Cairo

التنافس التركي – الإسرائيلي في سوريا: هل يصل إلى الصدام العسكري؟

قائمة المحتويات

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

أصبحت سوريا ساحة للتنافس بين مجموعة من القوى الإقليمية والدولية، وسقوط نظام الأسد لم يضع حدًا لذلك التنافس، ولكنه شكل فقط تغيرًا في شكله وأطرافه. تحاول تركيا تأمين المكاسب التي حققتها بعد أن دعمت فصائل المعارضة التي بدورها تمكنت من إسقاط نظام الأسد، بينما ترفض إسرائيل أي وجود عسكري تركي على الأرض، وتكثف هجماتها الجوية على قواعد الجيش السوري، وبشكل خاص تلك التي أشارت بعض المصادر إلى احتمال تواجد قوات تركية بها في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الولايات المتحدة عن نيتها تقليص وجودها العسكري داخل سوريا، فيما تسعى روسيا للحفاظ على وجودها من خلال التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية.

وفي ضوء ذلك، يستعرض هذا التقرير في شقه الأول القوى الإقليمية والدولية المتنافسة في سوريا، وفي شقه الثاني يحلل ديناميكيات التنافس بين تركيا وإسرائيل ومآلاته المستقبلية.

أولًا: القوى الإقليمية والدولية المتنافسة

قبل سقوط نظام الأسد كان كلٍ من إيران وروسيا وحزب الله يوفرون الدعم للنظام السوري ضد فصائل المعارضة التي تدعمها بشكل رئيس تركيا. ولا يمكن إغفال التواجد الأمريكي الذي وفر الدعم للأكراد وبعض الفصائل المسلحة من أجل محاربة التنظيمات الإرهابية على حد وصفهم. بالإضافة إلى إسرائيل التي كانت تشن من حين لآخر ضربات جوية داخل سوريا ضد معسكر النظام السوري من أجل إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.[1]

وبعد سقوط نظام الأسد تم تقويض النفوذ الإيراني بشكل شبه كامل – حتى اللحظة – داخل سوريا، وهو ما يضع محور المقاومة في خطر بسبب قطع خطوط الإمداد عن حزب الله في لبنان. أما روسيا فهي الداعم الوحيد للنظام السوري السابق الذي استطاع حتى الآن الاحتفاظ ببعض مواقعه داخل سوريا. ولا تزال روسيا تسعى إلى التوصل لاتفاق مع النظام الحالي من أجل الإبقاء على قاعدتي حميميم وطرطوس.[2]

وسعت الولايات المتحدة طوال فترة تواجدها إلى استغلال النفط السوري من خلال التمركز في مناطق آبار النفط والتعاون مع الأكراد في ذلك المجال. ولكن في ظل انحسار النفوذ الإيراني داخل سوريا والتفاهمات الدائرة بين روسيا والولايات المتحدة بشأن الحرب في أوكرانيا، وكذلك تقبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتمدد التركي داخل سوريا مع وجود ضمانات لأمن إسرائيل، ترى الإدارة الأمريكية أنه من الممكن تخفيض الوجود العسكري داخل سوريا في الفترة المقبلة؛ حيث قال مسؤولان أمريكيان إن الولايات المتحدة تستعد لتقليص وجودها العسكري في سوريا إلى النصف.[3]

أبدت إسرائيل قلقها من تلك الخطوة حيث ترى أنها ستفتح الباب أمام المزيد من التمدد للنفوذ التركي في سوريا، وهو ما ترفضه إسرائيل حيث لا تريد تكرار تجربة الوجود الإيراني في سوريا مرة أخرى؛ فإسرائيل تريد سوريا دولة ضعيفة لا تملك جيش أو أية قدرات لتهديدها أو لتقديم الدعم لطرف يهددها، فضلًا عن رغبتها في الاحتفاظ بحرية الحركة داخل سوريا من أجل التوسع وضم المزيد من الأراضي بعد ضم الجولان. كما أشارت عدة مصادر إلى دعم إسرائيل لاستمرار التواجد الروسي في سوريا من أجل موازنة النفوذ التركي وعدم ترك فراغ تملأه تركيا.[4]

ولا يبدو أن تركيا مستعدة للتراجع عن خططها للتواجد العسكري في سوريا، وبشكل خاص في وسط سوريا والذي تعتبره إسرائيل خطًا أحمر؛ ولذلك دعا ترامب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الحوار مع الرئيس التركي أردوغان. وبالفعل عقدت مشاورات فنية بين الطرفين في أذربيجان من أجل خفض التصعيد والتوصل لتفاهمات تضمن لهما مصالحهما من خلال وضع آلية لمنع الاشتباك.[5]

سعت كذلك عدد من الدول العربية، مثل السعودية وقطر، بعد وقت قصير من سقوط نظام الأسد إلى بناء علاقات مع الحكومة الجديدة من أجل تجنب تكرار سيناريو تغول النفوذ الإيراني في سوريا من قبل تركيا عن طريق انفرادها بدعم النظام الجديد. كما زار الرئيس السوري أحمد الشرع الإمارات في خطوة يمكن أن تكون خلفها محاولات من الولايات المتحدة وإسرائيل لتقديم مصادر دعم بديلة لسوريا بدلًا من الاعتماد على تركيا التي تسعى إسرائيل لمنع تنامي نفوذها في سوريا.[6]

ثانيًا: ديناميكيات التنافس التركي – الإسرائيلي ومآلاته المستقبلية

أولًا، بالنظر لإسرائيل فإنها ترفض بشكل قاطع وجود قوات تركية في مناطق غير تلك التي تتواجد فيها تركيا في الشمال السوري. وتعالت العديد من الأصوات داخل إسرائيل بعد سقوط نظام الأسد لتحذر من تمدد النفوذ التركي في سوريا والتبعات التي قد يشكلها التواجد العسكري التركي أو أي نوع من المساعدات العسكرية التي قد تقدمها تركيا لحكومة سوريا.[7] كما ترفض إسرائيل التواجد التركي بسبب رغبتها في الاحتفاظ بقدرتها على التحرك بحرية داخل سوريا والقيام بضربات جوية دون معارضة طرف آخر. لدى إسرائيل كذلك أطماع توسعية في سوريا حتى بعد ضمها مرتفعات الجولان المحتلة. ولذلك تسعى إسرائيل للتوصللتفاهمات مع تركيا تحفظ لها كل الأهداف المذكورة سلفًا

1
المصدر: BBC

تعتمد إسرائيل على أكثر من سياسة لتحقيق ذلك؛ أولها هو قصف إسرائيل للقواعد السورية المزعم استقبالها لقوات تركية، بالإضافة إلى عدد من القواعد الأخرى، ثانيها زيادة المساحة التي توغلت فيها في جنوب سوريا من أجل الاحتفاظ بمنطقة عازلة لا تتواجد بها قوات سورية أو تركية.[9] ثالث تلك السياسات هو السعي الإسرائيلي للحفاظ على التواجد الأمريكي في سوريا، وكذلك التواجد الروسي – الذي يحفظ لإسرائيل مصالحها بسبب التفاهمات السابقة بين الجانبين، من أجل قطع الطريق على تركيا في محاولتها لامتلاك الكلمة العليا في سوريا. كما يمكن أن تحاول إسرائيل من خلال الولايات المتحدة الدفع نحو توجيه الحكومة السورية للتعاون مع دول عربية، مثل السعودية والإمارات وقطر، من أجل إبعادها عن الوقوع تحت الهيمنة التركية.

ثانيًا، فيما يتعلق بالجانب التركي، دعمت تركيا فصائل المعارضة التي قادها الشرع من أجل مواجهة نظام بشار وفي الوقت نفسه مواجهة الأكراد داخل سوريا وتحجيم نفوذهم؛ حيث اتسمت العلاقة مع تركيا بتوتر شديد إلى أن أعلن حزب العمال الكردستاني استعداده لإلقاء السلاح، بالإضافة إلى الاتفاق الذي توصل له أكراد سوريا مع الرئيس أحمد الشرع.[10] ولكن هذا كله لا يعني أن تركيا تخلت عن خططها للتواجد العسكري في أكثر من موقع في سوريا؛ فهذا التواجد العسكري سيجعل تركيا أهم لاعب داخل سوريا وسيمكنها إلى حد ما من التفرد بموارد سوريا. كما سيمكنها من التأكد أن قضية الأكراد تمت السيطرة عليها.

وتتمسك تركيا بالتواجد العسكري في سوريا لتحقيق ما ذكر سلفًا، فضلًا عن كون سوريا الآن في حالة ضعف غير مسبوق بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وعدم وجود جيش بعد أن دمرت إسرائيل أغلب مقدراته بُعيد سقوط الأسد؛ مما يجعلها فرصة أمام بعض الدول للتدخل وملء هذا الفراغ إن لم تسارع وتملأه تركيا. فعلى سبيل المثال، من الممكن أن يؤدي تنامي النفوذ الإسرائيلي في سوريا إلى مساعدة الأكراد ودعمهم في إنشاء دولة مستقلة أو الحصول على نوع من الاستقلالية التي تراها تركيا تهديدًا لها. وبما لا يدع مجالًا للشك فإن سوريا تعتبر أحد أهم الأضلع في سياسة تركيا للحفاظ على مركزها كقوة إقليمية بعد أن أصبح لها تواجد عسكري في دول مثل الصومال وليبيا والعراق.[11]

ختامًا، وفق المعطيات الحالية من غير المتوقع أن يصل الوضع بين تركيا وإسرائيل إلى الصدام العسكري؛ فتركيا مارست الصبر الاستراتيجي طوال سنوات الثورة السورية ومن المتوقع أن تستمر في انتهاج هذه السياسة في الوقت الحالي. الدور الأمريكي كذلك الذي يسعى لتنظيم التنافس بين الطرفين يقلل من احتمالات الصدام. وتعمل تركيا على استغلال هذا الدور الأمريكي لصالحها من خلال تقديم نفسها كحليف الولايات المتحدة الذي يسعى لاستكمال دورها في الحرب على الإرهاب في سوريا والعراق؛ مما يساعد الولايات المتحدة على تقليص وجودها العسكري. ولا ريب أن سوريا هي الخاسر الأكبر وسط كل ذلك التنافس؛ لذلك على الدول العربية تقديم الدعم اللازم إلى سوريا من أجل إعادة بناءها كدولة موحدة ومستقرة ومستقلة.

قائمة المراجع


[1] “هل يؤدي استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق إلى حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران؟،” BBC، ٢ أبريل ٢٠٢٤، https://www.bbc.com/arabic/68715466.amp

[2] “روسيا تسعى للاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين في سوريا،” الجزيرة، ٢ مارس ٢٠٢٥، https://www.aljazeera.net/amp/news/2025/3/2/روسيا-تسعى-للاحتفاظ-بقاعدتيها

[3] زين خليل، “هيئة البث الإسرائيلية: واشنطن ستقلص قواتها بسوريا للنصف خلال شهرين،” وكالة الأناضول، ١٦ أبريل ٢٠٢٥، https://www.aa.com.tr/ar/الدول-العربية/هيئة-البث-الإسرائيلية-واشنطن-ستقلص-قواتها-بسوريا-للنصف-خلال-شهرين/3540433#

[4]  كفاح زبون، “إسرائيل تريد الاحتفاظ بمجالي «سيطرة» و«نفوذ» في عمق سوريا،” الشرق الأوسط، ١٠ يناير ٢٠٢٥، https://aawsat.com/العالم-العربي/المشرق-العربي/5099964-إسرائيل-تريد-الاحتفاظ-بمجالي-سيطرة-ونفوذ-في-عمق-سوريا

[5] كمال أوزترك، ” ما “آلية منع الاشتباك” المزمع إنشاؤها بين تركيا وإسرائيل؟،” الجزيرة، ١٦ أبريل ٢٠٢٥، https://aja.ws/390y4g

[6] “الشرع يبدأ أول زيارة رسمية إلى الإمارات منذ توليه المنصب،” الشرق الأوسط، ١٣ أبريل ٢٠٢٥، https://aawsat.com/العالم-العربي/الخليج/5131987-الشرع-يبدأ-أول-زيارة-رسمية-إلى-الإمارات-منذ-توليه-المنصب

[7] Udi Etzion, “Israel must prepare for potential war with Turkey, Nagel Committee warns,” The Jerusalem Post, 6 Jan 2025, https://www.jpost.com/israel-news/article-836362

[8] حنان البلخي، “الأطماع التوسعية لإسرائيل في سوريا،” الجزيرة، ٢١ مارس ٢٠٢٥، https://www.ajnet.me/opinions/2025/3/21/الأطماع-التوسعية-لإسرائيل-في-سوريا

[9] ضياء عودة، “هجمات إسرائيل في سوريا.. ماذا وراء توسعها جغرافيًا؟،” الحرة، ٢٥ مارس ٢٠٢٥، https://www.alhurra.com/syria/2025/03/25/هجمات-إسرائيل-في-سوريا-وراء-توسعها-جغرافيًا؟?amp

[10] “أردوغان يحذر حزب العمال الكردستاني من نكث وعده بإلقاء السلاح،” الجزيرة، ١ مارس ٢٠٢٥، https://www.aljazeera.net/amp/news/2025/3/1/أردوغان-يحذر-حزب-العمال-الكردستاني-من

[11] Karol Wasilewski, “The Road to Global Power: Turkey’s Overseas Military Bases,” The Polish Institute of International Affairs, 5 June 2019, https://www.pism.pl/publications/The_Road_to_Global_Power_Turkeys_Overseas_Military_Bases_

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

الميتافيزيقا السياسية للسلطة في فلسطين
رؤية جون ميرشايمر لحربي إسرائيل وروسيا ومستقبل النظام الدولي
تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات."
مخرجات قمة ألاسكا بين ترامب وبوتن
شهد الجنوب السوري مؤخرًا تجددًا للاشتباكات، ما جعله بؤرة هشاشة تهدد استقرار البلاد ووحدة أراضيها، الأمر الذي أثار تساؤلات جوهرية حول دوافع هذا التصعيد وأسبابه، فضلًا عن التداعيات المحتملة على الأمن القومي السوري، ومتحليل الضربات الإسرائيلية
Scroll to Top