مقدمة
قام الملك “تشارلز الثالث” ملك بريطانيا بإفتتاح دورة البرلمان الجديد في 17 يوليو 2024، حيث كشف “خطاب الملك” عن أول برنامج تشريعي لحكومة عمالية بعد 14 عامًا استمر فيها حزب المحافظين في السلطة، وقد شهدت بريطانيا خلال هذه الفترة أحداثًا هامة على المستويين؛ الدولي والمحلي، يأتي خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي على رأس هذه الأحداث، علاوة على انتشار جائحة كوفيد-19، ثم اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، الأمر الذي كان له تداعياته السياسية والاقتصادية الكبيرة على المملكة المتحدة خاصة أزمة الطاقة التي أحدثتها.
وقد شهد حزب المحافظين تراجعاً دراماتيكياً حيث تم تغيير ثلاثة رؤساء وزراء في عام واحد فقط مما تسبب في اضطرابات سياسية واقتصادية، وقد أدى هذا التراجع إلى فوز ساحق لحزب العمال، حيث حصل على 411 مقعدًا من أصل 650 في مجلس العموم البريطاني بنسبة مقاعد تفوق 60%[1]، وبناء على ذلك يتناول هذا المقال استعراض الأسباب الرئيسية لخسارة حزب المحافظين في الانتخابات العامة، مع التطرق لأهم التغييرات المتوقعة بعد فوز حزب العمال.
لماذا خسر حزب المحافظين؟
ومن بين الأسباب التي دفعت الناخبين إلى تغير اتجاهاتهم السياسية ودعم حزب العمال، من بينها الظروف الاقتصادية المتردية، وعدم الوفاء بالوعود لدعم القطاع الصحي، وأزمة المهاجرين، والسياسة الخارجية، ويمكن تناول هذه الأسباب بشيء من التفصيل كما يلي:
- الظروف الاقتصادية
ظل حزب المحافظين يروج للفوائد التي ستعود على المملكة المتحدة اقتصاديا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولكن ما حدث هو على العكس من ذلك حيث تأثر الاقتصاد سلبياً. فعلى سبيل المثال ارتفعت تكلفة المعيشة وأسعار الإقامة، كما تم توجيه الانتقادات “لليز تروس” التي لم تمكث في المنصب سوى 45 يوماً فقط، بعد أن خسر الجنيه الإسترليني الكثير من قيمته أمام الدولار، الأمر لم يكن مختلفاً مع سوناك الذي لم يحقق المأمول في التعامل مع معدلات التضخم، كذلك وجهت انتقادات لسياسية الحزب المالية التي رأي البعض أنها تخدم مصالح الطبقة الغنية ولا تقدم المطلوب من أجل رفع العبء عن كاهل المواطنين.[2]
- عدم الوفاء بدعم القطاع الصحي
بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، كان من المتوقع كما روج الحزب أن يتم توجيه قدر أكبر من المخصصات المالية التي كانت تدفع للاتحاد الأوروبي إلى القطاع الصحي. ولكن في الحقيقة زادت الاعداد في قوائم الانتظار بشكل كبير وهو ما دفع الكثيرين إلى السفر لتقلي العلاج في دول أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن جائحة كورونا ضاعفت الضغط على المنظومة الصحية المثقلة أساسا بأعداد كبيرة من مرضى الأمراض المزمنة. أيضا تعرض جونسون للهجوم بسبب تأخره في اتخاذ قرارات الإغلاق والتي أدت لارتفاع عدد الضحايا والمصابين بشكل كبير، كما أن ما فعله جونسون من إقامة حفلات في مقر الإقامة الرسمي لرئيس الوزراء في خضم الجائحة أدي إلى انخفاض نسبة مؤيديه بسبب عدم الالتزام بقرارات التباعد والاغلاق.[3]
- أزمة المهاجرين غير الشرعيين
جاء حل مشكلة المهاجرين غير الشرعيين على رأس الوعود التي قدمها حزب المحافظين للقضاء على أزمة الهجرة غير الشرعية، ولكن مع الصعوبات التي واجهها الحزب في تنفيذ تلك القرارات مثل ترحيل المهاجرين إلى رواندا، بدأ السخط الشعبي يزيد وتسلل الإحباط إلى الناخبين الذي رأوا أن الحزب غير قادر على حل هذه الأزمة.[4]
- السياسية الخارجية
التزم الحزب بدعم أوكرانيا عن طريق تقديم الأسلحة والتدريب للجيش الأوكراني كما أدان العمليات الروسية وطالب أكثر من مرة بضرورة إنهاء تلك الحرب. في حين أن الحزب لم يقم باتخاذ موقف مشابه في الحرب على غزة حيث لم تتخذ الحكومة موقفا جاداً رغم تخطي أعداد الشهداء حاجز الثلاثين ألف فلسطيني، وذلك الموقف جعل الكثير من الناخبين يتراجعون عن تأييد الحزب بسبب معارضتهم لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.[5]
ماذا بعد فوز حزب العمال؟
دخل حزب العمال هذه الانتخابات وشعاره هو “التغيير”، ويشير ذلك الشعار إلى دعوة الحزب لتغيير الكثير من السياسيات التي كان يتبعها حزب المحافظين،[6] وطبقاً لبيان الحزب فإن أولى خطوات التركيز ستهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والقضاء على قوائم الانتظار في القطاع الصحي، كذلك سيتم العمل على حل أزمة المهاجرين وتأمين مصادر نظيفة ومستدامة للطاقة بعيدا عن الاعتماد على روسيا، أيضا تعهد الحزب بتعيين 6500 معلم من أجل سد العجز في أعداد المعلمين.[7] ويمكن تناول أهم الوعود التي يعمل الحزب على تحقيقها خلال الفترة القادمة ما يلي:
- تحسين الوضع الاقتصادي
يأتي تحسين الوضع الاقتصادي على رأس أولويات حزب العمال، وذلك وفقا لما جاء في بيان الحزب فإنه سيعمل على تحسين الوضع الاقتصادي من خلال العمل على عدة محاور أبرزها؛ العمل على تحديث سياسة التخطيط الوطنية لضمان أن تلبي هذه الخطط احتياجات الاقتصاد الحديث، ويتمثل ذلك في ربط البنية التحتية والمصانع العملاقة، كما سيتبنى الحزب استراتيجية بنية تحتية مدتها عشر سنوات، والتي ستتماشى مع استراتيجية الحزب الصناعية. وستعمل هذه الاستراتيجية على تحسين ربط السكك الحديدية لشمال إنجلترا بباقي المناطق. والهدف من ذلك كله هو التأكد من أن النظام الاقتصادي يدعم النمو والاستثمار، ويعزز المنافسة.[8]
كذلك تعهد الحزب في بيانه بفرض إجراءات أشد على الانفاق وزيادة الشراكات مع القطاع الخاص من أجل تشجيع الاستثمار وهو ما سيؤدي لمعدلات نمو أعلى، كما سيعمل الحزب على إنشاء 1.5 مليون وحدة سكنية جديدة بغية السيطرة على ارتفاع أسعار الإقامة.[9]
- دعم القطاع الصحي
يعد حزب العمال القطاع الصحي وبناء خدمة صحية للمستقبل حيث تكون أفضل الخدمات الصحية متاحة ومجانية للجميع، ووفقا للحزب فإنه لا يجب أن يكون المال هو المتحكم في تقديم الخدمات الصحية، ومن أجل تحقيق ذلك وعد ستارمر أن القطاع الصحي دائما ما سيكون مملوكاً للقطاع العام وممولاً منه وأنه سيعمل على تقليل أوقات الانتظار، وتحسين العلاقات مع نقابات الرعاية الصحية، كما تعهد حزب العمال بتطوير قطاع الخدمات الطبية وليس فقط التخلص من قوائم الانتظار، فتطبيقاً لإعلان الحزب، سيتم العمل على بناء قطاع صحي قادر على منع اعتلال الصحة والاصابة بالأمراض.[10]
- إيجاد حلول لأزمة المهاجرين
قبل الانتخابات، تعهد حزب العمال بإلغاء رحلات الترحيل إلى رواندا وتبني استراتيجية تعمل على مواجهة مصدر الهجرة غير الشرعية بدلاً من إتباع حلول غير جذرية مثل ما كان يفعل حزب المحافظين والتي كلفت الدولة الكثير من المال، لذلك أشار الحزب في بيانه أنه سيعمل مع الاتحاد الأوروبي لوقف “قوارب الهجرة” التي تقل المتسللين من فرنسا عبر البحر كما أن الحفاظ على أمن الحدود سيكون أحد أهم أهداف الحكومة.Arabic translation.
كذلك أكد الحزب في بيانه على أن بريطانيا بلد متسامح ورحيم ولها تقليد تفخر به في الترحيب بالأشخاص الفارين من الاضطهاد وسوء المعاملة وخير مثال على ذلك هو برامج استقبال اللاجئين مثل “منازل لأوكرانيا” وبرنامج إعادة التوطين للسوريين. وكما أكد الحزب أن الحل هو ليس ترحيل المهاجرين، بل الامر يحتاج إلى تنظيم من أجل السيطرة عليه وإدارته.[11]
- السياسية الخارجية
تعد الحرب الروسية الأوكرانية والحرب على غزة من أبرز الملفات على الساحة الدولية التي تنتظر حزب العمال، فقد أشار ستارمر قبل الانتخابات أن فلسطين يجب أن تكون دولة، وأضاف أن الاعتراف بفلسطين يجب أن يتم وفقاً لشروط أهمها أن تكون الدولة فلسطينية لها مقومات الحياة إلى جانب ضرورة تحقيق الآمن لإسرائيل، كذلك يدعم ستارمر موقف إسرائيل ويؤكد على حقها في الدفاع عن نفسها كما أدان بشدة هجوم السابع من أكتوبر، أما بالنسبة للحرب في أوكرانيا، فقد تعهد حزب العمال بمواصلة الدعم المطلق لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، وهو موقف مطابق لموقف حكومة المحافظين.[12] أيضا جاء بيان الحزب مؤكداً على التزام المملكة المتحدة بدعم الناتو بصفته ركيزة لأمن أوروبا والعالم.[13]
وقد أولى البيان أيضاً اهتماماً بإعادة بريطانيا لمكانتها على الساحة الدولية والذي لن يتم إلا عن طريق تقوية العلاقات الدبلوماسية وزيادة الاتفاقيات التجارية، علاوة على تأكيد الحزب على ضرورة الاهتمام بملف التنمية الدولية والتغير المناخي، وتعهد الحزب بأنه سيصلح ما أفسده حزب المحافظين فيما يتعلق بملف التنمية الدولية وهو ما أدى لتراجع تأثير بريطانيا عالمياً، ومن المتوقع أن تكون أفريقيا من أبرز المستفيدين من المساعدات الدولية وسياسية التعاون الجديدة التي ستتبناها حكومة العمال.[14]
ختاماً، من المتوقع أن يسعى حزب العمال جاهداً في الفترة القادمة على تحقيق ما تعهد به في بيانه قبل الانتخابات، فإذا لم يشعر المواطن بتغيرات ملموسة سيخسر الحزب الكثير ممن صوته له، وبالتأكيد هنالك الكثير من العوامل التي يتوقف عليها تحقيق هذه الوعود والبعض منها محلي والأخر دولي يتأثر بما يجري على الساحة العالمية.
[1] Serhan, Yasmeen. “Labour Delivered a Decisive Victory in Britain. Now Comes the Hard Part.” TIME, July 5, 2024. https://time.com/6995176/uk-election-result-labour-keir-starmer/.
[2] Keating, Joshua. “Why Britain’s Conservatives were wiped out by Labour.” Vox, July 5, 2024. https://www.vox.com/world-politics/358035/how-did-it-go-so-wrong-for-britains-conservatives.
[3] “ANALYSIS – What caused the fall of UK’s Conservative Party?,” Anadolu Agency, July 5, 2024, https://www.aa.com.tr/en/analysis/analysis-what-caused-the-fall-of-uk-s-conservative-party/3266844#.
[4] Ibid
[5] Ibid
[6] Ellen Ioanes, “What the Labour Party’s big win in the UK will actually mean,” Vox, July 5, 2024, https://www.vox.com/world-politics/358985/uk-labour-keir-starmer-tories-migration-politics-elections-july-4-rishi-sunak-boris-johnson.
[7] The Labour Party. “Change – The Labour Party,” June 21, 2024. https://labour.org.uk/change/.
[8] The Labour Party. “Kickstart economic growth – The Labour Party,” June 13, 2024. https://labour.org.uk/change/kickstart-economic-growth/.
[9] Ibid
[10] The Labour Party. “Build an NHS fit for the future – The Labour Party,” July 3, 2024. https://labour.org.uk/change/build-an-nhs-fit-for-the-future/.
[11] The Labour Party. “Strong foundations – The Labour Party,” June 13, 2024. https://labour.org.uk/change/strong-foundations/.
غزة وأوكرانيا.. كيف سيتعامل ستارمر مع أكبر أزمتين في العالم؟. سكاي نيوز عربية, July 5, 2024. https://www.skynewsarabia.com/world/1727168-%D8%BA%D8%B2%D8%A9-
[13] The Labour Party. “Britain reconnected – The Labour Party,” June 13, 2024. https://labour.org.uk/change/britain-reconnected/.
[14] حمدي حسن عبدالرحمن. “ماذا يعني فوز حزب العمال البريطاني لإفريقيا؟.” قراءات إفريقية, July 7, 2024. https://shorturl.at/JBq7g
باحث علاقات دولية بمركز ترو للدراسات