Cairo

تراجع أحزاب الخضر بالبرلمان الأوروبي وتداعياته السلبية على الدول النامية

قائمة المحتويات

باحث نظم سياسية بمركز ترو للدراسات

مقدمة

تعد الأحزاب الخضر ذات أهمية بالغة في تعزيز الوعي بحماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، لاسيما في ظل تزايد مخاطر التغيرات المناخية وما يصاحبه من ظواهر مناخية متطرفة، لذلك فإن التراجع في وجود الأحزاب الخضر في البرلمان الأوروبي يثير قلقًا كبيرًا لدى المهتمين بحماية البيئية، خاصةً بعد تراجع مقاعد هذه الأحزاب لنحو لـ 53 مقعداً عام 2024 مقارنة بالحصول على 72 مقعداً عام 2019، وذلك بنسبة انخفاض بلغت نحو 26.4%.[1]

إن هذا الانخفاض يعكس التحديات التي تواجه تلك الأحزاب في الحفاظ على تأثيرها وتعزيز أجندتها البيئية والاجتماعية، ويتطلب ذلك تعزيز المشاركة السياسية وتوعية الجمهور بأهمية الحفاظ على البيئة والتحول إلى اقتصاد أخضر. جدير بالذكر، ان هذه الأحزاب تسعى لتحقيق التوازن بين البيئة والمجتمع وتعزيز الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وتحتاج جهود مشتركة من السياسيين والمواطنين لتحقيق أهدافها وضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة. وعلى هذا، يسعى هذا المقال للتعرف على أسباب تراجع الأحزاب الخضر وتداعيات ذلك على الدول النامية.[2]

الأحزاب الخضر.. النشأة والأهداف

ظهرت الأحزاب الخضر في أوروبا خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين كرد فعل على التحديات البيئية المتزايدة والتي أصبحت واضحة بشكل أكبر في تلك الفترة. بدأت هذه الأحزاب كحركات اجتماعية نشطة تهدف إلى حماية البيئة من التلوث والاستغلال الجائر للموارد الطبيعية. انبثقت من الحركات الشعبية التي كانت تحتج على القضايا البيئية مثل التلوث الكيميائي، وحوادث التلوث النفطي، وتدمير الغابات. كانت النشأة الرسمية الأولى لحزب سياسي أخضر في ألمانيا عام 1980، حيث تأسس “حزب الخضر الألماني” (Die Grünen) ليصبح أول حزب أخضر يدخل البرلمان الألماني. هذا النجاح ألهم تشكيل أحزاب خضر في دول أخرى مثل أستراليا، وكندا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، مما ساهم في انتشار الفكر البيئي السياسي عالمياً.

وتركز هذة الأحزاب على مجموعة من الأهداف التي تجمع بين حماية البيئة وتحقيق العدالة الاجتماعية. من بين هذه الأهداف مكافحة التلوث والحفاظ على التنوع البيولوجي، وتعزيز الاستدامة في السياسات العامة لضمان تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. تتسم هذه الأحزاب بأنها غالباً ما تنتمي إلى اليسار الاجتماعي، وغالبا تكون ذو قوة في الدول المتقدمة التي تعاني من التأثيرات السلبية للقطاع الصناعي على البيئة، مثل أوروبا وكندا وأستراليا.  كما تسعى هذه الأحزاب إلى تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال العمل على تقليل الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وتعزيز حقوق الإنسان. بالإضافة الى ان هذه الأحزاب تؤمن بالديمقراطية المباشرة وتدعو إلى مشاركة فعالة للمواطنين في اتخاذ القرارات السياسية. بالإضافة إلى ذلك، تروج للسلام ونزع السلاح، حيث تعارض النزاعات العسكرية وتسعى إلى تعزيز السلام العالمي. [3]

بجانب هدفها لحماية البيئة، تسعى هذه الأحزاب إلى تحقيق دولة الرفاه لجميع المواطنين من خلال سياسات تنموية تأخذ بعين الاعتبار البيئة والمجتمع. فبالإضافة إلى سعيهم إلى تحقيق اتفاقية كيوتو للمناخ عام 1992 والتي تعتبر خطوة مهمة نحو التعامل مع تغير المناخ، حيث وقعت عليها العديد من الدول بما في ذلك الدول الصناعية الكبرى والتي دخلت حيز النفاذ عام [4]1997. بجانب اتفاقية كيوتو تهدف ايضًا الأحزاب الخضر إلى دعم وتنفيذ اتفاقيات أخرى مثل بروتوكول باريس للمناخ المُوقع في ديسمبر 2015، لتقليل انبعاثات غازات الانبعاث الحراري للحد من تغير المناخ، ويندرج ذلك ضمن رؤيتها للحفاظ على البيئة وحقوق الإنسان، مع التركيز على الحاجة إلى إجراءات عادلة ومتوازنة للتخفيف من تأثيرات تغير المناخ على جميع الشعوب والمجتمعات.[5] وعلى هذا، يسعى هذا المقال للتعرف على أسباب تراجع الأحزاب الخضر وتداعيات ذلك على الدول النامية.[6]

التداعيات على السياسات البيئية للدول الأوروبية:

ان تداعيات تراجع الأحزاب الخضر سيكون لها اثار بيئية بشكل واضح على السياسات البيئية الأوروبية، حيث ان انخفاض الدعم الشعبي لهذه الأحزاب من المحتمل ان يؤدي إلى تقليل التركيز على الأجندات البيئية في السياسات العامة للدول، مع تحول الأولويات نحو القضايا الأمنية والاقتصادية. هذا التراجع سيجعل من الصعب على الخضر فرض سياسات بيئية صارمة في الدول التي تشارك فيها أحزابهم في الحكومات الائتلافية، مثل ألمانيا، مما سيؤدي إلى تخفيف بعض القوانين البيئية أو تأخير تنفيذها.[7]

 واستغلت الأحزاب اليمينية المتطرفة هذا النوع من التراجع لتعزيز أجنداتها القومية والاقتصادية، مشككًة في فعالية السياسات البيئية والترويج لفكرة أنها تضر بالطبقات الفقيرة. بالإضافة إلى ذلك، أثر هذا التراجع على ميزانيات المشاريع البيئية، مما قلل من تمويل المبادرات الخضراء والصفقات البيئية التي تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية وتعزيز الطاقة المتجددة. كما أثارت السياسات البيئية التي فرضت قيوداً على استخدام المواد الكيميائية في الزراعة وإجراءات حماية البيئة احتجاجات واسعة من قبل المزارعين، مما زاد من الضغوط على الحكومات لتخفيف هذه السياسات. [8]

كما أن الفشل في تحديث هوية الخضر جعلها تبدو غير واقعية ومنعزلة عن القضايا الملحة مثل الأزمات الاقتصادية والتضخم، مما يثير مخاوف من أن فقدان الزخم الأخضر سيؤدي إلى تأخير أو تخفيف السياسات البيئية ويعطل الجهود لتحقيق الأهداف الطموحة لخفض انبعاثات الكربون.[9]

 وعلى الرغم من أن تراجع السياسات البيئية يبدو كوسيلة لتوفير التكاليف في الميزانية، إلا أن الكوارث البيئية الناتجة عن تغير المناخ ستكلف القارة الأوروبية، الأسرع احترار على الكوكب، أضعاف ما تم توفيره، حيث تسببت كوارث تغير المناخ في أضرار تقدر بنحو 145 مليار يورو على مدار العقد الماضي.[10]

العدالة المناخية وإثارة قلق الدول النامية!

إن تراجع الأحزاب الخضر في البرلمان الأوروبي يؤثر بشكل ملحوظ على تحقيق العدالة المناخية، خاصة من منظور الدول الأوروبية الصناعية، هذه الأحزاب كانت تدفع بقوة نحو الاعتراف بالمسؤولية التاريخية عن الانبعاثات الكربونية، وتقديم الدعم المالي والتقني للدول النامية لتنفيذ سياسات بيئية فعالة. حيث كانت تتعهد الدول المتقدمة بدفع 100 مليار دولار للدول النامية والفقيرة لمساعدتها على التغلب على الاثار السلبية للبيئة التي نتجت عن الثورة الصناعية الأوروبية [11]

بتراجع نفوذ الخضر، سيؤدي ايضًا الى تراجع الأولويات البيئية في السياسات الأوروبية، مما سيقلل من الجهود المبذولة لدعم التنمية المستدامة في الدول النامية. في ظل هذا التراجع، ستتأثر قدرة الدول النامية في الحصول على الدعم المالي والتقني اللازم لتطوير بنيتها التحتية وتحسين قدراتها على التكيف مع تأثيرات تغير المناخ، مما سيعرقل تحقيق التوازن الضروري بين المسؤولية التاريخية للدول الصناعية وحق الدول النامية في التنمية المستدامة، ويؤدي إلى تفاقم الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية على المستوى العالمي.

خاتمة

إن تراجع أحزاب الخضر في البرلمان الأوروبي له العديد من العواقب واسعة النطاق على السياسات البيئية وجهود مكافحة تغير المناخ على المستوى العالمي، ففي ظل عمل الأحزاب الخضر كناقل رئيسي للأجندة البيئية والتنموية المستدامة، إلا أن هذه الانحراف في الأولويات نحو قضايا أخرى قد تبدو أكثر إلحاحًا في ظل الظروف السياسية والاقتصادية العالمية، ستدفع الدول المتقدمة لتبني سياسات بديلة قد تضر بالبيئة مثل عودة الدول الأوروبية لاستخدام الفحم بديلا عن البترول لتوليد الطاقة بعد تفاقم الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار مصادر الطاقة.

من منظور الدول النامية، فإن هذا التحول يمثل تحديًا كبيرًا لإمكانية الحصول على الدعم اللازم لتنفيذ استراتيجيات التخفيف والتكيف مع تأثيرات تغير المناخ، وتحقيق التنمية المستدامة بما يحافظ على حقوقها الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم فإن عدم التوازن في المسؤوليات الدولية يمكن أن يزيد من الفوارق العالمية ويؤدي إلى تعزيز النزاعات وعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المناطق الأكثر ضعفًا.

لذلك، فإن استعادة الزخم للأجندة البيئية العالمية يتطلب تعزيز التعاون الدولي وتكثيف الجهود المشتركة لتعزيز التزام الدول الصناعية بالتخفيف من الانبعاثات ودعم الدول النامية في التكيف مع تغير المناخ، علاوة على أن الاستثمار في الحلول البيئية وتشجيع الابتكار والتكنولوجيا النظيفة يمثل جزءًا أساسيًا من الحلول الممكنة لتحقيق التنمية المستدامة على المستوى العالمي والمحافظة على البيئة للأجيال القادمة.


[1] Niranjan, A., & O’Carroll, L. (2024, June 10). Green party losses in EU elections raise concerns over Green Deal. The Guardian. https://www.theguardian.com/world/article/2024/jun/09/green-party-losses-in-eu-elections-raise-concerns-over-green-deal

[2] THE ASSOCIATED PRESS. 2024. “European Election: The Latest | Election shifts the European Parliament further right” AP News. June 10, 2024. https://apnews.com/article/eu-parliament-elections-live-updates-latest-d66061efe90a5b3d1762d3ddfade0491

[3] Gahrton, Per, and Caroline Lucas. “GREEN PARTIES ALL OVER THE WORLD.” In Green Parties, Green Future: From Local Groups to the International Stage, 1st ed., 32–65. Pluto Press, 2015. https://doi.org/10.2307/j.ctt183p8rr.9.

[4] بروتوكول كيوتو الملحق باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. (1992). https://unfccc.int/resource/docs/convkp/kparabic.pdf.UNFCC.

[5] اتفاق باريس | الأمم المتحدة. 2015. United Nations. https://www.un.org/ar/climatechange/paris-agreement

[6] “What went wrong for the EU election-losing Greens and Liberals?,” Euronews,June 10, 2024, https://www.euronews.com/green/2024/06/10/what-went-wrong-for-the-eu-election-losing-greens-and-liberal

[7] McBride, James. “How Green-Party Success Is Reshaping Global Politics.” Council on Foreign Relations, May 5, 2022. https://www.cfr.org/backgrounder/how-green-party-success-reshaping-global-politics.

[8] حماية البيئة والقيود الضريبية تشعل ثورة المزارعين الفرنسيين . . . مسيرات وحواجز على الطرق. (2024, January 23). مونت كارلو. https://www.mcdoualiya.com/%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7/20240123%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%A9%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A6%D8%A9%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B4%D8%B9%D9%84-%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%B9%D9%8A%D9%86%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA %D9%88%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%AC%D8%B2%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%82

[9]  “Green party losses in EU elections raise concerns over Green Deal.” The Guardian” June 10, 2024. https://www.theguardian.com/world/article/2024/jun/09/green-party-losses-in-eu-elections-raise-concerns-over-green-deal.

[10] عام 2021: كوارث وفيضانات وخسائر بالمليارات.” Dw. Com, January 11, 2022. https://www.dw.com/ar/%D8%B9%D8%A7%D9%85-2021-%D9%83%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AB-%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%B6%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%AE%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA/a-60379645

[11] مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار -أبرز 10 إنجازات قمة شرم الشيخ» IDSC. https://www.idsc.gov.eg/Article/details/7847

باحث نظم سياسية بمركز ترو للدراسات

الاستقالات الوزارية في هولندا وتداعياتها على الموقف الأوروبي من إسرائيل
الميتافيزيقا السياسية للسلطة في فلسطين
التكنولوجيا الحيوية كأداة للقوة التنافس السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين في سباق الهيمنة العالمية
شهد الجنوب السوري مؤخرًا تجددًا للاشتباكات، ما جعله بؤرة هشاشة تهدد استقرار البلاد ووحدة أراضيها، الأمر الذي أثار تساؤلات جوهرية حول دوافع هذا التصعيد وأسبابه، فضلًا عن التداعيات المحتملة على الأمن القومي السوري، ومتحليل الضربات الإسرائيلية
في خضم التحولات الجيوسياسية التي يشهدها الإقليم، يبرز توقيع اتفاق تصدير الغاز بين أذربيجان وسوريا كحدث لافت يعكس إعادة تمركز بعض الفاعلين الإقليميين في مسارات جديدة من التعاون، تتجاوز الحسابات التقليدية للتحالفات والانقسامات.
Scroll to Top