Cairo
بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، قامت الإدارة السورية الجديدة بحل الجيش العربي السوري الذي غلب عليه الطابع الطائفي. وعكفت بعدها على إعادة بناء جيش يعتمد في قوامه الأساسي على الفصائل المسلحة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا). ولا تزال تلك العملية مستمرة حيث تعمل الإدارة الجديدة على حل باقي الفصائل المسلحة ودمجها، ولكن تعتبر مسألتي المقاتلين الأجانب وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" – ذات الأغلبية الكردية – بمثابة العقبات الرئيسية في عملية بناء الجيش، بجانب خسارة أغلب مقدرات الجيش السوري على يد إسرائيل بعد سقوط نظام الأسد.

تحديات إعادة بناء الجيش السوري والمسار المحتمل

قائمة المحتويات

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، قامت الإدارة السورية الجديدة بحل الجيش العربي السوري الذي غلب عليه الطابع الطائفي. وعكفت بعدها على إعادة بناء جيش يعتمد في قوامه الأساسي على الفصائل المسلحة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا). ولا تزال تلك العملية مستمرة حيث تعمل الإدارة الجديدة على حل باقي الفصائل المسلحة ودمجها، ولكن تعتبر مسألتي المقاتلين الأجانب وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” – ذات الأغلبية الكردية – بمثابة العقبات الرئيسية في عملية بناء الجيش، بجانب خسارة أغلب مقدرات الجيش السوري على يد إسرائيل بعد سقوط نظام الأسد. وفي ضوء هذه المعطيات، تعطي الإدارة السورية أولوية لمسألة حل الفصائل المسلحة ودمجها من أجل فرض السيطرة على كامل أراضي الدولة السورية وتوطيد سلطتها. في ذلك الصدد، تواجه الإدارة تحديات معقدة؛ حيث لم يتم التوصل بعد لاتفاق مع قسد حول شكل الاندماج في الجيش السوري؛ فهل سيتم دمج قوات قسد ككتلة واحدة أم سيتم توزيع أفرادها على وحدات الجيش السوري؟ كما تظل مسألة المقاتلين الأجانب معضلة تحاول الإدارة السورية حلها بشكل يحافظ على التوازن بين احتواء هؤلاء المقاتلين، وفي الوقت عينه طمأنة الولايات المتحدة من أجل الحصول على التأييد والشرعية الدولية للإدارة الجديدة.

وفي هذا السياق، صرح المبعوث الأمريكي إلى سوريا وسفير الولايات المتحدة لدى تركيا، توماس باراك، بأن الولايات المتحدة وافقت على خطة طرحتها القيادة السورية الجديدة للسماح لآلاف من المقاتلين الأجانب، الذين كانوا في السابق ضمن المعارضة، بالانضمام إلى الجيش الوطني، شريطة أن يتم ذلك بشفافية، وهو ما يعتبر بمثابة ضوء أخضر للإدارة السورية من أجل المُضي قدمًا في دمج المقاتلين الأجانب. وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة السورية قد عينت بالفعل مقاتلين أجانب في مناصب قيادية بُعيد سقوط النظام، ولكنها جمدت ترقيات قد صدرت بحقهم بعد أن أبدت دول غربية عديدة امتعاضها.

في إطار ما سبق، يسعى هذا التقرير إلى تحليل الأبعاد المرتبطة بدمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري وما يرتبط بها من تحديات في ضوء إشكاليات مختلفة. ويستعرض التقرير في شقه الأول أزمتي دمج المقاتلين الأجانب وقوات قسد، ومن ثم ينتقل في شقه الثاني لتحليل تلك المعطيات وانعكاساتها على الدولة السورية وجيشها.

أولًا: إشكاليات دمج المقاتلين الأجانب وقوات قسد  

تختلف طبيعة أزمة ضم المقاتلين الأجانب الموالين لهيئة تحرير الشام إلى الجيش عن أزمة دمج قوات قسد المكونة من أغلبية كردية، بجانب بعض العرب والجنسيات الأخرى من خارج سوريا؛ فالمقاتلون الأجانب الموالون للشرع لا يمانعون الانضمام إلى الجيش السوري وهو ما ظهر من خلال حل الحزب الإسلامي التركستاني نفسه في مايو 2025 وإعلان انضمامه للجيش؛ حيث أكد ذلك المسؤول السياسي في الحزب عثمان بوغرا قائلًا إن الجماعة حلّت نفسها رسميًا واندمجت في الجيش السوري. وتشير تلك الخطوة إلى أنه كان قاب قوسين أو أدنى من الاندماج داخل الجيش السوري، ولكنه في انتظار الترتيبات الرسمية التي تعمل عليها إدارة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بعد أن تحسنت علاقتها بالرئيس الأمريكي ترامب.

وفي العموم، تشير صحيفة الـ Washington Post إلى أن عدد المقاتلين الأجانب الذين آتوا من مناطق متفرقة حول العالم إلى العراق وسوريا للمشاركة في الصراعات الدائرة قد تخطى عشرات الآلاف خلال العقدين الماضيين. وبالنسبة لسوريا، فتشير تقارير استخباراتية إلى أن غالبية المقاتلين الأجانب هم من الإيغور وآسيا الوسطى، حيث تقدر أعدادهم بين الـ 3 و 5 آلاف مقاتل.[1] والإيغور هم مسلمون من أصلٍ تركي يعيش معظمهم في إقليم شينجيانغ بالصين. ويتبع أغلبيتهم للحزب الإسلامي التركستاني الذي نشط في إدلب وريف اللاذقية حيث اقاموا معسكرات خاصة بهم وبعائلاتهم.[2] وقاتل الحزب الإسلامي التركستاني ومعه كتائب أخرى من الشيشان والقوقازيين والأوزبك والطاجيك والتركمان إلى جانب هيئة تحرير الشام وأسهموا في إسقاط النظام. وشكل المقاتلون الأجانب العمود الفقري لوحدات النخبة في الهيئة واشتهروا بولائهم وانضباطهم وخبرتهم العسكرية. وتصنف الصين ذلك الحزب كمنظمة إرهابية، كما قال مسؤول سوري ودبلوماسي أجنبي لرويترز إن الصين سعت للحد من نفوذ تلك الجماعة في سوريا.[3] وتشير بعض المصادر إلى أن المقاتلين الإيغور دخلوا سوريا عن طريق الحدود التركية.[4]

على الطرف الآخر، لم تتمتع قوات قسد بعلاقات جيدة مع هيئة تحرير الشام التي كان يقودها الشرع، بل وفي بعض الأحيان وقعت بينهم اشتباكات، هذا فضلًا عن موقف تركيا – الداعمة لهيئة تحرير الشام – المُعادي للأكراد وقضيتهم. ولذلك، تضع قسد العديد من الشروط لتوافق على اندماجها داخل الجيش السوري، منها ما هو سياسي، ومنها ما يتعلق بطريقة دمجها ككتلة واحدة محتفظة بقيادتها وهيكلها وهو ما تعارضه الإدارة السورية ومن خلفها تركيا.

ووفقًا لمظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية، فإن قواته تربو على المئة ألف مقاتل أغلبهم من الأكراد والعرب السوريين، والباقي من جنسيات أجنبية، ومنهم من هو موالٍ لحزب العمال الكردستاني، ولكنه يشير إلى أن أعداد الأجانب لا تتجاوز المئات، بينما تشير مصادر أخرى أن أعدادهم تقارب الـ 3 آلاف.[5] ويعتبر ملف الأجانب داخل قسد أكثر تعقيدًا مقارنة بملف المقاتلين الأجانب الموالين للشرع؛ فالعديد من التصريحات التي خرجت من قياديين في قسد أشارت إلى أن الاتفاق مع الإدارة السورية أشترط إخراج المقاتلين الأجانب في صفوفهم من سوريا. ولكن إذا لم يتم ذلك فهل سيسري على الأجانب في صفوف قسد ما سيسري على سوريي قسد أم سيكون لهم وضع مختلف؟

يعتمد كل ذلك في الأصل على استكمال الاتفاق بين الأكراد والإدارة السورية، بالإضافة إلى الموقف الأمريكي والتركي إزاء تلك المسألة، كما يجب أخذ احتمالية رفض هؤلاء الأجانب للاتفاق بين قسد والإدارة السورية وفي الأخير تمردهم على قيادات قسد.

وقد أُثير ملف المقاتلين الأجانب لأول مرة بعد صدور قرار تعيين عدد من المقاتلين المشاركين في غرفة إدارة العمليات العسكرية التي قادت معركة إسقاط النظام، ومن بينهم 6 أجانب، أحدهم قائد الحزب الإسلامي التركستاني أبو محمد التركستاني، وهو ما أثار ردود فعل مختلفة محليًا ودوليًا.[6] كما عين الشرع قائد حرسه الرئاسي من هؤلاء الأجانب في خطوات فسرها البعض بأنه يريد حماية نفسه من الانقلابات؛ فهؤلاء الأجانب ليس لديهم شبكة نفوذ وعلاقات واسعة مثل باقي زملاء الشرع. وكانت الولايات المتحدة من ضمن الدول المعارضة لتلك الخطوة وهو ما دفعها إلى إيصال رسالة للإدارة السورية من خلال ناتاشا فرانشيسكي، نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون بلاد الشام، تضمن قائمة بشروط تريد من دمشق الوفاء بها مقابل تخفيف العقوبات، منها ضمان عدم تولي أجانب مناصب قيادية في الحكومة والجيش.[7]

وعلى إثر ذلك، أرسلت الإدارة السورية رسالة لإدارة ترامب قبل زيارته للخليج تفيد بأنها قد علقت إصدار رتب عسكرية للمقاتلين الأجانب، ولكن دون أن توضح مصير القرارات التي صدرت سلفًا، حسب ما نقلته رويترز. معللة أنها طبقت معظم الشروط، لكن البعض الآخر يتطلب “تفاهمات متبادلة” ونقاشات أوسع مع واشنطن مثل ملف المقاتلين الأجانب الذين تم تعليق إصدار الرتب العسكرية لهم. وبعد زيارة ترامب للخليج تبدل الموقف الأمريكي، ووافق على رفع العقوبات عن سوريا بعد طلب من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. كما صرح السفير الأمريكي لدى تركيا – الذي عينه ترامب كبمبعوثه الخاص إلى سوريا – لرويترز في 2 يونيو 2025، أن الولايات المتحدة وافقت على ضم المقاتلين الأجانب إلى الجيش السوري بشرط أن تتم هذه العملية بشفافية دون أن يوضح ما هو المقصود بالشفافية. وأضاف أنه من الأفضل إبقاء هؤلاء المقاتلين ضمن مشروع الدولة بدلا من إقصائهم، ووصف كثيرين منهم بأنهم “مخلصون للغاية” للإدارة السورية الجديدة.[8]

ووفقًا لرويترز، ذكر ثلاثة مسؤولين دفاعيين سوريين أن الخطة تنص على انضمام نحو 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الإيغور من الصين والدول المجاورة، إلى وحدة مشكّلة حديثا مقرها الرئيسي الكلية البحرية في محافظة اللاذقية، وهي الفرقة 84 من الجيش السوري التي ستضم سوريين كذلك، وسيكون تعدادها 30 ألف مقاتل، موزعين على 6 ألوية؛ لواء مدرعات ولواءي “قتال جبال” ولواء مداهمة ولواء مدفعية، إضافة إلى لواء “حرب شوارع”.[9] وتأتي تلك الخطوة بعد محاولات من الشرع وإدارته إقناع محاورين غربيين بأن ضم مقاتلين أجانب إلى الجيش سيكون أقل خطورة على الأمن من التخلي عنهم، الأمر الذي قد يدفعهم إلى الانضمام مجددا إلى تنظيم القاعدة أو داعش، حسب ما قاله مصدران مقرّبان من وزارة الدفاع السورية لرويترز.

وحتى الآن، لم تصدر تصريحات رسمية من إسرائيل أو تركيا تعليقًا على قرار دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري. ولكن لا يجب التعامي عن أن تركيا كانت لها اليد العليا في تسليح ودعم هيئة تحرير الشام، كما وجهت اتهامات لتركيا بالضلوع في عمليات نقل المرتزقة بين سوريا وعدة دول. كما يشير البعض إلى أن فرنسا تفضل إبقائهم داخل سوريا، مستدلين على ذلك من عدم تعليق الرئيس الفرنسي ماكرون على كلام الرئيس الانتقالي الشرع الذي قال في أثناء المؤتمر الصحفي الذي جمعهما إن الإدارة السورية تنظر في تجنيس من تنطبق عليه الشروط بعد وضع دستور جديد للدولة.[10]

ثانيًا: التحديات المحتملة للمسار الحالي لإعادة بناء الجيش السوري

  1. تنافس الأولويات بين المسار السياسي وإعادة بناء الجيش

أدت الظروف المعقدة التي مرت بها سوريا طوال السنوات الماضية، بالإضافة إلى السقوط الكلي لكامل مؤسسات الدولة، إلى حالة من الفراغ السياسي والدستوري التي ملأتها الفصائل المسلحة والقوى الإقليمية والدولية الفاعلة؛ مما نتج عنه قرارات لا تمثل بالضرورة الشعب السوري، بل تمثل مصالح تلك الأطراف وأطماعها. فالشعب السوري مر بظروف صعبة طيلة الـ 14 سنة الماضية، وهاجر ونزح العديد منه لمناطق مختلفة، كما أدت تلك المأساة الإنسانية إلى اعتماد 90% من السكان على المساعدات الإنسانية. في هذه الحالة من اللا دولة تسعى الإدارة الحالية إلى إعادة بناء الجيش قبل بناء المؤسسات السياسية وعلى رأسها البرلمان الذي بدوره كان سيضع التشريعات الناظمة لتلك المرحلة الفاصلة من تاريخ سوريا.[11]

  • اختلاف النخبة السورية في وجهة نظرها تجاه قضية إعادة بناء الجيش

المؤيدون لقرار دمج المقاتلين الأجانب

وتختلف النخبة السورية في وجهة نظرها تجاه قضية إعادة بناء الجيش؛ فالمؤيدون لدمج القوات الأجنبية يرون أن الإدارة الحالية تتبع نهجًا برجماتيًا وأن هذا هو الحل الأنسب في خلال تلك المرحلة. ويرون أن هؤلاء المقاتلين شاركوا في إسقاط النظام، وأنه من غير الأخلاقي أن يتم طردهم أو ترحيلهم لدولهم التي تصنفهم كإرهابيين. كما يجادلون أن المقاتلين الأجانب اندمجوا بالفعل داخل المجتمع السوري بفضل السنوات الطويلة التي قضوها، فضلًا عن زواجهم من سوريات وإنجابهم لأطفال. كما يرى البعض الآخر أن تلك الخطوة تعتبر “شر لا بد منه” أو ضرورة مرحلية؛ فالإدارة السورية الجديدة لا تستطيع الانقلاب بهذه السرعة على هؤلاء المقاتلين، خصوصا في ظل الفترة الانتقالية الهشة التي تمر بها سوريا.

بالإضافة لما سبق، يعتقد المؤيدون أن ضم المقاتلين الأجانب يمكن استثماره وتوظيف خبرتهم القتالية في التصدي لأعداء الإدارة الجديدة وقوات داعش، أو نشرهم في مناطق يقل فيها الاحتكاك بالمواطنين السوريين.[12] وهو النهج الذي بدأت تتبعه الإدارة السورية بالفعل، حيث قالت الـ Washington Post  إن المقاتلين الأجانب تواروا عن الأنظار بداية من مايو الماضي، بعد أن كانوا متمركزين في الطرق العامة وبعض نقاط التفتيش.[13] كما يعتقد المؤيدون أن دمج أولئك المقاتلين سيساهم في إبعادهم عن الفكر المتطرف من خلال الامتيازات والمناصب التي سيحصلون عليها.[14]

المعارضون لقرار الدمج والتأثيرات السلبية على العقيدة العسكرية للجيش السوري

على الجانب الآخر، يرى المعارضون أن هناك تغافل عن أن تلك الحلول لقضية الفصائل المسلحة والمقاتلين الأجانب يمكن أن تؤثر بالسلب على العقيدة الوطنية للجيش السوري وشكل الدولة السورية فيما بعد؛ حيث يرون أن هناك حلول أخرى غير احتواء هؤلاء المقاتلين داخل الجيش مثل تعينهم في وظائف مدنية وإدارية داخل أو خارج الجيش، أو حتى احتواؤهم في إطار ترتيبات مؤقتة أو ما شابه. كما يعترض هؤلاء على فكرة أن المقاتلين حاربوا وساعدوا في إسقاط النظام وأنهم أصحاب فضل على الشعب السوري. وحتى وإن صح ذلك، فإن الشعب السوري وحده هو من يقرر كيف يكافئ هؤلاء.[15]

يعترض هذا الفريق كذلك على فكرة ضم المقاتلين الأجانب بما يحملونه من أيديولوجيات ومفاهيم تحتاج لتصحيح. فالإدارة السورية لم تظهر أية محاولات لمحاربة الفكر المتطرف بين الفصائل المسلحة، وظهر ذلك جليًا في أحداث الساحل السوري التي لم تظهر إلى اللحظة نتائج التحقيق فيها. وإن لم تسر الإدارة السورية في اتجاه مكافحة الفكر المتطرف ووضع عقيدة عسكرية وطنية للجيش السوري؛ فإن الاستقطاب الطائفي والعرقي سيجعل سوريا مهددة بخطر التقسيم. ولا يجب أن ننسى التنوع الطائفي والعرقي في سوريا بين سنة وشيعة ودروز، وعرب وأكراد، والآن عناصر أجنبية.

ووفقا لمقابلات أجرتها الـ Washington Post، فبعض المقاتلين الأجانب يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية – من وجهة نظرهم – في أسرع وقت وبدءوا ينظرون لأحمد الشرع بعين الريبة ويتهمونه بالتعاون مع الولايات المتحدة وتركيا من أجل التخلص منهم، بينما يُبدي البعض الآخر تفهمًا للأوضاع المحلية والدولية ويؤيدون التروي في اتخاذ القرارات المتعلقة بالشريعة الإسلامية – من وجهة نظرهم.[16]

  • تنامي احتمالية توظيفهم سياسيًا في ضوء التدخلات الخارجية لنشر الفوضى

وكل ما سبق يجعل من هؤلاء المقاتلين بمثابة خطر كامن داخل الجيش السوري؛ مما قد يؤدي إلى استغلالهم من قبل الإدارة الحالية ضد أبناء الشعب السوري في حال اعتراضهم على قراراتها، كما يمكن أن تعمل القوى الإقليمية والدولية الطامعة في سوريا على تأليب المقاتلين الأجانب ضد الإدارة الحالية من أجل نشر الفوضى داخل سوريا. ونشر الفتنة داخل جيش مبني على التمييز بذلك الشكل سيكون من السهولة بمكان عن طريق استغلال الاختلاف العرقي والطائفي، فضلًا عن الترقيات والامتيازات المالية والمناصب القيادية. ويزيد كذلك إعادة الضباط المنشقين إلى الخدمة من الاختلافات التي ستتواجد داخل الجيش السوري.

ختامًا، أصبح المقاتلون الأجانب على أرض سوريا يمثلون عبئًا، بعد أن كانوا أحد نقاط القوة التي ساعدت في إسقاط نظام الأسد. وفي ضوء ذلك، من المرجح أن تمضي الإدارة السورية قدمًا في مسارها البرجماتي الذي يحفظ لها مصالحها ويمكنها من بسط نفوذها وتوطيد سلطتها بغض النظر عما يمكن أن ينتج عن ذلك من تداعيات. وتكمن الأزمة في أن القرارات التي تتخذها تلك الإدارة سيكون من الصعب تغيرها في المستقبل بسبب ما ستتركه من أثر على هيكل وعقيدة الجيش السوري. لذلك على الشعب السوري الضغط في اتجاه تنفيذ الاستحقاقات الانتقالية من أجل اتخاذ القرارات المصيرية من خلال مؤسسات دستورية تضع لسوريا خريطة مستقبلها. ولا يجب أن يتم تكرار تجربة نظام الأسد وأن تشيع الطائفية داخل مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش. فبناء الجيش السوري وتقسيم وحداته على أساس طائفي أو عرقي بدلًا من بناء جيش ذي عقيدة وطنية يجعل من الصعب التنبؤ لسوريا بمستقبل مستقر.

قائمة المراجع


[1]  “سوريا تقنع ترامب بانضمام المقاتلين الأجانب للجيش.. ما الثمن؟” سكاي نيوز عربية، 3 يونيو 2025. سوريا تقنع ترامب بانضمام المقاتلين الأجانب للجيش.. ما الثمن؟ | #ستوديو_وان_مع_فضيلة

[2] نفس المرجع السابق

[3] Louisa Loveluck and Zakaria Zakaria, “Syrian leader faces challenge of foreign militants who helped him win power,” The Washington Post, May 31, 2025. https://www.washingtonpost.com/world/2025/05/31/syria-sharaa-foreign-fighters-militants/

[4] Umar Farooq, “What Are Uyghurs Doing in Syria?” Foreign Policy, 4 April 2025. https://archive.is/20250423024225/https://foreignpolicy.com/2025/04/04/uyghurs-tpd-syria-fighters/#selection-3685.0-3685.32

[5] إبراهيم حميدي، “مظلوم عبدي: أميركا منعت عملية تركية… وقائد القوات الروسية زارني للتوسط مع أنقرة،” الشرق الأوسط، 7 ديسمبر 2022. مظلوم عبدي: أميركا منعت عملية تركية… وقائد القوات الروسية زارني للتوسط مع أنقرة

[6] SETH J. FRANTZMAN, “Syria to add thousands of foreign fighters into army, including jihadists, Uyghurs – report,” The Jerusalem Post, 3 June 2025. https://www.jpost.com/middle-east/article-856383

[7] Louisa Loveluck and Zakaria Zakaria, “Syrian leader faces challenge of foreign militants who helped him win power,” The Washington Post, May 31, 2025. https://www.washingtonpost.com/world/2025/05/31/syria-sharaa-foreign-fighters-militants/

[8] Timour Azhari and Suleiman Al-Khalidi, “Exclusive: US gives nod to Syria to bring foreign jihadist ex-rebels into army,” Reuters, 2 June 2025. https://www.reuters.com/world/middle-east/us-gives-nod-syria-bring-foreign-jihadist-ex-rebels-into-army-2025-06-02/

[9] إبراهيم العلبي، “ضم المقاتلين الأجانب للجيش السوري من الرفض إلى الترحيب الأميركي،” الجزيرة، 4 يونيو 2025، ضم المقاتلين الأجانب للجيش السوري من الرفض إلى الترحيب الأميركي | سياسة | الجزيرة نت

[10] نفس المرجع السابق

[11] “الصليب الأحمر: 90 % من السوريين تحت خط الفقر،” الشرق الأوسط، 14 يونيو 2023. «الصليب الأحمر»: 90 % من السوريين تحت خط الفقر

[12] بوعلام غبشي، “المقاتلون الأجانب بسوريا… من هم وما هي خطة الرئيس أحمد الشرع لإدماجهم في الجيش؟” France 24، 4 يونيو 2025، المقاتلون الأجانب بسوريا… من هم وما هي خطة الرئيس أحمد الشرع لإدماجهم في الجيش؟

[13] Louisa Loveluck and Zakaria Zakaria, “Syrian leader faces challenge of foreign militants who helped him win power,” The Washington Post, May 31, 2025. https://www.washingtonpost.com/world/2025/05/31/syria-sharaa-foreign-fighters-militants/

[14] Umar Farooq, “What Are Uyghurs Doing in Syria?” Foreign Policy, 4 April 2025. https://archive.is/20250423024225/https://foreignpolicy.com/2025/04/04/uyghurs-tpd-syria-fighters/#selection-3685.0-3685.32

[15] “سوريا تقنع ترامب بانضمام المقاتلين الأجانب للجيش.. ما الثمن؟” سكاي نيوز عربية، 3 يونيو 2025. سوريا تقنع ترامب بانضمام المقاتلين الأجانب للجيش.. ما الثمن؟ | #ستوديو_وان_مع_فضيلة

[16] Louisa Loveluck and Zakaria Zakaria, “Syrian leader faces challenge of foreign militants who helped him win power,” The Washington Post, May 31, 2025. https://www.washingtonpost.com/world/2025/05/31/syria-sharaa-foreign-fighters-militants/

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

الميتافيزيقا السياسية للسلطة في فلسطين
تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات."
مخرجات قمة ألاسكا بين ترامب وبوتن
شهد الجنوب السوري مؤخرًا تجددًا للاشتباكات، ما جعله بؤرة هشاشة تهدد استقرار البلاد ووحدة أراضيها، الأمر الذي أثار تساؤلات جوهرية حول دوافع هذا التصعيد وأسبابه، فضلًا عن التداعيات المحتملة على الأمن القومي السوري، ومتحليل الضربات الإسرائيلية
في خضم التحولات الجيوسياسية التي يشهدها الإقليم، يبرز توقيع اتفاق تصدير الغاز بين أذربيجان وسوريا كحدث لافت يعكس إعادة تمركز بعض الفاعلين الإقليميين في مسارات جديدة من التعاون، تتجاوز الحسابات التقليدية للتحالفات والانقسامات.
Scroll to Top