تأتي زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو في 15 أكتوبر 2025 في لحظة سياسية مهمة بالنسبة لكل من سوريا وروسيا، إذ تمثل أول تحرك خارجي رفيع المستوى تجاه روسيا للرئيس السوري بعد انتقال السلطة في دمشق ودخوله مرحلة إعادة بناء الدولة وإعادة صياغة العلاقات الخارجية. الزيارة ليست مجرد نشاط دبلوماسي بروتوكولي، بل تُجسد في جوهرها تحولًا استراتيجيًا في التوجهات السورية بعد أكثر من عقد من الحرب والانقسام، وتعكس في الوقت ذاته محاولة روسية لإعادة تثبيت نفوذها في الشرق الأوسط بعد أن تراجعت فاعليتها نتيجة انشغالها بالحرب الأوكرانية والعزلة الغربية المتزايدة.[1] حيث تمثل الزيارة نقطة التقاء بين مسارين متوازيين في النظام الدولي المعاصر وهي سعي دمشق إلى إعادة بناء شرعيتها السياسية والتقارب مع الدول المختلفة، وسعي موسكو إلى تعزيز حضورها الجيوسياسي عبر تعزيز تحالفاتها في مناطق النفوذ التقليدية. ومن هذا المنطلق، فإن زيارة الشرع لموسكو تتجاوز البعد الثنائي لتصبح جزءًا من إعادة ترتيب النظام الإقليمي في المشرق العربي، حيث تتقاطع ملفات الأمن، والطاقة، وإعادة الإعمار، مع توازنات القوى الدولية.[2]
ومن جانب آخر، تكتسب الزيارة أهميتها كذلك من كونها تأتي في بيئة دولية مأزومة، يتراجع فيها حضور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لصالح محاور جديدة تضم روسيا والصين وإيران، وتُعيد فيها الدول العربية رسم علاقاتها الخارجية ضمن سياسة الانفتاح الحذر. لذا، فإن زيارة الشرع لا يمكن قراءتها بمعزل عن التحولات الجارية في ميزان القوى العالمي، بل تُعد مؤشرًا على اتجاهات السياسة السورية الجديدة في التعامل مع القوى الكبرى، وعلى ملامح مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار.[3]
بناءً على ذلك، يسعى هذا المقال التحليلي إلى تحليل أبعاد ودلالات زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى روسيا، من خلال تناول السياق التاريخي للعلاقات الثنائية، ودوافع الزيارة وأهدافها، والمصالح المشتركة بين الطرفين، فضلاً عن التحديات والمخاطر المحتملة، وانعكاساتها على التوازنات الإقليمية والدولية. ويعتمد المقال في منهجيته على التحليل البنيوي للعلاقات الدولية، مع التركيز على التفاعلات بين القوة والسيادة والاعتماد المتبادل، في محاولة لتقديم قراءة لمسار العلاقات السورية الروسية في عهد الشرع.
أولًا: العلاقات السورية الروسية في عهد بشار الأسد
تمثل العلاقات بين سوريا وروسيا أحد أقدم وأعمق أنماط الارتباط السياسي والعسكري في الشرق الأوسط، إذ تعود جذورها إلى الحقبة السوفيتية في خمسينيات القرن العشرين، حين كانت دمشق من بين أبرز الدول العربية التي نسجت تحالفًا مع موسكو في مواجهة المعسكر الغربي. وقد تأسس هذا الارتباط على معادلة واضحة المعالم وهي الدعم العسكري والسياسي مقابل النفوذ الإقليمي والوجود الاستراتيجي. ومنذ ذلك الحين، تطورت العلاقات الثنائية لتصبح أحد الأعمدة الأساسية في منظومة التوازن الإقليمي خلال الحرب الباردة، ثم تحولت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي إلى علاقة أكثر مرونة وبراغماتية، قوامها المصالح الأمنية والعسكرية، والتفاهمات السياسية حول قضايا الشرق الأوسط.[4]
في سياق تطور هذه العلاقة، برزت سوريا بوصفها موطئ قدم روسي أساسي في شرق المتوسط، بعد أن منحت موسكو تسهيلات بحرية في ميناء طرطوس منذ سبعينيات القرن الماضي. ومع اندلاع الحرب السورية عام 2011، تحولت هذه العلاقات إلى تحالف عسكري مباشر، حين تدخلت روسيا في سبتمبر 2015 دعمًا لنظام بشار الأسد في مواجهة التنظيم الإرهابي، في خطوة غيرت موازين القوى الداخلية والإقليمية. فقد مكن التدخل الروسي النظام من استعادة السيطرة على أجزاء واسعة من الأراضي السورية، وأعاد لروسيا حضورًا قويًا في الشرق الأوسط بعد غياب طويل. وبذلك أصبحت موسكو الضامن الرئيسي لبقاء النظام والفاعل المحوري في الملف السوري، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا.[5]
غير أن هذا التحالف الوثيق، الذي منح موسكو نفوذًا واسعًا داخل البنية العسكرية والسياسية السورية، أصبح في السنوات الأخيرة موضوعًا لإعادة تقييم داخل سوريا ذاتها، خاصة بعد انتقال السلطة إلى الرئيس أحمد الشرع أواخر عام 2024. فالتغير في القيادة السورية مثل فرصة لإعادة النظر في طبيعة العلاقة مع روسيا، لا من موقع القطيعة، بل من موقع إعادة تعريف الأدوار وحدود التأثير، بما يتناسب مع المرحلة الجديدة من إعادة الإعمار وإعادة بناء مؤسسات الدولة.[6] وبالتالي، فإن التحولات التي تشهدها العلاقات السورية الروسية لا يمكن فصلها عن البيئة الدولية الراهنة. فروسيا التي تواجه عزلة غربية غير مسبوقة بسبب الحرب في أوكرانيا، أصبحت أكثر اعتمادًا على علاقاتها مع دول الجنوب العالمي لتخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية. [7]ومن هنا، تنظر موسكو إلى سوريا بوصفها ورقة استراتيجية مضاعفة القيمة فهي من جهة تتيح لها الحفاظ على قواعدها العسكرية في حميميم وطرطوس، ومن جهة أخرى تمنحها شرعية في ملف الشرق الأوسط الذي باتت واشنطن تنسحب منه تدريجيًا. وفي المقابل، ترى دمشق أن استمرار الشراكة مع موسكو ضروري للحفاظ على توازن القوة الإقليمي.[8]
ثانيًا: المصالح الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية بين موسكو ودمشق في ظل حكومة الشرع
لا يمكن فصل زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو عن المشهد الإقليمي والدولي الأوسع، إذ تأتي في مرحلة تتسم بإعادة رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط منذ عام 2023، حيث تتجه دول المنطقة إلى سياسات أكثر استقلالًا عن القوى الكبرى في ظل تراجع الالتزام الأمريكي وتنامي الانخراطين الروسي والصيني في شؤون الإقليم. وفي هذا السياق، تسعى سوريا في عهد الشرع إلى إعادة تموضعها ضمن هذه المنظومة الجديدة، بما يضمن الحفاظ على شراكاتها الاستراتيجية التقليدية مع انفتاح محسوب على التوازنات الدولية الناشئة.[9]
وتُعد العلاقات السورية الروسية نموذجًا معقدًا ومتطورًا في السياسة الإقليمية، إذ انتقلت عبر العقود من شراكة أيديولوجية خلال الحقبة السوفيتية إلى تحالف أمني صلب في عهد الرئيس بشار الأسد، قبل أن تتجه اليوم نحو نمط جديد من الشراكة البراغماتية في عهد الرئيس أحمد الشرع. فمنذ توليه الحكم، سعى الشرع إلى إعادة تعريف العلاقة مع موسكو، بحيث تتجاوز الطابع العسكري والأمني إلى مجالات التنمية والاستثمار والتعاون الدبلوماسي، مستندًا إلى إرث طويل من التعاون الذي تعزز منذ التدخل الروسي عام 2015 وما تبعه من تنسيق وثيق في الملفات الإقليمية. وتأتي زيارته الأخيرة إلى موسكو لتؤكد هذا التوجه الجديد القائم على تطوير المصالح المشتركة وتوسيع آفاق الشراكة بما يتلاءم مع التحولات الجارية في البيئة الدولية. فبدلًا من الاعتماد الأحادي على الدعم الروسي، تسعى دمشق اليوم إلى صياغة علاقة أكثر توازنًا قائمة على المصالح المتبادلة، بما يجعل الزيارة بمثابة انطلاقة لمرحلة جديدة من العلاقات السورية الروسية، تتسم بالمرونة السياسية والتكامل الاستراتيجي في آنٍ واحد.[10]
يمكن تفسير أبعاد هذه المصالح إلى ثلاثة مستويات متشابكة: الاستراتيجي، الأمني، والاقتصادي.
- المصالح الاستراتيجية
منذ بداية التدخل الروسي في سوريا، كانت موسكو ترى في دمشق أداة لتحقيق حضورها في النظام الدولي المتعدد الأقطاب. فقد أتاحت لها الحرب السورية فرصة نادرة لتثبيت موقعها كقوة عالمية مؤثرة بعد سنوات من التراجع عقب انهيار الاتحاد السوفيتي. أما اليوم، فتسعى روسيا إلى تحويل هذا الحضور العسكري المؤقت إلى تمركز جيوسياسي دائم يضمن لها النفاذ إلى البحر المتوسط وممرات الطاقة العالمية.[11]
- التموضع الجيوسياسي في شرق المتوسط
تحتفظ روسيا بقاعدتين استراتيجيتين في سوريا قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية وقاعدة طرطوس البحرية. وتشكل هاتان القاعدتان ركيزة الوجود العسكري الروسي خارج الفضاء السوفيتي السابق، ما يمنح موسكو موقعًا متقدمًا في مواجهة الحلف الأطلسي من الجنوب. في المقابل، تسعى القيادة السورية إلى إعادة التفاوض حول شروط الوجود الروسي بما يضمن احترام السيادة السورية واعتبار هذا الوجود شراكة دفاعية مؤقتة لا احتلالًا مستترًا. وتشير تسريبات إلى أن الرئيس الشرع عرض على موسكو تجديد الاتفاقات الدفاعية ضمن جدول زمني محدد، مع تعزيز التعاون في التدريب والصناعات الدفاعية بدلًا من الوجود الدائم.[12]
كما أن التحولات الأخيرة في الشرق الأوسط، وخاصة الانفتاح العربي على دمشق وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية عام 2024، فرضت على روسيا أن تعيد صياغة مقاربتها. فلم تعد موسكو الراعي الوحيد لدمشق، بل بات عليها مشاركة النفوذ مع القوى العربية والإقليمية.[13] لذا، تسعى روسيا إلى تقديم نفسها كشريك استراتيجي موثوق، لا كقوة وصاية، من خلال التركيز على مشاريع طويلة الأمد في مجالات الطاقة والبنية التحتية والدفاع.[14] تعكس هذه المرحلة الجديدة تحولًا في بنية الفعل السوري من الانخراط في محور مغلق (روسيا – إيران) إلى الانفتاح على نظام إقليمي مرن يحاول التكيف مع التغيرات العالمية. فبينما كانت العلاقات السورية الروسية في العقد الماضي قائمة على منطق الحماية، فإنها في عهد الشرع تتجه نحو منطق الشراكة، حيث تُعاد صياغة مفاهيم السيادة، والاستقلال، والاصطفاف، ضمن مقاربة أكثر عقلانية وواقعية.[15]
- المصالح الاقتصادية
يشكل الاقتصاد اليوم محورًا أساسيًا في إعادة تعريف العلاقة بين موسكو ودمشق. فبعد أن كانت العلاقات الاقتصادية تُدار وفق منطق “المقابل للحماية”، أصبحت الآن ساحة لتفاوض سياسي واقتصادي متكافئ، خصوصًا في ظل حاجة سوريا الماسة لإعادة الإعمار ورغبة روسيا في تأمين مصالحها الاستثمارية وسط بيئة دولية مضطربة.[16]
- الطاقة والموارد الطبيعية
تهيمن الشركات الروسية على جزء كبير من قطاع النفط والغاز السوري، لا سيما في مناطق الساحل وحقول البادية. إلا أن الحكومة السورية الجديدة تسعى إلى إعادة مراجعة هذه العقود لضمان عدالة التوزيع وتحقيق عائدات حقيقية لخزينة الدولة. تشير مصادر اقتصادية إلى أن دمشق اقترحت على موسكو تحويل بعض عقود الامتياز إلى شراكات إنتاج مشتركة بنسب أكثر توازنًا، مع منح الأفضلية للشركات الروسية في مشاريع إعادة تأهيل محطات الطاقة والغاز.[17]
- إعادة الإعمار والاستثمارات
تمثل عملية إعادة الإعمار ورقة جذب أساسية للطرف الروسي، الذي يرى فيها فرصة لتعويض خسائره من العقوبات الغربية. في المقابل، تسعى دمشق إلى تنويع الشركاء عبر فتح المجال أمام الاستثمارات العربية والصينية، بحيث لا تبقى رهينة للنفوذ الروسي. وقد ناقش الجانبان خلال زيارة الرئيس الشرع فكرة إنشاء منطقة اقتصادية خاصة روسية سورية في اللاذقية، لتكون مركزًا للتبادل التجاري والتكنولوجي، وتُدار ضمن آليات قانونية شفافة خاضعة للسيادة السورية.[18]
- العملة والعقوبات والتبادل التجاري
تواجه كل من روسيا وسوريا عزلة مالية غربية، ما دفعهما إلى التعاون في إنشاء منظومة مقايضة بالعملات المحلية والروبل الرقمي لتجاوز العقوبات المفروضة على التحويلات الدولية. كما يسعى الطرفان إلى تعزيز التبادل التجاري في السلع الأساسية كالقمح والمنتجات النفطية والأسمدة، مع خطط لتوسيع التعاون نحو مجالات التكنولوجيا الزراعية والطاقة المتجددة.[19]
من هذا المنطلق، يمكن القول إن العلاقة بين الجانبين دخلت مع عهد الشرع مرحلة إعادة تموضع استراتيجي. فالرئيس السوري يسعى إلى تحويل العلاقة مع موسكو من تحالف قائم على الاعتماد الأحادي إلى شراكة متعددة المستويات تشمل الأمن، والاقتصاد، والطاقة، والدبلوماسية. وقد عبر عن ذلك بوضوح في تصريحاته قبل الزيارة، حين أكد أن سوريا لن تنكر دعم روسيا في أصعب لحظاتها، لكنها تسعى اليوم إلى علاقات متوازنة تخدم المصالح المتبادلة. هذا التحول في الخطاب يعكس انتقالًا من علاقة الضرورة الأمنية إلى علاقة المصلحة الوطنية.[20]
- المصالح الأمنية والعسكرية
يُعد البُعد الأمني والعسكري العمود الفقري للعلاقات السورية–الروسية، ومحور الارتكاز الذي بُنيت عليه الشراكة الاستراتيجية بين البلدين منذ عام 2015، عندما تدخلت روسيا عسكريًا في سوريا بطلب رسمي من الحكومة آنذاك، بهدف منع انهيار مؤسسات الدولة ومواجهة تمدد التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم “داعش”. غير أنّ هذا التدخل، الذي غيّر موازين القوى في الميدان السوري وأعاد رسم خريطة النفوذ في الإقليم، أفرز واقعًا جديدًا من الاعتماد السوري الكبير على المظلة العسكرية الروسية، سواء في تأمين المجال الجوي أو في إدارة العمليات الميدانية وتنسيق الخطط الاستراتيجية.
ومع تولي الرئيس أحمد الشرع الحكم، بدأت دمشق تنتهج مقاربة مغايرة في إدارة هذا الملف الحساس، تقوم على إعادة تحديد طبيعة الدور الروسي في المنظومة الدفاعية السورية، من موقع الشريك الاستراتيجي لا الوصي الميداني. فالرئيس الشرع يُدرك أنّ استمرار الاعتماد الكلي على موسكو في المسائل العسكرية يُضعف من قدرة الدولة على استعادة استقلالها السيادي الكامل، كما يحدّ من إمكانيات تطوير الصناعات الدفاعية الوطنية وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية على أسس احترافية مستقلة. لذلك، سعى منذ توليه السلطة إلى تحويل العلاقة الأمنية من تبعية إلى تكامل، تقوم على نقل الخبرات والتكنولوجيا العسكرية الروسية إلى الداخل السوري، وبناء قدرات ذاتية قادرة على حفظ التوازن الإقليمي من دون تدخل مباشر دائم من موسكو.
ومن الجانب الروسي، لا تزال موسكو تنظر إلى سوريا بوصفها نقطة ارتكاز استراتيجية في شرق المتوسط تضمن لها موطئ قدم مستدام في مواجهة التمدد الغربي، سواء عبر قاعدة حميميم الجوية أو ميناء طرطوس البحري. لكنها في الوقت ذاته تُدرك أن طبيعة القيادة السورية الجديدة تتطلب إعادة ضبط العلاقة بما يحافظ على النفوذ الروسي دون إثارة حساسيات داخلية. [21]
- إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية السورية بدعم روسي
تتبنى القيادة السورية الجديدة مشروعًا لإعادة هيكلة الجيش السوري على أسس مهنية ووطنية، بعيدًا عن الولاءات الطائفية والاعتماد المفرط على الميليشيات. وتلعب روسيا دورًا محوريًا في هذا المشروع عبر تدريب الضباط السوريين وتحديث منظومات التسليح، إلا أن دمشق تحرص في الوقت ذاته على تنويع مصادر التسليح عبر قنوات عربية وآسيوية لتفادي الارتهان الكامل لموسكو.[22]
تشير تقارير ميدانية إلى أن وزارة الدفاع السورية تعمل بالتعاون مع الخبراء الروس على إنشاء أكاديمية عسكرية مشتركة لتدريب الكوادر القيادية، ما يعكس انتقال العلاقة من الدعم المباشر إلى بناء القدرات الذاتية.[23]
- ملف القواعد العسكرية وضبط النفوذ
تشكل القواعد الروسية أبرز مظاهر النفوذ في سوريا، إلا أن المرحلة الراهنة تشهد مفاوضات دقيقة حول إعادة تنظيم هذا الوجود. فالقيادة السورية تسعى إلى ضمان أن تبقى هذه القواعد ضمن إطار قانوني يحدد المهام والصلاحيات بوضوح، مع تأكيد السيادة السورية على القرار العسكري. كما تعمل دمشق على تقليص الوجود شبه المستقل لبعض التشكيلات الموالية لروسيا في الساحل والبادية، في خطوة تهدف إلى استعادة وحدة القيادة والسيطرة داخل الجيش السوري.[24]
- التعاون الاستخباراتي ومكافحة الإرهاب
لا تزال روسيا ترى في الملف السوري ساحة لتجريب منظوماتها الاستخباراتية، خصوصًا في مكافحة الجماعات الإرهابية العائدة من آسيا الوسطى. وفي المقابل، تستفيد سوريا من الدعم التقني الروسي في مجال المراقبة والطائرات المسيرة. إلا أن ثمة خلافًا ضمنيًا بين الطرفين حول حدود تبادل المعلومات الاستخباراتية، حيث ترفض دمشق تسليم بعض الملفات الحساسة المرتبطة بالتنظيمات المحلية أو المعارضات السابقة، خشية أن يُستخدم ذلك كورقة ضغط مستقبلية.[25]
ثالثًا: الدوافع والأهداف وراء الزيارة – بين إعادة التوازن وتثبيت الشراكة
تُعد زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى روسيا بتاريخ 15 أكتوبر 2025 خطوة استراتيجية تحمل في طياتها أبعادًا سياسية وأمنية واقتصادية متداخلة، تتجاوز حدود البروتوكول الدبلوماسي إلى إعادة صياغة العلاقة بين دمشق وموسكو وفق معادلة جديدة. فبعد أكثر من عقد من التحالف القائم على الضرورة بين روسيا ونظام بشار الأسد، تأتي الزيارة لتؤسس لمرحلة جديدة في السياسة السورية قوامها الاستقلالية الحذرة والانفتاح المتوازن، في ظل تحول موسكو بدورها من فاعل مهيمن في الملف السوري إلى شريك مضطر لإعادة ترتيب مصالحه في الشرق الأوسط.[26]
تتضح الدوافع وراء الزيارة في إطار ثلاث دوائر متكاملة: الدائرة السورية الداخلية، والدائرة الروسية، ثم الدائرة الإقليمية والدولية التي تشكل بيئة هذا التحرك الدبلوماسي.
- الدوافع السورية للزيارة
تسعى سوريا بقيادة الرئيس الشرع إلى تحقيق توازن دقيق بين التحالف مع موسكو والانفتاح على الفضاء العربي. فدمشق تدرك أن الارتهان الكامل لموسكو يُضعف قدرتها على المناورة السياسية والاقتصادية، لذلك تسعى إلى بناء علاقات متوازنة مع السعودية، والإمارات، ومصر، إلى جانب الصين وإيران.[27] هذا الانفتاح لا يعني فك الارتباط مع روسيا، بل تحويل العلاقة إلى شراكة مرنة متعددة الأبعاد. كما تراهن سوريا على أن موسكو، رغم انشغالها بالحرب في أوكرانيا، ستظل بحاجة إلى نجاح التجربة السورية كنموذج لنفوذها خارج الفضاء السوفيتي، مما يمنح دمشق هامش تفاوض أوسع في الملفات الخلافية.[28]
يُمكن حصر الأهداف السورية في الزيارة ضمن ثلاثة محاور رئيسية:
- إعادة صياغة العلاقة مع موسكو دون القطيعة معها.
يسعى الرئيس الشرع إلى تحويل العلاقة من تبعية عسكرية مطلقة إلى شراكة تقوم على الندية والمصالح المتبادلة. فالسياسة الجديدة تسعى إلى تقليص هامش الهيمنة الروسية على القرار السوري، خصوصًا في الملفات الأمنية والاقتصادية، مع الحفاظ على قنوات التعاون الدفاعي. هذا التوجه يعكس إدراك القيادة الجديدة بأن الاستقرار الداخلي لن يتحقق إلا عبر استعادة السيطرة الوطنية على مفاصل الدولة، بما في ذلك ملف القواعد العسكرية الروسية في حميميم وطرطوس، التي أصبحت رمزًا لمرحلة التبعية السابقة.[29]
- الحصول على دعم سياسي واقتصادي لإعادة الإعمار.
بعد الحرب الطويلة التي أرهقت البنية التحتية والاقتصاد السوري، تحتاج دمشق إلى شركاء دوليين يمتلكون القدرة المالية والتقنية للمساهمة في عملية إعادة الإعمار. ومن هنا، فإن الزيارة تهدف إلى الحفاظ على الشراكة الاقتصادية مع روسيا ولكن بشروط جديدة، تضمن لسوريا استقلالية القرار وتنوع الشركاء. تشير بعض التسريبات الدبلوماسية إلى أن الوفد المرافق للرئيس الشرع بحث مع نظيره الروسي إمكانية إنشاء صندوق استثماري مشترك لإعادة الإعمار، مع منح الشركات الروسية أولوية في مجالات الطاقة والنقل، ولكن ضمن عقود شفافة خاضعة للرقابة السورية.[30]
- استعادة التوازن في العلاقات الخارجية.
تسعى دمشق إلى الخروج من محور التحالف الإجباري مع روسيا وإيران نحو سياسة التموضع المتوازن التي تتيح لها الانفتاح على العالم العربي والغرب في آن واحد. [31]وقد حملت الزيارة رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي مفادها أن سوريا لم تعد ساحة نفوذ مغلقة لأي قوة، بل دولة ذات سيادة تسعى لبناء شبكة من العلاقات المرنة مع مختلف القوى، بما يخدم مصالحها الوطنية.[32]
- تسليم بشار الأسد كأحد أهداف الرئيس أحمد الشرع
تُعد مسألة تسليم بشار الأسد إحدى القضايا التي تُثار في الكواليس السياسية كجزء من الصفقات الضمنية أو التفاهمات الإستراتيجية بين دمشق وموسكو في المرحلة الجديدة. فمع وصول الرئيس أحمد الشرع إلى الحكم، برزت الحاجة إلى إعادة صياغة العلاقة مع روسيا على أسس جديدة تضمن الاستقرار الداخلي، وتفتح الباب أمام مرحلة من الشرعية السياسية المعاد إنتاجها دوليًا. [33]وفي هذا السياق، يُنظر إلى معالجة ملف بشار الأسد كشخص، لا كرئيس سابق، باعتباره إحدى أدوات تثبيت التفاهم الروسي السوري وتحييد أي توترات محتملة يمكن أن تنشأ من الإرث السياسي للعهد السابق. وهكذا، يمكن اعتبار هذا الملف أحد أهداف الشرع الاستراتيجية غير المعلنة، حيث يسعى إلى إغلاق صفحة الماضي بطريقة تحفظ توازنات الداخل وتمنح دمشق مساحة أوسع للتحرك الخارجي، دون أن تمس جوهر العلاقة مع موسكو التي ما زالت تشكل الضامن الأكبر للأمن السياسي والعسكري في سوريا.[34]
- الدوافع الروسية لاستقبال الشرع
أما من المنظور الروسي، فتكتسب الزيارة أهمية مضاعفة نظرًا لتزامنها مع تصاعد الضغوط الغربية على موسكو في ملفات متعددة، ولا سيما الحرب الأوكرانية. ترى القيادة الروسية أن استمرار وجودها في سوريا يمثل ركيزة أساسية لاستراتيجيتها في الشرق الأوسط، حيث توفر القواعد الروسية منفذًا إلى البحر المتوسط ونقطة ارتكاز عسكرية واقتصادية في مواجهة حلف الناتو.[35]
يمكن تلخيص الدوافع الروسية في ثلاثة أبعاد رئيسية:
- الحفاظ على الوجود العسكري الروسي في شرق المتوسط.
تمتلك روسيا قاعدتين استراتيجيتين في سوريا حميميم وطرطوس، تمثلان بوابة دائمة للنفوذ الروسي في المنطقة. ومن ثم، فإن زيارة الشرع تُعد فرصة لموسكو لتأكيد استمرار التفاهمات العسكرية، وربما التفاوض على تمديد اتفاقية استخدام هذه القواعد لعقود جديدة، مع إدخال تعديلات رمزية تحفظ لموسكو مكانتها، وتسمح لدمشق بإظهار استقلالها أمام الداخل.[36]
- الرغبة في تعويض الخسائر
في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا والعزلة الغربية، تعتبر موسكو أن سوريا تمثل ورقة استراتيجية لتعويض خسائرها الجيوسياسية في أوروبا. فهي تمنحها حضورًا عسكريًا دائمًا في البحر المتوسط، ونقطة انطلاق نحو إفريقيا والعالم العربي. كما تمثل دمشق منصة لترويج السلاح الروسي واختبار تقنياته الميدانية. لذا، تراهن روسيا على تطبيع النظام السوري عربيًا ودوليًا كي تحافظ على شرعية وجودها العسكري والسياسي هناك. غير أن هذا الرهان محفوف بالمخاطر، إذ أن أي تغير في الموقف العربي أو الغربي تجاه دمشق قد يضع موسكو أمام معادلة إعادة تموضع قسري تُقلص من نفوذها.[37]
- إعادة بناء التحالف مع النظام الجديد في دمشق.
تدرك موسكو أن سقوط نظام الأسد مثل خسارة رمزية لها، لكنها تسعى اليوم إلى استيعاب النظام الجديد عبر سياسة احتواء مرنة، تحافظ على مصالحها دون الدخول في صدام مع القيادة الجديدة. وقد أشار بيان الكرملين عشية الزيارة إلى أن روسيا تحترم خيارات الشعب السوري وتعتبر الرئيس أحمد الشرع شريكًا موثوقًا في تحقيق الاستقرار الإقليمي، وهو ما يعكس رغبة روسية في تكييف التحالف بما يتناسب مع المتغيرات الجديدة.[38]
- كسر العزلة الدولية وتأكيد الحضور الروسي العالمي.
تستغل موسكو الزيارة لإرسال رسالة مزدوجة إلى الغرب مفادها أن روسيا لا تزال لاعبًا مؤثرًا على الساحة الدولية رغم العقوبات والعزلة، وأن تحالفاتها في الشرق الأوسط قادرة على مقاومة الضغوط الغربية. كما تمثل الزيارة منصة لإعادة تسويق الدور الروسي كقوة داعمة للاستقرار والحوار، وليس كطرف متورط في النزاعات، في محاولة لتحسين صورتها الخارجية.[39]
رابعًا: التحديات والرهانات المستقبلية للعلاقات الروسية السورية
تشهد العلاقات بين سوريا وروسيا في عهد الرئيس أحمد الشرع مرحلة دقيقة تتأرجح بين التحالف الاستراتيجي الراسخ ومحاولات إعادة التوازن السياسي والاقتصادي. فبعد أكثر من عقد على التدخل الروسي العسكري في سوريا، برزت مجموعة من التحديات التي تُعيد صياغة معادلة الشراكة بين الجانبين، ضمن بيئة إقليمية ودولية متغيرة، تتسم بتراجع الهيمنة الأمريكية، وصعود التنافس الصيني الغربي، وتعقد المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط. هذه التحديات ليست مجرد عقبات ظرفية، بل تمثل رهانات استراتيجية ستحدد شكل العلاقة في السنوات المقبلة، بين الاستمرار في التحالف أو التحول نحو شراكة مرنة متعددة الأطراف.[40]
التحديات في العلاقة الثنائية
- إشكالية توازن النفوذ والسيادة الوطنية
أحد أبرز التحديات التي تواجه العلاقات الروسية السورية يتمثل في حدود النفوذ الروسي داخل مؤسسات الدولة السورية. فالتدخل العسكري الروسي خلال الحرب رسخ لمعادلة غير متكافئة جعلت موسكو تمتلك نفوذًا مفرطًا في القرارات العسكرية والاقتصادية. غير أن القيادة الجديدة في دمشق تسعى إلى استعادة القرار الوطني المستقل، عبر تقليص الأدوار الروسية في بعض مفاصل الجيش والاقتصاد، دون الإضرار بمصالح موسكو الحيوية. هذا المسعى يثير حساسية روسية متزايدة، إذ تخشى موسكو من أن يؤدي التوازن الجديد إلى تراجع مكانتها الاستراتيجية في شرق المتوسط لصالح أطراف عربية أو آسيوية أخرى.[41]
وبالتالي، يمثل هذا الملف اختبارًا حقيقيًا لقدرة الطرفين على إدارة الخلافات ضمن منطق “الشراكة لا الوصاية”.
- امتعاض الشعب السوري من التدخل الروسي السابق
شكل التدخل الروسي في سوريا منذ عام 2015 محورًا للجدل والانقسام داخل المجتمع السوري، حيث عبّر قطاع واسع من السوريين عن امتعاضٍ متزايد من الطابع السافر للتدخل الروسي في الشؤون الداخلية، سواء على المستوى العسكري أو السياسي. فبينما رأت فئات من المواطنين أن الوجود الروسي ساهم في استعادة الدولة لجزء من سيادتها الميدانية ومحاربة الجماعات المتطرفة، اعتبر آخرون أن موسكو تجاوزت حدود الدعم العسكري إلى الهيمنة المباشرة على القرار الوطني السوري، عبر فرض ترتيبات أمنية وسياسية واقتصادية تمسّ جوهر السيادة. وقد برز هذا الاستياء بشكل خاص في المناطق التي شهدت تمركزًا روسيًا مكثفًا أو تدخلًا مباشرًا في إدارة الشؤون المحلية، حيث انتشرت قناعات بأن روسيا لا تتعامل مع سوريا كشريك متكافئ، بل كمنطقة نفوذ تخدم مصالحها الإقليمية.
- تضارب المصالح الإقليمية
تختلف مقاربات دمشق وموسكو تجاه عدد من الملفات الإقليمية الحساسة، مثل العلاقات مع تركيا، وإيران، وإسرائيل. فبينما تميل روسيا إلى الحفاظ على علاقات مرنة مع جميع الأطراف المتناقضة بهدف تعزيز موقعها كوسيط في الإقليم، ترى سوريا أن بعض هذه السياسات تمس جوهر أمنها القومي، خاصةً التنسيق الروسي التركي في شمال سوريا. كما تشعر دمشق بأن موسكو تتعامل أحيانًا مع الملف السوري كأداة ضمن صراعها مع الغرب، ما يحد من استقلالية القرار السوري ويُبقي البلاد رهينة لتوازنات دولية معقدة.[42]
يُعد الوجود التركي في الشمال السوري أحد أعقد الملفات التي تختبر تماسك التحالف السوري–الروسي. فبينما تسعى روسيا إلى تسوية سياسية تضمن مصالح أنقرة الأمنية مقابل انسحاب تدريجي، تصر دمشق على الانسحاب الكامل غير المشروط. يمثل هذا الملف اختبارًا لمدى قدرة موسكو على تحقيق توازن بين شريكين متنازعين دون خسارة أحدهما.[43]
أما النفوذ الإيراني يشكل ملفًا حساسًا آخر، إذ تسعى دمشق إلى تقليص الاعتماد الميداني على إيران لصالح تعزيز السيادة الوطنية، بينما تفضل موسكو الحفاظ على دور محدود لإيران لضمان توازن القوى في الميدان. يخلق هذا الوضع تنافسًا صامتًا بين موسكو وطهران على النفوذ داخل سوريا، خاصة في الجنوب والبادية، ما يفرض على دمشق سياسة دقيقة لتجنب الانحياز الصريح لأي طرف.[44]
إن التغيرات الجارية في النظام الدولي من صعود الصين إلى توترات أوروبا الشرقية ستنعكس حتمًا على مستقبل العلاقة السورية الروسية. فإذا تزايد الضغط الغربي على موسكو، فقد تميل روسيا إلى تعزيز قبضتها العسكرية في سوريا كتعويض عن خسائرها في مناطق أخرى، مما قد يثير توترات داخلية. أما إذا نجحت موسكو في تسوية جزئية مع الغرب، فقد تتحول العلاقة إلى نموذج أكثر انفتاحًا وتعاونًا اقتصاديًا، وهو السيناريو الذي تراهن عليه دمشق بشدة.[45]
- الضغوط الدولية والعقوبات الغربية
تواجه روسيا وسوريا معًا نظامًا صارمًا من العقوبات الاقتصادية الغربية، وهو ما يقيد حجم التبادل التجاري والاستثماري بينهما. فالعقوبات المفروضة على البنوك الروسية والسورية، إلى جانب القيود المفروضة على نقل التكنولوجيا والطاقة، جعلت من الصعب تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار الممولة روسيًا. كما تخشى دمشق من أن يؤدي الارتباط المفرط بروسيا المعزولة دوليًا إلى تعميق أزمتها الاقتصادية والسياسية بدلًا من تخفيفها، وهو ما يدفعها إلى البحث عن توازنات جديدة مع أطراف عربية وصينية وأوروبية.[46]
- القدرة على بناء نموذج شراكة جديد في الشرق الأوسط
يتقاطع الرهانان الروسي والسوري في الرغبة المشتركة في بناء نموذج جديد للعلاقات الدولية في المنطقة يقوم على التعددية القطبية والتوازن بين القوى[47]. فموسكو تسعى إلى إظهار سوريا كحليف مستقل قادر على إدارة مصالحه دون تبعية، في حين تسعى دمشق إلى إعادة تعريف الشراكة على أساس البراغماتية والمصلحة المتبادلة. إذا نجح الطرفان في ذلك، يمكن للعلاقة السورية الروسية أن تتحول إلى نموذج للتحالف المرن القائم على الاحترام والسيادة، وهو ما تفتقده معظم علاقات القوى الكبرى بالمنطقة.[48]
ختامًا، في ضوء التحديات والرهانات الحالية، تبدو العلاقات السورية الروسية مقبلة على مرحلة إعادة تعريف وظيفي تتجاوز إطار التحالف العسكري التقليدي نحو صيغة أكثر توازنًا ومرونة. فبدلًا من أن تبقى روسيا الوصي السياسي والعسكري على القرار السوري، تسعى دمشق إلى تحويلها إلى شريك في التنمية وإعادة الإعمار، ضمن ما يمكن تسميته بـاستراتيجية التحالف المرن. ويرتكز هذا التحول على ثلاثة مبادئ رئيسية:
أولًا، البراغماتية في القرار السيادي، بحيث تنبع السياسات السورية من المصلحة الوطنية لا من التبعية لأي قوة خارجية.
ثانيًا، تنويع الشراكات الدولية عبر انفتاح دمشق على الصين والدول العربية والاتحاد الأوروبي، بما يعيد التوازن إلى علاقاتها الخارجية ويمنحها استقلالية أوسع في الحركة.
ثالثًا، إعادة تعريف الدور الروسي من دور الحامي العسكري إلى دور الشريك التنموي والدبلوماسي، في إطار رؤية جديدة تدمج الأمن بالتنمية والسياسة بالاقتصاد.
هذه المبادئ تشكل الأساس النظري للمعادلة الجديدة في العلاقات السورية الروسية في عهد الرئيس أحمد الشرع، الذي يبدو أنه يسعى إلى هندسة علاقة أكثر توازنًا تحفظ لموسكو مكانتها كشريك استراتيجي، وتعيد لسوريا مكانتها كفاعل إقليمي مستقل، لا كحليف تابع. وفي هذا السياق، جاءت زيارة الرئيس الشرع إلى موسكو بوصفها محطة مفصلية في مسار السياسة السورية المعاصرة، إذ أعادت فتح قنوات التواصل المباشر مع الحليف الروسي في توقيت دقيق تتقاطع فيه مصالح القوى الكبرى على الأراضي السورية وحولها. وفي ضوء ما أفرزته الزيارة من مؤشرات سياسية واقتصادية، يمكن القول إن العلاقات السورية الروسية تتجه نحو مرحلة أكثر تكاملًا تتجاوز الطابع العسكري إلى مجالات التنمية والاستثمار وإعادة الإعمار. هذه النقلة النوعية تمنح دمشق هامشًا أوسع للمناورة في بيئة دولية شديدة التعقيد، إلا أن نجاح هذا التوجه سيبقى مرهونًا بقدرة القيادة السورية على تحقيق توازن دقيق بين التزاماتها تجاه موسكو ومتطلبات انفتاحها على الإقليم والمجتمع الدولي، بما يحقق معادلة الأمن والاستقلال والشرعية السياسية في آن واحد.
المصادر:
[1] قراءة في زيارة الشرع إلى موسكو، نُشر في 16 أكتوبر 2025، سكاي نيوز عربية.
[2] الشرع في موسكو، نُشر في 16 أكتوبر 2025، الجزيرة نت.
[3] سوريا.. فيديو السجاد وأسلوب استقبال الشرع مقارنة ببشار الأسد في روسيا يثير تفاعلا، نُشر في 16 أكتوبر 2025، سي ان ان.
[4] خلافات روسيا والنظام السوري: دوافعها، وحدودها، وآفاقها، نُشر في 14 يونيو 2020، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
[5] عبد المجيد زيد المرهون، قصة العلاقات السورية الروسية، نُشر في 4 فبراير 2025، الجزيرة نت.
[6] أبعاد العلاقة السورية الروسية، نُشر في 23 يونيو 2025، تيار المستقبل السوري.
https://sfuturem.org/2025/06/dimensions-of-the-syrian-russian-relationship/
[7] العلاقات السورية – الروسية وإعادة تقييم اتفاقيات البلدين، نُشر في 8 أغسطس 2025، صحيفة الشرق الأوسط.
[8] الأهداف والمصالح التركية والروسية في سوريا: التباينات والتقاطعات.، نُشر في 8 يناير 2025، مركز ايجبشن انتربرايز للسياسات والدراسات الاستراتيجية.
[9] سوريا.. أحمد الشرع يثير تكهنات بزيارته روسيا حول المطالبة بتسليم بشار الأسد، نُشر في 15 أكتوبر 2025، سي ان ان عربية.
[10] الرئيس السوري أحمد الشرع يصل إلى روسيا، نُشر في 15 أكتوبر 2025، إرم نيوز.
https://www.eremnews.com/news/arab-world/6vskj4j
[11] أحمد الشرع يصل روسيا في زيارة تاريخية، نُشر في 15 أكتوبر 2025.
https://lanatime.com/news/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B9-9-2025-10-15/
[12] زيارة الشرع لروسيا تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي، وجدل حول إمكانية “تسليم” بشار الأسد، نُشر في 15 أكتوبر 2025، بوابة الوسط.
https://alwasat.ly/news/bbc/cz6nwe197e6o
[13] مصادرالعربية: الشرع يصل موسكو مطالباً بتسليم الأسد وكل رموز نظامه، نُشر في 16 أكتوبر 2025، العربية.
[14] في أول زيارة رسمية لروسيا.. الشرع: ملتزمون بكل الاتفاقيات، نُشر في 15 أكتوبر 2025، هنا لبنان.
https://www.thisislebanon.com/arab-and-world/587280/
[15] العلاقات الروسية السورية.. أبعاد تاريخية واستراتيجية لسوريا الموحدة، نُشر في 29 يناير 2025، RT.
[16] زيارة الشرع إلى موسكو: محاولة لإحياء الدور الروسي في الجنوب السوري، نُشر في 16 أكتوبر 2025، أخبار الغد.
[17] أول زيارة منذ سقوط الأسد.. أحمد الشرع يزور موسكو غداً، نُشر في 14 أكتوبر 2025.
https://aljeebal.com/posts/10244
[18] موسكو تستقبل الشرع بأهداف أمنية واقتصادية، نُشر في 12 سبتمبر 2025، DW.
[19] زيارة الشرع إلى موسكو تغضب السوريين وتفتح أسئلة حول القرار السوري، نُشر في 16 أكتوبر 2025.
[20] من الشراكة التاريخية إلى التحديات المستقبلية: قراءة في العلاقات الروسية السورية، نُشر في 14 يناير 2025.
[21] الشرع يلتقي بوتين ويشدد على نية بلاده إعادة تعريف العلاقات مع موسكو، نُشر في 15 أكتوبر 2025، فرانس 24.
[22] الرئيس الشرع يصل روسيا في زيارة رسمية لإجراء مباحثات مع نظيره الروسي، نُشر في 15 أكتوبر 2025، الإخبارية.
[23] هي الأولى.. زيارة “الشرع” إلى موسكو تفتح فصلاً جديداً في العلاقات السورية الروسية، نُشر في 15 أكتوبر 2025.
[24] الشرع يصل إلى روسيا في زيارة رسمية، نُشر في 15 أكتوبر 2025.
[25] تمهيداً لزيارة الشرع.. بوتين يلتقي وزير الخارجية السوري في الكرملين، نُشر في 31 يوليو 2025، الخليج.
[26] من ساحات القتال إلى أروقة الكرملين، لقاء الشرع وبوتين يثير الجدل، نُشر في 15 أكتوبر 2025، بي بي سي نيوز عربية.
https://www.bbc.com/arabic/articles/cz6nwe197e6o
[27] زيارة الشرع إلى موسكو.. ملفات ثقيلة على الطاولة، نُشر في 16 أكتوبر 2025، سكاي نيوز عربية.
[28] زيارة الشرع إلى روسيا.. تقاطع المصالح وهذا مآل ملف بشار الأسد، نُشر في 16 أكتوبر 2025، توثيقات المرصد السوري.
[29] ماذا بعد زيارة الشرع إلى موسكو؟، نُشر في 17 أكتوبر 2025، RT.
[30] زيارة الشرع إلى موسكو بداية سياسات التحوُّط السورية، نُشر في 16 أكتوبر 2025، جسور للدراسات.
[31] بالفيديو.. الرئيس الشرع يلتقي الجالية السورية ويؤكد على دورهم في الإعمار، نُشر في 17 أكتوبر 2025.
https://royanews.tv/news/362813
[32] “سانا”: الشرع يصل إلى روسيا في زيارة رسمية، نُشر في 15 أكتوبر 2025، RT.
[33] زيارة الشرع لموسكو.. خبير دولي يكشف لـ”رؤية” أبعادها السياسية، نُشر في 18 أكتوبر 2025، رؤية الإخبارية.
[34] الخارجية السورية: الشرع طالب روسيا بتسليم بشار الأسد، نُشر في 18 أكتوبر 2025، العربية.
[35] الشرع في موسكو: ما مصالح روسيا وهل تسلم الأسد “قربانا” لتحالف جديد مع سوريا؟، نُشر في 15 أكتوبر 2025، فرانس 24.
[36] الشرع في الكرملين: زيارة تاريخية تعيد رسم خريطة العلاقات السورية الروسية، نُشر في 16 أكتوبر 2025، الجزيرة.
[37] في زيارة رسمية.. الشرع يصل إلى روسيا، نُشر في 16 أكتوبر 2025.
https://almashhad-alduali.com/news27595.html
[38]وائل علوان، السلاح والقواعد.. كلمتا السر في زيارة الشرع إلى موسكو، نُشر في 16 أكتوبر 2025، الجزيرة نت.
[39] الشرع يزور روسيا غداً مطالباً بالأسد.. مصادر تكشف، نُشر في 15 أكتوبر 2025، العربية.
[40] زيارة الشرع إلى موسكو.. وقفة ضرورية، نُشر في 19 أكتوبر 2025، سوريا اليوم.
[41] روسيا وسوريا بين الأمس والغد.. ماذا بعد زيارة الشرع لموسكو؟، نُشر في 15 أكتوبر 2025، شبكة رؤية الإخبارية.
[42] إبراهيم ريدان، الشّرع في موسكو: منع التّقسيم وأبعد…، نُشر في 18 أكتوبر 2025، ASAS Media.
[43] زيارة الشرع لروسيا..بين محاولة إعادة ضبط العلاقات والاستسلام للضغوط، نُشر في 16 أكتوبر 2025.
https://ronahi.tv/ar/archives/309926
[44] الرئيس السوري أحمد الشرع في موسكو في أول زيارة رسمية له، نُشر في 15 أكتوبر 2025، أخبارالغد.
[45] الرئيس أحمد الشرع يصل إلى روسيا في زيارة رسمية لإجراء مباحثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، نُشر في 15 أكتوبر 2025.
https://sana.sy/uncategorized/2307390/
[46] ماذا بعد زيارة الشرع إلى موسكو؟، نُشر في 17 أكتوبر 2025، بوابة الفجر.
https://www.elfagr.org/5236783
[47] زيارة الشرع إلى موسكو… بين تثبيت التحالف وإعادة التموضع، نُشر في 16 أكتوبر 2025، مونت كارلو الدولية.
[48] سوريا: الشرع طالب روسيا بتسليم بشار الأسد، نُشر في 18 أكتوبر 2025، صحيفة الشرق الأوسط.
باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب