Cairo

قراءة في تطورات الأوضاع في السودان بعد سيطرة قوات الدعم السريع علي مدينة الفاشر

قائمة المحتويات

باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب

تشهد جمهورية السودان منذ أبريل عام 2023 واحدة من أعنف وأعقد الأزمات في تاريخها الحديث، بعد اندلاع المواجهات العسكرية بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” وقوات الدعم السريع بقيادة “محمد حمدان دقلو” (حميدتي)، حيث تحوّل الخلاف السياسي والعسكري بين الطرفين إلى صراع شامل على السلطة والنفوذ داخل مؤسسات الدولة ومناطقها الحيوية. وقد أسفرت هذه الحرب عن نزوح ما يقرب من 12 مليون شخص داخل وخارج السودان، إلى جانب مقتل عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين، وتدمير واسع للبنية التحتية، كما تسببت في أزمة غذائية خانقة ونقص حاد في الخدمات الأساسية، فضلاً عن انتشار الأمراض الوبائية مثل الكوليرا في عدد من الولايات نتيجة تدهور الأوضاع الصحية والبيئية.

وفي خضم هذه الأزمة الممتدة، شهد إقليم دارفور تصاعداً خطيراً في العمليات العسكرية، باعتباره ساحة رئيسية للصراع ومركزاً لتمركز القوات المتنازعة. وجاءت سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة “الفاشر” عاصمة ولاية شمال “دارفور” في أكتوبر 2025 لتُشكّل منعطفاً حاسماً في مجريات الحرب، إذ كانت “الفاشر” تُعد آخر معقل رئيسي للقوات المسلحة في الإقليم، وسقوطها مثّل تحولاً استراتيجياً كبيراً لصالح قوات الدعم السريع بعد حصار طويل استمر قرابة ثمانية عشر شهراً. وخلال الأسبوع الأخير من أكتوبر 2025، شهدت المدينة موجة عنف مروّعة عقب سيطرة قوات الدعم السريع عليها، حيث وثّقت منظمات حقوقية ودولية مثل “هيومان رايتس” “ووتش” ومكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان تقارير عن عمليات إعدام ميدانية، ونهب للممتلكات، واعتقالات تعسفية، وانتهاكات واسعة لحقوق المدنيين. كما أكدت تقارير ميدانية صادرة عن منظمات إنسانية أن المدينة شهدت حالات اغتصاب جماعي وعنف جنسي ممنهج ضد النساء والفتيات داخل الأحياء والمخيمات، في مشهد يُعيد إلى الأذهان الفظائع التي ارتُكبت في دارفور .

وتُشير التحقيقات الأولية إلى أن هذه الانتهاكات الممنهجة تُستخدم كأداة ترهيب وإخضاع للسكان المحليين، وأنها تستهدف بشكل خاص الفئات الضعيفة من المدنيين. وقد أعربت منظمات الأمم المتحدة عن “قلق بالغ” من اتساع نطاق هذه الجرائم واحتمال تصنيفها ضمن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، داعيةً إلى فتح تحقيق دولي عاجل ومحاسبة المسؤولين عنها. وفي الوقت ذاته، تعاني الفاشر كارثة إنسانية خانقة مع انهيار النظام الصحي ونفاد الغذاء والمياه وانقطاع المساعدات، بينما يواصل آلاف المدنيين محاولاتهم للفرار من المدينة باتجاه الحدود التشادية، وسط مخاطر عالية للعنف والانتهاكات. لقد أعادت هذه التطورات ملف دارفور إلى واجهة الاهتمام الإقليمي والدولي، وأثارت تساؤلات عميقة حول مستقبل الدولة السودانية ووحدة أراضيها، وإمكانية تحول الصراع إلى تقسيم فعلي بين مناطق تسيطر عليها القوات المسلحة وأخرى تخضع لسلطة الدعم السريع.

من هذا المنطلق، يسعى هذا المقال التحليلي إلى تقديم قراءة تحليلية شاملة لتطورات الأوضاع في السودان بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، من خلال تناول الأبعاد الميدانية والسياسية والإنسانية لهذا التحول، واستشراف آثاره على مستقبل الصراع، وعلى توازن القوى في الداخل السوداني والإقليم المحيط به.

أولاً: تطورات الأوضاع في السودان بعد سقوط مدينة الفاشر في يد قوات الدعم السريع

  1. سقوط المدينة ونهاية الوجود العسكري الرسمي للجيش في دارفور

شهدت مدينة الفاشر وهي عاصمة ولاية شمال دارفور  في أواخر أكتوبر 2025 تطورًا مفصليًا تمثل في سيطرة قوات الدعم السريع (RSF) عليها بعد معارك ضارية استمرت شهورًا. في 26 أكتوبر 2025، أعلنت قوات الدعم السريع استيلاءها على الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني، وهو المقر العسكري الأكبر في المدينة، مما مثّل فعليًا نهاية الوجود النظامي للجيش في إقليم دارفور. وبعد يومين فقط، أكد الجيش السوداني انسحابه رسميًا من الفاشر لتجنّب ما وصفه بـ”مزيد من الخسائر في صفوف المدنيين”. وهذا الحدث مثّل تحولًا استراتيجيًا كبيرًا في مسار الحرب، إذ أصبحت جميع عواصم ولايات دارفور تحت سيطرة قوات الدعم السريع، وهو ما غيّر خريطة السيطرة الجغرافية في الإقليم لصالحها.[1]

  1. الانتهاكات الميدانية الواسعة بعد السيطرة على الفاشر

عقب دخول قوات الدعم السريع إلى الفاشر في 26 أكتوبر 2025، وثّقت منظمات حقوق الإنسان عدداً كبيراً من الانتهاكات التي تشكل “جرائم حرب محتملة” وأفعالاً من جرائم ضد الإنسانية. من بين أبرز هذه الانتهاكات:

  • الإعدامات الميدانية الجماعية: فيديوهات تحليلها Human Rights Watch تظهر مقاتلين من RSF قوات الدعم السريع وهم ينفّذون عمليات إطلاق نار مباشرة على مدنيين حاولوا الفرار من المدينة، بينهم رجال ونساء، في “ترنش” خارج المدينة قرب التحصينات الرملية.[2]
  • استهداف الأحياء السكنية بالقصف المدفعي والطائرات المسيّرة: تعرضت الأحياء والمناطق السكنية في مدينة الفاشر لهجمات عنيفة ومتكررة من قوات الدعم السريع خلال الأسابيع التي سبقت سقوط المدينة. وقد استخدمت القوات في تلك الهجمات القصف المدفعي والصواريخ والطائرات المسيّرة (الدرون)،  والتي تم تزويد قوات الدعم السريع  بها من قبل قوي إقليمية أخري مما أسفر عن مقتل وإصابة أعداد كبيرة من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وتدمير واسع للبنية التحتية والمنازل. وأشار مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، في بيان صدر يوم الخميس الموافق 26 سبتمبر 2025، إلى أن حي “درجة أولى” في الفاشر كان من أكثر المناطق تضررًا، إذ تعرّض لهجمات متكررة بين 19 و29 سبتمبر شملت قصفًا مدفعيًا كثيفًا وضربات بطائرات مسيّرة وتوغلات برية نفذتها قوات الدعم السريع داخل الأحياء السكنية المكتظة بالمدنيين.[3]
  • مقتل  أكثر من 460 مريضا ومرافقا في المستشفى السعودي للولادة بمدينة الفاشر شمال دارفور، وذلك جراء هجمات عنيفة شهدتها المدينة مؤخرا، إضافة لاختطاف عدد من العاملين الصحيين.
  • نهب واسع للممتلكات والمخازن، خصّيصاً مستودعات الغذاء والمساعدات الإنسانية، ما مثّل استخدام التجويع كسلاح حرب. وكالة تحقيقات الأمم المتحدة ربطت هذا بـ”حرمان المدنيين من أشياء ضرورية للبقاء” ما قد يُصنّف كجريمة ضد الإنسانية.
  • العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي: تقرير بعثة التحقّق التابعة لـ United Nations Independent International Fact‑Finding Mission on Sudan خلص إلى أن RSF ارتكبت “اغتصاباً جماعياً، واستعباداً جنسياً، وزواجاً قسرياً” ضد نساء وفتيات وبعضهن تقل أعمارهن عن 12 عاماً  من جماعات يُعتقد أنها غير عربية، ضمن سياق تطهير عرقي محتمل.
  • منع وصول المساعدات الإنسانية وصيانة الحصار: قبل السيطرة، RSF فرضت حصاراً امتد لأكثر من 500 يوم حول الفاشر، وقامت بوقف الإمداد الغذائي والطبي للمحاصَرين، ما أدى إلى سوء تغذية حاد بين الأطفال تحت 5 سنوات (75% من الأطفال الذين فُحصوا كانوا يعانون من سوء تغذية حاد حسب MSF).[4]

هذه المجموعة من الانتهاكات تُشكّل نمطاً من العنف المنهجي الموجَّه ضد المدنيين، خصوصاً من فئات أكثر هشاشة (نساء، أطفال، نازحين)، وتُؤشر إلى أن السيطرة على الفاشر لم تكن مجرد انتقال عسكري وإنما مصحوبة بما يبدو كسياسة لإخضاع السكان المدنيين والتغيّر الديموغرافي العرقي في الإقليم.

علاوة على الإعدامات والنهب واستهداف المرافق الصحية، ترددت خلال الأيام التالية لسيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر ادعاءات خطيرة تفيد بعمليات دفنٍ لمدنيين أحياءً أو بعمليات قتل أُجهزت على ضحايا ثم طمرت جثثهم بسرعة في مقابر جماعية. وقد تزامنت هذه الادعاءات مع دلائل ميدانية أخرى  بينها مشاهد فيديو متداولة على منصات التواصل، وشهادات حية من ناجين، وتحليل صور أقمار صناعية  تُظهر وجود مقابر جماعية وأجساماً متجمعة ومناطق تغيير تلوّن الأرض قرب أسوار المدينة، وكذلك تقارير عن ضحايا أُحرقوا أو وُجدت أجسادهم في أوضاع تشير إلى عنف شديد.

1
2

تُجمِع تقارير منظمات دولية ومختبرات بحثية (مثل تقرير Yale Humanitarian Research Lab) أن هناك “أدلة متسقة” على عمليات قتل جماعي ووجود مقابر جديدة لم تكن موجودة في صور سابقة، بينما وثّقت منظمات حقوقية (Human Rights Watch) وشهادات طبية محلية حالات إعدامات ميدانية وحرائق جماعية في أحياء مدنية. كما نشرت نقابات طبية وتقارير صحفية محلية أرقامًا تفيد بمقتل المئات وحتى الآلاف، بينها إشارات إلى حالات حرق ودفن جماعي. إلا أنّ الطبيعة الدقيقة لبعض المزاعم  وبخاصة مزاعم “الدفن أحياءً” ما تزال تتطلب تحقيقاً ميدانياً مستقلاً ومحايداً لتوثيق الوقائع بصورة قضائية قابلة للملاحقة.[5]

  1. ردّ الجيش السوداني على سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر

أثار سقوط مدينة الفاشر في يد قوات الدعم السريع موجة من الغضب والاستنكار داخل القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، التي اعتبرت ما جرى “مجزرة بحق المدنيين وانتهاكًا خطيرًا للسيادة الوطنية”. وفي بيان رسمي صادر بتاريخ 27 أكتوبر 2025، أكدت القيادة العامة أن انسحاب وحداتها من المدينة جاء لأسباب إنسانية بحتة، موضحة أن القرار اتُّخذ لتجنّب سقوط مزيد من الضحايا في صفوف المدنيين بعد أن استخدمت قوات الدعم السريع المدنيين دروعًا بشرية.[6]

وفي خطاب متلفز، أعرب القائد العام للجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، عن إدانته الشديدة لما وصفه بـ”الجرائم البشعة والانتهاكات الواسعة” التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد المدنيين في المدينة. وأكد البرهان أن القوات المسلحة ستردّ بقوة على تلك الجرائم، قائلاً: “ما ارتُكب في الفاشر وغيرها من مناطق دارفور لن يمرّ دون حساب، وهذه الجرائم لن تسقط بالتقادم، وسنحاسب مرتكبيها أمام العدالة عاجلًا أو آجلًا.”

ووصف البرهان ما حدث في الفاشر بأنه يمثل “جرائم إبادة جماعية جديدة تُرتكب بحق السودانيين”، متهمًا قوات الدعم السريع بارتكاب عمليات قتل جماعي ونهب وتدمير ممنهج للبنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة. وأضاف أن قرار الانسحاب من المدينة كان إجراءً تكتيكيًا وإنسانيًا يهدف إلى تجنيب السكان مزيدًا من الدمار وحماية من تبقّى من المدنيين داخل المدينة، مؤكدًا في الوقت ذاته أن القوات المسلحة “مصممة على الثأر لما حدث في الفاشر”.[7]

كما حذّر البرهان من أن سقوط مدينة الفاشر قد يكون منعطفًا خطيرًا نحو تفكك السودان، مشيرًا إلى أن البلاد تواجه خطر انقسام جديد بعد أكثر من عقد على انفصال جنوب السودان. وأوضح أن الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 12 مليون شخص، مما جعلها واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في تاريخ السودان الحديث.[8]

ويوضح ما سبق تصاعد الأزمة السودانية إلى مرحلة شديدة الخطورة عقب سقوط مدينة الفاشر، إذ يكشف ردّ الجيش السوداني عن تحوّل الصراع من مواجهة عسكرية إلى صراع وجودي يهدد وحدة الدولة نفسها. ويجمع خطاب البرهان بين التبرير التكتيكي للانسحاب من الفاشر والدعوة للانتقام، ما يشير إلى محاولة إعادة بناء الشرعية الأخلاقية والعسكرية للجيش بعد خسارة ميدانية كبرى. في الوقت ذاته، يوظّف الحديث لغة الإبادة والانقسام الوطني لتأطير ما حدث بوصفه تهديدًا للهوية والسيادة السودانية، الأمر الذي يعكس توجّه القيادة نحو تعبئة داخلية ودولية ضد قوات الدعم السريع، وربما تمهيدًا لتصعيد عسكري أو دبلوماسي في المرحلة التالية.

ثانيًا: ردود الفعل الدولية والإقليمية  علي سقوط مدينة الفاشر في يد قوات الدعم السريع

  1. ردود الفعل الدولية

شهد المجتمع الدولي موجة استنكار واسعة لما وصفته الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بأنه واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في دارفور منذ عام 2003. وقد تركزت ردود الفعل على الدعوة إلى وقف فوري للعنف، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وجاءت أبرز المواقف كالتالي:

الأمم المتحدة

أصدر مكتب الأمم المتحدة في السودان في 28 أكتوبر 2025 بيانًا أكد فيه أن الهجمات التي استهدفت المدنيين في مدينة الفاشر، بما في ذلك قصف المسجد الواقع قرب معسكر أبو شوك في حي درجة أولى، تُعدّ انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني، داعيًا إلى تحقيق عاجل ومحاسبة المسؤولين عنها. وفي وقت سابق، أعربت دينيس براون، منسقة الأمم المتحدة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان، في بيان صدر من بورتسودان في 19 سبتمبر 2025، عن قلقها البالغ إزاء الهجوم الذي استهدف المسجد وأسفر عن مقتل العشرات من المدنيين أثناء أدائهم الصلاة.

وأكدت براون أن القانون الإنساني الدولي يفرض حماية أماكن العبادة والمدنيين الذين يتواجدون فيها، مشيرة إلى أن استهداف المباني الدينية عمدًا يُعد جريمة حرب. كما شددت على ضرورة التحقيق في الحادث ومحاسبة الجناة، داعية إلى تجنب استهداف المدنيين والمرافق المدنية  مثل (المنازل والمستشفيات والمدارس والمساجد) أثناء العمليات العسكرية. وأضاف البيان أن الحصار المفروض على مدينة “الفاشر” تسبب في أزمة إنسانية حادة نتيجة انقطاع الغذاء والدواء والمساعدات المنقذة للحياة، وطالبت الأمم المتحدة بـ تسهيل وصول الإمدادات والعاملين الإنسانيين إلى جميع المحتاجين دون عوائق، مجددة دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقف فوري لإطلاق النار في الفاشر ومحيطها.[9]

المفوضية السامية لحقوق الإنسان

صرّح “فولكر تورك”، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، أن ما يجري في مدينة الفاشر يشكّل “تهديدًا بمجزرة جماعية وشيكة”، محذرًا من أن المدنيين أصبحوا هدفًا مباشرًا لهجمات القوات المسلحة غير النظامية، وداعيًا إلى تحرك دولي عاجل لوقف الانتهاكات. وأوضح تورك أن المدنيين ما زالوا يتحملون العبء الأكبر من الهجمات العشوائية والموجهة في ظل تصاعد حدة المعارك في المدينة، مشيرًا إلى أنه بين 19 و29 سبتمبر قُتل ما لا يقل عن 91 مدنيًا نتيجة القصف المدفعي وضربات الطائرات المسيّرة والاقتحامات البرية التي نفذتها قوات الدعم السريع.[10]

وأضاف أن استمرار استهداف المناطق المدنية يبدو كجزء من محاولة لتهجير السكان قسريًا من المدينة، بما في ذلك نازحو معسكر “أبو شوك”. كما أشار إلى أن حي “درجة أولى”، الذي لجأ إليه عدد كبير من النازحين من معسكر “أبو شوك”، تعرّض لهجمات متكررة، من بينها هجوم بطائرتين مسيّرتين على سوق مزدحم الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى ضربة سابقة استهدفت مسجدًا وأودت بحياة ما لا يقل عن 67 مدنيًا في 19 سبتمبر. وفي 30 سبتمبر، تلقت مفوضية حقوق الإنسان تقارير موثوقة تفيد بأن 23 مدنيًا على الأقل قُتلوا بعد قصف مطبخ مجتمعي في حي أبو شوك، مما يعكس استمرار نمط الهجمات المتعمدة ضد المدنيين والمرافق الإنسانية في المدينة.[11]

منظمة العفو الدولية

أدانت المنظمة في بيانها الصادر يوم 28 أكتوبر 2025 “الجرائم المروّعة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في الفاشر”، مطالبةً بفرض عقوبات دولية موجّهة ضد قادة الدعم السريع وفتح تحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية في الانتهاكات التي قد ترقى إلى جرائم حرب.[12]

الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي

وصفت الولايات المتحدة الوضع في الفاشر بـ”الهُرّوء” أو “horrors” بعد سيطرة قوات الدعم السريع RSF، ودعا مُشرّعون أمريكيّون إلى ردّ فعل سريع من واشنطن و أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن “صدمتها من التقارير الواردة من الفاشر”، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار ومساءلة المسؤولين عن الجرائم ضد المدنيين. وفي قرار سابق، أعلنت الولايات المتحدة رسميًا أن قوات الدعم السريع RSF ارتكبت أعمال إبادة جماعية في السودان، وفرضت على ذلك عقوبات، ما يعكس جدّية واشنطن تجاه الانتهاكات المرتبطة بهذا الصراع.[13]

أما الاتحاد الأوروبي، فقد أصدر بيانًا في بروكسل أكد فيه أن “سقوط الفاشر يمثل تصعيدًا خطيرًا في النزاع السوداني”، ودعا إلى فرض عقوبات على الجهات التي تعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى دارفور.

روسيا

أصدرت Ministry of Foreign Affairs of the Russian Federation وزارة الخارجية الروسية بيانًا في 29 أكتوبر 2025 أعبرت فيه عن قلق عميق بشأن التقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان في الفاشر، ووصفت استخدام العنف وأكدت روسيا أنها تدعو إلى “تسوية سلمية للنزاع في السودان” و ضرورة بدء عملية سياسية كاملة تراعي مواقف جميع الأطراف السودانية ضد المدنيين بأنه غير مقبول ويخالف القواعد المعترف بها دوليًا.[14]

بريطنيا:  صرحت وزير  خارجية بريطانية أن تقدم قوات الدعم السريع في مدينة الفاشر بالسودان له تأثير مروع ومدمر على المدنيين العواقب الإنسانية كارثية في مدينة الفاشر بالسودان.[15]

  1. ردود الفعل الإقليمية

في الإطار الإقليمي، جاءت المواقف متباينة بين الإدانة القوية للانتهاكات والدعوة إلى حلّ سياسي يضمن وحدة السودان، وشملت أبرز ردود الفعل ما يلي:

الاتحاد الإفريقي

في بيان رسمي بتاريخ 27 أكتوبر 2025، أعرب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي عن “قلقه العميق إزاء الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي في الفاشر”، داعيًا إلى وقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية آمنة. كما أشار البيان إلى احتمال تشكيل لجنة تحقيق إفريقية مستقلة لمتابعة الوضع في دارفور.[16]

جامعة الدول العربية

أصدرت الجامعة بيانًا عبر أمينها العام في 29 أكتوبر 2025 أعربت فيه عن إدانتها الشديدة للهجمات ضد المدنيين في الفاشر، ودعت إلى حماية وحدة السودان وسلامة أراضيه، مؤكدة دعمها لأي جهود إقليمية أو دولية تهدف إلى إنهاء الصراع.

جمهورية مصر العربية

أعربت مصر عن “بالغ قلقها من تدهور الوضع الإنساني في دارفور”، وأكدت أنها تتابع بقلق تطورات الفاشر نظرًا لقربها من الحدود الغربية المصرية، مجددة دعوتها لوقف إطلاق النار والحفاظ على وحدة السودان. وجدّدت مصر تأكيد موقفها الثابت الرافض لأي محاولات لتقسيم السودان، وذلك بعد أيام من استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في إقليم دارفور من قبضة الجيش السوداني. وأكد وزير الخارجية بدر عبد العاطي هذا الموقف خلال اتصال هاتفي مع ماساد بولوس، كبير مستشاري الولايات المتحدة لشؤون إفريقيا، في ظل التدهور السريع في الأوضاع الأمنية والإنسانية بمدينة الفاشر. وجاء استيلاء قوات الدعم السريع على المدينة بعد أكثر من ثمانية عشر شهرًا من الحصار الذي تخلله إغلاق الطرق ومعارك عنيفة، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين خلال الأيام الماضية، وسط تقارير عن عمليات قتل جماعي وانتهاكات ذات طابع عرقي.[17]

تُظهر ردود الفعل الدولية والإقليمية على سقوط مدينة الفاشر إجماعًا واسعًا على إدانة الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، مع تزايد التحذيرات من كارثة إنسانية تماثل مأساة دارفور عام 2003. ركزت المواقف الأممية والغربية على البعد الإنساني والقانوني، مطالبةً بتحقيقات دولية ومحاسبة مرتكبي الجرائم، بينما اتسمت المواقف الإقليمية، خصوصًا من الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومصر، بالحذر والتركيز على الدعوة إلى وقف إطلاق النار والحفاظ على وحدة السودان. يعكس هذا التباين بين الخطاب الدولي والإقليمي حدود التأثير في مسار الأزمة، حيث يغلب على المواقف الإقليمية الطابع الدبلوماسي والوساطي، في حين تتجه القوى الغربية نحو تصعيد الضغوط والعقوبات، ما يشير إلى احتمال تدويل أكبر للأزمة إذا استمر التدهور الميداني والإنساني.

ثالثا: الخريطة التفاعلية في السودان وأهمية مدينة الفاشر لكلا من قوات المسلحة وقوات الدعم السريع

  1. أهمية دارفور ومدينة الفاشر بالنسبة للقوات المسلحة السودانية (SAF)

تُعدّ مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، ذات أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة للقوات المسلحة السودانية على المستويات الجغرافية والعسكرية والسياسية والاقتصادية.

3

 فمن الناحية الجغرافية، تقع الفاشر عند مفترق طرق حيوي يربط الخرطوم ببقية ولايات دارفور وصولًا إلى الحدود التشادية والليبية، ما يجعلها محورًا رئيسيًا لحركة الإمدادات العسكرية والتجارية نحو غرب السودان. وتمثّل المدينة بوابة الجيش إلى دارفور وآخر مركز حضري كبير ظل خاضعًا له قبل سقوطه في أكتوبر 2025.[18]

من الناحية الاستراتيجية والعسكرية، كانت الفاشر تُعدّ خط الدفاع الرئيسي للجيش السوداني في دارفور، إذ تضم مقر الفرقة السادسة مشاة، وهو أحد أكبر التشكيلات العسكرية في الإقليم. وقد شكّل وجود هذه القاعدة رمزًا للشرعية والسيادة الحكومية في غرب السودان، مما جعل فقدانها يُعدّ ضربة معنوية وعسكرية كبرى للجيش، ليس فقط بسبب قيمتها العسكرية، بل أيضًا لما تمثّله من مركز إداري وسياسي محوري في بنية الدولة السودانية.

 أما من الناحية السياسية والرمزية، فقد كانت السيطرة على الفاشر بالنسبة للجيش تعني الحفاظ على وجود الدولة في دارفور ومنع تفكّكها، في حين أن سقوطها مثّل نقطة تحوّل في الصراع، إذ فتح الباب أمام سيطرة قوات الدعم السريع على كامل الإقليم، وهو ما اعتُبر تهديدًا مباشرًا لوحدة السودان وسيادته الوطنية.[19]

من الناحية الاقتصادية، دارفور منطقة غنية بالموارد الطبيعية مثل الذهب، والصمغ العربي، والثروة الحيوانية، وكانت تساهم بنحو 25% من صادرات السودان قبل الحرب. سيطرة الجيش على هذه المنطقة كانت تعني الحفاظ على مصدر تمويل مهم للدولة المركزية في الخرطوم.

  1. أهمية دارفور ومدينة الفاشر بالنسبة لقوات الدعم السريع

بالنسبة لقوات الدعم السريع، فتُمثّل دارفور، وخاصة الفاشر، قلب نفوذها الجغرافي والتاريخي، إذ نشأت هذه القوات من ميليشيات الجنجويد التي تم تجميعها في الإقليم خلال حرب دارفور (2003–2009) ومن الناحية الجغرافية، تُعدّ الفاشر هدفًا استراتيجيًا لأنها تقع في منتصف الإقليم، وتربط بين الجنوب (نيالا) والشمال (مليط وكتم)، إضافة إلى قربها من الحدود مع تشاد وليبيا، ما يسمح بفتح ممرات تهريب وإمداد للأسلحة والوقود والذهب.[20]

اقتصاديًا، السيطرة على دارفور تمنح قوات الدعم السريع تحكمًا مباشرًا في مناجم الذهب الكبرى مثل جبل عامر ومناطق مليط والجنينة، والتي تُعدّ من أبرز مصادر تمويلها. وقد أشارت تقارير Human Rights Watch وReuters إلى أن RSF تستخدم هذه الموارد لشراء السلاح والطائرات المسيّرة عبر شبكات تهريب تمرّ بدول جوار إقليمية.

استراتيجيًا، سقوط الفاشر منح قوات الدعم السريع RSF هيمنة عسكرية شاملة على كامل دارفور للمرة الأولى منذ تأسيسها، ما مكّنها من نقل قواتها وعتادها بسهولة بين ولايات الغرب، وفتح ممرات جديدة باتجاه شمال كردفان والخرطوم. كما سمح لها بتثبيت قواعد جوية صغيرة لاستخدام الطائرات المسيّرة الإماراتية الصنع في تنفيذ ضربات دقيقة ضد أهداف الجيش السوداني.[21]

من الناحية الرمزية والسياسية، السيطرة على الفاشر منحت قوات الدعم السريع ما اعتبرته “نصرًا استراتيجيًا” يُظهر قدرتها على تحدي الجيش النظامي في معاقله التقليدية، ورسّخت مكانتها كقوة موازية تسعى إلى فرض نفوذها على كامل التراب السوداني.

رابعا: جهود الوساطة الدولية والإقليمية للسلام في السودان .

  1. الجهود المصرية لحل أزمة السودان

منذ اليوم الاول لاندلاع الحرب في السودان، دعت كل من مصر  مشاركة مع المملكة العربية السعودية إلى عقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين الدائمين بجامعة الدول العربية لمتابعة تطورات الوضع المتازم بين القوي السياسية في السودان ، وقد عُقد هذا الاجتماع في 6 مايو 2023، قبل نحو أسبوعين من موعد انعقاد القمة العربية بالسعودية في 19 مايو 2023، وترأست مصر اجتماعات الجامعة العربية باعتبارها رئيسة الدورة لمجلسها، وبحث وزراء الخارجية العرب بهذا الاجتماع، مساعيهم لاتخاذ موقف عربي موحد لحل الأزمة السودانية والحفاظ على الهدنة الخاصة بوقف إطلاق النار بين طرفي الأزمة.

 وأوضح الرئيس “عبد الفتاح السيسي” أن مصر بادرت فور اندلاع الأزمة في السودان، باستقبال مئات الآلاف من السودانيين الذين انضموا إلى ما يقرب من خمسة ملايين مواطن سوداني يعيشون فوق الأراضي المصرية منذ سنين عدة. كما قدمت الحكومة المصرية، مساعدات إغاثية عاجلة تضمنت مواد غذائية، ومستلزمات طبية للمواطنين السودانيين المتضررين من النزاع داخل الأراضي السودانية. وأوضح الرئيس أن مصر ستعمل على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، المقدمة من الدول المانحة للسودان عبر الأراضي المصرية وذلك بالتنسيق مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية.[22]

بالإضافة إلى الجهود التي قامت بها مصر بشكل مباشر، كانت مصر ضمن إطار الوساطة الرباعية الذي ضم السعودية والإمارات والولايات المتحدة، بهدف حفظ السلام واستقرار السودان. أي أن جهود مصر لم تكن منفردة، بل جزءاً من تنسيق مشترك بين الدول الأربع لتحقيق أهداف الوساطة ووقف الصراع.

  1. الوساطة الرباعية لحل السلام في السودان

 هي إطار وساطة يجمع مصر، السعودية، الإمارات، والولايات المتحدة بهدف المساهمة في تسوية الصراع في السودان. تهدف إلى وقف القتال، ضمان وصول المساعدات الإنسانية، والانتقال لاحقاً إلى حكم مدني شامل.

  • الإطار الرباعي يجمع أربع دول: مصر، السعودية، الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة. من حيث التوقيت، البيان المشترك صدر في 12 سبتمبر 2025، حيث أعلن وزراء الخارجية للدول الأربع “خارطة طريق” نحو السلام في السودان. لكن الوساطة أو الاهتمام الرباعي بموضوع السودان بدأ من قبل هذا التاريخ أيضاً، ففي أبريل 2023 تم الإبلاغ بأن السعودية انضمت إلى جهود وساطة تضم الولايات المتحدة والإمارات ومصر لوقف النزاع في السودان. [23]

الدول الأعضاء ودور كل منها في الوساطة الرباعية:

  1. الولايات المتحدة الأمريكية:

كانت الولايات المتحدة المحرك الرئيسي لإنشاء إطار الوساطة الرباعية. قامت بدعوة الدول الأخرى للمشاركة، ووضعت ملامح خارطة الطريق، كما تولت قيادة المشاورات الوزارية التي سبقت الإعلان الرسمي للبيان المشترك في سبتمبر 2025. كما ضمنت واشنطن تمويل الدعم اللوجستي والمساعدة الفنية لضمان متابعة خطوات الوساطة، مع التركيز على الوقف الفوري للقتال والحفاظ على استقرار السودان سياسياً وإنسانياً.[24]

  1. الإمارات العربية المتحدة:

وقّعت الإمارات على البيان المشترك كأحد أعضاء الرباعية، وشاركت في جهود الوساطة من خلال الاجتماعات المشتركة مع بقية الدول. لكنها واجهت انتقادات بسبب اتهامات بدعم قوات الدعم السريع (RSF)، وهو ما أثار مخاوف حول حياديتها في العملية. ومع ذلك، لعبت الإمارات دوراً مهماً في التنسيق اللوجستي والسياسي بين الأطراف المختلفة، وتقديم تسهيلات لعقد الاجتماعات واللقاءات بين الوسطاء والدبلوماسيين السودانيين.[25]

  1. مصر:

 شاركت مصر كعضو فاعل في الرباعية، مستندة إلى مصالحها الاستراتيجية في السودان مثل نهر النيل والحدود المشتركة. دعمت الوساطة من خلال استضافة منتدى القوى المدنية والسياسية السودانية في القاهرة يوليو 2024، والذي شكل منصة لتبادل الآراء مع الأطراف السودانية المختلفة. كما لعبت مصر دوراً في ربط جهود الوساطة الرباعية بالمصالح الإقليمية والاستقرار الأمني للمنطقة، مساعدة في تقديم رؤية عربية متوازنة ضمن العملية الدولية.[26]

  1. السعودية:

تعتبر السعودية من الدعائم الأساسية للوساطة الرباعية، إذ استضافت عملية “جدة للوساطة” التي هدفت إلى التفاوض بين الجيش السوداني (SAF) وقوات الدعم السريع (RSF) من أجل هدنة دائمة ووقف القتال. وقدمت دعمًا سياسيًا ولوجستيًا للوساطة، وسعت لتوحيد المواقف بين الدول الأربعة لتجنب التناقضات الخارجية، مع التركيز على البعد الإقليمي للأزمة، خصوصاً على أمن البحر الأحمر وحدود المملكة، وأهمية ضمان وصول المساعدات الإنسانية.[27]

  • أهميّة هذا الإطار

يمثّل محاولة توحيد جهود عربية وإقليمية ودولية تحت مظلة وساطة مشتركة بدلاً من جهود متفرقة وغير منسقة. هذا يُعزّز احتمال الوصول إلى نتائج ملموسة. يعكس الاعتراف بأن الحل العسكري في السودان غير قابل للاستمرار فقد قالت الدول الأربع إنه “لا حلّ عسكرياً” للصراع. يربط بين البعد الإنساني (الوصول للمساعدات، الحماية المدنية)، والبعد السياسي (انتقال إلى حكومة مدنية، عملية انتقال شاملة)، والبعد الإقليمي (أمن البحر الأحمر، حدود السودان، تأثير النزاع على الجوار).[28]

  • الأهداف والخطوات المقترحة: في البيان المشترك 12 سبتمبر 2025:
    • هدنة إنسانية مدتها 3 أشهر كخطوة أولى.
    • تليها هدنة دائمة ووقف دائم للأعمال العدائية.
    • ثم فترة انتقالية مدتها 9 أشهر تقريباً لتحقيق حكم مدني شامل، تشارك فيه القوى السودانية كافة.

كما تم التأكيد على المبادئ التالية:

  • سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه.
  • تسهيل وصول المساعدات الإنسانية بسرعة ودون عوائق.
  • عدم وجود حل عسكري للنزاع.[29]

التأثيره المحتمل للوساطة:

توحيد الموقف بين أربع قوى رئيسية (مصر، السعودية، الإمارات، والولايات المتحدة)، وهو ما لم يكن متحققاً بشكل كامل من قبل، ما يمنح مزيداً من الزخم للوساطة. تركيز الرباعية على البُعدين الإنساني والسياسي وليس فقط العسكري، ما يعكس فهماً أشمل للصراع في السودان، ويساهم في تقديم حلول أكثر استدامة.

التحديات التي تحدّ من فعالية الوساطة:

  • الأطراف السودانية (الجيش وRSF) لم تظهر إقبالا فورياً أو التزاماً تاماً بخارطة الطريق، ما يضع تنفيذ الوساطة في دائرة الشك.
  • بعض الدول الأعضاء لديها علاقات دعم مع أطراف متنازعة في السودان ، ما قد يُقوّض حياد الوساطة أو يُربك جهودها.
  • الظروف الميدانية في السودان لا تزال صعبة جداً: القتال مستمر، الأوضاع الإنسانية متدهورة، والوضع السياسي معقّد جداً، ما يجعل التنفيذ العملي للاتفاقات المقترحة أصعب.[30]

خامساً: السيناريوهات المستقبلية المحتملة للأزمة السودانية.

السيناريو الأول: هدنة دائمة وتحول سياسي مدني

في هذا السيناريو، تنجح الوساطة الرباعية في إقناع الجيش وقوات الدعم السريع بوقف دائم للأعمال العدائية، مع الالتزام بخارطة الطريق الانتقالية. يسمح هذا السيناريو بوصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل، وبدء عملية إصلاح مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش والقضاء والإدارة المدنية. يمكن أن يؤدي هذا إلى تشكيل حكومة مدنية شاملة تشارك فيها القوى السودانية كافة، ما يقلّل من حدة الصراع ويثبت استقراراً نسبياً في السودان على المدى المتوسط. والعوامل المؤثرة: ضغط المجتمع الدولي، الدعم الإقليمي المتواصل، التزام الأطراف السودانية، ونجاح آليات مراقبة الالتزام بالهدنة.  ولكنه ضعيف الحدوث

السيناريو الثاني: استمرار النزاع وانقسام السودان فعلياً

يفشل الطرفان في الالتزام بالهدنة بسبب فقدان الثقة أو المصالح الاقتصادية/السياسية، ما يؤدي إلى استمرار القتال. قد يتطور النزاع إلى تقسيم غير رسمي للبلاد، بحيث تسيطر قوات الدعم السريع على دارفور وغرب السودان، بينما يحتفظ الجيش بمناطق الشرق والوسط، مع ظهور سلطة موازية في كل منطقة. يزيد هذا السيناريو من أزمة النازحين ويهدد وحدة السودان وسيادته، ويعقد الجهود الإنسانية والسياسية الإقليمية والدولية. العوامل المؤثرة: الانتهاكات المستمرة، ضعف القدرة على فرض مراقبة دولية، تدخلات خارجية متضاربة، واستمرار التمويل العسكري لأطراف النزاع.

السيناريو الثالث: تدخل إقليمي دولي أوسع

في حال فشل الوساطة الرباعية، قد تتدخل قوى إقليمية أو دولية أكبر (مثل الاتحاد الأوروبي، روسيا، أو مجلس الأمن الدولي) لتطبيق ضغوط قوية أو حتى فرض إجراءات عقابية. يمكن أن يشمل التدخل فرض مناطق حظر جوي، عقوبات مالية، دعم مباشر لقوى معينة، أو تمويل بعثة مراقبة واسعة. هذا السيناريو يحمل مخاطر تصعيد أوسع، لكنه قد يحد من الانتهاكات الإنسانية ويجبر الأطراف على التفاوض.و العوامل المؤثرة: دعم المجتمع الدولي الموحد، قدرة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي على التنسيق، وتعاون القوى المحلية في الالتزام بالضغوط الدولية.

وختاما: تشير التطورات الأخيرة في السودان، خصوصاً سقوط مدينة الفاشر وسيطرة قوات الدعم السريع على دارفور، إلى أن الصراع تحول من خلاف سياسي وعسكري إلى أزمة شاملة تهدد وحدة الدولة واستقرارها الإقليمي، مع آثار إنسانية كارثية شملت نزوح الملايين وانتهاكات جسيمة لحقوق المدنيين. في هذا السياق، شكلت الوساطة الرباعية بين مصر والسعودية والإمارات والولايات المتحدة محاولة مهمة لتوحيد الجهود الدولية والإقليمية لوقف القتال وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، فضلاً عن تمهيد الطريق نحو انتقال سياسي مدني شامل، إلا أن نجاحها يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالتزامات الأطراف السودانية وتعقيدات العلاقات الخارجية والدعم العسكري لبعضها. يظل المستقبل السوداني معلقاً بين إمكانية تحقيق هدنة دائمة وتحول سياسي مستقر، أو استمرار النزاع مع خطر الانقسام الفعلي، مما يجعل تنسيق الجهود الدولية والإقليمية وحماية المدنيين أمراً حاسماً لتخفيف المعاناة وإرساء أسس السلام والاستقرار طويل الأمد في البلاد.


[1] “Sudan army withdraws from Darfur’s el-Fasher, UN warns of RSF atrocities ”، 28 Oct 2025، https://www.aljazeera.com/news/2025/10/28/sudan-army-announces-withdrawal-from-el-fasher-un-warns-of-rsf-atrocities?utm.com.

[2] “Sudan: Mass Atrocities in Captured Darfur City” ،October 28, 2025،Human Rights Watch، https://www.hrw.org/news/2025/10/29/sudan-mass-atrocities-in-captured-darfur-city?utm.com

[3] “RSF killed at least 91 in besieged Darfur city last month: UN”، 2 Oct 2025،ahram online، https://english.ahram.org.eg/News/554271.aspx?utm_.com.

[4] “Sudan’s RSF commits ‘myriad crimes against humanity’: UN probe”، 06 September, 2025، The Newe Arab، https://www.newarab.com/news/sudans-rsf-commits-myriad-crimes-against-humanity-un-probe?utm_com.

[5] “HUMAN SECURITY EMERGENCY El-Fasher Falls to RSF: Evidence of Mass Killing”، 27 October 2025،  https://files-profile.medicine.yale.edu/documents/876b4afc-e1da-495b-ac32-b5098699a371?utm_.com.

[6] “Sudan army withdraws from Darfur’s el-Fasher, UN warns of RSF atrocities” 28 Oct 2025، https://www.aljazeera.com/news/2025/10/28/sudan-army-announces-withdrawal-from-el-fasher-un-warns-of-rsf-atrocities?utm_.com.

[7] “Sudan: Growing concern about atrocities committed in Darfur capital”، 30 October،2025  africa news، https://www.africanews.com/2025/10/29/sudan-growing-concern-about-atrocities-committed-in-darfur-capital//?utm.com.

[8]“El Fasher Falls: What It Means for the Future of Sudan’s War “،October 29, 2025، https://horninstitute.org/el-fasher-falls-what-it-means-for-the-future-of-sudans-war/?utm_.com.

[9] “Stop the atrocities in Darfur: Civilians must be protected”، https://sudan.un.org/en/301877-stop-atrocities-darfur-civilians-must-be-protected?utm_.com.

[10] “ Türk calls for urgent action to protect civilians and prevent large-scale atrocities in El Fasher”، 02 October 2025 ، https://sudan.un.org/en/302592-t%C3%BCrk-calls-urgent-action-protect-civilians-and-prevent-large-scale-atrocities-el-fasher?utm_.com.

[11] Ibd.

[12] “Sudan: RSF must end attacks and further suffering of civilians in El Fasher”، 28 October 2025، https://www.amnesty.org/en/latest/news/2025/10/sudan-el-fasher/?utmcom.

[13] “ US lawmakers want response after Sudan ‘horrors’ by paramilitaries”، October 30, 2025، Reuters ، https://www.reuters.com/world/africa/us-lawmakers-want-response-after-sudan-horrors-by-paramilitaries-2025-10-29/?utm.com.

[14] “Russian Foreign Ministry expresses concern over situation in Sudan’s El-Fasher”، 29.10.2025،  https://afrinz.ru/en/2025/10/russian-foreign-ministry-expresses-concern-over-situation-in-sudans-el-fasher/?utm%20 com.

[15]  تصريح وزيرة الخارجية البريطانية، القاهرة الاخبارية. متاح علي الرابط التالي: https://alqaheranews.net/news/146177/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%A3%D9%84%D9%81-%D9%86%D8%A7%D8%B2%D8%AD-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B4%D8%B1،

[16] “The Chairperson  of the African Union Commission Condemns Atrocities in El Fasher, Sudan”، October 27, 2025، The African Union ، https://au.int/ar/node/45547?utm_.com.

[17]“ Egypt reiterates rejection of Sudan division schemes amid escalating crisis in Darfur”، 30 Oct 2025، https://www.egypttoday.com/Article/1/143147/Egypt-reiterates-rejection-of-Sudan-division-schemes-amid-escalating-crisis?utm.com.

[18] “ The military, economic and humanitarian consequences of the RSF’s control of Mellit, North Darfur”، March 1, 2024 ، https://sudantransparency.org/the-military-economic-and-humanitarian-consequences-of-the-rsfs-control-of-mellit-north-darfur/?utm_.com.

[19] “ Sudan army withdraws from Darfur’s el-Fasher, UN warns of RSF atrocities”، https://www.aljazeera.com/news/2025/10/28/sudan-army-announces-withdrawal-from-el-fasher-un-warns-of-rsf-atrocities?utm.com.

[20] Joshua Craze and Raga Makawi ، “THE REPUBLIC OF KADAMOL

A Portrait of the Rapid Support Forces at War ” ، https://www.smallarmssurvey.org/sites/default/files/resources/SAS-HSBA-Briefing-Paper-2025-RSF-EN.pdf?utm_com.

[21] Ipd.

[22]  الازمة السودانية محطات رئيسية، 24 سبتمبر،2025، الهئية العامة للاستعلامات، متاح علي الرابط التالي: https://sis.gov.eg/ar/%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%AD%D8%B7%D8%A7%D8%AA-%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3%D9%8A%D8%A9/.

[23]  المرجع السابق.

[24]“ Joint Statement on Restoring Peace and Security in Sudan””، 12/9/2025  https://www.mofa.gov.ae/en/MediaHub/News/2025/9/12/12-9-2025-UAE-Sudan?utm.com

[25] “ US, Saudi Arabia, UAE, Egypt propose roadmap for Sudan peace”، Sep 12, 2025، https://www.al-monitor.com/originals/2025/09/us-saudi-arabia-uae-egypt-propose-roadmap-sudan-peace?utm_.com.

[26] Ibd،  Joint Statement on Restoring Peace and Security in Sudan.

[27] “US, Egypt, Saudi, UAE press Sudan rivals for ceasefire and aid access”، September 12,

2025  ، https://thesudantimes.com/sudan/us-egypt-saudi-uae-press-sudan-rivals-for-ceasefire-and-aid-access/?utm_.com.

[28]Ibd، US, Egypt, Saudi Arabia and UAE put forward roadmap for peace in Sudan.

[29] “ Egypt, Saudi Arabia, UAE, US call for 3-month truce in Sudan, followed by 9-month transitional period to end ongoing civil war”، Sat, 13 Sep 2025، https://www.egypttoday.com/Article/1/142238/Egypt-Saudi-Arabia-UAE-US-call-for-3-month-truce?utm_.com.

[30] “ Quad Diplomacy and Sanctions: Washington’s Strategic Play in Sudan”، Suilman Baldo، https://sudantransparency.org/wp-content/uploads/2025/09/NewUSPolicyEN.pdf?utm_.com.

باحث في العلاقات الدولية بمركز ترو للدراسات والتدريب

الدور الصيني في التنمية الاقتصادية الأفريقية بين الإعفاءات الجمركية والتوسع الاستراتيجي في عصر المنافسة العالمية
التحول في الاستراتيجية التركية في ليبيا بعد عام 2020 أولوية النفوذ السياسي على العسكري
زيارة الشرع للبيت الأبيض المخرجات والتداعيات الداخلية والإقليمية للزيارة
الفراغ الجيوسياسي في الساحل الإفريقي: قراءة في تراجع الدور الفرنسي وصعود الفاعلين الجدد
جولة ترامب الآسيوية
Scroll to Top