Cairo

التصعيد بين أفغانستان وباكستان: الدوافع والمواقف الدولية

قائمة المحتويات

باحث مساعد في النظم والنظرية السياسية بمركز ترو للدراسات والتدريب

   اندلعت اشتباكات حدودية متصاعدة في أكتوبر 2025 بين أفغانستان التي تحكمها حركة طالبان من جهة، وباكستان من جهة أخرى. وذلك على امتداد خط دوراند ومناطق حدودية في بلوشستان وخبير باختونخوا والمناطق القبلية المجاورة. تميزت هذه المواجهات بتبادل لإطلاق النار، وقصف جوي يُزعم أنه عبر طائرات بدون طيار واستخدام المدفعية الثقيلة في بعض القطاعات، الأمر الذي أدى إلى وقوع عدد من الضحايا المدنيين والجرحى، وتضرر منازل ومنشآت مدنية، وتقييد الحركة التجارية عبر المعابر الحدودية. وبحلول 15 أكتوبر تم الاتفاق على هدنة مؤقتة لمدة 48 ساعة في محاولة لتهدئة الأوضاع بين الطرفين، وفي صباح يوم 19 أكتوبر أعلنت وزارة الخارجية القطرية، الدولة التي لعبت دور الوسيط للتهدئة، عن التوصل لاتفاق بوقف إطلاق النار بين الطرفين.

   يُعتبر هذا التصعيد واحدًا من أخطر المواجهات بين البلدين منذ تولي طالبان السلطة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان عام 2021، وذلك لما صاحبه من خسائر مدنية وأثر إنساني خطير، فضلاً عن المخاطر التي يحملها على الاستقرار الإقليمي. وعلى ضوء خطورة هذه الاشتباكات، تسعى هذه الورقة إلى تقديم قراءة تحليلية للاشتباكات وتطوراتها بغرض محاولة استشراف مآلها.  

أولًا: التطورات الميدانية وطبيعة الاشتباكات العسكرية في الأزمة الراهنة بين أفغانستان وباكستان:   

   يُعدّ النزاع الحدودي بين أفغانستان وباكستان، ولا سيما حول ما يُعرف بخط “دوراند”، من أكثر الملفات السياسية استعصاءً في جنوب آسيا. تعود جذور الخلاف إلى الحقبة الاستعمارية عندما رسمت السلطات البريطانية في أواخر القرن التاسع عشر هذا الخط ليكون حدًّا فاصلًا بين الهند البريطانية وأفغانستان. ومنذ ذلك الحين، ظلّ الخط مصدرًا دائمًا للتوتر، إذ تعتبره باكستان حدودًا دولية شرعية، فيما ترى أفغانستان – ومن ضمنها حركة طالبان – أنه نتاج لاتفاقات استعمارية افتقرت إلى الشرعية السياسية والاجتماعية، ولم تُراعِ التوازنات القبلية واللغوية في المناطق الحدودية.[1]

   اكتسبت المناطق الحدودية بين الجارتين أهمية أمنية متزايدة بعد عام 2001، مع التدخل الأمريكي والدولي في أفغانستان في سياق ما أُطلق عليه “الحرب على الإرهاب”، حيث تحولت تلك المناطق إلى مسرحٍ لتحركات الجماعات المسلحة، وفي مقدمتها حركة طالبان باكستان أو “تحريك باكتسان” (TTP) التي استخدمت في بعض الفترات الأراضي الأفغانية قاعدةً لعملياتها ضد الداخل الباكستاني. عمّق هذا الوضع المخاوف الأمنية في إسلام آباد، ودفعها إلى إجراء عمليات ضد هذه الجماعة في الداخل الأفغاني، واتهام كابول بالتساهل مع نشاطات هذه الجماعات، أو حتى بتقديم دعم غير مباشر لها. في حين تنفي الحكومة الأفغانية – بقيادة طالبان – هذه الاتهامات وتتهم باكستان بانتهاك سيادتها عبر القصف المتكرر داخل أراضيها.[2]

   دخل النزاع مرحلة جديدة تتداخل فيها أبعاد أمنية، سياسية واقتصادية معقدة منذ استيلاء حركة طالبان على السلطة في أغسطس 2021. فطالبان تواجه تحديات داخلية متنامية تتعلق بإدارة الدولة، وضبط الأمن، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، بينما تسعى باكستان إلى تحجيم نشاط المتمردين على حدودها الغربية، وإعادة فرض الانضباط الأمني في المناطق القبلية الحساسة.[3] وقد شهدت السنوات التي سبقت أكتوبر 2025 سلسلة من الحوادث الحدودية، شملت تبادل إطلاق النار والقصف المدفعي المتبادل، فضلًا عن استخدام الطائرات المسيّرة في بعض العمليات.[4]

   وتُعد اشتباكات أبريل 2022 التي جرت بين الطرفين بعد استحواذ جماعة طالبان على السلطة محطة كاشفة عما سيصل إليه الصراع في مسار العلاقات الراهنة بين البلدين، حيث أن القوات الباكستانية قد شنت ضربات قوية على الشرق الأفغاني، أوقعت ما يقارب 47 مدنيًا أفغانيًا،[5] وقد جاءت هذه الضربات كرد فعل على سلسلة من الهجمات التي نفذتها حركة طالبان باكستان، وقامت حكومة طالبان بغلق معبر تورخام الحيوي مؤقتًا. وقد حدث وقف إطلاق نار وفقًا لاتفاق ضمني بين طرفي الصراع اللذان رغبا في عدم دخول التصعيد في مرحلة أكثر خطورة، لاسيما وأن حكومة طالبان التي كانت تريد السيطرة على المجريات الداخلية بعد استيلائها على السلطة، لم ترغب في جعل نفسها عرضة للسلاح الجوي الباكستاني، وعلى الوجه المقابل أرادات باكستان وقف التصعيد كي لا تتبنى حكومة طالبان جماعة طالبان باكستان وتدعهما بشكل رسمي وفعلي. فتوقفت باكستان عن الغارات الجوية، وسحبت حكومة طالبان قواتها من محيط الحدود مع باكستان وأعادت فتح المعبر التي أغلقته سابقًا.

   وشهدت العلاقات بين البلدين عدة اشتباكات أخرى محدودة لاحقًا، غير أن تطورات أكتوبر 2025 مثّلت تصعيدًا غير مسبوق من حيث كثافة الاشتباكات واتساع نطاقها الجغرافي وسرعة تدهور الموقف الميداني، الأمر الذي نقل النزاع من مرحلة التوتر المزمن إلى مواجهة مفتوحة في عدد من القطاعات الحدودية. ويعكس هذا التصعيد المستمر تراكمًا تاريخيًا من الشكوك وانعدام الثقة بين الطرفين، كما يؤشر إلى هشاشة ترتيبات الأمن الإقليمي في ظل غياب آليات فعالة لتسوية الخلافات الحدودية بين كابول وإسلام آباد.

   وفي تطور جديد، شهدت الحدود الأفغانية – الباكستانية مع مطلع أكتوبر 2025 تصعيدًا ميدانيًا واسعًا بدأ بتنفيذ ضربات جوية داخل الأراضي الأفغانية، يُعتقد أنها تمت بواسطة طائرات دون طيار. وقد وجهت حركة طالبان اتهامات مباشرة إلى باكستان بتنفيذ تلك الضربات، مشيرة إلى أنها استهدفت تجمعات مدنية ومناطق مأهولة قرب خط دوراند. في المقابل، نفت إسلام آباد الاتهامات، معتبرة أن عملياتها الأمنية تستهدف معسكرات تدريبية لجماعات مسلحة تنشط ضدها من داخل الأراضي الأفغانية، قاصدًة بالأخص جماعة طالبان باكستان.[6] وهو المبرر الأساسي الذي لطالما ما تقدمه باكستان في أي هجوم لها على أفغانستان.

   وتدريجيًا، تحولت حالة التوتر إلى مواجهات مسلحة مفتوحة. ففي الأيام الواقعة بين 11 – 15 أكتوبر، اندلعت اشتباكات عنيفة على امتداد عدة نقاط حدودية رئيسية أبرزها خيبر باختونخوا. واستخدم الطرفان المدفعية والأسلحة المتوسطة والخفيفة، وتبادلا القصف عبر الحدود، في ظل صعوبة مراقبة دقيقة للعمليات في التضاريس الوعرة التي تتميز بها المنطقة.[7] وقد أدى القصف إلى تدمير جزئي في المنازل والأسواق في بلدة سبين بولدك الأفغانية، ونزوح عشرات الأسر إلى مناطق داخلية أكثر أمانًا داخل الأراضي الأفغانية.[8]

   في خضم التصعيد، أغلقت السلطات الباكستانية عدة معابر رئيسية، من بينها تورخم وتشمن، جزئيًا أو كليًا، فضلًا عن إغلاق معابر فرعية أصغر، مما تسبب في توقف شبه كامل لحركة الأشخاص والبضائع، وأدى ذلك إلى تدهور الوضع الإنساني في المجتمعات الحدودية التي تعتمد بشكل كبير على التجارة اليومية العابرة للحدود.[9] فقد سعت باكستان لخنق خصمها اقتصاديًا باستخدام ورقة غلق المعابر لتعطيل جزءًا من عوامل استمرار الحياة للجسد الاجتماعي للخصم.[10] ووفقًا لتقرير للأمم المتحدة صادر يوم 16 أكتوبر 2025، سقط ما لا يقل عن 17 قتيلًا ونحو 346 جريحًا من المدنيين في أفغانستان جراء القصف والاشتباكات المتبادلة.[11]

   بحلول 12 أكتوبر بالأخص، كانت الاشتباكات قد بلغت مستوى غير مسبوق من التصعيد، إذ أعلنت حكومة طالبان عن مقتل 58 جنديًا باكستانيًا واستيلائها على مواقع حدودية،[12] في حين أكدت إسلام آباد مقتل 23 من جنودها وتدميرها معسكرات تابعة لمسلحين داخل الأراضي الأفغانية وإعلانها حالة التأهب القصوى لقواتها على طول الخط الحدودي.[13] كما وردت تقارير عن استخدام الطائرات المسيرة في تنفيذ ضربات جوية متبادلة، بعضها طال مناطق قريبة من العاصمة كابول، وذلك ما أكدته الحكومة الأفغانية،[14] وهو ما أثار مخاوف من تجاوز العمليات الحدود التقليدية إلى هجمات عابرة للعمق الإقليمي.

   وتحت ضغط إقليمي ودولي متزايد، أعلن الطرفان في 15 أكتوبر هدنة مؤقتة لمدة 48 ساعة، ودخلت تلك الهدنة حيز التنفيذ بهدف احتواء التصعيد وفتح قنوات حوار.[15] ورغم الإعلان الرسمي، لم تنجح الهدنة في تثبيت وقف شامل لإطلاق النار، إذ وردت تقارير عن خروقات متقطعة أبرزها كان استهداف باكستان لمناطق قريبة من العاصمة الأفغانية بغارات جوية بعد ساعات من وقف إطلاق النار، مما أسفر عن سقوط ما لا يقل عن 10 مدنيين وفقًا لتصريحات حكومة كابول،[16] بالإضافة إلى مقتل حوالي 7 جنود باكستانيين وإصابة 13 آخرين في هجوم وُصف بأنه “انتحاري”،[17] وهو ما يعكس هشاشة الالتزام بالهدنة في فترة التهدئة. لكن في 19 أكتوبر أعلنت وزارة الخارجية القطرية التي استضافت بلادها جولة المفاوضات عن مقدرة توصل الطرفين إلى وقفٍ لإطلاق النار بوساطة قطرية وتركية.[18]

   وتشير طبيعة التطورات إجمالًا أن أحداث أكتوبر 2025 تجاوزت حدود المناوشات التقليدية لتشمل استخدامًا متنوعًا للأدوات العسكرية سواء بالقصف المدفعي أو الضربات الجوية بطائرات دون طيار، وذلك في سياقٍ جغرافي شديد التعقيد وتوازنات سياسية وأمنية هشة. كما كشفت التطورات عن محدودية قدرة الطرفين على فرض تهدئة مستقرة، وعن عمق الأزمة البنيوية التي تجعل من الحدود الأفغانية – الباكستانية بؤرة توتر دائمة قابلة للاشتعال مع كل اختلال ميداني أو سياسي جديد.

ثانيًا: دوافع التصعيد لدى الطرفين:

   لا يمكن فهم التصعيد العسكري الراهن بين باكستان وأفغانستان إلا من خلال مزيج معقد من الدوافع الأمنية والسياسية والاستراتيجية التي تحكم سلوك الطرفين.

أ – الدوافع الباكستانية:

   من جانب باكستان، يشكّل الأمن الداخلي ومكافحة التمرد الدافع الأبرز، إذ ترى إسلام آباد أن وجود جماعات مسلحة مثل حركة طالبان باكستان (TTP)‏ داخل الأراضي الأفغانية يمثل تهديدًا مباشرًا لاستقرارها، خاصة في ظل تزايد الهجمات التي تُنسب إلى تلك الجماعات داخل الأراضي الباكستانية.[19] هذا التهديد المتصاعد والمصحوب بضغوط شعبية على الحكومة لتأمين الحدود بعد العديد من العمليات لجماعة طالبان باكستان في الداخل الباكستاني، دفع باكستان إلى استخدام أدواتها العسكرية – من المدفعية والغارات الجوية إلى الطائرات المسيرة – في محاولة لقطع خطوط التمرد ومنع أي تخطيط أو تنفيذ للهجمات من المناطق الحدودية.

   ناهيك عن المحاولة في الضغط على طالبان عسكريًا من أجل تعديل موقفها حول مسألة طالبان باكستان التي وإن كانت لا تدعمها عسكريًا بشكل مباشر، إلا أنها ترفض طردها أو تسليم قادتها، مما يمكن اعتباره أنها توفر لها بيئة عمل آمنة نسبيًا بشكل غير مُعلن رسميًا. وهو ما دفع باكستان لتصعيد الموقف عسكريًا من أجل تقديم بعض التنازلات الأفغانية تكون في الصالح الباكستاني في هذا الشأن.

   وبربط البُعد الأمني بالبُعد السيادي، تسعى باكستان إلى استعادة الردع والسيادة من خلال إظهار قدرتها على الرد الحازم وتوجيه رسالة إلى الداخل والخارج مفادها أن أي اعتداء على أراضيها سيواجه بإجراء فوري، وأن الاكتفاء بالوسائل الدبلوماسية أو الردود المحدودة كمسار خارجي، لم يعد كافيًا في ظل التحديات الأمنية المتصاعدة التي مثلتها جماعة طالبان باكستان في ضوء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان عام 2021 وهو الذي خلق فراغًا جيوسياسيًا وأمنيًا، مكّن حركة طالبان من الاستحواذ على السلطة، مما أتاح للجماعة المتوافقة معها أيديولوجيا، أي جماعة طالبان باكستان، إعادة تنظيم صفوفها في سياق أمني أكثر سيولة، مما يعظم تهديداتها على الجبهة الباكستانية، ويضع السيادة الباكستانية في مأزق بسبب عمليات الجماعة المتنامية.[20]

   وعلى مستوى التوازنات الإقليمية، تسعى باكستان إلى قطع طرق التقارب بين الحكومتين الأفغانية والهندية، وهما الجارتين العدوتين لباكستان في اللحظة الراهنة، مما يجعل التقارب بينهما يمثل خطرًا استراتيجيًا يحيط بباكستان شرقًا وغربًا، لذلك يمكن أيضًا تفسير التصعيد الباكستاني العسكري مع أفغانستان في إطار محاولة الحيلولة لمنع ارتقاء العلاقة بين البلدين للمستوى الذي يُسبب مشكلات أمنية استراتيجية للحكومة الباكستانية على المستوى الإقليمي ويحد من نفوذها، ودلالة تصعيد الصراع في هذا الوقت تحديدًا من المنظور الإقليمي، يُمكن أن تفهم في ضوء زيارة وزير خارجية طالبان للهند التي عكست تقاربًا دبلوماسيًا لا شك أنه سيؤثر على الوضع الإقليمي لإسلام آباد.[21]

   بينما على المستوى الداخلي، يمكن اعتبار أن الأزمات السياسية والاقتصادية الداخلية لباكستان لعبت دورًا أساسيًا في تصعيد باكستان للصراع، حيث أن الحكومة الباكستانية تواجه أزمة شرعية داخلية نابعة من عدم مقدرتها على ضمان الأمن بسبب الهجمات المتكررة لجماعة طالبان باكستان.[22] ناهيك عن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الباكستاني، وهو ما يتضح من ارتفاع مستويات التضخم وتراجع قيمة الروبية الباكستانية، ذلك ما خلق موجة من الضيق الشعبي الداخلي بسياسات الحكومة الاقتصادية التي اتبعت توصيات صندوق النقد الدولي.[23] والصراع مع أفغانستان يساعد الحكومة الباكستانية في تصريف هذه المشكلات الداخلية الحالية في تصعيد خارجي يُزيد من فرص استعادة رضاء الشارع عبر تحقيق انتصار أمني خارجي.

ب – الدوافع الأفغانية:

   على الوجه المقابل، تنطلق حكومة طالبان في أفغانستان من دوافع تجد لنفسها تشابكًا مع سابقتها، ويأتي في مقدمتها تأكيد السيادة الوطنية ورفض ما تعتبره انتهاكات باكستانية متكررة لحدودها، سواء عبر القصف المدفعي أو الغارات الجوية أو استخدام الطائرات بدون طيار،[24] فطالبان تسعى من خلال التصعيد إلى تثبيت صورة مفادها أن أراضيها ليست ساحة مفتوحة للهجمات العابرة، وأنها قادرة على حماية حدودها وكرامتها الوطنية بما يعزز من مصداقيتها أمام شعبها والمجتمع الدولي على حد سواء.

   كما أن للتصعيد بعدًا سياسيًا وإعلاميًا، إذ تستثمر طالبان معاناة المدنيين والخسائر المادية في خطابها الداخلي والإقليمي لتكريس سردية الدفاع عن السيادة والأرض، وكسب تأييد شعبي ودولي في آن واحد، وهي في أشد الحاجة للاستثمار في مثل تلك الأزمات لاكتساب تأييد داخلي وشرعية دولية تساعد على كسر عزلتها، خاصة وأن أفغانستان هي الأخرى تعاني من أزمة اقتصادية كبرى نابعة من العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية التي يفرضها المجتمع الدولي على حكومة طالبان غير المُعترف بها، وهو ما أرادت أن تبدأه إقليميًا عبر التقارب مع الهند الذي سيفتح مجالًا أكبر لحكومة طالبان على المستوى الإقليمي.

   هكذا يتشابك المشهد بين الأمن والسيادة في معادلة تعكس عمق التوتر البنيوي القائم بين البلدين، حيث تتحول الحدود المشتركة إلى مسرح يتقاطع فيه التهديد الأمني الحدودي الذي تعاني منه باكستان بسبب الجماعات المعارضة المسلحة مع حسابات التمسك بالسيادة الأفغانية التي لا تريد حكومة طالبان لها أن تُتنهك لحساب التهديدات الأمنية لباكستان، بالإضافة إلى المحاولة لإعادة هندسة المشهد الإقليمي بما يخدم الحكومة في كابول.

ثالثًا: التداعيات الإنسانية والاقتصادية للصراع:

   غالبًا ما تُلحق الصراعات المسلحة بتكلفة اقتصادية وإنسانية يتحمل القاسم الأكبر منها السكان المدنيين للدول المتصارعة، ولم يُستثنى الصراع الدائر حاليًا بين أفغانستان وباكستان من هذه القاعدة، بل جاء مثبتًا لها.

1 – التداعيات الإنسانية للصراع الأفغاني – الباكستاني:

   يمكن القول إن المدنيين يشكلون الضحايا الأكبر في النزاع الحدودي الدائر بين أفغانستان وباكستان، خصوصًا في المناطق المحاذية لمعبر سبين بولدك وغيرها من النقاط الحدودية. فقد أسفرت موجات القصف المتبادل وسقوط القذائف على الأحياء المأهولة عن مقتل العديد من المدنيين وإصابة المئات، بينهم نساء وأطفال، بينما تعرضت منازل ومزارع وأسواق لأضرار جسيمة.[25] وفي ظل تصاعد القتال، اضطر آلاف من السكان إلى النزوح نحو مناطق أبعد عن خطوط التماس بحثًا عن الأمان، غير أن معظمهم وجد نفسه في بيئات تفتقر إلى البنية التحتية والخدمات الصحية الأساسية، مع ضعف إمكانيات الإيواء والرعاية الإنسانية.[26] كما أن الحياة اليومية توقفت في كثير من المناطق الحدودية المتضررة.

2 – التداعيات الاقتصادية للصراع الأفغاني – الباكستاني:

   أما اقتصاديًا، خلفت الاشتباكات اثارًا فادحة على جانبي الحدود، فقد أدى إغلاق المعابر الرئيسة مثل تورخم وتشمان إلى شلل شبه تام في حركة التجارة بين البلدين، مما أضر بالتجار والمزارعين الذين يعتمدون على التبادل الحدودي كمصدر رئيسي للدخل هذا الإغلاق تسبب في نقص السلع الأساسية والأدوية وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، بينما تعطل تدفق الصادرات الزراعية والصناعية، الأمر الذي انعكس سلبًا على سلاسل الإمداد داخل أفغانستان وباكستان، لكن الضرر الأكبر يعود على أفغانستان التي تعتمد بنسبة 70% من ورادتها على معابر باكستان.[27]

   وفي السياق الأوسع، يمكن أن تمتد هذه الآثار إلى الاقتصادين الباكستاني والأفغاني عبر انخفاض حجم الصادرات الحدودية،[28] وارتفاع كلفة الانفاق الأمني والعسكري، وتراجع ثقة المستثمرين المحليين في استقرار مناطق التبادل التجاري. هذه الخسائر المتراكمة تجعل من الأزمة الإنسانية والاقتصادية تحديًا مضاعفًا أمام جهود التعافي حتى بعد توقف العمليات العسكرية، خاصة وأن كل من الدولتين تعاني من أزمة اقتصادية متصاعدة.

رابعًا: المواقف الإقليمية والدولية من الصراع:

   تُظهر المواقف الإقليمية والدولية من التصعيد الحدودي بين أفغانستان وباكستان تباينًا معقّدًا يعكس تداخل المصالح الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية لدى الفاعلين الإقليميين والدوليين، ويكشف في الوقت نفسه عن صراعٍ أعمق بين منطقين متعارضين في إدارة الأمن الإقليمي منطق الأمن السيادي الذي تتبنّاه باكستان دفاعًا عن حقها في ملاحقة التهديدات العابرة للحدود، ومنطق السيادة الوطنية الذي تتمسك به حكومة طالبان في مواجهة ما تعتبره خرقًا ممنهجًا لحدودها، وهذا ما أوضحناه مسبقًا في تبيان دوافع الطرفين من الصراع. هذا التناقض البنيوي يجعل المواقف الإقليمية والدولية تميل إلى التهدئة أكثر من انحيازها لأي طرف بعينه، خشية توسّع النزاع وتحوله إلى أزمة إقليمية مفتوحة.

1 – قطر ولعب دور الوساطة:

   على المستوى الإقليمي، برزت قطر بوصفها فاعلًا دبلوماسيًا وسـيطًا يسعى إلى احتواء الأزمة عبر استضافة محادثات في الدوحة بين الوفدين، في خطوة تعكس رغبة خليجية في كبح التصعيد قبل أن يتحول إلى نزاع مستدام.[29] هذه الوساطة لا تهدف فقط إلى تثبيت وقف إطلاق النار بل تعبّر أيضًا عن إدراك متزايد لضرورة إعادة دمج أفغانستان في المنظومة الإقليمية من خلال الحوار بدل العزلة، وهو ما يعيد طرح الدبلوماسية الخليجية كأداة ضبط لإيقاع التفاعلات الأمنية في جنوب آسيا. وقد أفضت الجهود القطرية إلى اتفاقات هدنة مؤقتة وفتح قنوات تفاوضية مباشرة أفضت عن اتفاق يلتزم الطرفان بموجبه بوقف إطلاق النار، غير أن هشاشة الثقة المتبادلة تجعل هذه التفاهمات عرضة للانتكاس ما لم تُرفق بآليات تترجم هذا الاتفاق بالتزام فعلي.

2 – السعودية وموقف التهدئة:

   لعبت المملكة العربية السعودية دورًا دبلوماسيًا ساعد في خفض التصعيد واحتواء الأزمة عبر الوساطة بين الطرفين والدعوة للدخول في مفاوضات وتجنّب الصراع، وهو ما أعتُبر دورًا ناجحًا بعد الإقناع السعودي – القطري لطالبان بتعليق عملياتها الانتقامية التي كانت تنوي بالرد بها على باكستان.[30] ويُفهم هذا الدور في إطار اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المتبادل التي أبرمتها المملكة مؤخرًا مع باكستان بعد العدوان الصهيوني على قطر لتعزيز تحالفتها العسكرية في ضوء التصعيدات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط. هذا ما يجعل استقرار الحليفة النووية باكستان أمرًا هامًا واستراتيجيًا للملكة العربية السعودية.

3 – الصين والدعوة لاحتواء التصعيد في ضوء مصالحها الاستراتيجية:

   أما الصين، التي تُعدّ طرفًا إقليميًا رئيسيًا بحكم مصالحها في الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني (CPEC) والداعمة لاستقرار المنطقة المجاورة لإقليم شينجيانغ المجاور للمنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان،[31] قد تبنّت خطابًا يدعو إلى ضبط النفس والحوار البنّاء بدلًا من التصعيد،[32] وذلك انطلاقًا من ركيزة تحقيق الأمن عبر العمل على زيادة مستويات التنمية، وهي الركيزة التي تنطلق من أن الاستقرار يُعد شرطًا أساسيًا لاستمرار استثماراتها الإقليمية، وهو ما يعتبر معلمًا واضحًا من معالم السياسة الخارجية الصينية. بالإضافة إلى أن بكين تدرك أن التصعيد بين كابول أو إسلام آباد، بالأخص ما يشكله هذا التصعيد من مخاطر على الاستقرار في الشؤون الداخلية للأخيرة التي تعتبر حلفيًا استراتيجيًا للصين، قد يهدد مشاريعها الاستراتيجية الكبرى، لا سيما مشروعها الاستراتيجي الأكبر، ألا وهو طريق الحرير، ذلك ما يُعيد تشكيل خريطة التوازنات في جنوب آسيا. كما أن هذا التهديد للصين يفتح الباب أمام تنامي الدور الهندي الذي يعتبر منافسًا إقليميًا قويًا لها، وذلك عبر إضعاف باكستان التي تعتبر خصمًا للهند وحليفًا استراتيجيًا للصين.

4 – الهند والاستثمار في إضعاف باكستان:

   تقليديًا، اعتمدت الهند على تعزيز نفوذها في أفغانستان عبر استراتيجية القوة الناعمة، من خلال الاستثمار في مشاريع البنية التحتية وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الحكومات الأفغانية المتعاقبة. ومن منظور استراتيجي، يمكن أن يتيح الصراع الجاري بين أفغانستان وباكستان للهند فرصًا لتعزيز موقعها الإقليمي، إذ إن أي توتر مستمر قد يؤدي إلى تشتيت جهود القوات الباكستانية الداخلية، وإشغال الجيش الباكستاني في الجبهة الغربية، مما يخفف الضغط على الحدود الغربية الهندية، وبالأخص منطقة كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان، بالإضافة إلى أن إضعاف استقرار إسلام آباد الناتج عن الصراع مع أفغانستان يفتح مجالًا للهند لتعزيز نفوذها على جارتها العدوة.[33]

   وعلى الرغم من موقفها الرسمي القائم على الامتناع عن التدخل المباشر، تسعى الهند إلى حماية مصالحها عبر الحفاظ على قنوات دبلوماسية مع حركة طالبان الأفغانية. ويعكس ذلك كل من زيارة وزير الخارجية أمير متقي التابع لطالبان إلى نيودلهي، وقرار الهند بتحديث بعثتها الفنية في كابول، وذلك في ضوء استغلال إعادة تشكّل المشهد الإقليمي بما يخدم المصالح الهندية التي تواجه تخوفات من المحور الصيني- الباكستاني، بالإضافة إلى التخوف من تنامي النفوذ الصيني في أفغانستان.[34] وهذه التحركات لنيو ديلهي يمكن اعتبارها جزءًا أساسيًا من استراتيجية هندية تهدف إلى إدارة التأثيرات الأمنية والسياسية للصراع بما يخدم تنامي نفوذ الهند الإقليمي دون الانخراط في المواجهة بشكل مباشر.

5 – الولايات المتحدة ودعم جهود الوساطة:

   في المقابل، تبنّت الولايات المتحدة مقاربة حذرة تتسم بالتريث والحياد النسبي. فواشنطن التي انسحبت من أفغانستان عام 2021 ما زالت تراقب التطورات باعتبارها تمسّ استقرار منطقة حيوية. فهي تخشى من جهة عودة المناطق الآمنة للجماعات المسلحة، ومن جهة أخرى تَعتبر استقرار باكستان – ذات القدرات النووية – ركيزة أساسية في أمن المنطقة. لذلك توازن واشنطن بين تأييدها حق باكستان في الدفاع عن نفسها ودعوتها إلى تسوية تفاوضية تحت إشراف دولي، وذلك أخذًا في الحسبان أن الصراع لم يتطور للدرجة التي تجعل الولايات المتحدة تلعب دورًا أكثر تدخلًا في ضوء نجاح الوساطات الإقليمية، خاصة في ضوء سياسة الرئيس ترامب الخارجية الراهنة التي تعمل على احتواء الأزمات ومنع التصعيد العسكري، وهو من أكد بنفسه أن الأزمة تعتبر بسيطة وأنه يمكنه حلها سريعًا إذا ما قرر التدخل.[35]

6 – إيران والسعي لضمان أمن الحدود الشرقية:

   أما إيران قد تبنّت مواقف تميل إلى الوساطة إدراكًا منها بأن تفجّر الصراع قد يُطلق موجات جهادية عابرة للحدود تهدد أمنها الداخلي، بالإضافة إلى التخوفات من موضوع تدفق اللاجئين الذي قد يسبب العديد من المشكلات الداخلية لإيران التي تضم بالفعل ملايين من الأفغانيين. هذه المقاربة التي يمكن وصفها بـالاستقرار الوقائي، تعكس سعي نظام الملالي إلى الرغبة في عدم اتساع دائرة النزاع، من أجل ضمان عدم الدخول في موجات جديدة من انعدام الأمن على حدودها الشرقية.[36] ناهيك عن التخوفات الإيرانية من إعادة الصراع لتشكيل مشهد إقليمي يخل بالتوازنات القائمة.

7الأمم المتحدة والدعوة لوقف إطلاق النار:

   على المستوى الدولي الأوسع، جاء موقف الأمم المتحدة محكومًا بمنطق إدارة المخاطر الإنسانية أكثر من منطق التحكيم السياسي.[37] فقد صدرت دعوات متكررة لوقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية، غير أن غياب اعتراف دولي كامل بحكومة طالبان وافتقار المنظومة الأممية إلى أدوات ضغط فعالة حال دون تطوير آلية مراقبة ميدانية مستقلة. هذا العجز الأممي يكرّس نمطًا من الحياد الاستراتيجي المضطر الذي يوازن بين الرغبة في احتواء التصعيد والعجز عن فرض تسوية حقيقية.

   في هذا السياق، تبدو الفاعليات الإقليمية والدولية منقسمة بين اتجاهين رئيسيين، الأول يدعو إلى آليات تفاوضية فورية بضمانات دولية ووساطة خارجية، والثاني يركّز على مقاربة أمنية تقليدية تضع مسؤولية مكافحة المجموعات المسلحة على كاهل الحكومة الأفغانية وحدها. نجاح هذه المساعي يتوقف على قدرة الوسطاء في تحقيق شرطين مترابطين، الأول هو إقناع باكستان بقبول آليات تحقق شفافة تمنع تكرار الضربات، وإقناع طالبان باتخاذ خطوات ملموسة لضبط تحركات الجماعات داخل أراضيها. ولا تقتصر تداعيات الصراع على الميدان العسكري والسياسي، بل تمتد إلى المجالات الثقافية والرياضية، كما في انسحاب المنتخب الأفغاني من بطولة مقررة في باكستان،[38] ما يعكس انتقال التوتر من الأبعاد السياسية والعسكرية إلى ميادين القوة الناعمة.

   فيمكن القول إن الأزمة الراهنة تمثل اختبارًا لمفهوم الأمن الإقليمي ذاته هل يمكن للدول أن تحافظ على أمنها القومي خارج أطر التعاون الجماعي؟ وهل ما تزال الوساطات الدبلوماسية قادرة على إنتاج حلول دائمة أم أنها باتت تُدار كآليات لاحتواء الأزمات مؤقتًا؟ إن غياب آلية إقليمية ملزمة يجعل من التهدئة الحالية مجرد استراحة قصيرة في صراعٍ قابلٍ للتجدد لتجذر أسبابه الموضوعية في منطقة جنوب آسيا، ويؤكد أن المنطقة تسير نحو نموذج الأمن الانتقائي الذي تحدده المصالح الإقليمية وتفاعلاتها لا القواعد القانونية.

   ختامًا، بعد استعراض تطورات الأزمة والعوامل المحيطة بها، يمكننا الشروع في محاولة استشراف مآلها. يمكن للاتفاقية التي تم التوصل إليها أن تعمل على ترسيخ الهدنة وتحولها إلى مسار تعاون حدودي مشروط، لكن هذا السيناريو يستند إلى فرضية أن الوساطة الإقليمية — ولا سيما الدورين القطري والسعودي — ستنجح في تثبيت وقف إطلاق النار الحالي وتحويله إلى إطار سياسي – أمني أكثر استدامة. فالتقاء المصالح بين الطرفين في تخفيف الضغط العسكري وتأمين الحدود المشتركة، إضافةً إلى ضغط المجتمع الدولي عبر الأمم المتحدة، يمكن أن يدفعهما إلى قبول ترتيبات مؤسسية لإدارة الحدود وتبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن الجماعات المسلحة.

   وعلى المستوى الإقليمي، سيعني تحقق هذا السيناريو إعادة تفعيل أدوات الدبلوماسية الأمنية في جنوب آسيا، حيث تتقدّم الاعتبارات العملية كالأمن، التجارة والاستقرار الإقليمي على السرديات الأيديولوجية أو التاريخية. كما قد يشكّل نجاحه نقطة تحوّل في علاقة طالبان بالمجتمع الدولي، إذ سيظهر قدرتها على الانخراط في اتفاقات أمنية ملزمة، مما يفتح المجال أمام تخفيف جزئي للعزلة الدبلوماسية المفروضة عليها. غير أنّ استدامة هذا المسار مرهونة بقدرة كابول على ضبط الفصائل غير الخاضعة لها، وبقدرة إسلام آباد على التمييز بين معارضة مسلحة داخل أراضيها وتلك العابرة للحدود المتجاوزة للسيادة الباكستانية. أي إخفاق في هذين المستويين قد يعيد الأزمة إلى نقطة الصفر.

   بينما السيناريو الذي ربما يكون أكثر واقعية هو استمرار الاتفاقية رسميًا لكنها تبقى عرضة لخروقات متكررة وتبادل اتهامات دون حسم جذري لأسباب الصراع. فغياب آلية مراقبة حدودية فعّالة، وتعدد الفاعلين المسلحين الذين لا يخضعون لسلطة مركزية واضحة، يعزز من إمكانية استمرار الاشتباكات المحدودة. ويُكرّس هذا التصور نمط التوازن السلبي في العلاقات الباكستانية – الأفغانية؛ إذ لا يمتلك أي من الطرفين الإرادة أو القدرة على خوض حرب شاملة، وفي الوقت ذاته لا يملك أحدهما أدوات كافية لفرض تسوية مستقرة. ومع الوقت، تتحول الحدود إلى فضاءٍ رمادي تُمارَس فيه سياسات الردع بالوكالة وتُوظف العمليات العسكرية كوسيلة ضغط تفاوضي.

   وهناك دلالات أيضًا على إمكانية انزلاق تدريجي نحو تصعيد إقليمي واسع النطاق. ويفترض هذا السيناريو أن إخفاق الوساطات واستمرار الضربات المتبادلة سيقودان إلى تصعيد غير منضبط يُلغي الاتفاقية المستحدثة، وتتحول معه الاشتباكات العابرة إلى مواجهة مفتوحة على طول الحدود. وتتضاعف خطورته في حال تورّط جماعات مسلحة ذات ارتباطات إقليمية، أو حصول حادث نوعي يوقع خسائر كبيرة في صفوف القوات النظامية لأحد الطرفين. تحليل هذا الاحتمال يرتكز على منطق تفاعلات الأمن الهش؛ أي أن البيئة الأمنية الإقليمية – المشبعة بانعدام الثقة – قد تجعل أي حدث تكتيكي بمثابة شرارةً لتحول استراتيجي. وإذا توسّع الصراع بهذا الشكل، فستبرز تداعياته على التجارة الإقليمية، وعلى توازنات القوى داخل آسيا الوسطى، وقد يدفع قوى كبرى مثل الصين أو الولايات المتحدة إلى التدخل الدبلوماسي للحيلولة دون انهيار الاستقرار الحدودي. ورغم أن هذا السيناريو يظل منخفض الاحتمال في الوقت الراهن، إلا أنه يكتسب وجاهة تحذيرية بالنظر إلى دوافع التصعيد لدى الطرفين.


[1] Sanat Pai Raikar, “Durand Line”, Britannica, last access in: 15 October 2025:

[2] Aarish U. Khan, “The TTP and the Pakistan-Afghanistan Conundrum”, THE DIPLOMAT, 4 January 2025, last access in: 15 October 2025:

[3] Zia Ur Rehman, “Taliban regime deepens Pakistan’s internal security woes”, DW, 14 August 2025, last access in: 15 October 2025:

[4] Aarish U. Khan, “The TTP and the Pakistan-Afghanistan Conundrum”, Op. Cit.

[5]At least 47 dead in Afghanistan after Pakistan attacks: Officials”, ALJAZEERA, 17 April 2022, last access in: 22 October 2025:

[6] رمضان بورصة، “ماذا يحدث بين باكستان وأفغانستان؟ وكيف ستستفيد إسرائيل؟”، الجزيرة 17 أكتوبر 2025، آخر وصول في: 17 أكتوبر 2025:

[7] Haroon Janjua and Shah Meer Baloch and Hannah Ellis-Petersen, “Heavy clashes erupt along Pakistan-Afghanistan border”, The Guardian, 12 October 2025, last access in: 17 October 2025:

[8] Hannah Ellis-Petersen and Shah Meer Baloch, “Dozens killed in fresh clashes along Afghanistan-Pakistan border“, The Guardian, 15 October 2025, last access in: 17 October 2025:

[9] Saeed Shah, Mohammad Yunus Yawar and Mushtaq Ali, “Dozens killed in Pakistan-Afghanistan clashes, border closed”, Reuters, 12 October 2025, last access in: 17 October 2025:

[10] Nasir Aljaz, “Economic Strain Deepens as Afghanistan- Pakistan Torkham Border Crossing Stays Shut”, THE ASIAN, 13 October 2025, last access in: 18 October 2025: https://linksshortcut.com/MGHGV

[11]UNAMA WELCOMES AFGHANISTAN-PAKISTAN CEASEFIRE, URGES PROTECTION OF CIVILIANS”, UNITED NATIONS ASSISTANCE MISSION IN AFGHANISTAN, 16 October 2025, last access in: 17 October 2025: https://linksshortcut.com/mnmgw

[12] RIAZ KHAN, “Afghanistan says it has killed 58 Pakistani soldiers in overnight border operations”,   AP, 12 October 2025, last access in: 17 October 2025: https://linksshortcut.com/ghbTb

[13] Mushtaq Ali and Mohammad Yunus Yawar, “Pakistani troops on high alert on Afghan border after fighting, trade halts”, Reuters, 13 October 2025, last access in: 17 October 2025: https://linksshortcut.com/QEABs

[14] Siddiqullah Alizai and Munir Ahmed, “Afghanistan’s Taliban government blames Pakistan for twin drone strikes on Kabul“, The Washington Post, 16 October 2025, last access in: 17 October 2025: https://linksshortcut.com/flief

[15] MUNIR AHMED, “Pakistan and Afghanistan announce ceasefire after deadliest clashes in years”, AP, 15 October 2025, last access in: 17 October 2025: https://linksshortcut.com/Cavsk

[16] Asif Shahzad and Mohammad Yunus Yawar, “Pakistan and Afghanistan hold peace talks in Doha after fierce clashes”, Reuters, 18 October 2025, last access in: 18 October 2025: https://linksshortcut.com/nUKEL

[17]Suicide attack near Afghan border kills 7 Pakistani soldiers: Officials”, THE ECONOMIC TIMES, 17 October 2025, last access in: 17 October 2025: https://linksshortcut.com/vFodM

[18]Pakistan and Afghanistan Agree to an Immediate Ceasefire During a Round of Negotiations in Doha”, Ministry OF FOREIGN AFFAIRS STATE OF QATAR, 19 October 2025, last access in: 19 October 2025: https://linksshortcut.com/bQVSu

[19] Kamran Yousaf, “Pakistan warns of direct strikes on Afghan soil after cross-border attacks“, THE EXPRESS TRIBUNE, 13 October 2025, last access in: 18 October 2025: https://linksshortcut.com/Smswi

[20] Muhammad Farhan, Farooq Arshad Rana, Sundas Abbas, Muhammad Ikram, “U.S. Withdrawal from Afghanistan: Strategic Implications for Pakistan”, Pakistan Journal of Humanities and Social Sciences, Vol. 12, No. 4, 2024, pp. 3463

[21]Taliban leader’s India visit behind deadly Pak-Afghan clashes? | 5 big points”, 13 October 2025, last access in: 22 October 2025: https://linksshortcut.com/XUOtN

[22] Amira Jadoon, “Beyond Counterterrorism: A Legitimacy-Centered Framework for Pakistan’s Security Crisis”, Hudson Institute, 6 October 2025, last access in: 21 October 2025: https://linksshortcut.com/BEeiY

[23]ارتفاع معدل التضخم في باكستان لأعلى مستوى منذ عام”، العربية، 2 أكتوبر 2025، آخر وصول في: 21 أكتوبر 2025: https://linksshortcut.com/jXbpD

[24] “Taliban accuse Pakistan of ‘violating Kabul’s sovereign territory'”, ARAB NEWS Pakistan, 10 October 2025, last access in: 18 October 2025: https://linksshortcut.com/iTfLB

[25] Hannah Ellis-Petersen and Shah Meer Baloch, “Dozens killed in fresh clashes along Afghanistan-Pakistan border“, Op. CIT.

[26] Ibid.

[27]Border Inferno: Pakistan–Afghanistan Relations Hit New Low After Deadly Cross-Border Clashes“, The Asia Live, 13 October 2025, last access in: 18 October 2025: https://linksshortcut.com/nZvyD

[28] Ibid.

[29]PM Sharif says ball in Afghanistan’s court as Qatar helps ease tensions between two countries“, ARAB NEWS, 16 October 2025, last access in: 18 October 2025: https://linksshortcut.com/pGjhB

[30] WASEEM ABBASI, “Pakistan calls border clashes with Afghanistan bilateral issue, praises Saudi stance on de-escalation”, 17 October 2025, last access in: 18 October 2025: https://linksshortcut.com/ybURB

[31] Ahmed Diab, “The Corridor Trolka, Enhancing China-Pakistan-Afghanistan Cooperation“, Future Center For Studies and Research, 3 September 2025, last access in: 18 October 2025: https://linksshortcut.com/nfBbR

[32]China is very concerned about Pakistan-Afghanistan clashes, foreign ministry says’”, Reuters, 13 October 2025, last access in: 18 October 2025: https://linksshortcut.com/XKoCX

[33]Why cross-border terror has Afghanistan and Pakistan’s address”, THE NEW INDIAN EXPRESS, 19 October 2025, last access in: 19 October 2025: https://linksshortcut.com/zIBIm

[34] Shivam Patel, “India upgrades ties with Afghanistan’s Taliban, says it will reopen Kabul embassy”, Reuters, 10 October 2025, last access in: 21 October 2025: https://linksshortcut.com/UytOz

[35]US President Donald Trump says Pakistan-Afghanistan conflict is ‘easy’ for him to solve”, THE ECONOMIC TIMES, 18 October 2025, last access in: 18 October 2025: https://linksshortcut.com/WpxDp

[36]الصحافة الإيرانية: هل تنجح التحركات الدبلوماسية الإيرانية في كبح دوامة التوتر بين أفغانستان وباكستان؟”، MD EAST NEWS، 14 أكتوبر 2025، آخر وصول في: 18 أكتوبر 2025: https://linksshortcut.com/yfUmz

[37]UN urges ‘lasting’ ceasefire after Pakistan-Afghanistan clashes kill dozens”, ELJAZEERA, 16 October 2025, last access in: 18 October 2025: https://linksshortcut.com/ThUkI

[38]Afghanistan withdraws from Twenty20 cricket tri-series in Pakistan over military strikes”, AP, 18 October 2025, last access in: 19 October 2025:

https://linksshortcut.com/IRTJd

باحث مساعد في النظم والنظرية السياسية بمركز ترو للدراسات والتدريب

الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران وتداعياتها على مسار العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية
مساعي الولايات المتحدة لتوطين صناعة الرقائق الإلكترونية
زيارة الرئيس السوري إلى روسيا: الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية للزيارة
قراءة تحليلية في قمة شرم الشيخ للسلام
دور شركة أسيلسان للصناعات الدفاعية في تعزيز النفوذ الجيوسياسي لتركيا
Scroll to Top