Cairo

مخرجات قمة ألاسكا بين ترامب وبوتن

قائمة المحتويات

باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب

  • في الخامس عشر من أغسطس 2025، انعقدت قمة ألاسكا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتن في قاعدة إلمندورف-ريتشاردسون بمدينة أنكورِدج. ورغم أن اللقاء استمر ثلاث ساعات ورافقه استقبال بروتوكولي غير مسبوق لبوتن على أرض أمريكية، فإن القمة لم تُسفر عن اتفاق مكتوب أو تفاهم مُلزم بشأن الحرب في أوكرانيا أو ملف العقوبات. فيما أعلن ترامب أنه “لا اتفاق” حتى الآن، وأحال تفاصيل أي مسار تفاوضي لاحق إلى اجتماع مقبل في واشنطن يجمعه بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. كما ألمح الجانبان إلى إمكانية عقد قمة ثانية في موسكو، بناءً على دعوة وجهها بوتن.[1]
  • من حيث المضمون، لم تُغير القمة من موازين الحرب في أوكرانيا، إذ لم تقدم موسكو أي التزامات بوقف إطلاق النار أو الانسحاب، ولم توافق واشنطن على أي تخفيف للعقوبات. ووفق تقديرات مراكز الفكر الغربية، ظل الموقف الروسي تعظيمياً، يستند إلى سردية أن جذور الأزمة تكمن في توسع الناتو وتهديد الأمن الروسي، دون استعداد لتقديم تنازلات. في المقابل، سعت واشنطن من خلال هذا اللقاء إلى استعادة زمام المبادرة الدبلوماسية وإبقاء القرار النهائي ضمن إطارها، وذلك عبر التحضير المباشر لدمج كييف في المحادثات المقبلة على الأراضي الأمريكية.[2]
  • أما على مستوى الشرعية الدولية، فقد خرج بوتن بمكسب رمزي مهم تمثل في كسر جزء من العزلة الدولية عبر ظهوره في الولايات المتحدة واستقباله استقبالًا رسميًا، وهو ما منح موسكو مادة دعائية في الداخل والخارج تؤكد أن روسيا ما زالت فاعلًا لا يمكن تجاوزه. كذلك استفادت روسيا من استبيان الموقف الغربي حيال مفاوضات برعاية أمريكية منفردة، من دون أن تدفع أي ثمن سياسي أو ميداني مقابل ذلك. غير أن هذه المكاسب تظل رمزية أكثر منها استراتيجية، إذ لم تُرفع العقوبات، ولم تُمنح موسكو أي اعتراف جديد بشروطها.[3]
  • بالنسبة لواشنطن، فقد تمثل المكسب الأساسي في استعادة قناة اتصال مباشرة مع موسكو، بدون تقديم تنازلات ملموسة. إذ لم يُعلن ترامب عن أي خطوات لتخفيف العقوبات، ما سمح له بتجنب كلفة سياسية فورية داخليًا ومع حلفائه الأوروبيين. كما تمكن ترامب من تصوير اللقاء على أنه خطوة في طريق “صنع الصفقة”، بما يخدم خطابه السياسي أمام قاعدته الداخلية، لكنه في الوقت نفسه تعرض لانتقادات واسعة بسبب غياب المخرجات الفعلية والاكتفاء بمظاهر بروتوكولية.[4]
  • في البعد الدبلوماسي، برزت إحدى الملاحظات الرمزية المتعلقة بتركيبة الوفدين المرافقين خلال قمة ألاسكا. فبينما بدأت الجلسة بصيغة موسعة على نحو “خمسة مقابل خمسة”، تقلصت سريعًا إلى صيغة مصغرة “ثلاثة مقابل ثلاثة”، اقتصرت على الرئيسين ومستشاريهما الأقرب. هذا التحول يعكس دلالتين أساسيتين: الأولى، رغبة الجانبين في تقليص الطابع البروتوكولي للقاء وإعطائه طابعًا شخصيًا مباشرًا بعيدًا عن كثافة الحضور الرسمي. والثانية، التأكيد على أن القضايا الجوهرية المطروحة ــ وفي مقدمتها أوكرانيا والعقوبات والتوازنات الأمنية ــ لا تُعالج عبر فرق تقنية موسعة بقدر ما تعتمد على الإرادة السياسية للزعيمين. ومن ثم، فإن تقليص الوفود لم يكن مجرد تفصيل إجرائي، بل إشارة إلى محاولة تركيز النقاش على القنوات القيادية العليا، حيث تُصنع القرارات وتُحدد حدود التفاهم أو الفشل.[5]
  • إن تقييم القمة يقود إلى خلاصة أساسية مفادها أن المستفيد الأكبر على المدى القصير هو بوتن من الناحية الرمزية والسياسية، عبر كسر العزلة وإعادة طرح السردية الروسية من قلب الولايات المتحدة. في حين حقق ترامب مكسبًا إجرائيًا يتمثل في إبقاء الملف في يده وفتح الباب أمام جولة تفاوضية جديدة مع زيلينسكي، لكنه بات تحت ضغط إثبات نتائج ملموسة في اللقاءات اللاحقة. وعليه، فإن القمة الأولى في ألاسكا كانت أقرب إلى استعراض رمزي للقوة وفتح قنوات تفاوضية، لا إلى محطة حاسمة في مسار الحرب الأوكرانية أو مستقبل العلاقات الأمريكية-الروسية.

المصادر:


[1] Trump-Putin summit began with red carpet, ended in early, sober exit, 16 Aug 2025, Washington post.

https://www.washingtonpost.com/politics/2025/08/15/trump-putin-summit-sober-mood

[2] Putin Invites Trump to Moscow After Failure to Reach Deal, 16 Aug 2025, Daily Beast.

https://www.thedailybeast.com/vladimir-putin-invites-donald-trump-to-moscow-after-failure-to-reach-deal

[3] قمة ألاسكا.. بين اختبار النوايا وترسيخ خطوط النار، نُشر في 16 أغسطس 2025، سكاي نيوز عربية.

https://www.skynewsarabia.com/world/1814293-%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%94%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%83%D8%A7-%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%AA%D8%B1%D8%B3%D9%8A%D8%AE-%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1

[4] Experts react: Trump and Putin just left Alaska without a deal. Here’s what that means for Russia’s war on Ukraine, 16 Aug 2025, Atlantic Council.

[5] تغييرات في الدقيقة الأخيرة حصلت خلال قمة ترامب بوتين، نُشر في 16 أغسطس 2025، العربية.

https://www.alarabiya.net/arab-and-world/american-elections-2016/2025/08/16/%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%AD%D8%B5%D9%84%D8%AA-%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%84-%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86

باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب

الاستقالات الوزارية في هولندا وتداعياتها على الموقف الأوروبي من إسرائيل
الميتافيزيقا السياسية للسلطة في فلسطين
رؤية جون ميرشايمر لحربي إسرائيل وروسيا ومستقبل النظام الدولي
التكنولوجيا الحيوية كأداة للقوة التنافس السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين في سباق الهيمنة العالمية
تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات."
Scroll to Top