يستعرض كتاب “The Dark Path: The Structure of War and The Rise of ”Wast” الطريق المظلم: بنية الحرب وصعود الغرب للكاتب ويليامسون موراي، والصادر في طبعته الأولي في 22 أكتوبر عام 2024، عن دار نشر جامعة بيل الأمريكية، التحليل التاريخي والعسكري لصعود الغرب وتأثير الحروب في تشكيل الهيمنة العالمية، والبنية الهيكلية للحرب وكيف ساهمت الصراعات العسكرية في تشكيل التطور السياسي والاقتصادي لأوروبا والغرب بشكل عام.
“ويليامسون موراي” (Williamson Murray) هو مؤرخ عسكري أمريكي اشتهر بأبحاثه حول التاريخ الاستراتيجي والحروب الحديثة، وألف العديد من الأعمال في الدراسات الاستراتيجية، وعمل محررًا لمشاريع أخرى على نطاق واسع. وكان أستاذًا فخريًا للتاريخ في جامعة ولاية أوهايو من عام 2012 حتى وفاته.
في ضوء ذلك، يناقش الكتاب في الجزء الأول: الثورة العسكرية والاجتماعية الأولي: نشأة الدولة الحديثة والجيش، يتناول في الجزء الثاني: برامج تشغيل لتغير: الثورات العسكرية والاجتماعية الثانية والثالثة، و يناقش في الجزء الثالث: الثورة العسكرية- الاجتماعية الرابعة: تزاوج الثورتين العسكرية والاجتماعية الثانية والثالثة، ويعرض في الجزء الرابع: الثورات العسكرية الاجتماعية على الساحة العالمية، اما الجزء الخامس: ظهور الثورة العسكرية الاجتماعية الخامسة.
الجزء الأول: الثورة العسكرية- الاجتماعية الأولى: نشأة الدولة الحديثة والجيش
يعرض الكاتب في هذا الجزء التطور الذي شهدته الحروب في الغرب منذ القرن السادس عشر والتحول الجذري نتيجة المنافسة بين الدول وتأثير الثورات العسكرية والاجتماعية، مثل ظهور الدولة الحديثة والثورة الصناعية. بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، وأدت المنافسات الأوروبية إلى تطور الأسلحة النارية والتحصينات، وانتقال الجيوش من نظام المرتزقة إلى الجيوش النظامية الدائمة، كما فرضت الحروب الطويلة كحرب الثلاثين عاماً (1618-1648) ضرورة إصلاح الأنظمة المالية والإدارية لدعم المجهود الحربي، مما عزز بيروقراطية الدولة الحديثة. خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، تبلورت الدولة الحديثة القادرة على تنظيم جيوش وأساطيل دائمة، وتحولت الحروب من غزوات عشوائية إلى صراعات منظمة تعكس سياسات الدول. برزت إنجلترا بفضل نظامها المالي المتطور والقدرة البحرية، بينما عانت فرنسا من تشتت مواردها. أظهرت حرب السنوات السبع تفوق النموذج البريطاني في إدارة الحروب العالمية، لكنها أكدت صعوبة تحقيق نصر حاسم رغم التطور التنظيمي. ومع تزايد الابتكارات العسكرية وارتفاع فتك الحروب، تواجه البشرية اليوم خطر تصاعد التكنولوجيا إلى حروب نووية مدمرة.
الجزء الثاني: برامج تشغيل التغير: الثورات العسكرية والاجتماعية الثانية والثالثة
يركز الكاتب في هذا الجزء على الثورة الفرنسية والثورة الاجتماعية، حيث ان الثورة الفرنسية (1789) والثورة الصناعية شكلت تحولًا جذريًا في طبيعة الحرب والدولة والمجتمع في أوروبا. أطاحت الثورة الفرنسية بالنظام الملكي وأدت إلى صراعات واسعة النطاق، حيث حوّلت الحرب من صراع بين جيوش محترفة إلى حرب شاملة تعبّئ فيها المواطنون والموارد الوطنية. عبر التجنيد الإلزامي وتأسيس بيروقراطية دولة مركزية، تمكّنت فرنسا من حشد جيوش ضخمة، مدعومة بأفكار ثورية مثل “الحرية والإخاء والمساواة”، رغم أن النظام تحوّل لاحقًا إلى استبداد تحت حكم نابليون. في المقابل، وفّرت الثورة الصناعية في بريطانيا القوة الاقتصادية واللوجستية لدعم الحروب ضد فرنسا، عبر تمويل التحالفات الأوروبية وفرض الحصار البحري. معًا، غيّرت هاتان الثورتان طبيعة الصراع، حيث أصبحت الحرب تعتمد على التعبئة الشعبية والإنتاج الصناعي، مما مهّد لصراعات القرن العشرين.
الجزء الثالث: الثورة العسكرية-الاجتماعية الرابعة: تزاوج الثورتين العسكرية-الاجتماعية الثانية والثالثة.
يناقش الكاتب فى هذا الجزء الحروب التي شهدتها أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر مثل حرب القرم والنزاعات الفرنسية-النمساوية والبروسية، التي استخدمت تقنيات صناعية دون تعبئة شعبية كاملة، بينما مثلت الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865) أول حرب حديثة شاملة، جمعت بين التكنولوجيا والتعبئة الجماهيرية، وانتهت بانتصار الشمال وتحرير العبيد بتكلفة بشرية هائلة. أما الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، فقد اندلعت بسبب تحالفات معقدة وتنافس القوى الأوروبية، وتحولت إلى حرب خنادق دموية باستخدام أسلحة جديدة كالطائرات والدبابات. انتهت بهزيمة ألمانيا بعد هجوم الحلفاء عام 1918، لكن معاهدة فرساي القاسية زرعت بذور صراعات مستقبلية. وفي فترة ما بين الحربين (1920-1939)، اختلفت استعدادات الدول العسكرية: ألمانيا أعادت التسلح تحت حكم هتلر رغم ضعف اقتصادها، بينما تمسكت بريطانيا وفرنسا بالدفاع والاسترضاء، وتأخرت الولايات المتحدة في التدخل، بينما أضعفت التطهيرات الستالينية الجيش السوفيتي. تباينت الاستراتيجيات أيضًا، فاتجهت ألمانيا للقوات الجوية الداعمة للبرية، بينما آمن الحلفاء بالقصف الاستراتيجي، وركزت أمريكا واليابان على حاملات الطائرات، في حين افتقرت ألمانيا لاستراتيجية بحرية واضحة. هذه التطورات هيأت العالم لحرب عالمية أكثر تدميرًا.
الجزء الرابع: الثورات العسكرية–الاجتماعية على الساحة العالمية.
يستعرض الكاتب في هذا الجزء ما شهدت حرب المحيط الهادئ (1941-1945) تحولًا جذريًا لصالح الولايات المتحدة بعد انتصارات اليابان المبكرة. فبعد الهزائم في معارك ميدواي وجوادالكانال، فقدت اليابان المبادرة، بينما تقدمت القوات الأمريكية عبر استراتيجية “القفز بين الجزر”، مستفيدةً من التفوق الصناعي والتكنولوجي. بحلول 1944، سيطر الحلفاء على جزر رئيسية مثل سايبان وغوام، مما مكّن من قصف المدن اليابانية بقاذفات B-29. في 1945، أدت المعارك الدموية في أيو جيما وأوكيناوا، ثم الضربتان الذريتان على هيروشيما وناغازاكي ودخول الاتحاد السوفيتي الحرب، إلى استسلام اليابان في 15 أغسطس 1945، وإنتهاء الحرب بتفوق أمريكي ساحق في الموارد والابتكار العسكري.
الجزء الخامس: ظهور الثورة العسكرية الاجتماعية الخامسة.
يناقش الكاتب في هذا الجزء التطور التقني الذي غيّر أدوات الحرب لكنه لم يغير طبيعة الصراع. الأسلحة الذكية تمنح القوة المادية، لكنها تقف عاجزة أمام إرادة المقاومة، كما أثبتت فيتنام وأفغانستان. اليوم، أصبحت الجيوش رهينة لأنظمتها الرقمية الهشة التي قد تنهار بأقل هجوم إلكتروني. في عالم تتصاعد فيه الصين، وتكرر روسيا أخطاء التاريخ، يفتقد القادة إلى البصيرة الاستراتيجية. لقد اختفت الحدود بين الحرب والسلم – فالهجوم السيبراني قد يشل دولة بأكملها دون إطلاق رصاصة واحدة.
قدم الكاتب تحليلاً شاملاً لتطور الحروب عبر القرون، مع التركيز على التفاعل بين التغيرات العسكرية والاجتماعية-السياسية-التكنولوجية، وكيف شكلت هذه العلاقة الدولة الحديثة وطبيعة الصراعات. الفكرة المركزية هي أن الحروب لم تكن مجرد صراعات مسلحة، بل قوى دافعة للتغيير في البنى السياسية (مثل ظهور البيروقراطية والدولة القومية)، والاقتصادية (الثورة الصناعية)، وحتى الثقافية (الأيديولوجيات الثورية كالقومية والديمقراطية). بالأضافة إلى ربط التطور العسكري بالتحولات الاجتماعية، وتحذير البشرية من مخاطر التكنولوجيا العسكرية. وأهمية الاستخبارات في الحروب حيث أن الاستخبارات لعبت دورًا حاسمًا في كل الثورات العسكرية-الاجتماعية .
باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب