أمرت الصين شركات الطيران الصينية يوم الثلاثاء 15ابريل 2025 بعدم استلام أي شحنات طائرات جديدة من شركة بوينغ الأمريكية، كما أمرت بوقف استيراد المعدات وقطع الغيار من الشركات الأمريكية . ونستعرض في هذا التقرير تأثير ذلك على شركة بوينغ الأمريكية وما هو البديل الذي ستلجأ إليه الصين للحصول على طائرات تجارية والبحث في إمكانية تطبيق ذلك على أرض الواقع ومدى التزام الشركات الصينية به، فضلاً عن وضع سيناريوهات مستقبلية للعلاقات بين بكين وواشنطن في ظل السياسة الاقتصادية المتشددة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد الصين خصوصًا في مجالات التجارة وما يرتبط بها من رسوم جمركية.
الأسباب والتداعيات
يعد قرار الصين بمنع استيراد الطائرات التجارية من شركة بوينغ جزء من الحرب التجارية الصينية الأمريكية التي بدأت منذ عام 2018 حين قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتوقيع على قرار الرسوم الجمركية وفرض رسوم جمركية اضافية بنسبة 25% على السلع الصينية، حتى وصلت الرسوم الجمركية على الواردات الصينية في عام 2025 إلي نسبة 145[1] ، وجاء الرد الصيني برفع الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية إلى 125% في 12 ابريل 2025.[2]
وبالتالي أصبحت تكلفة الطائرات والمعدات الأمريكية باهظة بالنسبة للشركات الصينية ومن شأن ذلك أن يجعل من الصعب شراء أو استلام طائرات بوينغ. وتدرس الحكومة الصينية مساعدة شركات الطيران التي تستأجر طائرات بوينغ وتواجه تكاليف أعلى ، مع النظر في بدائل مثل “إيرباص” والشركة المحلية “كوماك”، للقدرة على المواجهة والالتزام بهذا القرار.
تراجعت أسهم بوينغ بنسبة 2% بعد هذا القرار، كانت شركة بوينغ تعتمد بشكل كبير على السوق الصينية، وكان من المخطط أن يتم تسليم 179 طائرة لأكبر ثلاث شركات طيران في الصين، وهي «إير تشاينا» و«تشاينا إيسترن إيرلاينز» و«تشاينا سازرن إيرلاينز» بين عامي 2025 و2027، كانت بعض هذه الطائرات جاهزة للتسليم بالفعل، تبلغ قيمة الطائرة الواحدة 106 مليون دولار من طراز 737 ماكس[3]، مما يعني أن حجم الخسائر التي قد تتعرض لها الشركة الأمريكية يقدر بقرابة 20 مليار دولار لهذه الصفقة فقط، إذا استمر هذا الصراع الاقتصادي بين القوتين العظميين ولم تتراجع الصين عن قرارها.
خاصة وأن بوينغ قد تعرضت للعديد من الأزمات كادت أن تودي بها وتسببت في خسائر كبيرة لها، ففي عام 2018 تحطمت طائرة تابعة لشركة Lion Air في إندونيسيا، وقتل جميع الركاب البالغ عددهم 189 راكبًا[4]. وفي عام 2019 تحطمت الطائرة التابعة للخطوط الجوية الإثيوبية من طراز بوينغ 737 ماكس الأكثر مبيعاً آنذاك وقتل جميع الركاب وعددهم 157 راكبًا[5]، وتراجعت أسهم الشركة بنسبة 12[6]. وفي نفس العام أصدرت هيئة تنظيم الطيران في الصين قرارًا بوقف تشغيل طائرات ماكس.
وفي عام 2020 تم تعليق إنتاج طائرة 737 لمدة 4 أشهر وكان ذلك حينها أكبر توقف للإنتاج منذ 20 عاما، وفي إبريل 2021 توقف تسليم طائرات 737 ماكس بسبب مشاكل كهربائية في أسطولها، وفي عام 2022 رفضت إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية المستندات المقدمة بشأن مراجعة شهادات طائرة 737 ماكس 7، وتم وقف تسليم بعض طائرات ماكس 737 بسبب مشكلة جديدة تتعلق بالجودة في عام [7]2023.
وحادث انفصال باب طائرة بوينغ من نفس الطراز في أثناء رحلة لشركة طيران ألاسكا بين بورتلاند وباوريغون واونتاريو بكاليفورنيا مما أدى إلى هبوط الطائرة اضطراريًا. وحادث اشتعال النيران في طائرة بوينغ في مايو 2024 وانزلاقها عن المدرج في السنغال، وحادث إنفجار الإطار الأمامي لطائرة بوينغ في أنطاليا جنوبي تركيا في رحلة متجهة من العاصمة الفرنسية باريس إلى إسطنبول[8].
نقطة ضعف الصين وتكتيكات ترامب
في الواقع، لا تقتصر الحرب التجارية الراهنة على النطاق الاقتصادي فحسب، بل تعكس صراعًا أوسع حول من سيقود المرحلة المقبلة من العولمة، فما يفعله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من انتهاج سياسة الرسوم الجمركية وحظره تصدير التقنيات المتقدمة، مثل الرقائق الدقيقة وأدوات البيوتكنولوجيا، التي تمثل نقطة ضعف استراتيجية بالنسبة للصين، هو تكتيك حول الهيمنة الاقتصادية والتكنولوجية التامة، مع تقويض نظام التجارة العالمية القائم على اعتبار الصين مصنع العالم ، كما يمكن اعتباره ايضا اجراءً حمائيًا لحماية الاقتصاد الأمريكي.
رد الصين عبر رفع الرسوم الجمركية إلى 125% دليل على أنها قد تخلت عن سياسة “الصبر الطويل” والتحول إلى مواجهة “الردع الأمريكي”، وشرعت في اتباع استراتيجية للمواجهة تمنعها من الانزلاق العميق في حرب تجارية تضر باقتصادها، وقد أعلنت وزارة المالية الصينية أن بكين ستتجاهل أي رسوم جمركية إضافية قد تفرضها الولايات المتحدة على المنتجات الصينية[9]، معبرة أن هذه الواردات لم تعد ذات جدوى اقتصادية بالنسبة لها، مما ينهي فعليا مسار الحرب الجمركية التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
حلول عملية للمواجهة
وتسعى الصين للوصول إلى حلول عملية للمواجهة، فمن المتوقع أن بكين سوف تضاعف جهودها لتعزيز قدراتها الإنتاجية المحلية، وتعزيز استقلالها التكنولوجي من خلال التركيز على المجالات الحيوية مثل التكنولوجيا والطاقة.
مع الأخذ في الاعتبار أن الصين تمتلك ورقة قوية للمواجهة، وهي هيمنتها على سلسلة توريد المعادن النادرة، التي تعتبر من المكونات الحيوية للتكنولوجيا المتقدمة وتستخدم في تشغيل كل شيء من الروبوتات والمعدات العسكرية إلي الأدوية والسلع الأساسية ، وعلى مدى عقود طويلة اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية على امدادات بكين من هذه المعادن المعالجة، وخاصة شركة بوينغ التي تعتمد على هذه المعادن في تصنيع الطائرات، الأمر الذي يؤكد مدى الخسارة الكبيرة التي ستتعرض لها بوينغ والتأثير السلبي على الاقتصاد الأمريكي باعتبار أن بوينغ واحدة من أكبر الشركات الأمريكية من ناحية الصادرات[10].
السيناريوهات المتوقعة
سيناريو التفاوض والعقود التجارية
من المحتمل أن تتجه بكين وواشنطن نحو التفاوض والتوصل إلى اتفاقيات وعقود تجارية تساهم في إنهاء الحرب التجارية والجمركية وتعزيز اقتصاد البلدين، ويمكن أن تتضمن هذه الاتفاقيات آليات للتعاون في المجالات الحيوية مثل التكنولوجيا والطاقة، وتدعم تجارة متوازنة لا تلحق الضرر بأي من القوتين الاقتصاديتين العظمتين، وبالتالي من الممكن أن تعدل الصين عن قرارها وتبقي على صفقاتها مع شركة بوينغ وفق ما هو متفق عليه سلفا.
سيناريو تصعيد الحرب التجارية
في حالة تصعيد الحرب التجارية بين بكين وواشنطن ستزيد القيود على الشركات الصينية والأمريكية، وقد يتوسع الحظر ليشمل قطاعات جديدة مثل الطاقة والخدمات المالية، اضطراب سلاسل الامداد، فمن المتوقع أن تتحول الحرب التجارية بين بكين وواشنطن إلى أزمة عالمية تضر بالاقتصاد الدولي والتجارة العالمية وبمبادئ التجارة الحرة، من خلال تشكيل تكتلات وتحالفات اقتصادية بقيادة كل دولة مقابل الأخرى، هذا بدوره سيمثل ضغوطا على الدول وخاصة النامية بالانحياز لأحد الفريقين، وبالتالي سيحدث انقسام للعالم وإعادة تشكيل لنظام عالمي جديد.
ختامًا
الحروب التجارية هي من أخطر أدوات الصراع التجاري بين الدول، وفي ضوء هذا التصعيد الجديد في الحرب بين بكين وواشنطن، يتضح من قرار بكين بوقف استلام طائرات بوينغ وقطع الغيار الأمريكية أنه ليس مجرد إجراء اقتصادي، هذا القرار يحمل تداعيات كبيرة ليس فقط على بوينغ التي تواجه بالفعل سلسلة ممتدة من الأزمات المتراكمة، بل يمتد تأثيره على الاقتصاد الأمريكي ككل. في المقابل تسعى الصين إلى إيجاد حلول لمواجهة هذه التحديات، تمكنها من القدرة على الاستغناء والثبات على هذا القرار. ومع استمرار السياسة الاقتصادية المتشددة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يبقى المستقبل مفتوحا على عدة سيناريوهات تتراوح بين التصعيد الكامل أو العودة إلى طاولة المفاوضات، غير أن المواجهة الحالية ستلعب دورا حاسما في إعادة تشكيل خريطة القوة الاقتصادية، وربما تؤدي إلى تغيير قواعد العولمة والتجارة الدولية.
قائمة المراجع
- البيت الأبيض: الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصين تبلغ 145%، CNBC عربية، 10 أبريل 2025، https://www.cnbcarabia.com/136503/2025/’0/04/البيت-الأبيض:-الرسوم-الجمركية-التي-فرضها-ترامب-على-الصين-تبلغ-145-.
- عاجل – الصين ترفع الرسوم الجمركية الانتقامية على الواردات الأمريكية إلى 125%، CNN بالعربية، 11 أبريل 2025، https://arabic.cnn.com/world/article/2025/04/11/urgent-china-raises-retaliatory-tariffs-on-us-imports-to-125.
- الصين توقف استلام أي طلبيات إضافية من طائرات بوينغ، العربية، 15 أبريل 2025، https://www.alarabiya.net/aswaq/economy/2025/04/15/الصين-توقف-استلام-أي-طلبيات-اضافية-من-طائرات-بوينغ-.
- تحطم طائرة ركاب بعد إقلاعها من مطار العاصمة الإندونيسية جاكرتا في رحلة داخلية، بي بي سي عربي، 29 أكتوبر 2018، https://www.bbc.com/arabic/world-46014792.
- US Board Says Boeing Max Likely Hit a Bird Before 2019 Crash، AP News، 23 يوليو 2021، https://apnews.com/article/f3c013729214e6d48d6aa428f56a9cce.
- 12% خسائر خلال يومين.. سهم بوينج يواصل الهبوط، العين الإخبارية، 22 أكتوبر 2019، https://al-ain.com/article/boeing-share-continue-falling.
- حوادث بوينغ لا تنتهي.. رعب في السماء وحرائق على الأرض، سكاي نيوز عربية، 29 ديسمبر 2024، https://www.skynewsarabia.com/world/1765238–حوادث-بوينغ-تنتهي-رعب-السماء-وحرائق-الأرض.
- الخطوة الأولى تعرقل مسار مباحثات التجارة الصينية – الأميركية، الشرق الأوسط، 18 أبريل 2025، https://aawsat.com/الاقتصاد/5133466-الخطوة-الأولى-تعرقل-مسار-مباحثات-التجارة-الصينية-الأميركية.
- أزمات طائرة ‘بوينغ 737 ماكس’ تتواصل منذ 6 سنوات، العربية، 9 يناير 2024، https://www.alarabiya.net/aswaq/travel-and-tourism/2024/01/09/أزمات-طائرة-بوينغ-737-ماكس-تتواصل-منذ-6-سنوات.
- الصين تمتلك ورقة قوية في حربها التجارية ضد ترامب، CNN بالعربية، 16 أبريل 2025، https://arabic.cnn.com/world/article/2025/04/16/china-has-a-powerful-card-to-play-in-its-fight-against-trumps-trade-war.