Cairo

“القرن الأوراسي: الحروب الساخنة، الحروب الباردة، وصناعة العالم الحديث”.. كتاب لـ”هال براندز”

قائمة المحتويات

باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب

Hal Brands, The Eurasian Century: Hot Wars, Cold Wars, and the Making of the Modern World

هال براندز هو أحد أبرز المفكرين الاستراتيجيين الأمريكيين في حقبة ما بعد الحرب الباردة، يتميز بإنتاجه العلمي الغزير ومشاركته المباشرة في صنع السياسات الأمريكية العليا. يشغل حاليًا منصب أستاذ “هنري كيسنجر للدراسات العالمية” في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز، ويعمل زميلًا بارزًا في “معهد أمريكان إنتربرايز” – أحد أهم مراكز الفكر في واشنطن. سبق له العمل كمستشار رئيسي في وزارة الدفاع الأمريكية، وشارك في بلورة رؤى الأمن القومي الأمريكي خلال فترتي أوباما وترامب. تتسم مؤلفاته بالجمع بين الطرح النظري والتحليل التاريخي، ويُعد من أكثر الكتاب المدافعين عن دور الولايات المتحدة القيادي في النظام الليبرالي العالمي، مع تركيزه على الصراع مع القوى التوسعية مثل الصين وروسيا، كما يتضح في كتبه: American Grand Strategy in the Age of Trump  وThe Twilight Struggle  وDanger Zone.

يتكون كتاب The Eurasian Century: Hot Wars, Cold Wars, and the Making of the Modern World  من 321 صفحة، وقد صدر في عام 2025 عن دار النشر الأمريكية Yale University Press، ينقسم الكتاب إلى مقدمة تحليلية وستة فصول رئيسية.

يقدم هال براندز في هذا الكتاب دراسة استراتيجية ممتدة للتاريخ الجيوسياسي الحديث، تغطي التحولات الكبرى في النظام الدولي منذ بدايات القرن العشرين وحتى اللحظة الراهنة. ويقوم الكتاب على أطروحة مركزية مفادها أن القارة الأوراسية، بتعقيداتها الجغرافية والبشرية، مثلت عبر التاريخ الحديث المسرح الأساسي لصراعات القوى الكبرى، وأن السيطرة على أوراسيا كانت دومًا مفتاحًا لمعادلات الهيمنة العالمية. ويرى المؤلف أن الولايات المتحدة الأمريكية، منذ مطلع القرن العشرين، انخرطت بصورة ممنهجة – إما من خلال التدخلات المباشرة أو عبر شبكات التحالف – في جهود مستمرة لاحتواء القوى القارية الطامحة إلى السيطرة على قلب أوراسيا. ومن خلال تتبع الحروب الكبرى، والحرب الباردة، والانبعاث الروسي، وصعود الصين، يسعى الكتاب إلى تقديم رؤية تفسيرية للكيفية التي تشكلت بها خريطة القوة العالمية، ولماذا تبقى أوراسيا المركز الحاسم في معارك القرن الحادي والعشرين.

عالم ماكيندر

ينطلق الفصل الأول من أطروحة الجغرافي البريطاني   هالفورد ماكيندر حول “قلب العالم”، حيث اعتبر أن السيطرة على أوراسيا هي مفتاح السيطرة على العالم. يناقش براندز أثر النقل الحديدي (مثل سكة الحديد السيبيرية) في تغيير توازن القوى، محذرًا من أن أي قوة تسيطر على داخل أوراسيا ستحوز الموارد والموقع الكفيلين بتهديد الاستقرار العالمي. يستعرض أيضًا بدايات النزاعات في شرق آسيا، خصوصًا الحرب الروسية اليابانية، كتمهيد لقرن من الصراعات الكبرى.

الإعصار الأسود العظيم

يركز الفصل الثاني على الحرب العالمية الأولى بوصفها انفجارًا أوراسيًا أطلق موجة من الحروب المتصلة جغرافيًا عبر القارة. يعرض المؤلف كيف حاولت ألمانيا استغلال انهيار روسيا لبسط نفوذها، كما يشير إلى دخول الولايات المتحدة كقوة “من خارج أوراسيا” لمنع هيمنة قارية شمولية. يرى براندز أن هذه الحرب كانت مقدمة ضرورية لظهور أمريكا كقوة عالمية بحرية تتدخل في صراعات القارة الأوراسية بشكل حاسم.

الهاوية التوتاليتارية

يتناول الفصل الثالث صعود الأنظمة الاستبدادية بين الحربين: ألمانيا النازية، الاتحاد السوفيتي الستاليني، واليابان العسكرية. يرى الكاتب أن هذه الأنظمة وظفت الجغرافيا، والموارد، والموقع الاستراتيجي في أوراسيا لتنفيذ مشاريع توسعية. كما يشير إلى عجز المؤسسات الدولية، مثل عصبة الأمم، عن كبح هذه القوى، مما مهد الطريق للحرب العالمية الثانية بوصفها صراعًا أوراسيًا ذا طابع شمولي.

العصر الذهبي

يمثل الفصل الرابع قراءة للحرب الباردة باعتبارها امتدادًا لصراع السيطرة على أوراسيا، لكن بصيغة غير مباشرة. يناقش الكاتب كيف سعت الولايات المتحدة لاحتواء الاتحاد السوفيتي من خلال استراتيجية الاحتواء ومحاصرة قلب أوراسيا عبر أطرافها، أوروبا الغربية، شرق آسيا، والشرق الأوسط. يرى براندز أن هذه الفترة شهدت ذروة الفعالية الأمريكية في منع أي قوة قارية من السيطرة على أوراسيا، ويصف هذا العصر بالذهبي بالنسبة للنظام الليبرالي.

القرن الأوراسي الثاني

في الفصل الخامس ينتقل الكاتب إلى الحاضر، متناولًا صعود الصين وروسيا كمنافسَين رئيسيين للولايات المتحدة في أوراسيا. يناقش الحرب في أوكرانيا بوصفها امتدادًا لمشروع بوتين الإمبريالي، والصعود الصيني في المحيط الهادئ من خلال السيطرة على تايوان، وبناء شبكة نفوذ اقتصادي وعسكري عبر مبادرة الحزام والطريق. يرى براندز أن التحالف الصيني-الروسي، مع دعم من دول مثل إيران، يسعى إلى إعادة تشكيل النظام العالمي انطلاقًا من السيطرة على قلب أوراسيا.

دروس الماضي

يختتم المؤلف كتابه في الفصل السادس بقراءة استراتيجية مستفادة من قرن من الحروب الساخنة والباردة، ويحذر من تكرار الأخطاء التاريخية في التقاعس أمام التوسعات الاستبدادية، ويطالب بعودة الحزم الأمريكي. يعتبر براندز أن مستقبل النظام الدولي يتوقف على ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على استعادة قدرتها القيادية، وتشكيل تحالفات رادعة، والحفاظ على توازن القوى داخل أوراسيا.

يقدم “القرن الأوراسي” تحليلًا متماسكًا ومتشعبًا في آن واحد، فهو لا يكتفي بتأريخ الصراعات الكبرى، بل يؤطرها ضمن منظور جيوسياسي كلاسيكي أعاد المؤلف إحياءه ليتناسب مع عالم متعدد الأقطاب. يستند براندز إلى أطروحات ماكيندر ومفكرين آخرين مثل سبايكمان وماهان، ليؤكد أن الجغرافيا رغم التطور التكنولوجي، ما زالت تحتفظ بقدرتها على التأثير في بنية النظام الدولي. غير أن القراءة التي يقدمها المؤلف تنطلق من رؤية أمريكية مركزية تفترض فيها القيادة الأمريكية بوصفها الضامن الوحيد للاستقرار العالمي، مع إغفال واضح لأدوار فاعلين إقليميين آخرين، كالهند وتركيا والبرازيل، وصعود قوى جنوبية تؤسس لنظام دولي جديد متعدد الرؤى والمصالح.

سياسيًا، يعكس الكتاب مخاوف المؤسسة الأمريكية من انهيار الأحادية القطبية وعودة “منطقة النزاع الكبرى” في أوراسيا، لكنه في الوقت ذاته يدافع عن استراتيجية الاستباق والتحالفات كأدوات ضرورية لإبقاء واشنطن في مركز القرار الدولي، في ظل التحديات العالمية الراهنة، كالذكاء الاصطناعي، والتغير المناخي، والاضطراب الاقتصادي، قد لا تكون المقاربة الجيوسياسية الكلاسيكية كافية وحدها، لكنها في هذا الكتاب تعود لتذكر بأن من يُسيطر على أوراسيا يملك مفاتيح العالم.

باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب

عرض كتاب "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية" للباحثين جون ج
WhatsApp Image 2025-08-30 at 16.38
WhatsApp Image 2025-08-30 at 01.53
مخرجات قمة ألاسكا بين ترامب وبوتن
في خضم التحولات الجيوسياسية التي يشهدها الإقليم، يبرز توقيع اتفاق تصدير الغاز بين أذربيجان وسوريا كحدث لافت يعكس إعادة تمركز بعض الفاعلين الإقليميين في مسارات جديدة من التعاون، تتجاوز الحسابات التقليدية للتحالفات والانقسامات.
Scroll to Top