Cairo

الألوان الاقتصادية والتنمية المستدامة: تعزيزٌ متبادل

قائمة المحتويات

باحث اقتصادي بمركز ترو للدراسات

مقدمة

انطوى الاقتصاد في مهده على جملة الحاجات الإنسانية اللانهائية والتي يُقابلها موارد طبيعية محدودة، فأصبح حتمًا على الإنسان تحجيم احتياجاته والنزول بسقف غاياته لمواجهة الشح والندرة، وإلا انقلب تلبية الحاجات صراعًا بين الإنسان وأخيه والإنسان والأرض، والنتيجة الدم والحرب في غير موسمه! حتى أخذ الاقتصاد منحى العلم، وكان كتاب ثروة الأمم عام 1776م شرارة انطلاقه وتم تعريفه على نحو أنه العلم الذي يدرس وسائل الغنى والرفاهية[i] حتى اتبعه عدة تعريفات أخرى أكثر عمقًا ودقةً، وكثرت فرضياته ونظرياته وتفرَّع وتعددت اتجاهاته وأصبح لكلٍ أنصارٌ ومُريدون فمنهم الطبيعيون والتجاريون والكلاسيكيون.

كما أن العلم بأبسطه مجموعة من النظريات يكمل بعضها البعض، فإن الاقتصاد كنظرية يمكن تقسيمه إلى النظرية الجزئية والمعنية بدراسة حاجات ومنافع الفرد ويصب تركيزه على العرض والطلب والسعر وتحقيق التوازن الجزئي، والنظرية الكلية والتي تُعالج الاقتصاد الوطني وتحلل النشاط الاقتصادي من منظور الناتج الإجمالي ومستوى الدخل والتضخم وغيرهم[ii]، وقد شغل الاقتصاد الجزئي مساحةً كبيرةً من الدراسة والتحليل حتى ثلاثينيات القرن الماضي، ثم بدأ الاقتصاد الكلي يوازيه ويحزو حزوه منذ إطلاق الإنجليزي كينز نظريته المشهورة “النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود” عام 1936م[iii]. كما وتعددت الألوان الاقتصادية التي أُطلقت على الاقتصاد منها الاقتصاد الأخضر والأزرق والأصفر.. إلخ، وهو ما سوف نتناوله في هذا المقال.

أولاً: مسيرة النشاط الاقتصادي وعلم الاقتصاد

مع تعدد الأنشطة الاقتصادية وتنوعها دعت الحاجة إلى تفرع الاقتصاد إلى عدة فروع تدرس نشاطًا قائمًا بذاته وتقوم فرضياته ونظرياته على النظرية الأم، كالاقتصاد الصناعي والزراعي والتعليم والحضر وغيرهم، ومؤخرًا ظهرت أدبيات جديدة قسمت دراسة الأنشطة الاقتصادية مجازًا إلى عدة ألوان كالاقتصاد البني والأخضر والأزرق والأصفر والرمادي والأسود، وكل لونٍ يرمز إلى طبيعة النشاط المعني به، فالبني يرمز إلى الوقود الأحفوري؛ إنتاجه والإنتاج القائم عليه، والأزرق إلى موارد البحر ودوره اللوجستي، والأخضر إلى تحقيق أولوية البيئة، والأصفر إلى استخدام أمثل للطاقة، والرمادي والأسود إلى كل نشاط يتم خارج الحسابات الرسمية مشروع أو غير مشروعٍ كان[iv]، وكل لون له تاريخٍ يوثق نشأته وظهوره؛ فمثلًا تم ذكر الاقتصاد الأخضر أول مرة عام 1989 في بحث من إعداد مركز لندن للاقتصاد البيئي⁴، أما عن الاقتصاد الأزرق فيرجع الفضل في إبرازه إلى الاقتصادي البلجيكي جونتير بولي في أعقاب مؤتمر ريو ⁵2012.

ثانياً: أنواع الألوان الاقتصادية

  1. الاقتصاد البني:

يُعرف على نحو أنه جميع الأنشطة الاقتصادية التي تعتمد في قيامها ونموها على استخراج الوقود الأحفوري وتكريره والأنشطة المكملة له، والتي لا تلقي بالًا بالأضرار البيئية والأيكولوجية الناجمة، ويُعد أبرزها ارتفاع نسبة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي والاحتباس الحراري، وتشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من 5 مليون حالة وفاة نتجت عن تلوث الهواء في عام 2017، ووفاة أكثر من 1.5 مليون طفل جراء إلقاء 14 مليار رطلٍ من البلاستيك في المحيطات سنويًا.

  • الاقتصاد الأخضر:

على النقيض من سابق، فالاقتصاد الأخضر: والذي يُنظر إليه أنه اقتصادٌ صديقٌ للبيئة يعمل على تلبية احتياجات الفرد والمجموع دون إحداث ضررٍ بالنظام البيئي والناتج عن أنشطة الاقتصاد البني، وذلك على نحو استهلاك طاقةٍ نظيفةٍ وأيضًا ابتكار تقنيات تحد من الانبعاثات الكربونية، وتعزز كفاءة وفاعلية استهلاك كلٍ من الموارد والطاقة، وتقدر McKinsey أن فرصة الأعمال التجارية للاقتصاد الأخضر يمكن أن تولد ما بين 12:9 ترليون دولار من الإيرادات بحلول عام 2030م في قطاعات النقل والطاقة والهيدروجين⁶.

  • الاقتصاد الأزرق:

يتبع ويسير على نهج الاقتصاد الأخضر، فالاقتصاد الأزرق يهتم بما تحويه وتؤدي إليه المحيطات والبحار والمسطحات المائية من أنشطة اقتصادية، إذ تغطي المياه نحو ثلاثة أرباع الكوكب وتضم ثروة أيكولوجية -تنوع كائنات اليابس والماء- تقترب من 80:50% من أشكال الحياة على سطح الأرض، وتَكمن الأهمية الاقتصادية للبحار والمحيطات في مصايد الأسماك والتجارة الدولية والخدمات اللوجستية والسياحة وأيضًا إدارة النفايات، وتتعظَّم قيمة الاقتصاد الأزرق في الدول الجزرية الصغيرة والبلدان الساحلية وأيضًا الدول المتقدمة مثل اليابان التي تمتلك أسطولًا ضخمًا من سفن الصيد7.

  • الاقتصاد الأصفر (الذهبي):

ثم يأتي الاقتصاد الأصفر (الذهبي): والذي يعتمد في قيام أنشطته على الطاقة الشمسية كمصدر للتشغيل والإنتاج، إذ تُعد بديلًا أمثل للطاقة الأحفورية وتعالج نواقصها، طاقة نظيفة، لا محدودة، لا مركزية، وليست حكرًا على بلدٍ دون غيره⁸، وتأتي الصين في مقدمة الدول المنتجة للطاقة الشمسية بواقع 584.2 تيرا وات بينما تنتج مصر 4.7 تيرا وات سنويًا، وتأتي شيلي في مقدمة الدول الأكثر استهلاكًا للطاقة الشمسية كحصة من استهلاكها الكلي للطاقة بنسبة 9.4%، بينا تستهلك مصر نسبة 1.3% كحصة من استهلاكها الكلي للطاقة سنويًا¹⁰.

ثالثاً: ما هو الاقتصاد الضار؟

ويُناقض ما سبق كلٌ مِن الاقتصاد الرمادي والأسود ويُشير الأول إلى السوق الموازية والتي تقوم فيها الأنشطة الاقتصادية بعيدًا عن أعين الدولة والرقابة، ولا يتم احتساب قيمة ما تم إنتاجه وبيعه وتخزينه في الحسابات القومية، ويرجع ذلك إلى؛ إما تهرُّبًا من الضرائب والرسوم، وإما البيروقراطية الفجة في إصدار الرُخَص والتصاريح، وتشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أنا أكثر من 2 مليار من البالغين يعملون في السوق الموازية أي نحو 60% من القوة العاملة في العالم، وقد قدرت دراسة أعدتها لجنة الضرائب باتحاد الصناعات المصرية عام 2018 الاقتصاد غير الرسمي بأعلى نسبة بلغت 60% من حجم الاقتصاد الرسمي¹¹.  بينما يُشير الثاني إلى جملة الأنشطة غير الشرعية كتجارة المخدرات والأسلحة والدعارة وغيرهم والتي من شأنها عرقلة مسير أي بلدٍ نحو الغنى والتقدم.

ختاماً: فللتنمية المستدامة بعدٌ اقتصاديٌّ ولأهدافها السبعة عشر، تأثير وترابط مباشرٍ وغير مباشرٍ مع الأنشطة الاقتصادية، ومنها ما يُعبر عن بعدٍ اقتصاديٍّ صرفٍ كالهدف الثامن والتاسع العمل اللائق ونمو الاقتصاد والصناعة والابتكار والهياكل الأساسية. وربما هناك تشابه إلى حد ما بين اللون المميز لكل هدفٍ والألوان الاقتصادية! ومثالاً لا حصرًا فيهدف الاقتصاد الأزرق إلى تحقيق الهدف الرابع عشر “الحياة تحت الماء”، أما الاقتصاد الأخضر فيعمل على خدمة جميع الأهداف خاصة الهدف الثالث والعاشر والثالث عشر بل يكاد يكون لا حديث عن تنميةٍ مستدامةٍ دونه، أما عن الاقتصاد الأصفر فيُعد قاطرة تحقيق جميع الأهداف؛ إذ لا غنى عن طاقة نظيفة غير محدودة ولا مركزية، فضلًا عن الاقتصاد الرمادي والأسود اللذين يرتبطان سلبًا مع جميع الأهداف ويُعرقلان خطى تنمية اقتصاد أي بلد مستدام أو غير مستدام¹².


1 subhendu Dutta. “INTRODUCTION TO MICROECONOMICS.” Essay. In Introductory Economics (Micro and Macro), 18–22. New Delhi, India: New Age international, 2006.

2 Ibid

3 Ibid

4 عبد الحميد، خالد، الاقتصاد الأخضر ودوره في تحقيق التنمية المستدامة، المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية، مجلد 36، العدد الثاني، 405، 2022.

⁵Ahmed Zaghlol. “Blue Economy and Maximizing Investment in Egypt.” L’ Egypte Contemporaine 114, no. 550,2023, 389–432.

⁶Awad, Reham, Wael Fawzy, and Magdy Allam. “The Economic Colour Role in Promoting Sustainable Development Goals in Egypt.” Journal of Environmental Science, 2022.

⁷Lbid

⁸Lbid

https://ourworldindata.org/grapher/solar-energy-consumption?tab=table

¹⁰https://ourworldindata.org/grapher/solar-share-energy?tab=table

¹¹https://idsc.gov.eg/Article/details/6047

¹²Lbid

باحث اقتصادي بمركز ترو للدراسات
الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران وتداعياتها على مسار العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية
مساعي الولايات المتحدة لتوطين صناعة الرقائق الإلكترونية
زيارة الرئيس السوري إلى روسيا: الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية للزيارة
التصعيد بين أفغانستان وباكستان الدوافع والمواقف الدولية
نشر قوات الحرس الوطني
Scroll to Top