Cairo
في ظل تنامي التهديدات الجوية من خصوم واشنطن التقليديين، تسعى الولايات المتحدة لتدشين مشروع دفاعي جديد يُعرف بـ"القبة الذهبية". فهل هو بداية لسباق تسلح عالمي جديد أم تكرار لمبادرة "حرب النجوم"؟

“القبة الذهبية” الأمريكية.. سباق تسلح جديد أم تكرار لـ”حرب النجوم”؟

قائمة المحتويات

باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب

يشهد العالم تطور كبير وسريع في استخدام التكنولوجيا العسكرية، خاصةً في مجالي الدفاع والهجوم الصاروخي، ما يُغيّر بشكل كبير في موازين القوى الدولية، الأمر الذي تمثل في مشروع “القبة الذهبية” الأمريكية الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب في 20 مايو 2025. وهو عبارة عن منظومة دفاعية طموحة تُعيد إحياء مبادرة الدفاع الاستراتيجي التي عرفت بـ “حرب النجوم” للرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان.

الجديد في هذه المنظومة هو أنها ليست نسخة موسعة من منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، بل تتميز ببنية تكنولوجية عالية ودفاع فضائي والتعامل مع أنواع متعددة من التهديدات الجوية على نطاق جغرافي واسع كالأراضي الأمريكية. وبناءً على ذلك، يثير هذا المشروع قلق ومخاوف المجتمع الدولي من تصعيد سباق التسلح النووي وزعزعة الاستقرار العالمي. 

يسعى هذا المقال التحليلي إلى دراسة مشروع القبة الذهبية الأمريكية من عدة زوايا هي: أولاً، القبة الذهبية الأمريكية: المفهوم والتقنية، إلى جانب الانتقادات الأمريكية الموجهة له. ثانيًا، دوافع بناء القبة الذهبية. ثالثًا، ردود الأفعال الدولية. رابعًا، القبة الإسرائيلية.

أولاً، القبة الذهبية الأمريكية: المفهوم والتقنية

  1. مشروع القبة الذهبية: الخلفية والأهداف

أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رسميًا عن منظومة “القبة الذهبية الأمريكية” في 20 مايو 2025، في خطوة تُعد تحولًا كبيرًا في مجال الدفاع الصاروخي، والأنظمة الدفاعية الفضائية. جاء ذلك الإعلان في إطار تنفيذه لوعده للشعب الأمريكي في حملته الانتخابية عام 2024 بإنشاء درع صاروخية متطورة لحماية الأراضي الأمريكية، وأيضًا في إطار المرسوم الذي أصدره ببناء قبة حديدية أمريكية في 27 يناير 2025، مشيرًا إلى أنها ستكون على شاكلة متطورة من نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي “القبة الحديدية”. وبناءً على ذلك، كلف ترامب نائب رئيس العمليات في قوة الفضاء الأمريكية ،الجنرال مايكل غيتلان، بتولي هذا المشروع والإنتهاء منه في عام 2029 قبل نهاية ولايته.[1]

تُعد منظومة القبة الذهبية منظومة درع صاروخية أرضية وبحرية وفضائية تعتمد على الأقمار الصناعية وتتضمن أجهزة استشعار فضائية وصواريخ اعتراضية وأنظمة دفاع جوي وصاروخي فضائي، كما تُدمج بجميع الأنظمة التقنية الأمريكية.[2] [3]وتهدف للتصدي إلى التهديدات الجوية من الجيل التالي من صواريخ الفرط صوتية والباليستية وكروز سواء كانت نووية أو تقليدية التى قد تنطلق من أقصى بقاع الأرض أو من الفضاء،[4] بالإضافة إلى أنظمة القصف المداري الجزئي المعروفة باسم “فوبز” (Fobs)،[5] مما يعزز ردع الهجمات النووية. علاوةً على ذلك، فإن منظومة القبة لديها القدرة على تحديد وتعقب واعتراض أي هجوم جوي.[6]

قدّرت إدارة ترامب تكلفة المشروع بنحو 175 مليار دولار أمريكي على المدى الطويل، وتم تخصيص نحو 25 مليار دولار كتمويل مبدئي له، بينما قدّرها مكتب الميزانية في الكونغرس بحوالي 542 مليار دولار أمريكي على مدى 20 عامًا[7]، مما يبرز فجوة كبيرة في التقديرات. وقد تعود أسباب هذه الفجوة إلى محاولة ترامب إلى تسويق المشروع ولذلك قدره ماليًا بنسبة صغيرة، مما يثير الشكوك حول مدى قابلية تنفيذ هذا المشروع ماديًا في ظل معاناة واشنطن من عجز الموازنة البالغ 1.3 تريليون دولار حتى أبريل 2025[8]، بالإضافة إلى الديون الأمريكية البالغة 36 تريليون دولار لعام 2024[9] وتمثل 122% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.[10] ويعطي تقدير الكونجرس انطباعًا بأن مشروع القبة قد يواجه تضخمًا في التكاليف، نظرًا إلى حجمه وحجم متطلباته التكنولوجية والعسكرية. ِإلى جانب ذلك، تقوم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بتضمين الأهداف العسكرية الجديدة للجيش ضمن ميزانية وزارة الدفاع لعام 2026 بناءً على تعليمات وزير الدفاع، بيت هيغسيث.[11]

يتطلب تنفيذ مشروع القبة التعاون بين العديد من المؤسسات الأمريكية،[12] إذ يفتقد المشروع إلى خطة حول كيفية تعاون وكالة الدفاع الصاروخي، والجيش، والقوات الجوية، والبحرية، وقوة الفضاء لإدارتها.[13] إلى جانب ذلك، تتعاون العديد من الشركات الأمريكية الخاصة الداعمة لسياسات ترامب مثل شركة إيلون ماسك، سبيس إكس، كمرشح أول لبناء المكونات الأساسية للمشروع مع شركتي بالانتير وأندرويل.[14]

  • انتقادات أمريكية لمشروع القبة الذهبية

اتنقد العديد من الخبراء منظومة القبة الذهبية لأسباب متنوعة، إذ رأى البعض أنها لا تزال مجرد فكرة، بسبب اعتمادها على تقنيات مازالت قيد التطوير، ما يجعل من الصعب تحديد تكلفة هذا المشروع، وامكانية تنفيذه. وتُعد المدة الزمنية والنطاق الجغرافي من أبرز أسباب الانتقادات الموجهة للمشروع، فقد وضع ترامب إطارًا زمنيًا مدته 4 سنوات لاستكمال هذا المشروع، وهو تقدير غير واقعي، نظرًا لتعقيد متطلبات المشروع وحجمه، إذ تشير بعض التقديرات أنه قد يستغرق تنفيذه ما لا يقل عن 10 سنوات.[15] أما من حيث النطاق الجغرافي، فتمتد الولايات المتحدة الأمريكية على مساحة واسعه ذات تضاريس متنوعة، وهو ما يفرض العديد من التحديات التقنية والفنية لنشر نظام دفاعي على مثل هذه المساحة.[16]

وقد أُثيرت العديد من الشكوك حول طبيعة مشاركة بعض الشركات في تنفيذ مشروع القبة الذهبية، لا سيما شركة سبيس إكس إلى جانب شركتي بالانتير وأندرويل، وذلك لأن مؤسسيهم من أكبر الداعمين لتوجهات ترامب، إذ دعم ماسك الحملة الانتخابية له بأكثر من ربع مليار دولار ومن ثم عيينه ترامب قائدًا لوزارة الكفاءة الحكومية[17] (التي غادرها مؤخرًا)[18]، مما أثار مخاوف حول إشكاليات الشفافية وتضارب المصالح في إدارة هذا المشروع.  

وعلاوة على ما سبق، أشار بعض المتخصصين من محدودية فعالية منظومة القبة، وذلك لأن الدفاع ضد هجوم نووي شامل أمر غير مجدٍ من الناحية التقنية والاقتصادية، بالإضافة إلى أزمة التكلفة مقابل الفعالية، حيث رأت الجمعية الفيزيائية الأمريكية (APS) احتياج منظومة القبة الصاروخية لآلاف من الصواريخ الاعتراضية للتصدي لصاروخ باليستي واحد مثل الصاروخ الكوري الشمالي الذي يُعرف بـ “صاروخ هواسونغ-18″، مما يعكس التكلفة الهائلة للتقنيات المتقدمة لإنشاء هذه القبة. فضلًا على ذلك، سرعان ما يصبح النظام غير مجدٍ بسبب القدرة الدفاعية المتطورة للصواريخ الباليستية وتكلفتها القليلة مقارنةً بإنشاء المنظومة.[19]

إن أنظمة الدفاع الفضائي مُعرضة وبسهولة لهجوم باستخدام أسلحة مضادة للأقمار الصناعية والتى تعتبر أرخص بكثير من تكلفة النظام نفسه، مما يجعله نظام هش وسهل التعطيل. وذلك ما حدث بين الولايات المتحدة والحوثيين في اليمن، إذ استخدمت واشنطن العديد من الصواريخ الاعتراضية البالغة ملايين الدولارت لاستهداف طائرات بدون طيار رخيصة الثمن للحوثيين. وتمثلت أبرز الانتقادات الداخلية والدولية في أن هذا  المشروع سيتسبب في تصعيد سباق التسلح مع الخصوم وإدخال المجتمع الدولي في حلقة غير منتهية من التنافس العسكري، مما يزعزع الاستقرار القائم على الردع النووي.[20]

ثانيًا، دوافع بناء القبة الذهبية

يعيد مشروع القبة الذهبية إلى الأذهان مبادرة الدفاع الاستراتيجي “حرب النجوم” التى أطلقها الرئيس الأمريكي السابق، رونالد ريجان، في ثمانينات القرن الماضي لمواجهة خطر الاتحاد السوفيتي[21] ولكنها لم تنفذ بسبب تحديات تقنية،[22] إضافة إلى انتهاء الحرب الباردة بين البلدين، والتى يعتقد بعض العلماء أن هذه المبادرة ساهمت في انهيار الاتحاد السوفيتي.[23] إلا أن هذه المخاوف تعود من جديد إلى واشنطن مع طرح مشروع القبة الذهبية، ولكن هذه المرة لمواجهة التهديد الصيني في المقام الأول، يليه، الروسي،[24] وذلك بالرغم من امتلاك الولايات المتحدة عدد كبير من الرؤوس النووية والقدرات العسكرية. الأمر الذي يعكس تحوّل في التفكير الأمني الأمريكي من الردع النووي إلى تآكل الثقة به والسعي لامتلاك مظلة دفاعية شاملة.

وعلى ضوء ما سبق، تمتلك الولايات المتحدة 3708 رأسًا نوويًا نشطًا كمخزونها العسكري لعام 2024، حيث تم نشر 1770 رأسًا نوويًا منها، و1938 رأسًا نوويًا احتياطيًا، بالإضافة إلى 1336 رأسًَا نوويًا متقاعدًا. بينما يتمثل المخزون العسكري الروسي لعام 2024 في 4380 رأسًا نوويًا، منهم 1710 تم نشرهم على قواعد القاذفات وصواريخ باليستية وبحرية. أما بالنسبة إلى الصين، فهي تملك 500 رأسًا نوويًا، وهو أقل بكثير من مما لدى واشنطن وموسكو، ولكنها تعمل على توسيع وتحديث ترسانتها النووية بسرعة كبيرة، كما نشرت بعض منها. وأيضًا من المتوقع أن تزداد عدد الصواريخ الباليستية العابرة للقارات لبكين أكثر من التى تحتفظ بها كل من واشنطن وموسكو.[25] فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تُعد ثاني أكبر دولة عالميًا في امتلاك الرؤوس النووية، التي تعتبر بمثابة ردع نووي لنشوب الحروب الكبرى، إلا أن واشنطن لا تبدو مكتفية بهذا الردع وتتجه نحو إنشاء القبة الذهبية.

في عام 2021، أطلقت بكين نظام رأس حربي جديد ذات قدرات تكنولوجية عالية في مجال الأسلحة الفرط صوتية، حيث يدخل مدار الأرض ثم يعود إلى الغلاف الجوي، ما يجعل تتبعه أو اعتراضه صعب في ظل الأنظمة الدفاعية الحالية. الأمر الذي أثار المخاوف الأمريكية وزادت الدعوات إلى تطوير منظومات دفاعية صاروخية.[26] من جهة أخرى، أعلنت كوريا الشمالية نفسها كدولةً نووية في عام 2022، مختبرة إطلاق صورايخ كروز وصواريخ باليستية، من بينها صاروخ باليستي متوسط المدى برأس حربي فرط صوتي.[27]وبناءً على ذلك، أفادت وثيقة “ميسيل ديفنس ريفيو” الصادرة عن البنتاغون لعام 2022 أن واشنطن تواجه تهديدات صاروخية من عدة دول مثل إيران وكوريا الشمالية والصين وروسيا، إذ تطور بكين قدراتها التكنولوجية في المجال العسكري والدفاعي. وكذلك تقوم موسكو بتحديث منظومات الصواريخ العابرة للقارات.[28]

ومن المحتمل أن تكون التطورات الأخيرة قد ساهمت بشكل كبير في تسريع وتيرة بناء هذا المشروع، وخاصة في ظل تعثّر المفاوضات الأمريكية الإيرانية لعام 2025 بشأن الاتفاق النووي الإيراني، وغياب نتائج واضحة،[29] إلى جانب تمسك طهران بحقها في تخصيب اليورانيوم.[30] فمنذ خروج واشنطن من الاتفاق النووي في عام 2018، طورت إيران قدراتها النووية، حيث زاد التخصيب النووي الإيراني من 3.67% وفقًا للاتفاق إلى 60% في عام 2021، كما أعلن تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) عن اكتشاف بعض جزئيات اليورانيوم المخصب بنسبة 83.7 % وهو ما يقترب من نسبة 90% المطلوبة لصنع قنبلة نووية،[31] مما يُجبر واشنطن على قبول مستوى جديد من التنازلات فيما يخص نسب التخصيب، في مقابل تمتع طهران بموقع تفاوضي أقوى فى مفاوضات عام 2025.

وقد تتمثل إحدى هذه التطورات أيضًا في انتصار الأسلحة الصينية أثناء القتال بين الهند وباكستان في مايو 2025 واثبات فعاليتها في مقابل الأسلحة الفرنسية والأمريكية التى تمتلكها الهند، حيث أسقطت مقاتلات باكستانية من أصل صيني “تشينغدو J-10 فيغوراس دراغون” ثلاث طائرات رافال الفرنسية للجيش الهندي، في حين أن هذه هي المرة الأولى لهذه الطائرات القتالية أن تخوض ميدان قتال حقيقي. الأمر الذي أثار قلق الدول الغربية لما يعكسه من تنامي قوة الأسلحة الصينية والتهديد التى يمكن ان تطرحه على موازين القوى العالمية.[32]

فضلاً عن ذلك، حذّرت وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية (DIA) مؤخرًا من أن بكين قد تمتلك 60 صاروخًا مداريًا نوويًا ضمن نظام فوبز بحلول عام 2035، مما يمكنها من استهداف الأراضي الأمريكية من الفضاء في وقت قصير، بالإضافة إلى صعوبة رصده من أنظمة الإنذار المبكر والدفاعات الصاروخية، بينما قد تمتلك روسيا 12 صاروخًا،[33] مما يزيد التهديدات الجوية التي قد تواجه واشنطن مستقبلاً.

ثالثًا، ردود الأفعال

حظى مشروع القبة الذهبية على العديد من الانتقادات الدولية، إذ يتنهك المشروع المعاهدات الدولية التى تنادي بالاستخدام السلمي للفضاء ويزيد من سباق التسلح الفضائي. فانتقدت كل من الصين وروسيا سياسات إدارة ترامب العسكرية التي قد تؤدي إلى تحويل الفضاء إلى ساحة صراع، ويقوّض الاستقرار العالمي بشكل عميق.

بالإضافة إلى ذلك، أصدرت بكين وموسكو بيان مشترك في 8 مايو 2025 يفيد بتعهدهم لمواجهة سياسات عسكرة الفضاء، وبناءً على ذلك سيبدآن مشاورات ثنائية لمنع تسليح الفضاء. واعترض المتحدث باسم الخارجية الصينية على تبني واشنطن سياسة “أمريكا أولاً”، مما جعلها مهووسة بالأمن المطلق، منتهكة نظام الحد من التسلح ونظام الأمن الدولي.[34] وأكدت موسكو أن مشاريع ترامب ستتطلب إجراء مشاورات بين الطرفين، بينما صرّح المتحدث الرسمي للكرملين بأن هذه الخطط أمرًأ سياديًا مطلقًا لواشنطن، مما يدل على التحفظ الدبلوماسي الروسي تجاه المشروع مع التحذير لتداعياته. وأيضًا قد يكون رد ضمني بأن موسكو تستعد للرد بسياسيات مشابه أو إعطاء مده زمنية للتفاوض.[35]

كما انتقدت كوريا الشمالية مشروع القبة الذهبية، معتبرةً أنه سيحوّل الفضاء إلى ميدان لحرب نووية، ويسرع من وتيرة سباق التسلح النووي. ورأت بيونغ يانغ أن المشروع سيدفعها لتطوير قدراتها النووية والصاروخية لأنه يعكس محاولات واشنطن لفرض هيمنه عسكرية على العالم.[36] وفي الجانب الآخر، أبدت كندا ترحيبًا كبيرًا بمشروع القبة الذهبية، حيث صرّح وزير الدفاع الكندي، بيل بلير، باهتمام بلاده بالمشروع وطالب بالانضمام إليه، مشيرًا إلى أهمية الاستعداد للتهديدات المستقبلية.[37]

رابعًا، القبة الإسرائيلية

تبدو منظومة القبة الذهبية الأمريكية امتدادًا إلى التجربة الإسرائيلية المتمثلة في “القبة الحديدية”، ولكن على مستوى أعلى من التقنيات والقدرة الدفاعية. تختلف القبة الذهبية عن القبة الحديدية في المساحة التى تغطيها والبنية التكنولوجية المطلوبة، وطبيعة التهديدات التي تواجها، وكذلك في التكلفة والتحديات التشغيلية.

تعتبر القبة الحديدية هى إحدى المنظومات الدفاعية الإسرائيلية التى تم تشغيلها منذ عام 2011 لحماية تل أبيب من الهجمات الصاروخية مثل الصواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية، وأيضًا المسّيرات. وفق شركة رافائيل الإسرائيلية المنشئة لها، نجحت هذه المنظومة في اعتراض حوالي 90% من أهدافها الصاروخية. ولكن جاء نجاح هذه الاعتراضات على مساحة الأراضي الإسرائيلية التى تعتبر نطاق جغرافي محدود، إذ أنها أصغر 400 مرة من مساحة الولايات المتحدة أي أنها بحجم ولاية نيوجيرسي فقط، كما أنها أرض مسطحة، مما يسلط الضوء على التحديات التقنية والجغرافية التى قد تواجه تنفيذ مشروع القبة الذهبية على المساحة الأمريكية الشاسعة[38] [39] البالغة 9,833,517 كيلومتر مربع والتي تعد ثالث أكبر دولة في العالم بعد روسيا وكندا.[40] [41]

علاوةً على ذلك، تعتمد القبة الحديدية على شبكة متطورة من الرادارات والصواريخ الاعتراضية والحواسب لمواجهة أى تهديدات جوية في أراضيها، بينما تعتمد القبة الذهبية على أقمار صناعية بهدف التصدي إلى التهديدات الجوية مبكرًا من خلال تحديد موقع الصواريخ ومن ثم استهدافها في بداية رحلتها.[42]

تتمثل قدرة القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ والمقذوفات التى لا يتجاوز مداها عشرات الأميال، والتى تُطلق من مناطق قريبة من الحدود الإسرائيلية،[43] مثل تلك التي تطلق من جنوب لبنان أو غزة. وذلك يختلف تمامًا مع قدرة منظومة القبة الذهبية التى تهدف إلى التصدي لأي هجوم جوي من ثلاثة أنواع من الصواريخ وهم الصواريخ الباليتسية العابرة للقارات والصواريخ الفرط صوتية وأنظمة القصف المداري الجزئي التى قد توجهها روسيا والصين. وستدمج القبة الذهبية جميع الأنظمة الدفاعية الصاروخية الإسرائيلية من القبة الحديدية ومقلاع داود والسهم، في نظامٍ واحد بشكل أوسع للعمل عالميًا ومن الفضاء.[44]

وفي الختام، يعكس مشروع “القبة الذهبية” الأمريكية تحوّلاً في التفكير العسكري الأمريكي من الاعتماد على الردع النووي بامتلاكها ثاني أكبر مخزون من الرؤوس النووية عالميًا إلى إنشاء مظلة دفاعية شاملة. ويبرز هذا المشروع تصاعد مخاوف واشنطن من القدرات العسكرية لبكين وموسكو وكوريا الشمالية وإيران، فضلًا عما أسفرت عنه المواجه الأخيرة بين الهند وباكستان التي برزت خلالها قوة الطائرات العسكرية الصينية. ورغم الطموح الكبير لما يمكن أن يحققه هذا المشروع في حماية الأراضي الأمريكية من أي تهديدات جوية، إلا أنه قد يسهم في تأجيج سباق تسلح جديد وخصوًصا مع الصين وروسيا. كما يواجه تحديات كبيرة من تضخم التكاليف واتساع النطاق الجغرافي وعجز الموازنة الأمريكية، بالإضافة إلى غياب الشفافية بخصوص الشركات الخاصة المساهمة فيه. لذا، فقد يساهم مشروع القبة الذهبية في بداية مرحلة جديدة من التنافس العسكري العالمي أو قد يكون مجرد محاولة أخرى غير مكتملة كمبادرة الدفاع الاستراتيجي التي أطلق عليها “حرب النجوم” في ثمانينات القرن الماضي.


[1]  “”القبة الذهبية” برنامج صواريخ أمريكي يذكر بحرب النجوم”. الجزيرة، 22 مايو 2025، https://www.ajnet.me/encyclopedia/2025/5/22/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%B1%D9%86%D8%A7%D9%85%D8%AC-%D8%B5%D9%88%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A

[2]  مرجع سابق.

[3] “Secretary of Defense Pete Hegseth Statement on Golden Dome for America”. U.S. Department of Defense. May 20, 2025. https://www.defense.gov/News/Releases/Release/Article/4193417/secretary-of-defense-pete-hegseth-statement-on-golden-dome-for-america/

[4]  مرجع سابق. “”القبة الذهبية” برنامج صواريخ أمريكي يذكر بحرب النجوم”.

[5]  ” القبة الذهبية.. نظام دفاع صاروخي جديد لحماية الولايات المتحدة.. ما قدراته وكيف يعمل؟”، عربي BBC News، 21 مايو 2025، https://www.bbc.com/arabic/articles/c7533p0endzo

[6]  “ماذا نعرف عن «القبة الذهبية» التي أعلن عنها ترمب؟”، الشرق الأوسط، 21 مايو 2025، https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9%E2%80%8B/5145629-%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%86%D8%B9%D8%B1%D9%81-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%A3%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%B9%D9%86%D9%87%D8%A7-%D8%AA%D8%B1%D9%85%D8%A8%D8%9F

[7] مرجع سابق. “”القبة الذهبية” برنامج صواريخ أمريكي يذكر بحرب النجوم”.

[8] Fatima Hussein. “US budget deficit grows to $1.3 trillion, the second highest six-month level on record”. AP News. April 10, 2025. https://apnews.com/article/trump-biden-budget-deficit-spending-tax-revenues-f2718421a0f0c1a9f856d06ac4563e41

[9] “What is the national debt?”. Fiscal Data Treasury gov. https://fiscaldata.treasury.gov/americas-finance-guide/national-debt/

[10] Hanna Duggal, & Marium Ali. “The US has $36 trillion in debt. What does that mean, and who owns it?”. ALJazeera. May 20, 2025. https://www.aljazeera.com/news/2025/5/20/the-us-has-36-trillion-in-debt-what-does-that-mean-and-who-owns-it

[11]  “16 ألف صاروخ لاعتراض 10 صواريخ”.. معلومات قد تصدمك عن قدرة أمريكا الاعتراضية وما رأي خبراء بواقعية القبة الذهبية بأمريكا”، العربية CNN، 21 مايو 2025، https://arabic.cnn.com/world/article/2025/05/21/trump-wants-a-golden-dome-capable-of-defending-the-entire-us-strategically-it-doesnt-make-any-sense

[12]  مرجع سابق. “”القبة الذهبية” برنامج صواريخ أمريكي يذكر بحرب النجوم”.

[13]  مرجع سابق. “ماذا نعرف عن «القبة الذهبية» التي أعلن عنها ترمب؟”.

[14] Mike Stone, & Marisa Taylor. “Exclusive: Musk’s SpaceX is frontrunner to build Trump’s Golden Dome missile shield”. Reuters. April 17, 2025.  https://www.reuters.com/business/aerospace-defense/musks-spacex-is-frontrunner-build-trumps-golden-dome-missile-shield-2025-04-17/

[15] Mike Stone, & Jeff Mason. “Trump selects $175 billion Golden Dome defense shield design, appoints leader”. Reuters. May 21, 2025. https://www.reuters.com/world/us/trump-make-golden-dome-announcement-tuesday-us-official-says-2025-05-20/  

[16]  مرجع سابق، “16 ألف صاروخ لاعتراض 10 صواريخ”.. معلومات قد تصدمك عن قدرة أمريكا الاعتراضية وما رأي خبراء بواقعية القبة الذهبية بأمريكا”.

[17] Op.cit. Stone & Taylor.

[18]  “بعد رحيل ماسك.. البيت الأبيض يؤكد استمرار جهود “إدارة الكفاءة”، العربية، 30 مايو 2025، https://www.alarabiya.net/arab-and-world/american-elections-2016/2025/05/30/%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84-%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%B6-%D9%8A%D8%A4%D9%83%D8%AF-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%AC%D9%87%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%81%D8%A7%D8%A1%D8%A9-

[19]  مرجع سابق.

[20]  مرجع سابق.

[21] Kelsey D. Atherton. ”Trump’s ‘Golden Dome’ system is an expensive way to make America less safe”. MSNBC.  May 28, 2025. https://www.msnbc.com/opinion/msnbc-opinion/trump-golden-dome-missile-defense-nuclear-rcna208521

[22] Op.cit. Stone, & Mason.

[23] Grant Newsham. “Trump’s Golden Dome Plan Draws Out Cold War-Era Critics of Reagan’s ‘Star Wars,’ Along With Domestic Foes”. Centre for Security Policy. May 27, 2025. https://centerforsecuritypolicy.org/trumps-golden-dome-plan-draws-out-cold-war-era-critics-of-reagans-star-wars-along-with-domestic-foes/

[24] Greg Hadley. “From Iran to Golden Dome: Lessons for US Missile Defense”. Air and Space Forces Magazine. March 17, 2025. https://www.airandspaceforces.com/iran-golden-dome-us-missile-defense/

[25] Hans M. Kristensen, & Matt Korda. “World Nuclear Forces”. SIPRI Yearbook 2024 Armements, Disarmement and International Security. 2024. P 272 – 315 https://www.sipri.org/yearbook/2024/07

[26] Tara Copp. “Options for Trump’s space-based ‘Golden Dome’ missile defense shield head to Hegseth for approval”. AP News. April 10, 2025. https://apnews.com/article/golden-dome-missile-defense-trump-16cb94047bfdd7c2c55c5e099e40f74f

[27] Kelly Ng. “North Korea says US ‘Golden Dome’ risks ‘space nuclear war”. BBC. May 28, 2025. https://www.bbc.com/news/articles/cd0l4e0rnr1o

[28]  مرجع سابق. “ماذا نعرف عن «القبة الذهبية» التي أعلن عنها ترمب؟”.

[29]  ” المفاوضات النووية.. ماذا قالت أمريكا وإيران عن الجولة الرابعة بعد اختتامها؟” بالعربية CNN، 11 مايو 2025، https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2025/05/11/fourth-round-of-iran-us-talks-concluded-oman

[30]  “إيران: التمسك بحق التخصيب «معركة سياسية»”، الشرق الأوسط، 31 مايو 2025، https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9/5149372-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%85%D8%B3%D9%83-%D8%A8%D8%AD%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%A8-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9

[31] Claire Mills. “What is the status of Iran’s nuclear programme and the JCPOA?”. House of Commons Library. October 4, 2025. https://commonslibrary.parliament.uk/research-briefings/cbp-9870/

[32]  ليلا جاسينتو، “الأسلحة الصينية تثبت فعاليتها في أول اختبار حقيقي أثناء القتال بين الهند وباكستان” فرانس 24، 16 مايو 2025، https://www.france24.com/ar/%D8%A2%D8%B3%D9%8A%D8%A7/20250516-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%86%D8%AF-%D9%88%D8%A8%D8%A7%D9%83%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D9%8A%D8%B6%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%84%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AD%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%87%D8%B1

[33]  ” تفاصيل عن القبة الذهبية التي أعلن ترامب عنها.. وعلاقة الصين بها”، العربية، 21 مايو 2025، https://www.alarabiya.net/arab-and-world/american-elections-2016/2025/05/21/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%A7%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%B9%D9%86%D9%87%D8%A7-%D9%88%D9%85%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D9%87%D8%A7-

[34]  مرجع سابق. “”القبة الذهبية” برنامج صواريخ أمريكي يذكر بحرب النجوم”.

[35] Tucker Reels. “China says Trump’s “Golden Dome” missile defense plan increases risk of “space becoming a battlefield””. CBS News. May 21, 2025. https://www.cbsnews.com/news/trump-golden-dome-missile-defense-china-russia-reaction/

[36] Op.cit. Ng.

[37]  بيرند ديبوسمان جونيور، “ترامب يكشف عن خططه لنظام “القبة الذهبية” الدفاعي الصاروخي”، عربي BBC News، 21 مايو 2025، https://www.bbc.com/arabic/articles/c4grrj132j3o

[38]  مرجع سابق. “ماذا نعرف عن «القبة الذهبية» التي أعلن عنها ترمب؟”.

[39]  مرجع سابق، “16 ألف صاروخ لاعتراض 10 صواريخ”.. معلومات قد تصدمك عن قدرة أمريكا الاعتراضية وما رأي خبراء بواقعية القبة الذهبية بأمريكا”.

[40] “State Area Measurements and Internal Point Coordinates”. Census. 2010. https://www.census.gov/geographies/reference-files/2010/geo/state-area.html

[41] “Total Square Land Area Coverage by Country (2025)”. Global Fire power. https://www.globalfirepower.com/square-land-area.php

[42] Geoff Brumfiel. “Trump wants a Golden Dome over America. Here’s what it would take”. npr. April 22, 2025. https://www.npr.org/2025/04/22/g-s1-61658/trump-golden-dome-america-iron-military-defense

[43]  مرجع سابق. “ماذا نعرف عن «القبة الذهبية» التي أعلن عنها ترمب؟”.

[44] Bernd Debusmann Jr.”Can Donald Trump build the ‘Golden Dome’ over the US?”. BBC News. May 24, 2025. https://www.bbc.com/news/articles/cyvmj6mem70o

باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب

الاستقالات الوزارية في هولندا وتداعياتها على الموقف الأوروبي من إسرائيل
الميتافيزيقا السياسية للسلطة في فلسطين
التكنولوجيا الحيوية كأداة للقوة التنافس السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين في سباق الهيمنة العالمية
شهد الجنوب السوري مؤخرًا تجددًا للاشتباكات، ما جعله بؤرة هشاشة تهدد استقرار البلاد ووحدة أراضيها، الأمر الذي أثار تساؤلات جوهرية حول دوافع هذا التصعيد وأسبابه، فضلًا عن التداعيات المحتملة على الأمن القومي السوري، ومتحليل الضربات الإسرائيلية
في خضم التحولات الجيوسياسية التي يشهدها الإقليم، يبرز توقيع اتفاق تصدير الغاز بين أذربيجان وسوريا كحدث لافت يعكس إعادة تمركز بعض الفاعلين الإقليميين في مسارات جديدة من التعاون، تتجاوز الحسابات التقليدية للتحالفات والانقسامات.
Scroll to Top