Cairo
يعد الشتات اللبناني Lebanese Diaspora من أكبر جماعات الشتات في العالم، ويرجع ذلك للحروب والأزمات العديدة التي مر بها لبنان قبل وبعد الاستقلال. وتمكن اللبنانيون في المهجر من بناء مجتمعات خاصة بهم، والتي استطاعوا من خلالها التغلغل اقتصاديًا في بعض المناطق كغرب إفريقيا. وقد ساعدهم ذلك النفوذ الاقتصادي في تحسين أوضاعهم السياسية والاجتماعية داخل الدول المستقبلة. كما استثمروا ذلك في تنمية الطبقة الوسطى اللبنانية وفي المساعدة على تحديث لبنان. ويعتبر الشتات اللبناني في ساحل العاج الأكثر عددًا في إفريقيا، فضلًا عن كونه ضمن الأكثر تأثيرًا على الاقتصاد الوطني للدول المستقبلة.

ساحل العاج: من دولة نامية إلى أرض الفرص للبنانيين

قائمة المحتويات

باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

يعد الشتات اللبناني [1]Lebanese Diaspora من أكبر جماعات الشتات في العالم، ويرجع ذلك للحروب والأزمات العديدة التي مر بها لبنان قبل وبعد الاستقلال. وتمكن اللبنانيون في المهجر من بناء مجتمعات خاصة بهم، والتي استطاعوا من خلالها التغلغل اقتصاديًا في بعض المناطق كغرب إفريقيا. وقد ساعدهم ذلك النفوذ الاقتصادي في تحسين أوضاعهم السياسية والاجتماعية داخل الدول المستقبلة. كما استثمروا ذلك في تنمية الطبقة الوسطى اللبنانية وفي المساعدة على تحديث لبنان.[2] ويعتبر الشتات اللبناني في ساحل العاج الأكثر عددًا في إفريقيا، فضلًا عن كونه ضمن الأكثر تأثيرًا على الاقتصاد الوطني للدول المستقبلة.[3]

وفي ضوء ذلك، يناقش هذا التقرير أولًا هجرة اللبنانيين إلى ساحل العاج من خلال عرض أسباب هجرتهم إلى غرب إفريقيا بشكل عام، وإلى ساحل العاج بشكل خاص. ثانيًا، يتناول التقرير الأوضاع الاجتماعية والثقافية للبنانيين في ظل التنوع الإثني بساحل العاج. وفي الأخير، يسعى إلى تحليل الاندماج الاقتصادي وتحديات ممارسة الحقوق السياسية للبنانيين في ساحل العاج.

أولًا: أسباب هجرة اللبنانيين إلى ساحل العاج

تعتبر الجالية اللبنانية في إفريقيا أكبر الجاليات العربية عدداً في القارة، وأكبر جالية موجودة في ساحل العاج حيث تشير بعض الإحصائيات إلى أن بين 80 و350 ألف لبناني يعيشون في ساحل العاج، والسبب وراء التفاوت في الأرقام هو عدم وجود إحصائيات حديثة، بالإضافة إلى تضخيم الأرقام من قبل التيارات القومية داخل ساحل العاج.[4] ويمكن أن تعزى أسباب الهجرة اللبنانية إلى العديد من الأسباب التاريخية والمعاصرة نسبيًا. أولاً، تاريخياً، مع ضعف الدولة العثمانية واشتداد السباق الاستعماري على منطقة الشام من قبل كل من الفرنسيين والبريطانيين، اشتدت موجات الاضطهاد السياسي والديني وتزامنت مع تدهور الأوضاع الاقتصادية. ونتيجة لذلك، سعى اللبنانيون إلى الهجرة وجاءوا إلى غرب إفريقيا الفرنسية في أواخر القرن التاسع عشر. في البداية، كان معظم المهاجرين من المسيحيين الموارنة الذين غادروا لبنان، إما بسبب الحروب الأهلية أو بسبب الظروف الاقتصادية القاسية ونقص المحاصيل الزراعية والاكتظاظ السكاني المتزايد في جنوب لبنان.[5]

خريطة توضح الشتات اللبناني في غرب إفريقيا

1
المصدر: République du Liban

ثانياً، في النصف الثاني من القرن العشرين، سرعان ما زاد عدد المسلمين الشيعة على المسيحيين الموارنة، وكان ذلك جراء اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 ثم الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان. علاوة على ذلك، فإن أحد أهم أسباب انجذاب اللبنانيين لغرب إفريقيا هو تكاليف السفر الرخيصة إلى هناك، على عكس تكاليف السفر والإجراءات الأكثر تعقيدًا من أجل الذهاب للأمريكتين. كما أن أغلب المهاجرين جاءوا من مناطق فقيرة في جنوب لبنان، لم يكن سكانها يتلقون تعليماً جيداً، لذا كان هذا المكان مناسباً لمهاراتهم المحدودة.[6]

بالإضافة إلى ذلك، أدى عدم الاستقرار والتمييز في الدول المجاورة لساحل العاج إلى فرار العديد من اللبنانيين والتوجه إلى ساحل العاج الأكثر استقرارًا نسبيًا. ويطلق على هؤلاء المهاجرين اسم “المهاجرين الثانويين””Secondary Immigrants”. أولئك الذين جاءت عائلاتهم من دول غرب إفريقيا الأخرى مثل مالي وغينيا والسنغال وسيراليون بعد أن بدأت هذه الدول في ممارسة التمييز ضد الشركات اللبنانية المحلية. كل ما سبق أدى إلى وجود جالية لبنانية كبيرة تركزت بشكل خاص في أبيدجان حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 10% من سكان العاصمة لبنانيون. ومن ثم، فقد خلقوا أقلية في بلد منقسم بالفعل يكافح من أجل تحقيق الاندماج بين سكانه الأصليين.[7]

ينقسم الشتات اللبناني في ساحل العاج إلى مجموعتين: العائلات الراسخة Established Families، التي وصلت لساحل العاج منذ جيلين، والوافدين الجدد Nouveaux، الذين وصلوا إلى البلاد في العقدين الماضيين. علاوة على ذلك، يمكن تقسيمهم حسب طوائفهم. ومن ثم فليس هناك مجتمع لبناني واحد، بل عدة مجتمعات لبنانية.

ثانيًا: الأوضاع الاجتماعية والثقافية للبنانيين في ظل التنوع الإثني بساحل العاج

في ضوء الاختلافات الثقافية بين المجتمع اللبناني والمجتمع الإيفواري، برز اللبنانيون كمجموعات معزولة ومنغلقة. وفي واقع الأمر، ظلت صلة اللبناني بوطنه عميقة للغاية، في حين كانت إفريقيا بالنسبة له مكان عمل فقط دون أن يكون هنالك رابط نفسي. وتمثلت طبيعتهم المنغلقة في عدة جوانب، بما في ذلك النمط السكني Residential Style في المدن، حيث تعيش معظم العائلات اللبنانية في متاجرها أو في الطابق العلوي منها.

وبسبب شعورهم بالضعف والاغتراب، كانوا يقيمون في مجتمعات متماسكة، حيث كان النشاط الاقتصادي هو محور الأسرة، وربما كان تضامنهم العرقي عاملًا في نجاحهم الاقتصادي. كما أنشأوا نوادي اجتماعية لحل الانقسامات الطائفية أو المشاكل الشخصية التي تنشأ بينهم. علاوة على ذلك، التزم المهاجرون اللبنانيون بعادة زواج الأقارب، وعادة ما يقوم الآباء اللبنانيون باختيار زيجات لأبنائهم من عائلات لبنانية أخرى. لذلك، لم يكن هناك سوى القليل من الزواج المختلط بين المهاجرين اللبنانيين والأفارقة، وهي حقيقة يستاء منها معظم الأفارقة بشدة.[8]

وفيما يتعلق بالتعليم، فمن منطلق رغبة اللبنانيين من الجيل الأكبر سناً في توفير تعليم أفضل لأبنائهم، أنشأوا مدارسهم الخاصة، في حين كانت العائلات الثرية ترسل أبنائها إلى لبنان أو أوروبا. كما تقابل طلبات بعض اللبنانيين بالرفض عندما يسعون للالتحاق بالمؤسسات التعليمية بسبب أنهم من البيض. على الرغم من أن العديد من اللبنانيين أمضوا حياتهم بأكملها في ساحل العاج، ولم يزوروا لبنان قط، وربما لا يتحدثون العربية، إلا أنهم ما زالوا غير مقبولين من قبل الإيفواريين. وقد يكون هذا بسبب ما يعتبرونه خطابا سياسيا قوميا متطرفًا.[9]

ويجادل البعض الآخر أن هناك جزء من هذا التوتر يسببه اللبنانيون. فالسلوك الاجتماعي اللبناني مثل الحد من علاقتهم مع الإيفواريين في مكان العمل، حيث يتعاملون معهم كموظفين وعملاء يسهم في زيادة الاحتقان الاجتماعي. وعلى الرغم من ذلك فإن معظم العائلات الراسخة تعامل موظفيها الأفارقة باحترام وتنتقد المهاجرين الجدد لمعاملتهم الأفارقة بازدراء شديد لدرجة أنهم ينظرون إلى معظم الأفارقة على أنهم أقل منهم اجتماعيا. وقد يكون هذا الشعور بالتفوق نتيجة للطريقة التي يصف بها اللبنانيون أنفسهم. إنهم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم “مجتهدون” و”مبتكرون” و”تجار طبيعيون”، ومن ناحية أخرى، يصفون الأفارقة بأنهم “لا يمكن الاعتماد عليهم” و”كسالى” و”جهلة بالأعمال التجارية”. كما ينظر اللبنانيون إلى تقاليدهم الثقافية على أنها متفوقة على تقاليد الإيفواريين.[10]

وهناك عائق آخر أمام اندماج اللبنانيين يتمثل في الطبيعة المتعددة الثقافات لساحل العاج، مع وجود أكثر من 60 مجموعة عرقية، والانقسامات الثقافية والدينية القوية بين الشمال والجنوب. ويمارس الإيفواريون التحيز حتى تجاه الإيفواريين. وتشتد كراهية الأجانب هذه إذا كان الغرباء جزءًا من أقلية مرئية. ومن ثم، فإن اللون يشكل قضية إضافية.

كما يقول أحد اللبنانيين “في الولايات المتحدة، إذا تجولت امرأة شيعية لبنانية في الشوارع مرتدية الشادور، فإنها سيكون من السهل ملاحظتها، ولكن إذا أرادت أن تندمج، فكل ما تحتاجه هو إزالة الشادور، وارتداء ملابس على الطراز الغربي”. لكن في حالة الأغلبية السوداء، مهما فعلت، فسوف تكون مرئية. وعلى نفس المنوال، تنطبق الانقسامات أيضًا على الجالية اللبنانية في ساحل العاج. حيث إنهم منقسمون إلى مجتمعين: العائلات الراسخة، أو المعمرة، التي كانت في البلاد لمدة جيلين أو ثلاثة أجيال، والوافدين الجدد نسبيا، الذين وصلوا إلى البلاد في العقدين الماضيين وليس لديهم سوى القليل من الارتباط بالعائلات المعمرة. علاوة على ذلك، هناك الانقسامات الطائفية التي جُلبت معهم من لبنان.[11]  

ثالثًا: الاندماج الاقتصادي وتحديات ممارسة الحقوق السياسية للبنانيين في ساحل العاج

على المستوى الاقتصادي، بدأ المهاجرون اللبنانيون كتجار صغار وباعة متجولين في الأسواق، يبيعون المجوهرات والمنسوجات، وسرعان ما دخلوا مجال تجارة التجزئة، ووسعوا الاقتصاد النقدي من خلال اختراق المناطق الداخلية من غرب إفريقيا وشراء المطاط من المزارعين الأفارقة بأسعار أفضل من الفرنسيين، وفي غضون فترة قصيرة احتكروا شراء المطاط واعتمدت عليهم مصانع فرنسية. ومن ثم، فإنهم يقيمون في مناطق غنية بالمحاصيل النقدية (القهوة وجوز الهند وزيت النخيل)، مثل أبيدجان ودالوا، ويعملون كوسيط تجاري.

ويمكن أن يُنسب هذا النجاح أيضًا إلى عدد من العوامل ذات الصلة. أولًا، سمعتهم الطيبة وقبولهم لهامش ربح صغير جعل المواطنين الأفارقة والشركات متعددة الجنسيات يفضلونهم أكثر من نظرائهم الأوروبيين والأفارقة. ثانياً، قدرتهم على الحصول على الائتمان من البنوك الأوروبية، التي ترددت في إقراض الدول الإفريقية، جعلت اللبنانيين يتفوقون على منافسيهم الأفارقة. كما تمتعوا بالحماية الاستعمارية بسبب دورهم في اقتصاد المستعمرات.[12]

 كما تطور انخراطهم في مجالات الصناعة والنقل والتغذية، فضلًا عن دخولهم مجال العقارات وامتلكوا دور سينما، بالإضافة إلى امتلاكهم بعض الفنادق الصغيرة. على سبيل المثال، يمتلك اللبنانيون أكثر من 50 % من المباني الحديثة في أبيدجان و80 % من المباني الموجودة في المدن الداخلية. إلى جانب ذلك، أشارت دراسة أعدتها غرفة الصناعة في ساحل العاج عام 1979 إلى أن اللبنانيين يسيطرون على نحو 2% من قطاع التصنيع، ونحو 2% من الاستثمار الرأسمالي الصناعي، ثم امتلكوا في التسعينيات أكثر من 50% من شركات التصنيع الوطنية، ونحو 70% من تجارة البنزين، بالإضافة إلى 175 من أكبر المؤسسات الصناعية. كما أنهم سيطروا على 60% من اقتصاد التجزئة. بالإضافة إلى ذلك، تدير عائلة فخري مجموعة مركز التجارة، وهي سلسلة بقالة على الطراز الغربي. كما تعد شركة سابيمكس، الموزع اللبناني للأغذية، ثاني أكبر مستورد في ساحل العاج في نهايات القرن الماضي.[13]

سعى اللبنانيون على مدى عقود من الزمن، خاصة العائلات الراسخة، إلى تنويع مصالحهم الاقتصادية في ساحل العاج. منذ ما يقرب من نصف قرن، استثمر اللبنانيون في قطاع العقارات. إلى جانب ذلك، نشط اللبنانيون في القطاعات الخدمية كالتأمين والطباعة والسفر والسياحة والبناء والنقل. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك اللبنانيون العديد من المطاعم، كذلك يمتلكون العديد من سيارات الأجرة في أبيدجان وفي المدن الجنوبية الأخرى. كما دخل بعض اللبنانيين من الجيل الثاني والثالث إلى مجالات كطب الأسنان، والهندسة المعمارية، والصحافة.[14]

منذ وفاة الرئيس هوفويت بوانيي وتولي كونان بيديه منصب الرئيس، مارست الحكومة الإيفوارية ضغوطاً إضافية، بشكل مباشر وغير مباشر، على جميع المجتمعات التجارية المهاجرة. وفي عامي 1992 و1996، قام مسؤولون حكوميون بعمليات تفتيش حظيت بتغطية إعلامية واسعة النطاق لتعقب “المتهربين من الضرائب” في الأحياء التجارية في أبيدجان. وبالإضافة إلى ذلك، تنشر الصحافة الرسمية والمعارضة أسماء وصور المجرمين اللبنانيين، مما يزيد من التوتر ويدعم سردية “الخطر” اللبناني. ويؤدي ذلك إلى لجوء كبار التجار اللبنانيين للساسة الإيفواريين من أجل توفير الحماية لهم.[15]

كما اتهمهم الأفارقة بالاعتماد على أفراد أسرهم بدلًا من توظيف الأفارقة، وتوظيف العمال الأفارقة بأجور غير عادلة. والاعتراض الآخر هو تحويل المدخرات إلى لبنان وبالتالي استنفاد كميات كبيرة من رأس المال. كذلك اتهمهم بعض الأفارقة بالتهرب الضريبي. ولذلك، أجرت ساحل العاج خلال التسعينيات مسحاً شاملاً للمتهربين من الضرائب في المناطق التجارية في أبيدجان.[16]

في حين يتمتع اللبنانيون في ساحل العاج بوضع اقتصادي مزدهر نسبيا، فإنهم يظلون مهمشين سياسيا. فهم يمارسون السلطة السياسية بشكل غير مباشر فقط كوكلاء للزعماء السياسيين الأصليين ومن خلال دعم الحزب الديمقراطي الحاكم في ساحل العاج من أجل التأثير على سياسة الحكومة وحماية مصالحهم المالية. وعلى الرغم من أن ما يصل إلى 10 % من السكان اللبنانيين في ساحل العاج حصلوا على الجنسية الإيفوارية في نهايات القرن الماضي، إلا أن ذلك لم يكن له مردود سياسي يذكر بالنسبة لهم. وبالتالي، ليس لدى أي منهم أمل في تولي مناصب سياسية، على الرغم من أن العديد من اللبنانيين مهتمون جدًا بالسياسة المحلية والوطنية. يبدو أنه بغض النظر عن وضعهم كمواطنين فإن جميع اللبنانيين يعتبرون أجانب بسبب “التمييز العنصري أو حاجز اللون”‘Color Bar’  الضمني على المشاركة السياسية في ساحل العاج. ومن ثم، تظل أغلبية المجتمع اللبناني في ساحل العاج مهمشة سياسياً، وعاجزة في كثير من النواحي. وتظل السياسة حكراً على الأفارقة.[17]

 تتمتع الجاليات اللبنانية في ساحل العاج باستقرار نسبي مقارنة بما شهده لبنان من حرب أهلية واضطرابات. وبشكل خاص كانت أكثر الفترات رخاءً واستقرارًا خلال العقود الأولى التي أعقبت الاستقلال، عندما تمتع اللبنانيون برعاية الرئيس هوفويت بوانيي. لكن عندما أصبح كونان بيديه رئيساً، بدأ يضع ضغوطاً إضافية على الجالية اللبنانية، بشكل مباشر وغير مباشر، بجانب باقي المجتمعات التجارية المهاجرة. علاوة على ذلك، فقد استمر في عهده التهميش السياسي للمجتمعات اللبنانية. يتم استغلال ذلك التهميش من قبل بعض الساسة الإيفواريين، حيث يضطر اللبنانيون إلى دفع مبالغ مالية لهم من أجل الحفاظ على مصالحهم.[18]

ونتيجة لذلك، يتحدث بعض اللبنانيين عن إمكانية ترك ساحل العاج، مثل ما حدث في الدول المجاورة عندما طرد اللبنانيون من غينيا واضطهادهم في الصراع الليبيري. كان العديد من الذين طردوا من البلدان المجاورة يميلون إلى السفر إلى ساحل العاج ليصبحوا ما يطلق عليه “المهاجرين الثانويين”، الذين جاءت عائلاتهم من دول أخرى في غرب إفريقيا مثل مالي وغينيا والسنغال وسيراليون بعد أن بدأت هذه الدول في ممارسة التمييز ضد مجتمعات الأعمال اللبنانية المحلية على حد قولهم.

ونظراً لسيطرتهم على الاقتصاد، يبدو أنه من غير المرجح أن تؤدي الثورة الشاملة إلى طرد اللبنانيين على نطاق واسع كما حدث في دول غرب إفريقيا الأخرى. لأن أي حكومة ليست مستعدة لقبول خسارة معظم شبكة التوزيع الوطنية ونسبة كبيرة من الناتج الصناعي والوظائف بين عشية وضحاها. ولكن لا يمكن تجاهل ما حدث في الأزمة السياسية في ساحل العاج عام 2011 عندما نهبت المصالح والممتلكات اللبنانية، مما دفع نحو 2000 لبناني إلى العودة إلى لبنان قبل تصاعد الأزمة، حيث تلاهم نحو 4000 لبناني آخرين، بعد أن بلغت العمليات العسكرية والهجمات عليهم ذروتها. في حين فضل الكثيرون البقاء وعدم التنازل عن ممتلكاتهم.[19]

ختامًا، يمكن القول إن اللبنانيون نجحوا في الاندماج اقتصاديًا بشكل كبير، لكنهم لم يندمجوا سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا إذا ما قورن ما حققوه في هذه الأبعاد بالبعد الاقتصادي. علاوة على ذلك، من المهم الإشارة إلى أن الاندماج يسير في اتجاهين؛ فلتحقيق الاندماج لا يجب أن يكون المجتمع المستقبل على استعداد لقبول المهاجرين فقط، بل يجب على المهاجرين أيضًا أن يكون على استعداد لاحتضان قيم ومعايير الدولة المستقبلة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الانقسامات داخل الشتات اللبناني تجعل من الصعب الحكم على الشتات اللبناني ككتلة واحدة في ساحل العاج؛ فوضع العائلات الراسخة ليس مثل وضع الوافدين الجدد، هذا فضلًا عن الاختلافات الطائفية داخل الشتات اللبناني. فالعائلات الراسخة، حتى لو كانت مندمجة اقتصاديًا فقط، لكنها تستطيع على الأقل باستخدام قوتها الاقتصادية التأثير على المخرجات السياسية إلى حد ما. إلى جانب ذلك، عند مقارنة وضع اللبنانيين في ساحل العاج بدول غرب إفريقيا الأخرى، يمكن القول إنهم في وضع أفضل بكثير في ساحل العاج حيث الضغوط الاقتصادية أقل.

ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من البحث الكمي لتوفير نتائج أكثر دقة حول أعداد المجتمعات اللبنانية وقوتها الاقتصادية في غرب إفريقيا. كما أن دراسة الرأي العام والاعتماد على أدوات إجراء البحوث الميدانية سيكون لها عظيم الأثر في معرفة طبيعة العلاقات بين الإيفواريين واللبنانيين.

قائمة المراجع

[1] الشتات مشتق من “شت”؛ أي التفرق والعيش في جهات مختلفة من العالم. استخدم هذا المصطلح في السابق لوصف التشتيت القسري لليهود والأرمن، وفيما بعد أصبح يستخدم على نطاق واسع لوصف الشبكات عبر الوطنية للمهاجرين واللاجئين. (التعريف مأخوذ عن المبحث الخامس من القسم الثالث في كتاب Geography Cultural آن ماري فورتييه).

[2] Shipilov, Alexander. ” Political Influence of The Lebanese Diaspora in Côte D’ivoire Before The 2020 Elections.” Hungarian Journal of African Studies Vol. 12, No. 4, Special Issue (Winter 2018): 138-146. Https://Journals.Lib.Pte.Hu/Index.Php/Afrikatanulmanyok/Article/View/3977/3701

[3] Ibid

[4]  Alexander Shipilov, “Political Influence Of The Lebanese Diaspora in Côte D’ivoire Before The 2020 Elections,” Hungarian Journal of African Studies 12, no. 4 (2018): 138 – 146. https://journals.lib.pte.hu/index.php/afrikatanulmanyok/article/view/3977/3701

[5] Chris Bierwirth, “The Initial Establishment of the Lebanese Community in Côte d’Ivoire, CA. 1925-45.” The International Journal of African Historical Studies 30, no. 2 (1997): 325–48. https://doi.org/10.2307/221231.

[6] Ibid

[7] جيهان عبد الرحمن جاد. “الجالية اللبنانية في غرب أفريقيا.. بين الواقع والمستقبل.” قراءات إفريقية، May 16, 2023. الجالية اللبنانية في غرب أفريقيا .. بين الواقع والمستقبل — قراءات إفريقية

[8] Ibid, 98.

[9] Ibid, 96.

[10] Chris Bierwirth, “The Lebanese Communities of Côte d’Ivoire,” African Affairs 98, no. 390 (1999): 79–99. http://www.jstor.org/stable/723685.

[11] Michael Humphrey, “Lebanese Identities: Between Cities, Nations And Trans-Nations,” Arab Studies Quarterly 26, no. 1 (2004): 31–50. http://www.jstor.org/stable/41858471.\

[12] Bourgi Albert, “Libanais En Afrique, Ou D’afrique ?”, Outre-Terre, 2005/2 (No 11), P. 149-153. Doi : 10.3917/Oute.011.0149. Url : Https://Www.Cairn.Info/Revue-Outre-Terre1-2005-2-Page-149.Htm

[13] Chris Bierwirth, “The Lebanese Communities of Côte d’Ivoire,” African Affairs 98, no. 390 (1999): 79–99. http://www.jstor.org/stable/723685.

[14] جيهان عبد الرحمن جاد. “الجالية اللبنانية في غرب أفريقيا.. بين الواقع والمستقبل.” قراءات إفريقية، May 16, 2023. الجالية اللبنانية في غرب أفريقيا .. بين الواقع والمستقبل — قراءات إفريقية

[15] Chris Bierwirth, “The Lebanese Communities of Côte d’Ivoire,” African Affairs 98, no. 390 (1999): 79–99. http://www.jstor.org/stable/723685.

[16] Ibid

[17] Ibid, 92.

[18] Michael A.Hiltzik, “COLUMN ONE : Lebanese Feel Heat in W. Africa : They Have Become Successful Merchants and Traders. But That Very Success Has Provoked a Surge of Hostility from the People Whose Countries They Have Helped to Build. – Los Angeles Times.” Los Angeles Times, March 9, 2019. https://www.latimes.com/archives/la-xpm-1990-04-21-mn-1117-story.html.

[19] Chris Bierwirth, “The Lebanese Communities of Côte d’Ivoire,” African Affairs 98, no. 390 (1999): 79–99. http://www.jstor.org/stable/723685.

للمزيد من الاطلاع على الشتات اللبناني في إفريقيا:

English References

Akyeampong, Emmanuel K. “Race, Identity and Citizenship in Black Africa: The Case of the Lebanese in Ghana.” Journal of the International African Institute, Vol. 76, No. 3 (2006): p.305. https://www.researchgate.net/publication/236775577_Race_Identity_and_Citizenship_in_Black_Africa_The_Case_of_the_Lebanese_in_Ghana

Bierwirth, Chris. “The Initial Establishment of the Lebanese Community in Côte d’Ivoire, CA. 1925-45.” The International Journal of African Historical Studies 30, no. 2 (1997): 325–48. https://doi.org/10.2307/221231.

Bierwirth, Chris. “The Lebanese Communities of Côte d’Ivoire.” African Affairs 98, no. 390 (1999): 79–99. http://www.jstor.org/stable/723685.

Falola, Toyin. “Lebanese Traders in Southwestern Nigeria.” 1900-1960, African Affairs, Vol. 89, No. 357 (Oct., 1990), pp. 548-528. https://www.africabib.org/rec.php?RID=080083242

Humphrey, Michael. “LEBANESE IDENTITIES: BETWEEN CITIES, NATIONS AND TRANS-NATIONS.” Arab Studies Quarterly 26, No. 1 (2004): 31–50. Http://Www.Jstor.Org/Stable/41858471.\

Hiltzik, Michael A. “COLUMN ONE : Lebanese Feel Heat In W. Africa : They Have Become Successful Merchants And Traders. But That Very Success Has Provoked A Surge Of Hostility From The People Whose Countries They Have Helped To Build. – Los Angeles Times.” Los Angeles Times, March 9, 2019. https://www.latimes.com/archives/la-xpm-1990-04-21-mn-1117-story.html.

O’Brien, Rita Cruise. Lebanese Entrepreneurs in Senegal: Economic Integration and the Politics of Protection, Cahiers d’Études Africaines, Vol. 15, Cahier 57 (1975), p.99. https://www.persee.fr/doc/cea_0008-0055_1975_num_15_57_2612

Shipilov, Alexander. ” Political Influence Of The Lebanese Diaspora In Côte D’ivoire Before The 2020 Elections.” Hungarian Journal Of African Studies Vol. 12, No. 4, Special Issue (Winter 2018): 138-146. Https://Journals.Lib.Pte.Hu/Index.Php/Afrikatanulmanyok/Article/View/3977/3701

Arabic References

جاد، جيهان عبد الرحمن. “الجالية اللبنانية في غرب أفريقيا.. بين الواقع والمستقبل.” قراءات إفريقية، May 16, 2023. https://qiraatafrican.com/5500/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%BA%D8%B1%D8%A8/.

باسيل يفتتح اليوم في أبيدجان مؤتمر الطاقة الاغترابية رغم المقاطعة، 1 فبراير 2018.

http://www.alhayat.com/article/913983/%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%84-%D9%8A%D9%81%D8%AA%D8%AA%D8%

French References

Albert, BOURGI. “Libanais en Afrique, ou d’Afrique ?”, Outre-Terre, 2005/2 (no 11), p. 149-153. DOI : 10.3917/oute.011.0149. URL : https://www.cairn.info/revue-outre-terre1-2005-2-page-149.htm

Domat, Chloé. “Au Liban, Un Village Bling-Bling Construit Avec l’argent Du Nigeria.” Le Monde.fr, April 7, 2017. https://www.lemonde.fr/afrique/article/2017/04/07/au-liban-un-village-bling-bling-construit-avec-l-argent-du-nigeria_5107613_3212.html.

“Les dix barons libanais de l’économie ivoirienne” JeuneAfrique.com, December 27, 2018. https://www.jeuneafrique.com/dossiers/dix-barons-de-leconomie-ivoirienne/

“Qui Sont Les Libanais de Côte d’Ivoire ?” JeuneAfrique.com, December 27, 2018. https://www.jeuneafrique.com/695940/societe/qui-sont-les-libanais-de-cote-divoire/.

“Ces Ambitieux Businessmen Venus d’Ailleurs.” Forbes Afrique, March 20, 2024. https://forbesafrique.com/ces-ambitieux-businessmen-venus-dailleurs/. “Les Communautés Chiites d’Afrique de l’Ouest Des Libanais Pas Toujours Tranquilles.” Le Monde.fr, October 21, 1989. https://www.lemonde.fr/archives/article/1989/10/22/les-communautes-chiites-d-afrique-de-l-ouest-des-libanais-pas-toujours-tranquilles_4126242_1819218.html


باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات

الاستقالات الوزارية في هولندا وتداعياتها على الموقف الأوروبي من إسرائيل
الميتافيزيقا السياسية للسلطة في فلسطين
رؤية جون ميرشايمر لحربي إسرائيل وروسيا ومستقبل النظام الدولي
التكنولوجيا الحيوية كأداة للقوة التنافس السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين في سباق الهيمنة العالمية
تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات."
Scroll to Top