Cairo
تعد قناة بنما ذات أهمية جيوسياسية واقتصادية كبيرة، فهي ممر مائي حيوي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، مما يختصر وقت وتكلفة الشحن البحري بشكل كبير. كما أنها تلعب دوراً محورياً في التجارة العالمية

النفوذ الأمريكي يمتد عبر قناة بنما: تحالف بلاك روك في قلب الصراع الاقتصادي الدولي

قائمة المحتويات

باحث اقتصاد مشارك من الخارج بمركز ترو للدراسات والتدريب

تعد قناة بنما ذات أهمية جيوسياسية واقتصادية كبيرة، فهي ممر مائي حيوي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، مما يختصر وقت وتكلفة الشحن البحري بشكل كبير. كما أنها تلعب دوراً محورياً في التجارة العالمية، حيث يمر عبرها حوالي 6% من إجمالي التجارة العالمية. تمتد القناة على مسافة 51 ميلًا، وتربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ وتخدم 144 طريقًا بحريًا تستخدمها أكثر من 150 دولة، تمر عبر القناة حوالي 14,000 سفينة سنويًا، تحمل أكثر من 500 مليون طن من المواد الغذائية والمعادن والمنتجات المصنعة. و بضائع بقيمة 270 مليار دولار سنويًا[1].

قللت قناة بنما بشكل كبير من زمن ومسافة الرحلات البحرية بين المحيطين الأطلسي والهادئ، بعدما كانت السفن تضطر للإبحار حول رأس كيب هورن جنوب أمريكا الجنوبية، وهو مسار طويل وخطير. وفرت القناة طريقًا أسرع وأكثر أمانًا، ما خفّض تكاليف الوقود وزمن النقل. وقد منحت السيطرة الأمريكية على القناة ميزة استراتيجية عسكرية وتجارية. وأسهمت القناة في تعزيز التجارة العالمية، خاصة بين الساحل الشرقي للولايات المتحدة وآسيا، وبين أوروبا والساحل الغربي للأمريكيتين.

تشمل السلع الرئيسية المنقولة عبر القناة الحبوب (القمح والذرة)، والمنتجات البترولية، والبضائع المعبأة في حاويات، استفاد اقتصاد بنما من القناة من خلال توفير فرص العمل، وتطوير البنية التحتية، والإيرادات الناتجة عن رسوم القناة.

تُشكل رسوم القناة، وهي الرسوم المفروضة على السفن المارة عبر القناة، مصدر دخل مهم للحكومة البنمية، وقد أدى وجود القناة إلى تطوير مدن الموانئ (كولون ومدينة بنما) ونمو الصناعات ذات الصلة، مثل الخدمات اللوجستية والسياحة[2].

ليس مبالغةً أن توصف القناة بأنها “هبة من السماء” للتجارة العالمية ؛ فقد كانت قناة بنما بالنسبة إلى واشنطن بديلاً مثاليًا للخيارات التقليدية المتمثلة في الالتفاف حول رأس كيب هورن (في تشيلي) أو عبور سكك الحديد الأمريكية، وبأقل تكلفة[3].

يمثل الصراع الدائر حول الممرات البحرية إحدى أبرز تجليات التحول البنيوي في النظام الدولي، من نظام أحادي القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة، إلى نظام متعدد الأقطاب تتصاعد فيه أدوار فاعلين جدد، وعلى رأسهم الصين. وتكشف التفاعلات الجيوسياسية في المناطق البحرية الحيوية أن هذا الصراع لا يُختزل في المصالح الاقتصادية أو التنافس التجاري فحسب، بل يمتد ليعكس صراعًا أعمق حول من يمتلك القدرة على إعادة تعريف قواعد النظام العالمي وتوازناته المستقبلية.

أولاً – قناة بنما بين الماضي الأمريكي والحاضر البنمي:

شكّل بناء قناة بنما مشروعًا ضخمًا ذا أبعاد استراتيجية واقتصادية. وقبل تدخل الولايات المتحدة، حاول المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس تنفيذ المشروع مستندًا إلى تجربته الناجحة في شق قناة السويس، إلا أن محاولته باءت بالفشل بسبب تحديات مالية وهندسية وصحية. لاحقًا، دعمت الولايات المتحدة استقلال بنما عن كولومبيا، ما مهد الطريق لتوليها مسؤولية تنفيذ المشروع والسيطرة عليه.، وُقِّعت معاهدة هاي-بوناو-فاريلا عام 1903، التي منحت الولايات المتحدة السيطرة على منطقة القناة مقابل دعم استقلال بنما ومقابل مبلغ مالي.

ظلت الولايات المتحدة تسيطر على القناة ومنطقتها حتى توقيع معاهدات توريخوس-كارتر عام 1977، المعروفة باسم معاهدة 1977، نصت هذه الاتفاقيات على نقل ملكية القناة إلى بنما تدريجيًا، وتم ذلك رسميًا في نهاية عام 1999، شكّلت هذه المعاهدة تحولًا كبيرًا في العلاقات الأمريكية البنمية، ومثّلت انتصارًا لحركات المقاومة السيادية في بنما.

بين أواخر ديسمبر 2024 وأوائل يناير 2025، أعلن دونالد ترامب مرارًا وتكرارًا عن نيته “استعادة” السيطرة على قناة بنما، مستشهدًا بعدة مبررات، حيث أدان ما وصفه بالرسوم الباهظة المفروضة على السفن الأمريكية التي تستخدم القناة، بحجة أنها تعاقب المصالح الاقتصادية الأمريكية بشكل غير عادل. كما أشار إلى نفوذ الصين المتزايد، وخص بالذكر شركة CK Hutchison Holdings، وهي شركة مقرها هونغ كونغ تدير موانئ بالبوا (على جانب المحيط الهادئ) وكريستوبال (على الجانب الأطلسي)، الواقعة على طرفي القناة، وخلال تنصيبه في 20 يناير الماضي، كرر اتهاماته، واصفًا تسليم القناة بأنه “خطأ استراتيجي” ومؤكدًا أنه ما كان ينبغي للولايات المتحدة أبدًا أن تتخلى عن السيطرة على بنية تحتية أساسية لقوتها التجارية والعسكرية[4]. تصريحات ترامب لا تأتي بمعزل عن السياق العام للسياسة الأمريكية، والتي تتجه نحو إعادة رسم أولوياتها الاقتصادية بما يتماشى مع مفاهيم السيادة الاقتصادية، قناة بنما تمثل في هذا السياق أكثر من مجرد ممر ملاحي، بل هي ورقة استراتيجية في لعبة النفوذ الجيو-اقتصادي العالمي، خصوصًا في ظل صعود الصين كمنافس تجاري وجيوسياسي.

ثانياً دور الصين في قناة بنما: شريك اقتصادي أم تهديد جيوسياسي.

شهدت قناة بنما ومحيطها توسعًا ملحوظًا للنفوذ الصيني خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا بمبادرة “الحزام والطريق” ، لتكون أول دولة في أمريكا اللاتينية توقع عليها، وقد تجسد هذا النفوذ من خلال:

  1. استثمارات بنيوية واسعة:

شاركت الشركات الصينية في مشاريع لوجستية وكهرباء وبناء مرتبطة بالقناة، أبرزها استحواذ مجموعة “لاندبريدج” على ميناء مارغريتا ومنطقة كولون للتجارة الحرة بقيمة 900 مليون دولار عام 2016.

  1. تشغيل الموانئ:

شركة “موانئ هاتشيسون” التابعة لـ CK Hutchison Holdings تدير ميناءي بالبوا وكريستوبال، وهما مركزان استراتيجيان على جانبي القناة.

  1. مشاريع بنى تحتية ضخمة:

في عام 2018، حصل تحالف صيني على عقد بقيمة 1.4 مليار دولار لبناء الجسر الرابع فوق القناة. كما استثمرت شركة “Shanghai Gorgeous” مبلغ 900 مليون دولار في محطة كهرباء تعمل بالغاز.

  1. إدارة المياه ومكافحة الجفاف:
    تم الإعلان عام 2020 عن مشروع طويل الأجل لإدارة المياه لمواجهة أزمة الجفاف التي تهدد القناة، ما وفّر فرصة إضافية لدخول الشركات الصينية في قطاع استراتيجي جديد ببنما.

من خلال مبادرة “الحزام والطريق”، تنتهج الصين استراتيجية استثمارية تمزج بين تحقيق المكاسب الاقتصادية وتعزيز نفوذها الجيوسياسي. ويُعد انضمام بنما إلى المبادرة في عام 2018 خطوة مفصلية، إذ أتاح للصين الوصول المباشر إلى منطقة طالما اعتُبرت ضمن دائرة النفوذ التقليدي للولايات المتحدة، استحوذت الصين على أصول استراتيجية مهمة، أبرزها ميناء مارغريتا ومنطقة كولون للتجارة الحرة.

تمكنت شركات صينية من تشغيل مينائي بالبوا وكريستوبال عبر اتفاقيات امتياز طويلة الأجل.

وسّعت الصين حضورها في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، من خلال مشروعات رئيسية مثل الجسر الرابع على القناة، ومحطات توليد الكهرباء، ومبادرات إدارة الموارد المائية.،كل هذا يعزز من قدرة الصين على التحكم في سلاسل الإمداد، وتقليل اعتمادها على ممرات ملاحية يُحتمل أن تكون مهددة عسكريًا أو سياسيًا في المستقبل.[5]

من منظور أمريكي، يمكن تلخيص التداعيات الاقتصادية للتطورات في قناة بنما على النحو التالي:

  1. سيطرة الشركات الصينية على إدارة الموانئ الحيوية في بنما قد تُقيد قدرة الولايات المتحدة على تتبع أو التأثير في حركة الشحن التجاري، خاصة في حالات الأزمات أو التصعيد الجيوسياسي.
  2. تعد قناة بنما ركيزة من ركائز ما يُعرف بـ”أمن سلاسل الإمداد البحرية”، والنفوذ الصيني المتزايد في هذه المنطقة الحساسة قد يُمثل تهديدًا استراتيجيًا للولايات المتحدة في حال نشوب نزاع اقتصادي أو عسكري.

ثالثاً – تحالف بلاك روك: الاقتصاد في خدمة الاستراتيجية.

في عالم تتشابك فيه المصالح الاقتصادية مع الأهداف الجيوسياسية، لم تعد الشركات الكبرى مجرّد كيانات مالية تبحث عن الربح، بل تحولت إلى أدوات ناعمة في يد القوى الكبرى، تُستخدم لتوجيه الاقتصاد العالمي بما يخدم استراتيجيات الدول. ومن أبرز هذه الكيانات شركة بلاك روك (BlackRock)، التي باتت تمثّل حالة فريدة من التداخل بين المال والاستراتيجية، وبين الأسواق المفتوحة والسياسات القومية.

تُعد بلاك روك أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، حيث تُشرف على أصول تتجاوز 10 تريليونات دولار، هذا الحجم الضخم يمنحها قدرة غير مسبوقة على التأثير في الأسواق، وصناعة القرار الاقتصادي، ليس فقط على مستوى الشركات، بل على مستوى الحكومات أيضًا. تمتلك بلاك روك حصصًا مؤثرة في كبرى الشركات العالمية، بما في ذلك قطاعات الطاقة، التكنولوجيا، البنوك، والدفاع، ما يجعلها جهة فاعلة في تحديد اتجاهات الاقتصاد العالمي.

هذا التداخل بين الاقتصاد والسياسة جعل بلاك روك جزءًا من “القوة الناعمة” للولايات المتحدة، بحيث باتت قراراتها الاستثمارية تتقاطع أحيانًا مع أولويات الأمن القومي الأمريكي، خاصة في ملفات مثل الطاقة، سلاسل الإمداد، ومواجهة الصين.

النفوذ العالمي… وأبعاده الجيوسياسية

لدى بلاك روك حضور عميق في أوروبا، آسيا، وأمريكا اللاتينية. ويُنظر إليها كواحدة من أدوات “التطويع المالي” التي تستخدمها واشنطن لخلق توازنات اقتصادية مواتية لنفوذها.

أقدم تحالف بقيادة بلاك روك – يضم جلوبال إنفراستركتشر بارتنرز (GIP) وتيرمينال إنفستمنت ليمتد (TIL) – في مارس 2025، علي عملية الاستحواذ على حصة سي كيه هاتشيسون البالغة 90% في شركة موانئ بنما (PPC)، التي تُشرف على مينائي بالبوا وكريستوبال الحيويين على طول قناة بنما. وستمنح الصفقة تحالف بلاك روك السيطرة على 43 ميناء في 23 دولة، بما في ذلك موانئ بالبوا وكريستوبال في بنما، بالإضافة إلى موانئ أخرى في المكسيك وهولندا ومصر وأستراليا وباكستان وأماكن أخرى[6].

 تُعد شركة CK Hutchison إحدى أهم بوابات النفوذ الصيني في أمريكا اللاتينية من خلال إدارتها لموانئ قناة بنما، بانتقال الحصة الكبرى إلى تحالف تقوده شركة أمريكية (بلاك روك) يقلّص هذا النفوذ بدرجة كبيرة، وهو ما يتماشى مع سياسة واشنطن لتقييد التوسع الصيني في البنية التحتية البحرية الحيوية وبالتالي فإن فقدان السيطرة التشغيلية على موانئ بالبوا وكريستوبال يحد من قدرة الصين على استخدام هذه المواقع لأغراض تجارية أو حتى استراتيجية في حال حدوث توترات.

يعكس هذا التحوّل استجابة مباشرة للمخاوف الأمريكية إزاء تصاعد النفوذ الصيني في المنطقة، خاصة بعد انسحاب بنما من مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI). ونتيجةً لذلك، تواجه بنما تحديًا مُعقّدًا يتمثل في موازنة علاقاتها مع كلتا القوتين في خضم هذا التحول الجيوسياسي[7].

تُجسد صفقة الاستحواذ تحوّلًا استراتيجيًا لشركة بلاك روك، التي تسعى إلى تجاوز نشاطها التقليدي في إدارة المحافظ إلى تملك أصول استراتيجية مباشرة، عبر ذراعها “Global Infrastructure Partners”. هذه الأخيرة متخصصة في إدارة وتشغيل البنى التحتية مثل الموانئ والمطارات ومراكز البيانات، واستحوذت عليها بلاك روك العام الماضي مقابل نحو 13 مليار دولار.

اللافت أن الصفقة حظيت بموافقة ضمنية من إدارة ترامب، في خطوة تعكس تناغمًا متزايدًا بين القطاع المالي الأمريكي وصناع القرار السياسي. فالتنافس بين القوى الكبرى لم يعد يُحسم عبر الجيوش والمدمرات، بل عبر محافظ الاستثمار والعقود التجارية، حيث تمثل بلاك روك نموذجًا لمؤسسة تستخدم أدوات الاقتصاد الاستراتيجي لخدمة أهداف قومية.

رابعاً – قناة بنما: صراع النفوذ بين واشنطن وبكين في قلب التجارة العالمية:

لا شك أن القناة أصبحت محورًا للتنافس الأمريكي الصيني، وهو صراع يتجلى اقتصاديًا ودبلوماسيًا واستراتيجيًا. منذ تسليم القناة إلى بنما، وسّعت الصين نفوذها تدريجيًا في البلاد، مستغلةً انسحاب الولايات المتحدة والفرص التي أتاحها تحريرها الاقتصادي، وفي عام ٢٠١٧، شهدت بنما نقطة تحول عندما قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان لإقامة علاقات رسمية مع بكين، وقد فتح هذا القرار الباب أمام تدفق الاستثمارات الصينية، لا سيما في البنية التحتية للموانئ ومناطق التجارة الحرة حول القناة، في إطار مبادرة الحزام والطريق.

إلا أن هذا التوجه نحو الصين لم يخلُ من تداعيات جيوسياسية، تجلّت بوضوح في التطورات الأخيرة، حيث عادت الولايات المتحدة لتُعزز من حضورها في هذا الموقع الحيوي. وقد تمثل ذلك بشكل أكبر في الأيام الأخيرة باستحواذ شركة الاستثمار الأمريكية العملاقة بلاك روك على حصص شركة سي كيه هاتشيسون القابضة في مينائي بالبوا وكريستوبال. وأعلن عن هذه الصفقة في بيان مشترك صدر في 4 مارس 2025، وهي تمثل تراجعًا كبيرًا في التدخل الصيني في البنية التحتية الاستراتيجية للقناة وتعزيزًا للنفوذ الأمريكي.

رأت شركة بلاك روك، ومن ورائها الإدارة الأمريكية، في تزايد النفوذ الصيني حول قناة بنما تهديدًا مباشرًا لمصالح الولايات المتحدة في أحد أهم الممرات البحرية التجارية في العالم. وجاءت صفقة الاستحواذ، التي بلغت قيمتها 22.8 مليار دولار، بمثابة تحرك استراتيجي مضاد، حظيت بدعم سياسي واسع، وخطوة رمزية نحو استعادة الهيمنة الاقتصادية الأمريكية في النصف الغربي من الكرة الأرضية.

صفقة بهذا الحجم لا تُقرأ فقط من منظور مالي، بل تُعد أداة جيوسياسية لموازنة النفوذ الصيني المتنامي في القناة، خصوصًا بعد استثمارات الصين الضخمة في الموانئ والبنية التحتية البنمية.

خامساً – قناة بنما والاقتصاد العالمي: شريان استراتيجي وتأثيرات متصاعدة على سلاسل التوريد والتضخم:

تُعد قناة بنما واحدة من أبرز الممرات البحرية الحيوية في العالم، إذ تشكّل نقطة التقاء استراتيجية بين المحيطين الأطلسي والهادئ، وتُسهم في تسهيل حركة التجارة الدولية على نطاق واسع. ومع تسارع التغيرات في الاقتصاد العالمي وتزايد التوترات الجيوسياسية، تعاظم دور القناة كعنصر مؤثر في استقرار سلاسل التوريد، وأسعار الشحن، والتضخم، وحتى في التوازنات الجيو-اقتصادية.

1 – قناة بنما وسلاسل التوريد العالمية:

تكمن في قدرتها على تقليص الوقت والتكلفة مقارنة بالممرات البديلة، مثل الإبحار حول رأس الرجاء الصالح. ومع ذلك، فإن أي خلل في تشغيل القناة — سواء نتيجة لأزمات مناخية، أو أعطال تقنية، أو ضغوط سياسية — يؤدي سريعًا إلى اضطراب تدفق البضائع، لاضطرابات في قناة بنما تؤثر على التجارة العالمية.

تؤثر الاضطرابات هنا على سلسلة التوريد العالمية، مما يؤدي إلى تأخير الشحنات، وزيادة استخدام الوقود.

2 –  قناة بنما والتضخم العالمي: أثر القناة على أسعار الشحن.

في الظروف العادية، تُسهم القناة في الحفاظ على أسعار شحن منخفضة نسبيًا عبر تقليل المسافات المستغرقة. ولكن عند حدوث اختناقات، كما حدث خلال أزمة الجفاف في عامي 2023 و2024، التي أجبرت هيئة القناة على تقليص عدد السفن المسموح بمرورها يوميًا، ارتفعت أسعار الشحن بشكل حاد.

تداعيات هذه الأزمات لا تقتصر على زيادة التكلفة فقط، بل تمتد لتشمل تحوُّل بعض خطوط الشحن نحو طرق بديلة أطول وأكثر تكلفة، ما يزيد من الضغط على سلاسل الإمداد العالمية.

ترتبط قناة بنما ارتباطًا مباشرًا بمؤشر التضخم العالمي، خصوصًا من خلال تأثيرها على أسعار السلع المستوردة. فمع كل أزمة تمر بها القناة، ترتفع تكاليف النقل، وبالتالي تزيد تكلفة السلع النهائية في الأسواق الاستهلاكية، خاصة في الاقتصادات المعتمدة على الاستيراد.

الشركات والمستهلكون في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا يشعرون سريعًا بتأثير هذه الأزمات، التي تترجم غالبًا إلى تضخم “مستورد”، يزيد من التحديات التي تواجه البنوك المركزية في محاولتها للسيطرة على الأسعار.

سادساً –  مستقبل قناة بنما:

في المستقبل، تواجه بنما مهمةً صعبةً لتحقيق توازنٍ دقيقٍ بين الحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع الصين والتعامل مع المخاوف الأمنية والاقتصادية الأمريكية.

  • على المدى القصير:

من المتوقع أن تُنقل السيطرة التشغيلية على موانئ قناة بنما إلى الكونسورتيوم الذي تقوده شركة بلاك روك، مع ترجيح حصول الصفقة على الموافقات التنظيمية من السلطات البنمية. ويُحتمل أن يسهم هذا التحول في تهدئة المخاوف الأمريكية إزاء التغلغل الصيني في البنية التحتية الحيوية للقناة.

  • على المدى المتوسط:

بنما قد تميل إلى تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، سواء بدافع الضغوط السياسية أو بدافع المصالح الاقتصادية المرتبطة بالاستثمار الأمريكي المباشر في القناة. هذا التوجه قد ينعكس في قرارات مثل منح معاملة تفضيلية للسفن الأمريكية، خصوصًا العسكرية و تقييد أو مراجعة العقود الصينية طويلة الأجل في الموانئ.

وبالتالي أي تراجع في التزامات بنما تجاه الصين، أو منح امتيازات حصرية لواشنطن، قد يؤدي إلى توتر دبلوماسي وتجاري مع بكين، خاصة إذا رأت الأخيرة أن مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية مهددة.

  • على المدى الطويل:

من المرجح أن تتحول قناة بنما إلى نقطة نزاع متصاعدة في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، مما قد يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي داخل بنما نفسها. وفي المقابل، يُتوقع أن تواصل الصين سعيها لتعزيز نفوذها في أمريكا اللاتينية، سواء من خلال تطوير طرق تجارية بديلة أو توسيع نطاق شراكاتها الاستراتيجية في المنطقة.

سيعتمد مستقبل القناة على كيفية تعامل بنما مع هذه الضغوط التنافسية من الصين والولايات المتحدة. يقول ويل فريمان، زميل دراسات أمريكا اللاتينية في مجلس العلاقات الخارجية: “يبدو أن ترامب يجعل من بنما عبرةً لغيره، بهدف دفع قادة المنطقة الآخرين إلى التفكير مليًا قبل اتخاذ أي خطوات جريئة لتعميق العلاقات مع بكين”. تُعدّ بنما من أوائل الدول التي تشعر بآثار السياسة الخارجية العدوانية لإدارة ترامب. وربما لن تكون الأخيرة[8].

ختامًا، تمثّل قناة بنما اليوم أكثر من مجرد ممر استراتيجي يربط بين محيطين؛ إنها بؤرة توتر جيوسياسي وجيو-اقتصادي تعكس التحولات الجارية في بنية النظام الدولي. وبينما تصارع الولايات المتحدة والصين من أجل الهيمنة على ممرات التجارة العالمية، تتحول القناة إلى ساحة تنافس حاد يجري عبر أدوات الاستثمار، والشراكات اللوجستية، والسيطرة على البنية التحتية، لا عبر الدبابات أو حاملات الطائرات.

تُظهر صفقة استحواذ تحالف “بلاك روك” على موانئ حيوية في بنما أن المعركة بين واشنطن وبكين باتت تُخاض في الموانئ وسلاسل التوريد، لا في ساحات القتال التقليدية. وفي حين تتمسك بنما بسيادتها على القناة، فإن الواقع الجيوسياسي المعقّد يجعل منها مركزًا حساسًا في صراع النفوذ العالمي، حيث تتقاطع المصالح التجارية مع الأمن القومي والاستراتيجيات العسكرية. وتبدو الصفقة وكأنها تسوية غير رسمية للتوترات بين واشنطن وبنما، قدّمت فيها بلاك روك حلاً دبلوماسيًا عبر آليات السوق، سمح لبنما بالحفاظ على سيادتها، وللولايات المتحدة باستعادة نفوذها في أحد أهم الممرات التجارية في العالم.

في ضوء هذه الديناميكيات المتسارعة، يبرز التحدي الأكبر أمام بنما: كيف تحافظ على توازن دقيق بين القوتين العظميين من دون أن تتحول إلى ساحة صراع مفتوح؟ الجواب على هذا السؤال قد يحدد ليس فقط مستقبل القناة، بل شكل التوازنات العالمية في العقود المقبلة.

المصادر:


[1]Weekly Economic Commentary The Importance of the Panama Canal| March 21, 2025

https://www.northerntrust.com/united-states/insights-research/2025/weekly-economic-commentary/the-importance-of-the-panama-canal

[2] latin american history – 1791 to present review

4.3 The Panama Canal and Its Geopolitical Significance, Available at:

https://library.fiveable.me/latin-america-1791-present/unit-4/panama-canal-geopolitical-significance/study-guide/UqJgYoZ9oq2mFWqw

[3]  كمال بوناب، المضائق والممار البحرية، قناة بنما الماضي والحاضر والمستقبل، جامعة عنابة، الجزائر

[4]  Romane Lucq, Panama Canal: A Coveted Space at the Heart of the US-China Rivalry

https://www.iris-france.org/en/panama-canal-a-coveted-space-at-the-heart-of-the-us-china-rivalry

[5] Key Decision Point Coming for the Panama Canal. Available at:

https://www.csis.org/analysis/key-decision-point-coming-panama-canal#:~:text=As%20an%20economic%20foothold%20into%20Latin%20America%2C,key%20source%20of%20entry%20for%20Chinese%20players.

 

[7]  Yirong Han BlackRock’s USD 23 Billion Panama Canal Deal: A Geopolitical Power Move Latin America Diplomacy and Security Economy and Business| 19 March 2025, Available at :

https://bisi.org.uk/reports/blackrocks-usd-23-billion-panama-canal-deal-a-geopolitical-power-move

[8] Garth Friesen ,Why The Panama Canal Is At The Center Of A U.S.-China Power Struggle,2005, AVAILABLE AT :

https://www.forbes.com/sites/garthfriesen/2025/02/05/why-the-panama-canal-is-at-the-center-of-a-us-china-power-struggle

  •  Chokepoints and Checkmates: BlackRock’s Strategic Move in Panama:  available at :

باحث اقتصاد مشارك من الخارج بمركز ترو للدراسات والتدريب

التكنولوجيا الحيوية كأداة للقوة التنافس السياسي والاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين في سباق الهيمنة العالمية
تأتي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر2023 لتشكل محطة فارقة في المشهدين السياسي والاقتصادي على المستويين المحلي والإقليمي، لما أفرزته من آثار عميقة تتجاوز الجانب الإنساني إلى إحداث تغييرات ملموسة في المؤشرات الاقتصادية في الاقتصاد الإسرائيلي. فعلى الرغم من استقرار الاقتصاد الإسرائيلي، إلا أن طول أمد الصراع واتساع نطاق العمليات العسكرية، إلى جانب الانعكاسات الأمنية والسياسية، أثر على قطاعات حيوية مثل السياحة، والاستثمار الأجنبي، وحركة الصادرات والواردات، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الدفاع وتراجع ثقة الأسواق. ومن ثم، فإن دراسة التداعيات الاقتصادية لهذه الحرب تمثل مدخلاً مهماً لفهم طبيعة التأثيرات قصيرة وطويلة الأمد على الاقتصاد الإسرائيلي، ورصد مدى قدرته على الصمود أو التكيف في ظل هذه التحديات."
مخرجات قمة ألاسكا بين ترامب وبوتن
في خضم التحولات الجيوسياسية التي يشهدها الإقليم، يبرز توقيع اتفاق تصدير الغاز بين أذربيجان وسوريا كحدث لافت يعكس إعادة تمركز بعض الفاعلين الإقليميين في مسارات جديدة من التعاون، تتجاوز الحسابات التقليدية للتحالفات والانقسامات.
Picture1
Scroll to Top