاب في ذلك الحين من الحكومة إذا لم تتم الاستجابة لمطالبه بتحديد إستراتيجية واضحة للحرب وأن تضع حكومة نتنياهو خطة بحلول 8 يونيو 2024 تحقق القضاء على حماس، وإعادة الرهائن، وتشكيل حكومة بديلة فى القطاع (إقامة إدارة أوروبية أمريكية فلسطينية مدنية للقطاع)، وإعادة المستوطنين الإسرائيليين إلى شمال إسرائيل، ووضع خطة لإحراز تقدم في التطبيع مع المملكة العربية السعودية، والتجنيد العسكرى العادل فى إسرائيل. وهو ما يتفق مع موقف زعيم المعارضة يائير لابيد، الذي حث آنذاك وزيرى الحرب غانتس وغادي آيزنكوت على الانسحاب من الحكومة لأن خروجهما قد يؤدي إلى إقالة رئيس الوزراء نتنياهو.[7]

ثالثاً: تأثير الأزمة على الجيش الإسرائيلي

ويري إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أن كل يوم يستمر فيه نتنياهو في منصبه فيه ضرر مباشر وزعزعة لوجود دولة إسرائيل، وعليه أن يستقيل. وكانت إسرائيل قد أعلنت أن أكثر من 400 جندي قتلوا منذ بدء العمليات في غزة بعد مقتل أكثر من 1200 شخص في الهجوم الذي شنته حركة حماس في 7 أكتوبرعام 2023. وقالت وزارة الدفاع الإسرائيلية إن نحو 16 ألفاً و500 من جنودها تلقوا العلاج بعد تعرضهم لإصابات بدنية ونفسية منذ أن بدأت العملية البرية في غزة. وأضافت الوزارة في بيان لها إن ما يقرب من نصف الجنود المصابين – حوالي 7300 جندي – أصيبوا بمشكلات نفسية. وقال ليمور لوريا، رئيس قسم إعادة التأهيل في وزارة الدفاع، إن المصابين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة، ونوبات قلق واكتئاب.[8]

وتخضع تلك الأرقام للتشكيك من عدة خبراء عسكريين وجهات عديدة؛ حيث تشير المعطيات اليومية على مدار أكثر من عام ونصف من المعارك إلى أن الأرقام الحقيقية هي أكثر بكثير من تلك المعلنة، ولكن إسرائيل تحاول التكتم على خسائرها من أجل الحفاظ على صورتها عالميًا، ومنعًا لاستغلالها من المعارضة داخليًا. كما تشير بعض المصادر إلى اعتماد إسرائيل على المرتزقة؛ فمن المعروف أن الخسائر البشرية في صفوفهم لا يتم احتسابها.

وختامًا يمكن القول إن تلك الاحتجاجات بين صفوف جنود الاحتياط داخل الجيش الإسرائيلي يمكن أن تتسبب في تداعيات طويلة المدي فيما يتعلق بتراجع تجنيد جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، ومن ناحية أخرى قد تتطور تلك الاحتجاجات إلى حركات تطالب بالعصيان داخل الجيش. وقد تتصاعد وتيرة تلك الاحتجاجات بزيادة عدد الموقعين على العريضة، وتتحول إلى احتجاجات عسكرية شعبية، خاصةً بعد انضمام ما يقرب من ألفي أكاديمي إلى تلك الاحتجاجات. كما أن أزمة تجنيد الحريديم تجعل الأزمة أكثر تعقيدًا وتهدد بتأجيج الانقسامات المجتمعية مع طول مدة الحرب، وفقدانها الأهمية الإستراتيجية والعملياتية، وعدم القدرة على تحقيق إنجازات على الأرض، وهو ما يخشاه العديد من السياسيين والعسكريين في إسرائيل.[9]

إن قدرة هذه الاحتجاجات على التأثير في صنع القرار تعتمد على قدرتها في الوصول إلى قطاعات أوسع تشمل قطاعات متعددة في الجيش من غير الاحتياطيين، وقيادات في الخدمة، ومجموعات ضغط سياسية. وفي حال استجابت حكومة نتنياهو لوقف إطلاق النار والتفاوض، فقد تتراجع وتيرة هذه الاحتجاجات تدريجياً.

قائمة المراجع


[1] “نتنياهو لداعمي رسائل رفض الخدمة: “طحالب”،” سكاي نيوز عربية، 11 أبريل 2025، نتنياهو لداعمي رسائل رفض الخدمة: “طحالب” | سكاي نيوز عربية

[2] “إسرائيل: 16500 جندي تعرضوا لإصابات بدنية ونفسية في غزة،” الشرق الأوسط، 6 أبريل 2025، إسرائيل: 16500 جندي تعرضوا لإصابات بدنية ونفسية في غزة

[3] “اتساع رقعة رافضي الحرب داخل الجيش الإسرائيلي،” الجزيرة، 11 أبريل 2025، اتساع رقعة رافضي الحرب داخل الجيش الإسرائيلي | أخبار | الجزيرة نت

[4]  د. محمد عبود، “خبير مصري يعلق على “تمرد في الجيش الإسرائيلي،” RT، 10 أبريل 2025، خبير مصري يعلق على “تمرد في الجيش الإسرائيلي” – RT Arabic

[5] محمد وتد، “كيف تؤثر الاحتجاجات وأزمة التجنيد على الجيش الإسرائيلي؟،” الجزيرة، 11 أبريل 2025، كيف تؤثر الاحتجاجات وأزمة التجنيد على الجيش الإسرائيلي؟ | سياسة | الجزيرة نت

[6]  أ. د. حنان أبو سكين، “الرؤية الإسرائيلية لليوم التالي للحرب على غزة،” الملف المصري (مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية)، العدد 117، (يونيو 2024).

[7]  نفس المرجع السابق

[8] “بدنيا ونفسيا.. إسرائيل تعلن عدد جنودها المصابين في حرب غزة،” سكاي نيوز عربية، 7 أبريل 2025، بدنيا ونفسيا.. إسرائيل تعلن عدد جنودها المصابين في حرب غزة | سكاي نيوز عربية

[9]  محمد وتد، “كيف تؤثر الاحتجاجات وأزمة التجنيد على الجيش الإسرائيلي؟،” الجزيرة، 11 أبريل 2025، كيف تؤثر الاحتجاجات وأزمة التجنيد على الجيش الإسرائيلي؟ | سياسة | الجزيرة نت

باحث دكتوراه في العلاقات الدولية.
مديرة مركز ترو للدراسات والتدريب

الاستقالات الوزارية في هولندا وتداعياتها على الموقف الأوروبي من إسرائيل
الميتافيزيقا السياسية للسلطة في فلسطين
رؤية جون ميرشايمر لحربي إسرائيل وروسيا ومستقبل النظام الدولي
تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات."
مخرجات قمة ألاسكا بين ترامب وبوتن
Scroll to Top