Cairo

قمة الناتو 2025: بين رغبة ترامب في زيادة الإنفاق وتعزيز الاستقلال العسكري الأوروبي

قائمة المحتويات

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

جاءت قمة الناتو هذا العام في ظل توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين؛ بسبب سياسات الرئيس الأمريكي ترامب التي قلصت من التزامات واشنطن الاقتصادية والعسكرية تجاه شركائها؛ فترامب طلب من الدول الأعضاء في الناتو زيادة اتفاقهم الدفاعي إلى نسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي، فضلًا عن إثارته للجدل قُبيل القمة بعد أن صرح بأن المادة الخامسة من ميثاق الحلف “يمكن تفسيرها بطرق عديدة”، ليعود بعدها ويصرح أنه مع دول الحلف “طوال الطريق”. وتعتبر هذه المادة بمثابة الركيزة الأساسية التي بني عليها الحلف، إذ تنص على مبدأ الدفاع المتبادل من قبل كل دول الناتو عن أي دولة عضو تتعرض لهجوم عسكري. لطالما تردد ترامب في الإجابة على سؤال ما إذا كان سيلتزم بضمانات المادة الخامسة.

وما سبق ذكره ليس بجديد على سياسة ترامب تجاه الحلف؛ ففي عام ٢٠١٧، خلال قمة الناتو الأولى له، امتنع عن تأكيد التزام الولايات المتحدة بالمعاهدة. ليتراجع عن موقفه قائلاً: “بالتأكيد نحن موجودون لتوفير الحماية”، مضيفاً: “نعم، قطعاً، أنا ملتزم بالمادة الخامسة”.[1] وفي ضوء ذلك، يسعى هذا التقرير إلى تحليل أبرز مخرجات قمة الناتو التي عقدت في لاهاي على مدار يومي الـ 24 و25 من يونيو عام 2025.

أولًا: نجاح مساعي ترامب في زيادة الإنفاق الدفاعي للدول الأعضاء

بعد أن طالب ترامب الدول الأعضاء في حلف الناتو بزيادة إنفاقهم الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، جاء البيان الختامي للقمة ليؤكد على أن الحلفاء – ولم يقل كل الحلفاء – وافقوا على زيادة الإنفاق الدفاعي ليصل للنسبة المذكورة سلفًا بحلول عام 2035، بعد أن كان الهدف الحالي ينص على الوصول إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي. وتوجه الـ 5% إلى المخصصات الآتية: 3.5٪ سيتم توجيها للإنفاق العسكري المباشر، مثل القوات والأسلحة، و1.5٪ على مجالات أوسع متعلقة بالدفاع تشمل الأمن السيبراني وحماية خطوط الأنابيب وتعديل الطرق والجسور لاستيعاب المركبات العسكرية الثقيلة.[2]

صورة توضح الإنفاق الدفاعي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لأعضاء الناتو (2024)

1
المصدر: The Atlantic Council

ولم يذكر البيان أن كل الحلفاء ملتزمون بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى النسبة المذكورة من أجل إتاحة بعض المرونة بعد أن رفضت إسبانيا على لسان رئيس وزرائها تلك النسبة حيث قال إن بلاده ستخصص “لا أكثر ولا أقل” من 2.1٪من ناتجها القومي للإنفاق العسكري.  وكان ترامب قد علق على قرار إسبانيا أثناء توجهه إلى هولندا قائلًا إن “إسبانيا لا توافق، وهذا أمر غير عادل للغاية تجاه البقية”، وأضاف أن هذا القرار سيجعل إسبانيا تدفع الضعف في الصفقة التجارية الجاري التفاوض بشأنها بين الطرفين. هذا بالرغم من أن ترامب يصر على أن الولايات المتحدة – التي تنفق حوالي 3.5% من ناتجها الاقتصادي على الجيش – ليست ملزمة بتحقيق هدف الـ 5% الذي يطالب به الدول الأخرى.[3]

وفي نفس السياق، أشارت تصريحات رئيس وزراء بلجيكا إلى احتمال انضمام بلاده لصف المعترضين على مطالب بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى نسبة الـ 5%، حيث قال: “إذا كانت إسبانيا قادرة على تحقيق أهدافها بزيادة قدراتها العسكرية والوفاء بالتزاماتها دون إنفاق هذا المبلغ الكبير، فقد يتمكن الآخرون من ذلك أيضًا”، وأضاف “لا توجد معاملة خاصة لأي دولة عضو. النص واحد، وإذا كان تفسير إسبانيا صحيحًا، فللكل الحق في تفسير النص بنفس الطريقة”. أما الرئيس الفنلندي الذي تقع بلاده على حدود روسيا وانضمت إلى الناتو قبل عامين، فقد أشار إلى أن الحلف يتطور، وأضاف: “أعتقد أننا نشهد ولادة حلف ناتو جديد؛ ناتو أكثر توازنًا وناتو يتحمل فيه الأوروبيون مسؤولية أكبر”.[4]

وتأتي هذه الزيادة استجابةً لضغوط ترامب الذي صاحبها تراجع في التزامات الولايات المتحدة الدفاعية تجاه شركائها الأوروبيين، وكذلك تجاه دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا – على عكس نهج سلفه الرئيس بايدن، وهو ما سبب حالة من اللايقين بشأن موقف الولايات المتحدة من التهديدات الأمنية. كما شكلت تصريحاته بشأن ضم كندا المزيد من القلق الذي دفع كندا إلى الاتجاه لزيادة التعاون مع الجانب الأوروبي في مجال التسليح والصناعات الدفاعية، والدليل على ذلك كان توقيع كندا والاتحاد الأوروبي في 23 يونيو 2025، على اتفاق شراكة في مجالي الأمن والدفاع، الذي يعتبر بمثابة خطوة أولى باتجاه مشاركة كندا في خطة إعادة تسليح أوروبا ReArm Europe Plan/Readiness 2030.[5]

وذكر البيان الختامي للقمة أن الهدف من الزيادة هو مواجهة التهديدات والتحديات الأمنية العميقة، ولا سيما التهديد طويل الأجل الذي تشكله روسيا للأمن الأوروبي – الأطلسي، والتهديد المستمر من الإرهاب؛ مما يضمن امتلاك القوات، والقدرات، والموارد، والبنية التحتية، والجاهزية القتالية، والقدرة على الصمود اللازمة للردع والدفاع بما يتماشى مع مهام الحلف الأساسية الثلاث: الردع والدفاع، ومنع الأزمات وإدارتها، والأمن التعاوني.[6]

ثانيًا: موقع أوكرانيا من مخرجات القمة

وبعد أن ذكر البيان الختامي أنه سيتم مراجعة مسار وتوازن الإنفاق بموجب هذه الخطة في عام 2029، انتقل لتأكيد أن الحلفاء ملتزمون بتقديم الدعم لأوكرانيا، وأنه سيتم تضمين المساهمات المباشرة للدفاع عن أوكرانيا وصناعتها الدفاعية عند حساب الإنفاق الدفاعي للحلفاء، فيما لم يذكر البيان الآفاق المحتملة لانضمام أوكرانيا إلى الحلف.[7]

وكعادته، اتخذ رئيس وزراء المجر أوربان موقفًا مختلفًا حيث قال إن “لا شأن للناتو بأوكرانيا”، وأن “الخطر الأكبر على أوروبا ليس الأمن، بل فقداننا لقدرتنا التنافسية في التجارة العالمية”، مضيفًا أن روسيا “ليست قوية بما يكفي لتمثل تهديداً حقيقياً لنا، نحن أقوى بكثير”، كما أشاد بالرئيس ترامب واصفاً إياه بـ “رجل المنطق السليم”. لكنه لم يبدِ اعتراضًا بشأن زيادة الإنفاق العسكري.[8]

وفي إطار دور الوساطة الذي تلعبه الولايات المتحدة بين أوكرانيا وروسيا، التقى الرئيس ترامب الرئيس الأوكراني زيلينسكي من أجل مناقشة مستجدات الحرب الذي وعد ترامب في برنامجه الانتخابي بوضع حدٍ لها. وأعلن زيلينسكي أن النقاش الطويل كان جيدًا وبناءً، وأنه ممتن لترامب، حيث ناقشا سبل تحقيق وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى سعي أوكرانيا إلى شراء أنظمة دفاع جوي أمريكية وإمكانية الإنتاج المشترك للطائرات المُسيرة. وصرح ترامب من جانبه أن اللقاء كان جيدًا، وأضاف: “لقد مررنا بأوقات صعبة في بعض الأحيان، لكن زيلينسكي لم يكن بإمكانه أن يكون أكثر لطفاً”. كما قال ترامب إنه يدرس إرسال مزيد من بطاريات صواريخ باتريوت إلى أوكرانيا، لمساعدة كييف على صد الهجمات الروسية. وأضاف: “إنه من الصعب للغاية الحصول على الأنظمة المضادة للصواريخ لكن سنرى ما إذا كان بوسعنا توفير بعضها”.[9]

وتعكس تلك التصريحات من الجانبين عن تحسن نسبي في العلاقة بين الرئيسين، بعد عدم تمكن ترامب من لقائه في قمة مجموعة الدول الصناعية السبع، بينما تحدث ترامب عن الرئيس بوتين بلهجة أكثر حدة قائلًا: “فلاديمير بوتين عليه حقاً أن يُنهي الحرب”، مضيفًا أن “من المحتمل أن تكون لدى الرئيس الروسي طموحات في أراض أبعد من أوكرانيا”. وأشار إلى أنه قال لبوتين: “ساعدني في تسوية معك لإنهاء الحرب في أوكرانيا”.[10]  

ويأمل زيلينسكي أن يؤيد ترامب مشروع القانون الذي يفرض عقوبات شاملة على روسيا، ولكن الرئيس الأمريكي يمتنع عن الضغط على بوتين، والدليل أن إدارته أعلنت عدم استعدادها حالياً لفرض مزيد من العقوبات على روسيا. ويرجو زيلينسكي أن يكون هذا الأسلوب المتبع من قبل ترامب مجرد “تكتيك لتحقيق السلام”، وصرح قائلًا: “أتمنى أن يكون هذا النهج مجرد وسيلة لإجبار بوتين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وإنهاء الحرب”.[11]

ختامًا، تشير قرارات الحلف إلى محاولة الدول الأعضاء استرضاء ترامب، وفي الوقت عينه الاستعداد للتحديات التي تواجهها الدول الأعضاء بعد أن نبهتهم سياسات ترامب إلى ضرورة عدم الاعتماد على الولايات المتحدة في توفير الحماية العسكرية. ولذلك يسعى الاتحاد الأوروبي وبجانبه كندا إلى بناء شراكة في مجال الأمن والدفاع تمكنهم من إعادة بناء قدراتهم العسكرية وتوجيه المزيد من الدعم لهذا القطاع بعد أن تراجع في الأعوام السابقة بسبب الاعتماد على الولايات المتحدة. وتعد خطة إعادة تسليح أوروبا ReArm Europe Plan/Readiness 2030 أحد الركائز الأساسية في هذا الصدد. ولكن تلك المساعي تحتاج لوقتٍ كي تؤتي أُكلها، كما أن الدول الأوروبية لن تستطيع بين عشية وضحاها أن تقلل من الاعتماد الكبير على واشنطن في توفير الحماية العسكرية الذي دام لأعوامٍ طويلة.

قائمة المراجع


[1] Michael D. Shear, “Trump Administration Live Updates: Pleasing Trump, NATO Leaders Make Spending Pledge but Keep Some Flexibility,” The New York Times, 25 June 2025, https://www.nytimes.com/live/2025/06/25/us/trump-nato-news

[2] “The Hague Summit Declaration,” NATO, 25 June 2025, https://www.nato.int/cps/en/natohq/official_texts_236705.htm

[3] David E. Sanger, “Trump Administration Live Updates: Pleasing Trump, NATO Leaders Make Spending Pledge but Keep Some Flexibility,” The New York Times, 25 June 2025, https://www.nytimes.com/live/2025/06/25/us/trump-nato-news

[4] Lara Jakes, “Trump Administration Live Updates: Pleasing Trump, NATO Leaders Make Spending Pledge but Keep Some Flexibility,” The New York Times, 25 June 2025, https://www.nytimes.com/live/2025/06/25/us/trump-nato-news

[5] “كندا والاتحاد الأوروبي يوقعان شراكة بشأن الأمن والدفاع،” شينخوا، 24 يونيو 2025، https://arabic.news.cn/20250624/d788033590d84623a5cadd90f609c79a/c.html

[6] “The Hague Summit Declaration,” NATO, 25 June 2025, https://www.nato.int/cps/en/natohq/official_texts_236705.htm

[7] “Trump Administration Live Updates: Pleasing Trump, NATO Leaders Make Spending Pledge but Keep Some Flexibility,” The New York Times, 25 June 2025, https://www.nytimes.com/live/2025/06/25/us/trump-nato-news

[8] Steven Erlanger, “Trump Administration Live Updates: Pleasing Trump, NATO Leaders Make Spending Pledge but Keep Some Flexibility,” The New York Times, 25 June 2025, https://www.nytimes.com/live/2025/06/25/us/trump-nato-news

[9] Constant Méheut, “Trump Says He May Send Additional Patriot Systems to Ukraine,” The New York Times, 25 June 2025, https://archive.is/20250625162336/https://www.nytimes.com/2025/06/25/us/politics/trump-ukraine-patriot-missiles-zelensky.html#selection-521.0-521.60

[10] “ترمب وزيلينسكي يجريان لقاءً «جيداً» على هامش قمة الناتو في لاهاي،” الشرق الأوسط، 25 يونيو 2025، ترمب وزيلينسكي يجريان لقاءً «جيداً» على هامش قمة الناتو في لاهاي

[11] Constant Méheut, “Trump Says He May Send Additional Patriot Systems to Ukraine,” The New York Times, 25 June 2025, https://archive.is/20250625162336/https://www.nytimes.com/2025/06/25/us/politics/trump-ukraine-patriot-missiles-zelensky.html#selection-521.0-521.60

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات."
مخرجات قمة ألاسكا بين ترامب وبوتن
في خضم التحولات الجيوسياسية التي يشهدها الإقليم، يبرز توقيع اتفاق تصدير الغاز بين أذربيجان وسوريا كحدث لافت يعكس إعادة تمركز بعض الفاعلين الإقليميين في مسارات جديدة من التعاون، تتجاوز الحسابات التقليدية للتحالفات والانقسامات.
Picture1
تشهد العلاقات الثنائية بين تايلاند وكمبوديا حالة من التوتر المتصاعد في الآونة الأخيرة، في مشهد يذكر بالنزاعات التاريخية العالقة بين البلدين، والتي تعود جذورها إلى عقود مضت. يأتي هذا التصعيد الأخير في سياق معقد تتداخل فيه العوامل الجيوسياسية والحدودية والاقتصادية، مما يهدد ليس فقط استقرار العلاقات الثنائية بين البلدين، وإنما أيضًا الأمن الإقليمي في منطقة آسيان بشكل أوسع
Scroll to Top